أمجد الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1119 - 2005 / 2 / 24 - 10:16
المحور:
الادب والفن
في ذلك اليوم،امتلأت المدينة العتيقة بالجند والعسكر حتى أتخمت.وطافت مكبرات الصوت في الشوارع ناعقة،معلنة عن حظر التجول:"....يمنع التجول من الساعة كذا...وحتى...".ثم ساد الهدوء.ورفرف الموت في سماء المدينة،كغراب،بجناحين هائلين....
*************************************
كان الثلج يهمي بغزارة...
أما داخل الغرفة،فقد كان الدفء حيواناً أليفاً،يحتضنه الجسدان الناحلان..
أخذ الأب يتابع دخان سيجارته المتصاعد نحو السقف،مشكلاً دوائر مبهمة.وأسندت طفلته(هالة)رأسها إلى ساقه،ثم أغفت وهي تحلم ببيارات البرتقال البعيدة التي حدثها أبوها عنها قبل حين.
بعد لحظات،انتبه الرجل من شروده إلى صوت طفلته الخفيض:
-بابا..أريد برتقالاً!.
حدّق فيها بدهشة:
-لابد بأنها تحلم..قال لنفسه.
فتحت(هالة)عينيها،وحدقت بدورها بوجهه.
-حسناً يا صغيرتي،غداً صباحاً شأشتري لك البرتقال.
-لا،أريده الآن!.
كانت(هالة)بسنواتها الخمس ،قد أصبحت واحته الوحيدة في صحراء حياته القاحلة،بعد موت أمها.وهاهي تطلب منه تحقيق أمنية صغيرة.
تأملها من جديد وهي تتابع اغفاءتها،وخاطب نفسه:
-عندما تستيقظ ستنسى أمر البرتقال.
...لكن صوتها مايزال يرنّ في أذنيه.
نهض بهدوء"سأحضر لها البرتقال".
ارتدى سترته وفتح الباب.فاجأته نفحة هواء باردة..ارتعش جسده..تردد..كاد يعود أدراجه.
"بابا أريد برتقالاً!".أتاه الصوت من أعماقه،ملحّاً،آسراً..
أطل برأسه من مدخل المبنى.كان الصمت يعمّ المدينة.وكان الثلج يحيل الأشياء إلى أشباح بيضاء تسبح في العتمة..وعند الناصية،أضاء مصباح باهت بقعة ثلج صغيرة فبدت كخروف أبيض!.
مشى مستتراً بالعتمة،متلطياً بأسوار الأبنية.
تصاعد بغتة هدير سيارة تجوب الشوارع،فاختفى داخل أقرب مدخل مظلم،حتى ابتعد الهدير..
تابع سيره.كان عليه أن يمشي مسافة ليست قصيرة كي يجد برتقالاً!.
-قف!!.
نبح صوت من خلفه فجأة،يحمل انذاراً مشؤوماً بالموت.
اقترب منه صاحب الصوت،بخطوات ثقيلة،مستعجلة.
فكّر"لا،سأتأخر عن صغيرتي التي تطلب البرتقال".
وقبل أن يفكر بشيء آخر،فاجأته الرصاصة من الخلف،فأصابت قلبه.
...ومن بعيد،جاءه صوت الطفلة يصرخ بعناد:
بابا..أريد برتقالاً..بابا..بابا..!
سقط،ووجهه نحو السماء..
كان الثلج لايزال يهمي بغزارة ويتحول إلى...أمنيات صغيرة!.
#أمجد_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