أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الطائفيون وخرابُ البلدان














المزيد.....

الطائفيون وخرابُ البلدان


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مرئي أمامك، جثثٌ تتطايرُ في الهواء وتأكلها الكلابُ والذئاب، مدنٌ كانت عامرة والآن خربة مهدمة، وأهلها البسطاء الفقراء مشردون.

أمامك دولةٌ تضربُ شعباً بالصواريخ، كانت علمانيةً زائفة، أمامك دولةٌ دينيةٌ زائفة تساعدُها في سلخِ جلود الشعوب، وآخرون يستعدون للانضمام لمشروع الخراب الكبير.

لا أحد يقول لكَ بل أنتَ ترى بنفسك، الدماءُ تتدفقُ على شاشةِ تلفزيونك وأنت تطفئُ النورَ خوفاً أن تصلَ لفراشك، لكنها غداً قد تصل لبيتك وأهلك.

الدينيون السياسيون يحرقون المنطقةَ، أنت ترى المدنَ الجميلةَ ذاتَ الحدائق والغاباتِ والعمارات المزدهية بالنور، وفي الليل كانت تغدو مثل أشجار مليئة بالمصابيح، أينها الآن؟ أين المطاعم الحاشدة والشوارع المغنية؟

أنت ترى الأعناقَ التي كانت تصدحُ صارت مقطوعةً الآن، مرميةً على المزابل، أنت ترى لا أحدَ يزعمُ ويكذب، فتقولُ هذه دعايةٌ سياسية ينشرُها العلمانيون، بغرضِ محاربة الأديان.

أنت تتحسس الدمَ الآن وتتذوقُ مذاقَه المر، أسرابٌ من العصافير الطفوليةِ تُذبح، تهجمُ القوى البربريةُ في الليل أو في النهار، الأقمارُ مسلطةٌ عليها، والصحافةُ مرمية تحت أظافرها، فلا تخشى شيئاً، لم تعدْ ترى السماء والبشر، لم يعد يحكمها دين أو فكر، ظهرت الوحوشُ من كهوفها وأوجارها، وأيديها فرحةٌ بالسكاكين الحادة وبشفراتِها النارية وهي تقطعُ العروقَ فرحةً بأنهارِ الدم التي تصل للغرف والشاشات والأسرة والمقاهي والمساجد والكنائس.

انظرْ! لم يعودوا يعبأون بدينٍ وإله أو ثقافة أو منظمات، انظرْ أنهم قتلة سياسيون يلبسون الأرديةَ الدينيةَ والمذهبية لكي يتسللوا في الليل الطبقي، في الخداع السياسي، لكي يحتفظوا بخزائنهم وامتيازات عيشهم الرغيد وكل هذه التفاهات التي يعبرها الناس والأنظمة في أمكنة أخرى دون أن يوغلوا في دم شعبهم بهذه الصور الوحشية، وليجلسوا تحت العروش العابرة وتحتهم بحارٌ من الجماجم، المذهبيةُ مجردُ غطاءٍ من ورق يحجبُ شمسَ الحقيقة من النفاذِ إلى شفراتِ سكاكينهم.

في البدء، قبل المجازر، حين كان الشعبُ يذبحُ بالقطاعي، كانت العلمانيةُ الكاذبة، وهي الانتهازية التي تسوقُ للقتلة، ومحتكري السلطة، وتحولُ شعاراتهم القومية والدينية إلى جزئياتٍ مفصولة عن الديمقراطية وتبادل السلطة وإبعاد العسكر والمذاهب عن الحكم، ولا تندد بالمذابح فترفض وتنقد وتخرج من دولة وحشية واعدة مثل هذه، بل تستمر فيها، وتدع مذهبية الدولة السياسية تتحول لسلطة اجتماعية ناهبة للثروات، وهي قد كانت خرساء أمام دولة طائفية أخرى راحت تتوسع وتتغلغل في بلدان أخرى كبلدها هذا.

علمانية ديمقراطية وطنية خانت علمانيتها وديمقراطيتها ووطنيتها ويساريتها، سكتتْ أمام دبيب الحشرات الوحشية في الجسم الوطني، وفي بلدان مجاورة، فانتشرتْ طائفيةٌ أخرى مضادة، كلٌ معبأٌ في جلدِ ثعبانٍ ويسحبُ الأشلاء والبشر في جهته، والبلدُ يتمزق من اللحم الداخلي الباطني، والباطنياتُ سوسٌ يتحولُ لدود ينهشُ في الحياة.

