|
البديهيّة والمُسلَّمة واختلاف التنوّع ..!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 3842 - 2012 / 9 / 6 - 23:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وجدتُ كثيرا من أخواننا الكتّاب لا يُميّزون بين البديهيّة وهي المفردة والمصطلح الذي يقابل بالإنكليزيّة ( Axiom ) وبين مصطلح ومفردة المُسلـّمة وهي التي تقابل ( Admission ) ــ ولست مع من يقابلها مع (Presupposition ) لأن الأخيرة هذه تفيد معنى البديهيّة كما يبدو جليا في معناها في المعجم وغالبا تعني الأفكار المسبقة وهنا نقف أمام الإختلاف موضوع مقالنا هذا ــ فالبديهيّة هي التي لا تحتاج إلى برهان وهي متّفق عليها من قبل الجميع ضمن النظام المعرفي المحدّد إذ أن هناك أنظمة معرفيّة قد لا تعترف ببديهيّة أنظمة أخرى ولكن بصورة عامّة البديهيّة هي الحقائق التي لا تحتاج إلى برهان أو إثبات . أمّا المُسلـّمة فهي لا تٌشبه البديهيّة وليست حقيقة لا تحتاج إلى إثبات بل هي حالة يصل لها المفكّر بعد أن ينظر في نظريّة فكريّة ويواصل البحث فيها والنظر في صحّتها من عدمه فإن توصّل إلىصحّتها فإنها تًصبح من المسلـّمات اي من الحقائق التي يُقرّها المنظّر ويُسلّم بها ولا تكون قبل النظر فيها، أي الحقائق بل في إثرها وكخلاصة ونتيجة للنظر فيها و يظنّ كثيرٌ من الناس أن الإنقياد هذا إنما إنقيادٌ مجرّد من القناعة والرأي والفكر ولكن لكي نوضّح شيئا من معناه نقول: أرأيت أنك إن دخلتَ على مجتمعٍ من النساء الجميلات وأخذت تتامّلهنّ واحدة بعد الأخرى وأنت مُعجبٌ ومنبهر فهل تنقادُ لهنّ جميعا؟ لا يحدث هذا في الغالب الأعم ولكنك بعد أن تتامّلهنّ برهة يقع نظرك على إحداهنّ وفي نظرةٍ أو من خلال حديث عابر أو تفاعل بسيط يبدأ إعجابك بإحداهنّ ولكنّه متميّز عن ما يحدث مع الأخريات فإن بدأت تنجذب إليها قليلا فهذا مشروع لم يتحقّق بعد وكلما حصلت وشائج اقوى فإنك تُصبح منشغلا أكثر فأكثر حتّى يحصل ما يدعونه بالوقوع في الحبّ وهو أن تُسلم لها القياد وتبدأ بالتفكير بها ليلا ونهارا وتبدو وكأنها ملأت عليك عقلك ولُبّك ! وهكذا هو الأمر مع شتّى العقائد والأفكار فإنك تنظر إليها كما تنظر إلى الزهور في البستان ولكن ما أن تقع عيناك على إحداهابشكل محدد حتّى تبدأ بالإنشغال بها وتأملها أي تنقاد لها بفعل سحر الطبيعة وحُسن الخلق وبفعل عناصر وعوامل متعددة . كذلك الأمر عندما تجد أمامك أفكارا وآراءَ عديدةً فإنك لا تنشغل بها جميعا بنفس القدر وما أن تتأمّل واحدة منها حتّى تنصرف للمطالعة فيها وتتبّع تفاصيلها وتنشغل بها كلّيّا أي تنقاد إليها كفكرة تبدأ بإعجاب وتنتهي بقناعة وافرة وهذا هو الإنقياد ولا يعني بالضرورة إنقياد الأسير لإرادة المحارب أو إنقياد العبد لسيّده مع ما أسهب فيه العشّاق من خضوع الحبيب للحبيب وهكذا يدور معنى الرواية التي بلغتنا عن الأصمعي كما يلي:
يقول الأصمعي : بينما كنت أسير في البادية إذا مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت : أيا معشر العشاق بالله خبّروا .... إذا حل عشقٌ بالفتى كيف يصنعُ فكتبت تحته : يداري هواه ثم يكتم سره .... ويخشع في كل الأمور ويخضعُ يقول ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوباً تحته هذا البيت: وكيف يداي والهوى قاتل الفتى .... وفي كل يومٍ قلبهُ يتقطعُ فكتبت تحته البيت التالي: إذا لم يجد صبراً لكتمان سره .... فليس له شئ سوى الموت ينفعُ
