|
من أعماق السجون في العراق* /6
محمد علي الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 3839 - 2012 / 9 / 3 - 22:34
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
صورة الشهيد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) 1920 – 1963
ملاحظة لم أسجل كل التفاصيل التي ذكرها الشهيد عبد الجبار وهبي في كتابه، وإنما نقلت نصوصا من موضوعاته مع حذف بعض الفقرات التي لا تؤثر لا على المعنى ولا على نسق الرواية ... وأترك نشر كل هذه التفاصيل لطباعة الكتاب مستقبلا ليطلع عليه القارئ الكريم./ الناشر: محمد علي الشبيبي
صيف 1953 في نقرة السلمان اواسط تموز 1953. ... كان عدد السجناء السياسيين 26 سجيناً من المناضلين، بينهم حميد عثمان وعشرة من رفاقه الذين هربوا سنة 1952 من سجن الكوت فالقي القبض عليهم قرب بغداد فنقلوا إلى نقرة السلمان. وأربعة من المناضلين الذين جيء بهم حديثاً ... ومناضلين آخرين، بينهم بعض "اليهود". وقد كان في السجن إلى جانب الـ (26) سجيناً سياسياً سجناء عاديون، وسجناء صهاينة.... بدأ الحصار منذ اواسط تموز 1953، حيث منعت ادارة السجن الزيارات وإدخال الهدايا من الطعام وغيره، وقطعت صلة السجن بالعالم الخارجي قطعاً باتاً فلا شيء يخرج منه، ولا شيء يدخل إليه سوى "الأرزاق" الحكومية وقدر مقنن من الماء، هو بمثابة شريان الحياة، إنه الحصار ... منذ اواسط تموز، بدأت المفاوضات لنقل السجناء إلى سجن بعقوبة ... لا شك ان سجناء نقرة السلمان يرحبون اشد ترحيب بنقلهم الى بعقوبة. إلا ان الأمر الذي يشغلهم أكثر من سواه، هو ان ينقل كل السجناء من نقرة السلمان، بما فيهم السجناء العاديون، وان تعلن الحكومة رسمياً إلغاء ذلك السجن اللاإنساني الرهيب.... وقد شعر السجناء بعد الثلاثين من الحصار المتقابل ان الوضع يزداد حراجة، وان الخطر يقترب مسرعاً، فأعلنوا عن شروط جديدة، هي: ان يتم النقل على دفعات ثلاث يعينها ويختارها السجناء أنفسهم، على ان يشمل كل السجناء السياسيين، ومن دون تكبيل بالسلاسل، ومع احتفاظ السجناء بملابسهم المدنية، واحترام حقوقهم كسجناء سياسيين. فوافقت الادارة على هذه الشروط، وفك الحصار، وفتحت الباب وخرجت الدفعة الأولى من السجناء وكان بينهم حميد عثمان والمناضلون الاربعة وغيرهم. فأركبوهم سيارات الحمل المكشوفة ونقلوهم إلى ثكنة الشرطة القريبة من قلعة السجن.... وإليك، أيها القارئ، موجز ما حدث في الايام الستة التي تم خلالها، نقل الدفعات الثلاثة من سجناء نقرة السلمان. كانت الدفعة الاولى مؤلفة من 22 سجيناً (بضمنهم سجناء عاديون)، تحركت بهم سيارتان مكشوفتان تحيط بها سيارات مسلحة. وخلافاً لما هو متوقع، توقفت القافلة عند ثكنة الشرطة ووضعت سيارتا السجناء بعيداً عن السيارات الأخرى وقريباً جداً من جدار الثكنة. فما ان هبط منها سائقاها، حتى انهمر من فوق الجدار، سيل من الحجارة الثقيلة، أصاب السيارتين المكشوفتين، وأصاب السجناء بجراح ورضوض على رؤوسهم وأكتافهم وظهورهم، والسجناء لا يملكون دفاعاً لهذا الغدر المفاجئ ولا سبيل للفرار منه، فسقطوا على أرض السيارتين عاجزين عن الحركة والمقاومة. فتقدمت إليهم الشرطة فسحبتهم إلى الأرض، وأخذتهم إلى الثكنة، حيث بدأت سلسلة أعمال أخرى.... كان في الثكنة 250 شرطياً من شرطة البادية، اجتمع بعضهم على السجناء وأخذوا ينزعون عنهم الملابس المدنية، بينما راح الآخرون يطلقون الرصاص في الهواء، وألبسوهم بدلا عنها، ملابس السجن الرسمية. ثم ضربوا في أرجلهم أطواق الحديد المسلسلة وكبلوا أيديهم بسلاسل أخرى... اجتمعت الشرطة كلها، إلا نفراً ظل يطلق الرصاص في الهواء، وتوزعت جماعات حول السجناء الجرحى، المكبلين في أيدهم وأرجلهم، فانقضت كل جماعة على فريستها، حتى اغمي على معظم السجناء من أثر الضرب والركل والسحق. لكن حماس الشرطة المتوحشين، ظل يتصاعد ويشتد، واخذ يتركز على أشخاص معينين، دون سواهم.... .... كان المناضلون يصرون باسنانهم وهم ينشدون الأناشيد الثورية، ويدافعون بهذا الشكل عن كرامتهم وكرامة شعبهم وحزبهم، في تلك البقعة النائية المنعزلة حيث لا أحد يسمعهم، لا أحد يراقبهم ولا أحد يستطيع ان يقدر –في تلك الساعة- فيما إذا كانت الحياة ستبعث من جديد في أوصالهم المتورمة المثخة بالجراح، لا أحد هناك غير 250 من الذئاب البشرية الجائعة التي ثقفهم المستعمرون الامريكان والانكليز والتي نسيت معنى (الانسانية) منذ زمن طويل.... .... وأعيدت هذه الدفعة (الدفعة –الوجبة- الأولى) من السجناء الى سيارات السجن المكشوفة التي نقلتهم إلى بعقوبة في سفرة استغرقت 24 ساعة من ساعات شهر آب في العراق، وهم أشباه أموات. وعند وصولهم سجن بعقوبة ضربوهم مجدداً وجلدوا المناضل حميد عثمان (200) جلدة على قدميه، وأدخلوهم زنزانات الاعدام حيث أمضوا سبعة أيام، حتى جاءت الوجبتان الأخريان، فادخلوا