|
المنطقة التجارية الحرة الفرص والمخاطر
محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3839 - 2012 / 9 / 3 - 17:12
المحور:
القضية الفلسطينية
المنطقة التجارية الحرة " الفرص والمخاطر "
حسب تصريحات المسئولين المصريين فإنه سيتم الشروع في تدشين المنطقة التجارية الحرة على الحدود الفلسطينية – المصرية المشتركة أي في مدينة رفح وذلك في بداية العام القادم 2013 ، وقد تم ربط هذه العملية بإغلاق الأنفاق، الأمر الذي يعنى نقل العمل التجاري على طريقه العلني الرسمي والممأسس . وقد أكدت مصادر فلسطينية من سلطة الأراضي تخصيص مساحة 200 دونم على الحدود في مدينة رفح للبدء في إرساء قواعد البنية التحتية والقاعدة اللوجستية لهذه المنطقة ، بينما خصص الجانب المصري مساحة 800 دونم لذات الغرض . عاني قطاع غزة وما زال من حصار احتلالي شديد منذ منتصف حزيران /2007 وحين تم إعلان القطاع منطقة معادية ، والتي بموجبها تم تحديد إدخال 30 سلعة من أصل 9000 كانت تدخل إلى قطاع غزة عبر المعابر المشتركة ، وقد أدى ذلك الحصار لنتائج كارثية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية من حيث نقص المواد الطبية والاستهلاكية والغذائية، ناهيك عن مواد البناء والمواد الخام اللازمة لمشاريع الإنشاء والبناء وكذلك للمشاريع الإنتاجية خاصة في مجالي الصناعة والزراعة. لقد أدى الحصار والعدوان الوحشي الذي شن على قطاع غزة في نهاية عام 2008 إلى إغلاق حوالي 3700 مصنع من أصل 4000 وتقليص مساحة الأرض المهيأة للزراعة جراء منع إدخال مستلزمات الإنتاج، حيث أن آلية الاقتصاد كانت تتم باتجاه واحد وهو القائم على الاستيراد سواء عبر الأنفاق والذي أصبحت تشكل 70% من حجم ما يستورد القطاع أو عبر معبر أبو سالم والذي يشكل ال 30% المتبقية. أدى الحصار إلى تراجع القطاعات الإنتاجية بصورة كبيرة عن مساهمتها بالاقتصاد الكلي في مجالات الصناعة والزراعة والإنشاءات والمباني، الأمر الذي ألحق الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة خسائر كبيرة أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات الفقر والبطالة لتصل إلى 60% - 30% على التوالي . ستعمل المنطقة التجارية الحرة وهي منطقة يفترض ان تكون معفاة من الضريبة على إعادة تفعيل النشاط الاقتصادي في قطاع غزة وستولد فرص عمل وستدفع باتجاه إعادة إحياء القطاعات الإنتاجية في مجال التصدير وخاصة بالقطاعيين الزراعي والصناعي مثل تصدير الخضروات والفواكه والملابس والأخشاب والأثاث والصناعات الغذائية... إلخ وسيترتب على ذلك بالضرورة إنشاء منطقة صناعية بجوار المنطقة التجارية الحرة، علماً بأن الاحتلال الإسرائيلي كان قد دمر منطقة ايرز " بيت حانون" الصناعية التي كانت تشغل حوالي 5000 عامل وعطلت مشروعاً تركياً لإعادة بناء المنطقة من جديد. لا شك ان المنطقة التجارية لها ايجابيات من طراز إعادة تجديد وتنشيط المرافق الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية وإخراج قطاع غزة من حالة الحصار والدائرة الإنسانية والاغاثية إلى الدائرة التنموية والإنتاجية والعمل على إعادة دمج الاقتصاد الفلسطيني بالعربي والدولي ولكن يجب الانتباه اقتصادياً إلى بعض الآثار السلبية التي قد تترتب عليها