الطائفيةُ الحربيةُ الدموية لا تُحاربُ بطائفيةٍ أخرى بل بتخليصِ الأديان من هؤلاء التجار الذين عبثوا بثرواتنا الروحية واستخدموها لدول مفخخةٍ بالديناميت الاجتماعي لا تدري متى ينفجر وهو سينفجرُ وترى الأطفالَ والنساء شظايا.

انظرْ! إنهم يتقدمون في الليل الاجتماعي حين تزول البصائرُ التحديثية النقدية، إنهم يعدون لحرق المنطقة من أقصاها إلى اقصاها، إنهم ينتشرون حولك، يخدعون أولادك، يتقدمون حين تزول الثقافةُ العلمانية، حين تجثم في المقهى مُخَدراً بالتمائم، حين تصادقُ سفاحاً يخفي خريطةَ حرق بلدك تحت أسنانه، حين تشارك في سياسةٍ مع قتلةٍ يعدون لحرقِ مدارس الأطفال، وأنت تفتحُ لهم الطرقَ، وتعلمهم خرائطَ حيك وبيتك، واسماءَ أهلك.

انظرْ ملياً للبلدان التي نامتْ مثل غفلتك، وأخذت الافاعي ودستها في الدوائر والأحزاب، غذتها بالفواكه وهي لا تتشهى سوى اللحم البشري، وطقوسُها بين الخرائب والنيران، انظرْ من بقي من الذين مسحوا على رؤوسها وفتحوا لها حسابات في البنوك وأعطوها الأحياءَ لتنشر المقابر، هاربون ومقتولون ومتحدثون عن الوطن الذي لا يجب أن يكون طائفياً دينياً ولكن وهمْ في المنفى بين المزابل وخيام اللاجئين، يتكلمون بعد أن نجوا بجلودِهم وشيكاتهم بعد أن زرعوا الفتنةَ وحصدوا الهشيم البشري والخراب الوطني.

مصباحُ العلمانية يضيءُ والطائفيةُ تحرق البلدان.

درسٌ بليغٌ هادر من التاريخ لكن من يقرأ مزاميرَ العنف المتجول بين خرائطنا.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افتراق قطبي المسلمين
- الوطنيون والطائفيون
- الفردُ والشموليةُ الساحقة
- الوعي الوطني ومخاطرُ اللاعقلانية
- أزمةُ مثقفٍ (٢ - ٢)
- أزمةُ مثقف
- رأسماليةُ الدولةِ بدأتْ في الغرب
- المنبريون والجمهور
- إصلاحُ رأسمالية الدولة
- الطوائفُ اللبنانيةُ والحراكُ السياسي
- كسرُ عظمٍ على أسسٍ متخلفة
- النقدُ الذاتي وليس المراوغة
- خارجَ الطائفةِ داخلَ الطبقة
- بُنيتا الحداثةِ الاجتماعية
- المفكرُ والتحولات
- جورج لوكاش(٢-٢)
- جورج لوكاش (١-٢)
- المحافظون والديمقراطية الاجتماعية
- تدهور الثقافة في البحرين
- عالمُ المماحكاتِ


المزيد.....




- بضمادة على أذنه.. شاهد أول ظهور لترامب بعد محاولة اغتياله وس ...
- بلينكن يعرب لمسؤولين إسرائيليين عن -قلق بلاده العميق- بعد غا ...
- الجيش الأمريكي: الحوثيون هاجموا سفينة تملكها إسرائيل في البح ...
- نتنياهو أمر الجيش بعدم تسجيل مناقشات جرت -تحت الأرض- في الأي ...
- فرنسا دخلت في مأزق سياسي
- القوات الجوية الأمريكية ستحصل على مقاتلات -خام-
- 7 أطعمة غنية بالألياف تعزز فقدان الوزن
- مرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس.. كيف ينظر إلى الحرب بغزة؟
- ناسا تنشر صورة لجسم فضائي غير عادي
- الدفاع الروسية: إسقاط 13 مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة في عدة ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الطائفيون وخرابُ البلدان