|
العلم والدين
يوسف السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 3845 - 2012 / 9 / 9 - 13:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ان العلاقة بين العلم والدين هي علاقة تضاد وتخالف , وان اكبر اكاذيب الكهنة حول عدم وجود خلاف بين الدين والعلم لا تقوم على اي اساس منطقي بل مجرد ادعاء اعلامي ينساق خلفه العامة من الناس لدرجة جعلتهم يصدقون ان النصوص الدينية مرجع علمي تحت اكاذيب الاعجاز العلمي وغيرها , سوف نقوم بتضيح وبيان سبب ذلك بشكل ضمني و تاريخي .
لا نستطيع ان نفصل مضمون هذا القضية عن وقت تشكلها التاريخي ذلك ان المعرفة بطبيعتها تشكل ونمو صوب الصواب وفق حركة جدلية تبدأ باليقين الحسي لكي تصل العقل وطريقة تحليلاها للامور الموضوعية , بحيث تعتمد على الافكار السابقة فتنقحها وتاتي بغيرها والعجيب ان اول ظواهر دراسة الطبيعة او معرفتها بدأت بالدين او الاساطير ذلك ان العقل البشري عند بلوغه درجة الوعي بالطبيعة اخذ يتفكر عن سبب وجود الطبيعة وتفسير ظواهر الطبيعة وعلاقته بها ايضا ولكن لضعف المعرفة عنده ولحاجته للاجوبة حول الاسئلة الكبرى افترض اجوبته المثالية والتي تم توريثها وتعديلها اعتمادا على الثقافات والجغرافيا لكي تصل الى شكله الحالي المتمثل بالاديان , لقد انسلخ الفكر البشري منذ نشاته نحو مركزية الذات من اعتبار وجود الامطار من اجل الذات ولها اله او قوة خارقة تسببها وكذلك اله الملح او اله الريح او اله الشمس وما الى ذلك ولا نستطيع ايضا ان نفصل تلك الامور عن الحاجة الفيسيولوجية "من تحليلات فيورباخ الى فرويد.. الخ" (وهذا موضوع لن نذكره هنا ..وسوف نحاول ذكره بمقال اخر) ان الاديان الابراهيمية الثلاث وما قبلها نظرت الى الطبيعة على انها اداة لا تملك طاقة ذاتية بل هي مجرد كيان خامل وساكن لا يملك اي قوة وجلعت الاصل في تلك الاشياء الخمول وهذا باستقرائها حول ما صنعه الانسان البدائي من رمح وسيف وملابس وكرسي ..فتلك الاشياء لم توجد الا بعد وجود مصمم لها كما انها خاملة ولا تتحرك الا بوعي ....فنظر الانسان للطبيعة على انها مصممة ولا تملك اي قوة ذاتية الا عبر امر خارجي , بمعنى ان الطبيعة يسبقها وعي لانها مصممة , وانها لا تملك قوة ذاتيه بل هي تتحرك وفق اوامر ميتافيزيقية . الدين اذا ينطلق من المطلق لتفسير الظواهر الكونية , ينطلق من فرضية لتفسير الوجود بل ويثبت ذلك التصور عبر تلاعبات كلامية و معرفية تجعل طريقة الاثبات تنطلق من تصور محض الى وجود مطلق بشكل مفاجئ ! , ان الحق وفق الدين هو كطلقة المسدس او العملة المعطاه تاتي دفعة واحدة دون اي دليل يذكر ومن ثم يتم تفسير كل ما تحته اعتمادا على الاساس "الله" فيصبح الكون مخلوقا ومصمما لانه يوجد "خالق" و "مصمم" ولكن دون اي اثبات لوجود هذا الاله اصلا . العلم ينظر نظرة مخالفة تماما للدين فالعلم ينطلق اولا من الجزئي نحو الشمولي وفق حركة نمو طبيعية جدلية , كما انه لا يفترض شيئا على الموضوع بل يجعل الموضوع هو الذي يتحدث ويسلم بوجود هذا الموضوع كما يسلم بخصائصه او قوته الداخلية لانها لست شئ مسقط عليه بل هي جزء منه ومن اساس وجوده على عكس الدين ذلك ان الدين بالاساس وبالبداية يفترض ان الموضوع هو مخلوق و مصمم ويسلم ان خصائص الموضوع ايضا مصممة ....وهو هنا يفصل اساسا بين خصائص الشئ والشئ نفسه حتى في قضية الخلق ذاتها وهذا التفكير ليس صدفة بل هو نتيجة تاثير نفسي واجتماعي بعلاقات الانسان بما يصنع من ادوات او جوامد بمعنى انه نظر الى نفسه والى الطبيعة وقارنها بما صنعه من اشياء واستنتج ان هنالك اختلاف كبير بين الطبيعة الانسان وبين الجوامد لان الاخير تبقى ساكنة اما "انا" والطبيعة فلنا قوة داخلية ...فاضاف عوامل ميتافيزيقية "الروح" و "الاوامر المسلطة على الطبيعة" التي تفسر حركتها ..اي انه افترض وجود تلك الاشياء الميتافيزيقية باعتبارها اساسا لخصائص الشئ وكانها لم تكن تمتلكها !!! , اما العلم فقد فسر تلك الامور وفق المناهج السليمة فالعلم لا يفترض شئ ويسلطه على الموضوع كما انه يعي جيدا ان الشئ وخصائصه يمثلان شئ واحدا ...فلا يوجد الشئ نفسه دون خصائصه ولا توجد خصائصه دونه ...انه مبدأ الضرورة ..فمثلا ان تحدثنا عن نظرية التطور فان العلم يعي ان ذلك السلوك هو نتيجة قوانين وتفاعلات كيميائية تصبح حتمية وضرورية ان وجودت شروطها الطبيعية فلا عبث هنا ولا احتمالات بل ضرورة , اما النظرة الدينية فانها تفسر ان التطور لم يحدث الا برعاية خارجية لها , وسبب ادعائه هو نظرته الاهوتية لقوانين الطبيعة فهو يعتبرها شئ مسقط من الخارج ومن ثم يثبت بها انها تدل على الله وهو اساسا انطلق من تلك الفرضية ! ولكن العلم يبين ان قوانين الطبيعة جزء من الطبيعة ذاتها ....فلا يكون الالكترون الكترونا الا و له مجال كهربائي ..انها كينونة واحدة تمثل الوجود وخصائص الوجود ...ووفق نظريات الفيزياء الحديثة فان العلم اخذ ينطلق نحو تفسيرقوانين الطبيعة طبيعيا وحتى تفسير الزمكان بوصفه ليس اساسا للظواهر بل نتيجة فمعادلات نظرية Quantum loop gravity تبين ان الزمكان مشتق رياضيا اي ان المعادلات تنطلق دونه وتنتهي بوجوده وهذه قوة العلم بتفسير الظواهر الطبيعية وفق الطبيعة ذاتها والانطلاق صوب المطلق عبر الطبيعة وليس العكس وهذه بحد ذاتها وسيلة تفكير منطقية على عكس التفكير الديني .
