|
حينما سقط الفلس في الجرة
محمد جلو
الحوار المتمدن-العدد: 3839 - 2012 / 9 / 3 - 01:19
المحور:
كتابات ساخرة
هناك ظاهرة أثيمة، وجدتها عند الكثير من موظفي، و مسؤولي الدوائر الحكومية، في العراق، قبل أن أغادره، عام ١٩٩٢ أنا متأكد، أنني لست الوحيد، الذي قد عانى من مثل ذلك يقولون، أن الأمور حاليا، أردأ، بكثير -----
أويلاخ مساكين العراقيين لم أجد تلك الظاهرة، في أي من دول أوروبا الغربية، التي زرتها، أو سكنت فيها فما هي تلك الظاهرة، الأثيمة؟ سأشرحها لكم، بتجربة شخصية، قد تجدونها ظريفة -----
لا شك، أن الكثير من الموظفين العراقيين، يشعرون بوازع وطني، و يحاولون جهد إمكانهم، تطبيق القانون ، في ما هو المصلحة العامة و لو أنهم، قد يحلوا لهم أحياناً، أن لا يطبقوا ذلك القانون، على المعارف، و الحبايب الواسطة و في ذلك، مقالة أخرى المصيبة، أنهم يتصورون، أنهم إذا ما صادفوا قضية، قد تنفع المواطن، تكون تلك القضية، و بالتأكيد، متنافية مع المصلحة العامة ففائدة المواطن، تعني، أوتوماتيكيا، و بدون إستثناء، مضرة المصلحة العامة و بالعكس، إن أضرت قضية بمواطن، سيصر الموظف على تطبيقها، شعورا منه أنها، و بالتأكيد، مفيدة للمصلحة العامة فعندما تراجع دائرة رسمية، سيحاول الموظف، عرقلة المعاملة، جهد الإمكان، شعورا منه، بأن واجبه الوطني العميق، يحتم عليه ذلك -----
أو، هذا ما كنت أتصوره إلى أن إكتشفت أن السبب، أحيانا، يكون لإبتزاز الرشوة حتى لو لم تكن للرشوة علاقة، ترى الكثير من الموظفين الذين يدئبون على عمل المستحيل، ليس لتسهيل الأمور، بل لتعقيدها -----
لا شك، أن عددا من قراء هذه المقالة، قد تنوطوا يوما، مسؤولية تمشية أمور الناس كموظفين في الدولة، مثلا إن كنت أنت أحدهم، أسألك بالله، بأن تسائل نفسك، هل كنت، و على الدوام، تحاول تسهيل الأمور؟ هل كنت، تفسر القوانين، و التعليمات، من صالح المواطن، و ليس ضده؟ هل حاولت عرقلة أمور شخص ما، قد لا يعجبك، لسبب ما؟ و السبب الوحيد في عرقلتك لذلك الشخص، هو أنك، تستطيع ذلك و تريد إعلامه، بأنك تستطيع التحكم بأموره -----
عام ١٩٩١، بعت داري، إستعدادا للسفر إلى بريطانيا مع زوجتي، للتخصص الطبي و بدلا من إبقاء أموالي، كدنانيرعراقية، ليأكلها التضخم نويت على شراء أراض، بأموال داري المباع أردت تملك أرض، و ليس دار، لعدم مقدرتي إيجارها و إدارتها من الخارج -----
خلال بحثي، أعجبني موقع دار صغيرة، في الكرخ، بسعر مناسب إكتشفت بعدها، سبب سعرها الزهيد الظاهر، أنّ صاحب تلك الدار، و لأسباب لا يعلمها أحد، إلا هو، قد قرر بنائها، قبل عدة سنين، بدون إجازة بناء، من البلدية لم يقلقني ذلك، لأن قيمتها كانت أصلا، في أرضها و موقعها كانت تلك الدار، رديئة البناء، متداعية، و يخطر السكن فيها و تتوجب الهدم -----
كانت مسجلة في الطابو، و لا زالت، كأرض فإشتريتها، بالطبع، كأرض نويت هدم الدار، خشية أن يسكنها أحدهم يوما، فتنهار عليه كأي مواطن صالح، لا يريد خرق أي بند من القانون، ذهبت إلى البلدية، لإخبار السلطات المعنية، بعزمي على الهدم فإرتديت ملابسي العسكرية، برتبة مقدم، متصورا أنها، ستسهل أموري -----
يومها، كان مكتب إجازات البناء و الهدم، في البلدية، يعج بالمراجعين فعندما تكلمت مع المدير، في الدائرة المختصة، سمع حديثنا، و حسب ما أذكر، حوالي ثمانية أشخاص، معظمهم، كان من المراجعين أمثالي و لن أستغرب، إن كان أغلبهم، و لحد الآن، لا زال يتذكر حواري الغريب، ذلك اليوم، مع ذلك المدير حديث، مضحك، و مبكي، في نفس الوقت، لا منطق فيه و كما يقول إخواننا المصريون كلام مسخرة -----
قدمت للمدير، أوراق ملكية الأرض تمعن فيها، ثم سألني عما أريد فقلت أنني قد إشتريتها قال، مبروك، و ما تريد إذن؟ قلت، عليها بيت، مبني ثم قال بإستغراب، و لكنها أرض، أليست كذلك؟ قلت نعم، و عليها الآن، دار -----
ظهرت علامت الفزع، على وجه المدير و أخذ يتبحر في الأوراق بنشاط نظر إلي بحدة ثم قال، بتوعد، منحنيا إلى الأمام، و محدقا في عيني، و هو ينقر، بسبابته، على الأوراق أخي هذه دار، مبنية خلافا للقانون يجب عليك هدمها حالا و إلاّ، فالويل -----
