أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر














المزيد.....

نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3843 - 2012 / 9 / 7 - 17:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نزاع محتدم الآن على من تكون له السيادة، الكلمة الفصل والأخيرة على مصير المواطن، في مشروع الدستور المصري قيد الكتابة: الإله جل علاه من فوق سموات سبع يمثله رجاله، علماء الدين، فوق الأرض؛ أم عامة المصرين يمثلهم نوابهم المنتخبين في البرلمان؟ في مشروع الدستور المرتقب، إذا "منح" أعضاء اللجنة التأسيسية السيادة للإله، أصبح هو الآمر الناهي ومقرر المصير الحقيقي، بالطبع من خلال علماء الدين الموقرين، الوسيط الحصري للإرادة والمشيئة والشريعة الإلهية السماوية. عندئذ ينتزع من عامة المصريين بالكامل حق تقرير المصير ويسلمون ويخضعون للمشيئة والشريعة الإلهية، التي يملك مفاتيحها نفر قليل بيدهم أسرار العلم الإلهي ومفاتيح الشرائع السماوية. بسند من إله في السماء أنزل شرائع لتطبيقها بالقوة إذا لزم الأمر على العامة فوق الأرض، يمارس رجال الدين حكم أقلية على الأغلبية. إرادات بشرية تتحكم وتحكم مستترة وراء إرادة وشريعة إلهية مزعومة، لا تعترف بالإرادة الجمعية، إرادة العامة، الأمة، إلا في ما يخص الخضوع والتسليم والانصياع لما تنطق به نقلاً واقتباساً وقياساً عن هذه الإرادة والشريعة الإلهية المزعومة. الأمة، في هذا التصور الديني، في موقع المفعول به دائماً، لا تتبوأ الفاعل أبداً إلا حينما تكون تنفذ أوامر ونواهي وأحكام شريعة الإله من أمخاخ وأفواه كهنته. أمة مؤمنين ساجدين راكعين عابدين طائعين متقين دون أي حق في تقرير المصير، مصيرهم أنفسهم.

الثلاثية القديمة- الإله، الكهنة، العامة- (الله، العلماء به، المسلمين له) قد ظلت طوال آلاف السنين ملازمة لمخيلة وحياة البشر في كل مكان وزمان حول العالم، مؤثرة على تصوراتهم لأنفسهم والكون حولهم، وعلى كيفية تنظيمهم لأحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية...الخ. على مر العصور، كان دائماً مكان الإله يحتله عنوة أصحاب القوة المسلحة والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي، وكان رجال المعبد والكتاب والقلم والبخور والطقوس والشعائر والفقه والعبادات هم الوسطاء السماسرة بين الحاكم صاحب القوة على طرف والعامة المغلوبين على الطرف المقابل. هؤلاء العامة المقهورين لم يكن لهم أي رأي أو إرادة أو اختيار أو مشيئة أو رغبة في الحكام الذين يولون وينصبون أنفسهم بأنفسهم بقوة السلاح؛ كذلك لم يكن للعامة أي رأي أو اختيار فيما يتعلق بهؤلاء العلماء الكهنة، عباد الآلهة فوق السماوات التي يحتل كراسيها فوق الأرض أصحاب القوة والنفوذ. في ذلك الزمان القديم، كانت السيادة الحقيقية دائماً وأبداً في أيدي صاحب القوة الباطشة المنتصرة. من حيث الشرعية، لم يكن الأمويون ينقصون عن العباسيين أي شيء، إنما أطاح العباسيون بالأمويين بفضل قوتهم الغاشمة ونفوذهم الأكبر. في الماضي الغابر، الشرعية، ومن ثم السيادة، كانت لمن له القوة الغاشمة الغالبة المنتصرة؛ وكان أصحاب تلك القوة الغاشمة، في حقيقة الأمر، هم أصحاب الشرعية والسيادة الحقيقيين، لا العامة ولا الكهنة المدعين، ولا حتى آلهتهم المدعى بها.

ذلك الزمان، ومعه تصوراته الخاصة بالشرعية والسيادة، انتهى، ليحل محله زمن آخر حديث بتصورات أخرى حديثة حول الشرعية والسيادة. لم تعد القوة الغاشمة الغالبة على الأرض، بسند إلهي مزعوم من السماء، هي مصدر الشرعية والسيادة كما كان يعتقد. في العصر الحاضر، العامة أنفسهم، هؤلاء الذين ذاقوا الويلات على مر العصور دون أن يكون لهم الحق في تقرير مصائرهم، أصبحوا الآن هم مصدر الشرعية والسيادة والسلطة. لماذا؟ ببساطة لأن العصر الحديث يؤمن بالمساواة بين جميع البشر، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو لون البشرة أو خلافه. المواطنون دائماً متساوين في جميع الحقوق والواجبات. كذلك منظومة القيم الإنسانية العالمية الحديثة تعطي للإنسان، أي وكل إنسان، الحق في تقرير المصير- لا ولاية ولا وصاية لأحد، مهما كان ذلك الأحد، حتى لو كان إلهاً معبوداً في السماء، على مصير أحد دون رضاء وقبول ذلك الأخير. على هذه الأرضية تأسست وترسخت النظرية والممارسة الديمقراطية: كل الناس متساوين، ولكل إنسان الحق في أن يقرر مصيره بنفسه، أو عبر نائب له من اختياره. في الديمقراطية، ليس من حق الإله ولا من حق كهنته ولا من حق أي ما كان أن يقرر لأحد مصيره رغماً عنه، مهما كانت المبررات. الشرعية والسيادة انتقلت من الإله ومغتصبيه وكهنته إلى العامة. أصبحوا هم يقررون مصيرهم بأنفسهم، أو من خلال نواب لهم. عصر جديد، بمنظومة قيمية جديدة.

على الأرض، لا توجد آلهة تعيش وسط البشر. ما هناك هو أن بشر عاديين يدعون علماً وحديثاً عن آلهة. إذا نص مشروع الدستور على أن تكون السيادة لهذه الآلهة المزعومة بينما لا وجود فعلي لها على الأرض، حينئذ وحتماً سيكون العالمون بهذه الآلهة والمتحدثون باسمهما، رجال الدين، هم الحكام الحقيقيين والفعليين على الأرض. هذه، بالضبط، هي ديكتاتورية الأقلية الدينية.

إذا صح أن للآلهة نواب كما للبشر، هل يعقل أن يتساوى في القيمة والحق النائب الإلهي مع البشري؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معرفة الله...والنص
- أم عزباء أم امرأة عانس؟
- في الزواج وممارسة الجنس
- حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
- الدين والديمقراطية والاستبداد
- شهوة الجسد
- حرية الجسد
- حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
- عدل ظالم...ومساواة حرام
- مساواة في الدين؟
- بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
- مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
- يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
- الديمقراطية كفر بالله؟
- المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
- الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
- سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
- نصف إله + نصف شيطان = مساواة
- الحرية وتطبيق الشريعة


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر