|
القراءة بمحبة أم بوعي معرفي ؟
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 00:02
المحور:
الادب والفن
----------------------------------
تجربة الكتابة – وحتي تكون كتابة إبداعية – يجب عليها أن تتحول إلي وعي ، وأن تكون " منذورة " بكلياتها لمنح الرؤية للناس ، والأخذ بيدهم والسير بهم صوب المعرفة الحقة ، ومساعدتهم للخلاص من حمأة الجهل المحيط بهم ... لتحقيق إنسانيتهم والسير في معيتهم – برفقتهم الحميمة – نحو الغد الأفضل ، الغد الجميل الذي سوف يأتي ، ذلك الذي تقود إليه ، بل وتدلل إليه تجربة الكتابة ، وتجربة القراءة والنقد أيضا ! لكن " إبراهيم عابدين "* وأخرين بدأوا يقرأون الأعمال القصصية ويكتبون عنها من خلال منظور " المحبة " ! فهو يؤكد لنا أنه : " بمحبة نقرأ ... وبمحبة نتأمل "! وهي – القراءة بمحبة أعني – الدعوة التي أطلقها في الناس الطيب صالح في أحدي مقالاته ! نعم ، أننا نقرأ – كل ما نقرأه – بتأمل وعين يقظة وبضمير واع ... ولكننا – أيضا – ننتظر أن يجذبنا العمل القصصي ويبهرنا بما يتجوهر في ثناياه من إبداع ورؤي جديدة يانعة ، ومن ثم ، يجلنا نحبه ونتعلق بخيوط أبداعه وتوهجه ... ، العمل القصصي هو الذي يجعلنا " نحبه " أن كان ثمة " حب " أصلا ، وليس الموقف أن نقف ازاءه " بمحبة " قبل الدخول في العملية المعرفية المعقدة لقراءته ! إبراهيم أيضا ، وفي معرض قراءته لمجموعة محمد عز الدين * ، يذم النقد في بلادنا ذما يكاد يقصف به ويقصيه عن شرف الكتابة وشروطها ! فهو يراه " متقاعسا " و " متجاهلا " لأعمال قصصية يراها جديرة بالتناول وبالنقد ! وهذا رأي نري فيه من الشطط الشئ الكثير ! فالنقد هو – في التحليل النهائي – أبن بيئة الإبداع نفسها بكل تشابكاتها وتعقيداتها وتناقضاتها ومشاكلها التي تكاد لا تنتهئ من فرط تواترها ، كنباتات الطحلب – تنتهئ وتضمحل هنا ، فإذا بها تنمو وتطلع من هناك ، حلقات تأخذ برقاب بعضها البعض و ... تستطيل ! وعلي التأكيد فأن مثل هذا الواقع الخشن يؤثر تأثيرا سالبا علي العملية النقدية ، حد أن تبدو مسيرته وقد أقعدها هذا الواقع ، بل يخيل للبعض الكثير منا أنه قد أستطاع أن يوقف تطورها ويكف عنها مسيرة نموها التصاعدي الذي كان متألقا في فضاءنا الثقافي يوما ما ! نعترف ، أن شيئا من هذا قد يحدث ، هنا أو هناك ، ولكن ، أيضا ، يبقي هذا " الواقع النقدي " ينتظر منا جميعا أن نسعي – السعي كله – لتطويره ومساندته وتعضيده بالكتابة النقدية المبدعة حتي ينهض عفيا ، مديد القامة وباهر القسمات والملامح ... ونكاد نري في تجربة عابدين نفسها دليلا ساطعا علي ما نقول ! فالفن هو أحد أهم وسائل المعرفة . أنه يعيد بناء الواقع الحي حتي يتيح لمتلقي الفنأن يدرك واقعه بعمق . ونعني واقع الحياة في تدفقها السريع ، الحي ، المتوهج الذي يجعل منه بهجة غامضة وفتوة عارمة تضئ عالم القصة فتجعله جديدا مبتكرا وذو دلالة عميقة أيضا ! ثم أن أعظم غنجاز معرفي – في ظني – هو ما قامت به البشرية حين تغلغلت وهي تمشي إلي أمام في طريق وضع نظريات تفسر عبرها الفنون ، لأنها بسلوكها هذا السبيل ، أستطاعت أن تضع يدها علي القوانين التي تصيغ العقل الإنساني وتنوره ، وبالتالي تصل إلي جوهر الأمر كله : الوعي بالذات ، الذي هو مكمن الإبداع ونبعه ذو الرحيق ! ما أعجبني في عرض عابدين لملامح " القصة القصيرة السودانية وآفاق تطورها " ، هو صبره وحرصه علي تتبع ملامح مسيرة القصة القصيرة منذ الستينيات وحتي تسعينيات القرن الماضي . نقول أنه تتبع مسيرتها لكنه لم يقرأ تلك الأعمال الكثيرة التي نجح لحد كبير ، وبجهد مثابر ، في رصدها وتجميع بعضا من الأراء النقدية التي رافقت تلك المسيرة ! إبراهيم ، أيضا ، وفي معرض قراءته لمجموعة القصصية ، يزم النقد في بلادنا ، زما يكاد يعصف به ويقصيه عن شرف الكتابة وشروطها إذ يراه " متقاعسا " و " متجاهلا " لأعمال قصصية يراها هو جديرة بالتناول وبالنقد ! وهذا رأي نري فيه من الشطط الشئ الكثير ! فالنقد هو – في التحليل النهائي – أبن بيئة الإبداع نفسها ، بكل تشابكاتها وتعقيداتها وتناقضاتها ومشاكلها التي تكاد لاتنتهئ من فرط تواترها – كنباتات الطحلب – تنتهئ وتضمحل هنا ، فإذا بها تطلع من هناك ، حلقات تأخذ برقاب بعضها البعض و ... تستطيل ! وعلي التأكيد أن مثل هذا الواقع الخشن يؤثر تأثيرا سالبا علي العملية النقدية ، حتي لتبدو مسيرته وقد قعد بها هذا الواقع ، حد أن يخيل لبعضنا أنه قد أستطاع أن يوقف تطورها ويكف عنها نموها التصاعدي الذي كان ! نعترف ، أن بعضا من هذا قد يحدث ، هنا أو هناك ، ولكن ، أيضا ، يبقي هذا " الواقع النقدي " ينتظر منا جميعا أن نسعي ، السعي كله ، لتطويره ومساندته وتعضيده بالكتابة النقدية المبدعة حتي ينهض عفيا مديد القامة وباهر القسمات والملامح ... ونري في تجربة عابدين نفسها دليلا ساطعا علي ما نقول به ! فالفن هو أحد أهم وسائل المعرفة . أنه يعيد بناء الواقع الحي حتي يتيح لمتلقي الفن أن يدرك واقعه بعمق ، ونعني واقع الحياة في تدفقها الكثير السريع ، الحي ، المتوهج ، الذي يجعل منه بهجة غامضة وفتوة عارمة تضئ عالم القصة فتجعله جديدا ومبتكرا ، وذو دلالة عميقة أيضا ! ثم أن أعظم إنجاز معرفي – في ظني – هو ما قامت به البشرية حين تغلغلت ، وهي تمشي إلي أمام في طريق وضع نظريات تفسر عبرها الفنون ، لأنها بسلوكها هذا السبيل ، إستطاعت أن تضع يدها علي القوانين التي تصيغ العقل الإنساني ، وبالتالي يتاح لها أن تصل إلي جوهر الأمر برمته : الوعي بالذات ، الذي هو مكمن الإبداع ونبعه ذو الرحيق وفتنته ! ما أعجبني في عرض عابدين لملامح " القصة القصيرة السودانية وآفاق تطورها " ، هو صبره وحرصه علي تتبع ملامح القصة القصيرة عندنا منذ الستينيات وحتي تسعينيات القرن الماضي ...