سوية إلى السجن، بعد نضال عنيد قام به كل سجناء بعقوبة. وبعد يومين تحركت الوجبة الثانية من سجن نقرة السلمان، دون حادث يذكر، حتى جيء بهم إلى بعقوبة حيث تلقوا قبل ادخالهم الزنزانات "التأديب الضروري". فعذبوهم بوحشية حتى اغمي عليهم جميعاً وحتى تكسرت اطواق الحديد في أيدي وأرجل البعض منهم.... وأخيراً جيء بالوجبة الثالثة والأخيرة (بهاء الدين نوري ورفاقه) وكان عددهم 5 فقط من بينهم الدكتور السجين "حسين الوردي"، تلقوا "التأديب" في ساحة ثكنة الشرطة الخيالة في مدينة السماوة. كان في الثكنة أكثر من 100 شرطي اشتركوا جميعاً في ضرب السجناء السياسيين الخمسة. وقد لعبوا بهم كما يلعب بالكرة في ساحة واسعة. ولدى وصولهم بغداد، احتجزوهم في غرف السجن الانفرادي، فأضرب السجناء الخمسة عن الطعام مطالبين بنقلهم إلى بعقوبة. فاعتدوا عليهم بالضرب مجدداً فكسروا أضلاع بعض السجناء ولم يكسروا الاضراب! وحلقوا رؤوسهم وشواربهم، وأخيراً، نقلوهم إلى سجن بعقوبة. وبذلك تكون الحكومة قد نقلت سجناء بغداد ونقرة السلمان ولم يبق امامها إلا ان تلتفت إلى سجناء الكوت فلننتظر ما سيكون من أمرهم! يجدر بنا ان نذكر للقارئ آخر ما حدث في سجن نقرة السلمان للمناضلين الاربعة (بهاء الدين نوري ورفاقه) وبعض السجناء "اليهود" الذين احتجزتهم الشرطة هناك، خلافا لما اتفقوا عليه. فلقد دبرت إدارة السجن هجوماً غادراً عليهم مستعينة بعصابة من السجناء العاديين المجرمين والصهيونيين وعلى رأسهم الجاسوس الصهيوني البريطاني الجنسية (رودني). ان تدبير أمثال تلك الهجمات التي قام بها السجناء المجرمون على السجناء السياسيين لأمر مألوف جداً في سجن نقرة السلمان والسجون الأخرى، خصوصاً حينما لا يكون السجناء السياسيون من الكثرة بحيث يفرضون سلطتهم على السجن.
محمد راشد (الشهيد عبد الجبار وهبي –أبو سعيد-) بغداد –حزيران 1955
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- *- لقد بينت في الحلقة الأولى (التمهيد) قصة كتاب (من أعماق السجون في العراق). وكما ذكرت أن الكتاب هو من تأليف الشهيد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) ونشره عام 1955 باسم مستعار (محمد راشد) وبقي أسم المؤلف مجهولا إلى أن نشرت طريق الشعب أواخر عام 1978 الحلقة الأولى منه وكشفت لأول مرة أن الكتاب من تأليف الشهيد. ولأن الكتاب مفقود من الأسواق لذلك قررت نشر الكتاب كاملا دون تغيير أو إضافة أو حذف/ الناشر: محمد علي الشبيبي
يتبــــــــــــــــع الحلقة التالية: الكوت!؟ 2 آب 1953 والتمهيد للحصار!؟
#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أعماق السجون في العراق* /5
-
من أعماق السجون في العراق* /4
-
من أعماق السجون في العراق* /3
-
من أعماق السجون في العراق* /2
-
من أعماق السجون في العراق/1
-
تصحيح معلومات وردت في مقالة د. عبد الحسين شعبان (مقهى وروّاد
...
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 25
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 24
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 23
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 22
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 21
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 20
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 19
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 18
-
4- ثورة 14 تموز والسنوات العجاف/ 17
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف / 16
-
4- ثورة 14 تموز والسنوات العجاف/ 15
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 14
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 13
-
4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف/ 12
المزيد.....
-
عضو بالكنيست الإسرائيلي: مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت
...
-
إسرائيل تدرس الاستئناف على قرار المحكمة الجنائية الدولية الص
...
-
وزير الخارجية الأردني: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت رسالة لو
...
-
هيومن رايتس ووتش: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصو
...
-
الاتحاد الأوروبي والأردن يُعلنان موقفهما من مذكرتي الاعتقال
...
-
العفو الدولية:لا احد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولا منتخ
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: نحترم استقلالية المحكمة الجن
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: ندعم عمل الجنائية الدولية من
...
-
مفوضية حقوق الانسان: على الدول الاعضاء ان تحترم وتنفذ قرارات
...
-
أول تعليق من -إدارة ترامب- على مذكرة اعتقال نتانياهو
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|