عندها قلت، و السرور ظاهر على وجهي هذا الذي أردت معرفته، أستاذ إن كان القانون، يحتم علي هدم ذلك البيت، فسأفعل -----
بعد أن نبست بتلك الكلمات، حصل سكون إتكأ المدير على ظهر الكرسي، و على وجهه بعض علامات الإستغراب بعد لحظات من التأمل في أوراق الملكية، رفع المدير رأسه، و نظر إلي سائلا، بهدؤ لم أفهم، ما الذي تريده بالضبط؟ قلت، و الإبتسامة لا تزال مرتسمة، على وجهي أريد هدم البيت، أستاذ و بعد لحظة من التفكير، و فترة أخرى من التأمل في أوراق الملكية، ، إنفجر المدير ثانية، قائلا هدم؟ ماذا تقول؟ لا يمكن ممنوع يمنع عليك، هدم تلك الدار -----
عندها، تكسرت الإبتسامة من على وجهي لا زلت أتذكر الصمت، الذي عم جميع المراجعين، في الغرفة، تلك اللحظة توقف الجميع، عما كانوا يفعلون، و قرروا الإلتفات نحوي، و إنتظار رد فعلي، على هذا الكلام، الغير منطقي الظاهر، أن الجميع، قد إختلب بتلك المسرحية الهزلية، التي تدور أمامهم و إبتدؤوا بمتابعة ذلك النقاش العجيب، الشديد التناقض -----
قبل لحظة، قال المدير، أن هدم الدار، حتمي و الآن، يقول، هدم الدار، ممنوع و ها هم الناس، في الغرفة، ينتظرون رد فعل ذلك الضابط، المقدم أنا متأكد، أنني قد بديت لهم، لا حول لي و لا قوة و هذا الموظف، يلوك بي، يمينا و شمالا، و كما يحلوا له إن كانت تلك العرقلة اللامنطقية، تحصل مع ضابط، برتبة مقدم ترى، ما حظ المواطن، فقير الحال، إذن؟ مسكين، المواطن البسيط -----
فقلت، و علامات الإحباط، و الحيرة على وجهي و لكنك، سيادة المدير، كنت تقول، و قبل لحظات، أن عليّ هدمه لم غيرت رأيك؟ قال، و بإعتداد من قال لك، أنني غيرت رأيي؟ رأيي، كما هو البناء، غير شرعي و الحل، بسيط -----
قَدِم لنا عريضة وَضِح لنا فيها، بأنك بنيت، خلافا للقانون سننظر في العريضة إن شاء الله و سيتبين لنا، أنك قد خالفت القانون ثم سنغرمك، حسب القانون بعدها، تقوم بالتقديم على إجازة البناء و تقدم لنا خرائط البيت الحالي و تدفع الرسوم و سنوافق على إجازة البناء إن شاء الله بعدها تقدم على إجازة هدم و سنوافق عليها إن شاء الله -----
و بعد أن تمالكت جأشي من أثر الصدمة قلت، مطأطئا رأسي حسنا أستاذ مع السلامة و هممت بالخروج -----
المشكلة، الظاهر، عويصة لم أعرف وقتها الحل لمت نفسي على مراجعتي للبلدية، و على تورطي بشراء ذلك البيت خرجت من غرفة المدير، و بخطى ثقيلة سحبت نفسي منها، شاعرا بإحباط شديد مشيت خطوات الممر، متوجها للخروج من الدائرة، و أنا أقول لنفسي ها أنا عائد، بخُفّيْ حُنَيْن -----
و فجأة، أوقفني رجل و قال سمعت كلامك، مع المدير أنا فلان، مفتش في البلدية أنا بنفسي، الشخص المسؤول، عن تفتيش منطقتك أَعرِفُ دارَك، جيدا أتجول هناك، على دراجتي الهوائية، يوميا إن كان هناك مفتشا في البلدية، سيقوم بالتبليغ عن أية مخالفة حصلت، في بيتك، سيكون ذلك الشخص، أنا إذهب، و إهدم تلك الدار لا وجل عليك لا تقلق لن أبلغ، عن أية مخالفة في الحقيقة، المخالفة، هي في وجود الدار كل هذه السنين كان يمكنك أن تهدد المدير، بالمطالبة بمعاقبته، لسكوته عن وجود تلك الدار، كل هذه السنين علما، أنني بلغت عنها و لكنه طالبني بالتغاضي إذا ما هدمتها، كل الذي سيحدث، هو أنك ستصلح أثر تلك المخالفة كلام ذلك المدير، هراء بعرقلته لك، إنه يسعى، لمنفعته الشخصية -----
شكرته، و إنطلقت إلى داري، فرحاً يومها، لم أعرف ما كان ذلك المفتش الطيب، يعني، بمنفعة المدير الشخصية لم أفهم لماذا، ينتفع شخص، من مضرة آخر بعد عدة سنين، و عندما حكيت تلك الحادثة لأحد الأصدقاء العراقيين في لندن، قال لي الأمر واضح كيف خفيت عنك؟ كان ذلك المدير، يريد رشوة، منك و تراه، قد إرتشى من صاحب البيت الأصلي، ليغض النظر عن إجازة البناء -----
حينها، تبينت من سذاجتي، و سقط الفلس في الجرة، و فهمت الفحوى
#محمد_جلو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صاروخ العابد. ترى، ما الذي حصل بعد ٧ ثوان؟
-
مصلاوية....من الحلّة، إلى مانجستر / الجزء الثاني
-
مصلاوية....من الحلة، إلى مانجستر / الجزء الأول
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|