تلك المنطقة . وبالوقت الذي ستشكل به المنطقة انجازات لصالح الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة فإنها في ذات الوقت ستنشط العمل الإنتاجي والاقتصادي في منطقتي العريش ورفح من خلال تشغيل ميناء ومطار العريش ليصبحا مهيئين لعمليات التجارة تصديراً واستيراداً وسيؤدي ذلك إلى إمكانية فتح فرص عمل وكذلك تشكيل شركات مصرية وفلسطينية مشتركة خاصة في مجال التصدير، وحينها يمكن الاستغناء مثلاً عن شركات التصدير الإسرائيلية التي كانت تحتكر تصدير كل من التوت الأراضي والزهور لصالح شركة فلسطينية – مصرية مشتركة. إن السماح بحرية التبادل التجاري دون إجراءات رقابية وحمائية للمنتج المحلي وفي ظل ضعفه لأنه يحتاج لوقت من اجل إعادة بناء ذاته بعد سنوات من الحصار والعدوان بمعنى ان السوق الفلسطيني بالقطاع سيكون سوقاً استهلاكية بالدرجة الأساسية وسيغرق سوق القطاع بالبضائع سواء العربية أو الدولية ذات الجودة الرفيعة او رخيصة الثمن بحيث يعمل ذلك بصورة مباشرة على إضعاف القدرة التنافسية للمنتج المحلي ، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات لحماية المنتج الوطني والمحلي والدفع باتجاه تحسين جودته ، كما يتطلب التركيز على الخبرة التنافسية النسبية لبعض المنتجات المحلية لتستطيع منافسة المنتجات الأخرى عند قيامها بالتصدير مثل التركيز على صناعة تكنولوجيا المعلومات، جودة بعض المنتجات الزراعية وفي مجال الثروة الحيوانية ، والميزة في مجال الصناعات الغذائية والأثاث والملابس .. إلخ لكي تستطيع المنتجات المحلية من الحفاظ على ذاتها في السوق المحلي والمنافسة في الأسواق العربية والأجنبية. إن إدارة شفافة وسلمية وعلمية للمنطقة التجارية الحرة تشكل ضرورة عبر نظام ممأسس للضريبة يعطى المجال للتجار للمنافسة على قدم المساواة دون تمييز على أساس سياسي، كما يتطلب استثمار موارد هذه المنطقة لصالح مشاريع التنمية والتشغيل خاصة للخريجين الجدد و العاطلين عن العمل ولبرامج الحماية الاجتماعية ،حتى يتم تحقيق نتائج تنموية شاملة لهذه المنطقة وان لا تكون المنطقة عبارة عن نمو سيؤدي إلى ارتفاع الناتج القومي الإجمالي دون " تنمية" أي دون ضمان تحقيق التوزيع العادل لثمار الإنتاج واستفادة الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل منها . كمال أن المنطقة التجارية الحرة ربما ستثير نقاشاً حول موضوع العملة ، فهل ستدخل عملة أخرى هي الجنيه المصري بعد تدشين هذه المنطقة داخل السوق الفلسطيني في قطاع غزة . وإذا كانت هناك فرص ومخاطر على المستوى الاقتصادي فيما يتعلق بالمنطقة التجارية الحرة فإن هناك ذات التحديات على المستوى السياسي ، حيث بات معروفا ان الاحتلال الإسرائيلي يدفع قطاع غزة باتجاه سيناء وهو يقوم بالاستفراد بالضفة الغربية عبر سياسية المعازل والبانتوستانات. والسؤال هنا إذا كان المخطط الإسرائيلي يرمي إلى فصل قطاع غزة وزجه بالملعب المصري، هل ستسمح إسرائيل بإنشاء هذه المنطقة وتغض النظر عنها ام أنها تريد ان تفصل غزة سياسياً وفي نفس الوقت تريد ان تحافظ على نفوذها الاقتصادي به ، خاصة أنها كانت تصدر إلى القطاع قبل عام 2006 حوالي 1.2 مليار$ ولكن وبعد الحصار وبسبب الأنفاق أصبحت تصدر ما قيمته 350 مليون $ تقريباً ،فهل ستضحي إسرائيل بسوق القطاع ؟؟ وهل ستكون المنطقة التجارية مقتصرة على القطاع دون الضفة ، وكيف يمكن استثمارها لصالح مشاريع مشتركة مع الضفة من اجل إرساء أسس لبنية تحتية اقتصادية مشتركة بين الضفة والقطاع تشكل قاعدة موحدة للاقتصاد الفلسطيني الموحد ودولته المستقلة، لقد غاب منذ زمن الانقسام أي نقاش من آليات ضرورية لتعزيز التبادل والتكامل التجاري والاقتصادي بين الضفة والقطاع. وماذا عن مستقبل بروتوكول باريس الاقتصادي ، هل سيتم تجاوزه وهل ستسمح إسرائيل بذلك؟ وما موقف اللجنة الرباعية الدولية التي مازالت متمسكة باتفاق معبر رفح عام 2005، رغم ان الأحداث تجاوزته. وماذا بالنسبة لطبيعة الاتفاق مع الحكومة المصرية، خاصة إذا أدركنا ان الاتفاقات من هذا النوع تتم بين الدول ذات السيادة ؟؟وهل قطاع غزة سيكون بهذه الحالة كياناً مستقلاً " دويلة " مثلاً إذا ما تم إبرام الاتفاق بين حكومتي غزة ومصر؟؟ وهل ستخلص إسرائيل كدولة احتلال من القطاع رغم مسئولية الأخير حسب وثيقة جنيف الرابعة ، تلك الاتفاقية التي ما زالت تشكل قاعدة لخطاب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع باتجاه إدانة الاحتلال وجرائمه بحق شعبنا في قطاع غزة. إن الأسئلة المذكورة أعلاه بحاجة إلى إجابة من صناع القرار السياسي الفلسطيني من اجل ان تشكل المنطقة التجارية الحرة منفعة اقتصادية وسياسية معاً.
وعليه فإن القيام بتشكيل حكومة وفاق وطني تشكل إطاراً لاصقاً لكل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس أي إلى أراضي حدود عام 67 ، تشكل أكثر من ضرورة على المستوى الوطني ، حتى يصبح قطاع غزة جزءً لا يتجزأ من مكونات الجغرافيا الفلسطينية وليس كياناً معزولاً وغير معرفاً علماً بأن القانون الدولي يؤكد ان جميع أراضي عام 67 هي أراضي فلسطينية محتلة و تشكل وحدة جغرافية وسياسية وقانونية واحدة. إن الربط ما بين الانجازات الاقتصادية في إطار الجهد الرامي لنزع المخاطر عنها يتجسد فقط بإعلان حكومة الوفاق الوطني حتى يتم تدشين المنطقة التجارية الحرة تحت لوائها ولكي تصب في خدمة مسار التنمية المبنية على الصمود في إطار استمرارية مشروع الكفاح والمقاومة في مواجهة الاحتلال .
انتهى
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الهوية
-
نحو تفعيل المبادارات المجتمعية
-
مجزرة الماسورة ....وماذا بعد ؟؟؟
-
حركات الاسلام السياسي واهمية التغيير
-
مقاطعة المنتجات الاسرائيلية نقطة ضوء في مشهد قاتم
-
اوروبا حينما تصطدم المبادئ بسد اسرائيل
-
من أجل درء مخاطر النزعات الطائفية
-
لقاء موفاز وتجدد وهم المفاوضات
-
رؤية المجتمع المدني في خطابات الرئيس مرسي
-
اثر الاحتلال والانقسام على حالة سيادة القانون
-
المنظمات الأهلية الفلسطينية التحديات والفرص
-
الحراك الانتخابي المصري والتيار الديمقراطي
-
الأول من آيار والتيار الديمقراطي
-
وفاءً للمناضل سعدات ولكافة الأسرى
-
في شروط استمرار المقاومة الشعبية
-
الانتخابات وسيلة بناء ومقاومة
-
خضر عدنان انتصار الكرامة على القهر
-
السياسة الاقتصادية الفلسطينية
-
في زيارة بان كيمون
-
الربيع العربي بين تشاؤم اليسار وتفاؤل اللحظة
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|