هل يمكن اثبات وجود اي قضية ميتافيزيقية "الله ...قوة خارقة للطبيعة ....فطرة .."او اي شئ لاهوتي عبر العلم ؟؟
قطعا لا ...ذلك ان الاثبات هو بطبيعته مادي يقوم على المشاهدة والتجربة والتمحيص والاثبات الرياضي والفيزيائي ..فكيف سوف نثبت شئ خارج عن الطبيعة او شئ غير مادي وادوات الاثبات وما تحتضنه تشترط ماديته ؟ كيف تنتقل ادوات اثبات مادية من نطاقها المادي صوب الامادي ؟؟ انها مخالفة لطبيعة الادوات نفسها , فالعلم بطبيعته مادي اي انه ينطلق من الظواهر المادية ويفسرها بذاتها اي ماديا ..فالعلم او المعرفة وهي وسيلة تفسير الطبيعة تنطلق من الطبيعة للطبيعة عبر الطبيعة ذاتها واي خروج عن الطبيعة يخالف طبيعة الاثبات لان الاثبات بحد ذاته طبيعي , لناخذ مثلا نظرية الاكوان المتوازية فهي نظرية موحدة وتفسر الطبيعة ولكنها تحتمل في طياتها شئ ميتافيزيقي لن نعلم به فكيف نقيس شئ خارج كوننا وبقوانين اخرى ؟ ولكنها ليست مثل الدين لانها تنطلق من الواقع وتفسر الواقع وتتحرك صوب المطلق برياضيات محكمة وتفسير لجميع الظواهر السابقة .. وان كانت نظريات الكوانتم كوسمولوجي تحمل في طياتها شئ ميتافيزيقي فهي تحمل شئ اثباتي عبر ما تتبنئ به ...فان كان هنالك كون اخر لن نستطيع دخوله او مشاهدته وفق تلك النظريات فانها بالقوت نفسه تحمل امتحان يثبت صحتها او لا عبر شئ مشترك بين كوننا وذلك الكون بالبحث عن السبب او الاساس في توليد الاكوان او حتى بتنبؤات حول جسيمات جديدة تستخرجها الرياضيات مثل النموذج القياسي وجسيم هيجز ..ان الرياضيات الفيزيائية قوية ومتماسكة وموثوق بها بشكل قوي ...اما الدين فهو مجرد اضافة معنى للحياة وليس من طبيعته ان يحمل التنبؤ يثبت صحته في مجال الطبيعة . اذا فالعلم اساسه مادي اما الدين فهو مثالي وهذا تناقض واضح ...فنظرة الدين للطبيعة نظرة مثالية تقوم على اضافة جوهر روحي محرك للظواهر الطبيعية من الخارج اما العلم فهو يقوم على قبول والتمحيص بالظاهر الطبيعية وتفسيرها من الداخل ومن الضرورة المنطقية لها ..
#يوسف_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المتطرف والقطيع
-
اقطاب الفلسفة الالمانية المثالية الثلاثة - هيجل , شلينغ , في
...
-
في فلسفة نيتشه
-
في مجابهة تجديد لينين
-
هيجل و كانط
-
قراءة في كتاب -تحقيقات فلسفية- (1)
-
اغتصاب الديالكتيك المادي
-
الرياضيات بين الطبيعة والروح والوعي معا
-
الروح والرياضيات والطبيعة
المزيد.....
-
-حلم بعد كابوس-.. أمريكية من أصل سوري تروي لـCNN شعور عودتها
...
-
بوتين يتوعد العدو بالندم والدمار!
-
لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك
...
-
كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أس
...
-
بين حماية الدروز وتطبيع العلاقات.. ماذا يخفي لقاء جنبلاط بال
...
-
الشرع يطمئن أقليات سوريا ويبحث مع جنبلاط تعزيز الحوار
-
الشرع: تركيا وقفت مع الشعب السوري وسنبني علاقات استراتيجية م
...
-
أمير الكويت ورئيس الوزراء الهندي يبحثان آخر المستجدات الإقلي
...
-
قديروف يتنشر لقطات لتدمير معدات الجيش الأوكراني في خاركوف
-
لوكاشينكو يدعو الشيخ محمد بن زايد لزيارة بيلاروس
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|