يقول الأصمعي ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً ومكتوب تحته هذان البيتان: سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا .... سلامي لمن كان للوصل يمنعُ هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم .... وللعاشق المسكين مايتجرعُ
هذا هو معنى الإنقياد ومعنى التسليم وليس كما يظن البعض من أنه تسليم من غير قناعة ولا فكر ولا رأي ولا خيار ، بل إنه كل ذلك معا وبهذا ليس هناك مسلماتٌ بمعنى الرأي الذي يؤخذ به بلا إقتناع تام ولا رأي ولا إختياروكانّه البديهيّة ، وهو نفسه أحد معاني الإسلام أي الإنقياد بهذا المعنى القائم على الإقتناع والإختيار والعقل والتفاعل الحسّي والعقلي الوافر وقد يعذرني القارئ لو ضربت مثلا آخر فلو تحدّى مصارعٌ أو ملاكمٌ خصما فإن أحدهما لا يُسلّم للآخر بتفوّقه وقوّته ما لم يخوضا منازلة كاملة ليتبيّن لهما أيّهما أقوى فيُسلّم له الآخر بهذا . وأعتذر عن تمثيلي للموضوع بما هو دونه فإن من هو خيرٌ منّي يقول عن نفسه : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين. صدق الله العظيم وهو المعنى نفسه الذي قال فيه أبو تمام عندما عاب عليه الكندي وهو فيلسوف زمانه أن يصف الخليفة بما هو دون الخليفة والحكاية كما وردت : ــ
مدح أبو تمام المعتصم بقصيدة فلما قال في مدحه إقـدام عمرو في سماحة حاتـم .............في حلـم أحنف في ذكاء إياس قال له الفيلسوف الكندي: إن الأمير فوق ما وصفت. فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال: لا تنكروا ضربي له من دونه .............مثلا شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ...............مثلا من المشكاة والنبراس فتعجب الحاضرون من شدة فطنته وسرعة إدراكه وعلى ما تقدّم فإن الإختلاف بين البديهيّة والمُسلـّمة واضح وهو إختلاف تنوّع أي لا رابط بينهماكما في إختلاف التناقض
وللحديث صلة والسلام عليكم
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البصرة من منظور التنمية الشاملة
-
هوامش وتفاصيل سريعة حول الواقع الحضري لمدينة البصرة
-
ربيعٌ أم ثورةٌ ؟ ..أم فوضى خلاّقة؟
-
في مفهوم الإيمان ..ولماذا الإيمان أولا؟..مرّة أخرى ..!
-
البلم ..والبلم العشّاري..!
-
تحوّلٌ مثير وجديد..!
-
روسيا الأمس ؟ أم اليوم؟ .. !
-
قولٌ على قول ٍفي الرد على قول ماركسَ في الأديان..!
-
في قول ماركس في الأديان..!
-
الإيمان أوّلا..لماذا؟
-
الفنان والمعماري هندرتفاسر يكتب عن نفسه ( مترجمة عن الأنكلي
...
-
التعرّض لأية مسألة فلسفيّة يتطلب إلماما بمبادئ الفلسفة..!
-
قولٌ في الأنظمة السياسيّة ..!
-
شعارات ليست ديمقراطيّة ولا ليبراليّة ..!
-
ليس بمقدور كارل ماركس أن ينحاز لغير الطبقة العاملة..!
-
هزّتان تضربان أرض الكنانة..!
-
إنه منهج البحث العلمي فأي نادي وأي تصفيق؟!
-
الإسلام الصحيح..والصندوق الأسود..وسنستدرجهم!
-
تصميم جديد لمدينة البصرة !
-
مصر!..أحابيل وعقابيل..!
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|