نقول ، أنه تتبع مسيرتها ، لكنه ، كما نظن ، لم يتمكن من قراءة كل تلك الأعمال الكثيرة التي نجح لحد كبير ، بجهد مثابر ، في رصدها وتجميع بعضا من الأراء النقدية التي رافقت تلك المسيرة ! لكننا نتحفظ علي تلك المراحل التي رأي أنها تسم تلك الكتابات القصصية بسماتها . فقد لاحظنا إن هنالك كتاب قصة من فترة الستينيات ثم حصرهم وادراجهم ضمن كتاب فترة السبعينيات ، وهكذا في بقية المراحل الزمنية تلك ! ونعتقد إن في مثل هذه التقسيماتكثيرا من التداخلات ، الزمنية والإبداعية ، التي كثيرا أيضا ما تؤدي إلي خلل في الرصد النقدي لتلك المراحل ، ولهذا نري أنه ينبغي دراسة الأعمال القصصية نفسها ، كإبداع قصصي ، في نصوصها نفسها ، في ذات سردها ، بعيدا عن التأثيرات المتعسفة لتلك المراحل الزمنية التي لم يتم ، بعد ، الإتفاق عليها في تقسيمات صارمة ومحددة ! ونعتقد ، أيضا ، إن الإنسياق " العفوي " وراء تلك التقسيمات ، هو الذي جعل عابدين يصنف أعمال القاص أحمد الفضل مثلا بأنها " حفر وتنقيب في التراث وكتب التاريخ والأسطورة في طبقات ود ضيف الله " ! ونفس الشئ فعله للقاص بشري الفاضل الذي جري تصنيف أعماله بأنها محض " إهتمام بجاذبية اللغة وسحر الفنتازيا " ! و القاص مبارك الصادق الذي " ظهرت في معظم أعماله الأولي الإهتمام بالمكان ومظاهر الطبيعة " ! و القاص محمد المهدي بشري " أهتم بالكتابة الواقعية وفضح الظواهر السالبة في المجتمع " ! والقاص محمد الفكي عبد الرحيم " إهتم برصد ومتابعة التحولات التي تحدث في القرية ، وركز لذلك علي إختيار العناوين التي تلفت نظر القارئ مثل ( حواء شبنقو وحمد ابزيط ) ... " ! ونحن نعلم أن هؤلاء الذين جري تصنيفهم ، هكذا ، وفقا لهذا التقسيم الصارم ، قد قدموا أعمالا قصصية تتميز بميزة واحدة ، في ظني ، هي أنها لا تندرج مطلقا تحت أيا من هذه التقسيمات التي وضعهم فيها عابدين ! ونراه قد إنتبه في خاتمة ورقته ، في معرض حديثه عن من أسماهم " جيل التسعينيات والجيل الألفيني " ، لضرورة " أن كل واحد منهم يستحق وقفة منفصلة خاصة به ، لمقاربة ومحاورة نصوصهم " . وهي العملية الوحيدة التي تتيح للناقد الوقوف علي الملامح الحقيقية للإبداع القصصي في أيا من تلك الأعمال القصصية العديدة ! ثم أن عابدين تناول بالقراءة أيضا قصة " رجل شفاف " ، وهي القصة التي تناولها بالمديح العديد من الكتاب من دون الأعمال القصصية الكثيرة للقاص أحمد الفضل أحمد ، وقد أشتهر أحمد بها لكثرة ما تناولها النقد " الإطرائي " فأصبحت دالة علي أعماله ... كثيرا ما ذكرت أنا ، في مناسبات أدبية عديدة ، إنها ليست من أجود قصصه حتي تنال كل هذا الإحتفاء بها من بين جميع أعماله القصصية الأخري ، بل أن هنالك العديد من قصصه تتفوق عليها من حيث تكنيكها الفني أو شكلها أو مضمونها ، وقلت أيضا ، أن النقد قد ظلم أحمد كثيرا حين صنفه وجعله كاتبا يكتب قصصه " متكئا " علي التراث وعلي كتاب " الطبقات " ، وهذا ، كما نظن ، فيه تهوين وإستهانة لأعمال كثيرة للكاتب كانت لتكون كفيلة – لو أنصفه النقد – أن تضعه في غير الموضع الذي وضعوه فيه ، في دائرة التراث وكتاب الطبقات ! وها هو عابدين يتناول قصته " رجل شفاف " ليخرج علينا بعد قراءتها بأن يصنف أحمدا قصاصا يغترف مادة قصصه الأساسية من " التراث ومن طبقات ود ضيف الله وقصص الأولياء والصالحين " ، وهي القصص والروايات الشفاهية والأساطير التي تزدحم بها الذاكرة الشعبية الجماعية للمجتمعات الريفية والرعوية في بلادنا ، وهي في جل سردها تسند إلي الغيبيات ولا تمت للعلم بصلة نافعة أو ذات جدوي ، ونلاحظ إنها بدأت تنحسر كثيرا في سنوات " العولمة والتغيير " من زمان الناس هذا ! غبراهيم عابدين سار في القراءة أيضا حتي أعمال كل من : محسن خالد في مجموعته " كلب السجان " وعيسي الحلو في " قصر المرايا " و قصصا قصيرة ل : سعاد عبد التام " تحدثك الأشياء " ، وأميمة عبد الله " الشرخ " ، ورانيا مأمون " خطي تائهة " ، وأستيلا قايتانو " خرائط لعوالم مجهولة " ثم " تداعيات " يحيي فضل الله ... جميع هذه النصوص القصصية أخضعها عابدين للمنهج الذي يقول به : " القراءة بمحبة " ! وسلط ضوءا كاشفا علي ما رأه فيها من مواضع الجمال والحساسية الجديدة وعبقرية القص كما أعتقد ، وأستند في التدليل علي ما يقول به إلي إجتزاء نصوص بعينها من تلك الأعمال ثم جعلها تتحدث وتفصح عن نفسها . ولكنها – والحق يقال – قد ظلت مجرد اضاءات منتزعة من سياقها الدرامي ومن احداثيات القصة نفسها ، فلم تند عنها إلا اضاءة خافتة تحاول أن تلتمع وتؤمض هنا أو هناك ، لكنها سرعان ما تنطفئ ، لأنها قد أنتزعت قسرا عن بيئتها الحاضنة ومهدها الطبيعي من جسد القصة ذاتها ! وكثيرا ما تسألت : لماذا لا يمضي القاص في عمله القصصي إلي النهايات التي تبهر وتكشف وتضئ العمل نفسه ، ثم لماذا – أيضا – يقف النقد عند نفس هذه النهايات لا يتعداها ، ثم لا يطرح التساؤلات الموضحة التي تنشأ من تراكمات العمل نفسه أمام النص الذي يتناوله ، فتصبح القصة وقتها وكأنها سقف علي ساق واحدة ، تكاد تسقط علي الأرض بعد برهة قصيرة ؟ خذ ، مثلا ، قصة " كلب السجان " لمحسن خالد ، أبانت القصة بعضا يسيرا من أهوال الحرب الأهلية التي أدمت وجه الوطن كله ، بل شرعت تأكل من جسد الوطن الكبير من أطرافه جميعها ، لكنها – للأسف العميق – لم تقف لتسأل عن منشأ تلك الحرب المجنونة ، ومن كان يمول ويدير آلتها الجهنمية تلك ، ومن هو المسئول عن تلك الفظائع الإنسانية المرعبة التي أوقفت العالم بأسره يصرخ في وجهة إيقاف عجلتها المجنونة ؟ سكتت القصة تماما عن هذه الأسئلة ، ناهيك عن أن تجترح إجابات وشهادات إبداعية بشأنها ! وكذلك سكت عابدين عنها ، واكتفي بإبرازه " الإنسيابية " في القصة التي رأها مكمن الإبداع فيها واحد مكوناتها الأساسية ! لكننا نؤكد هنا – في ذات الوقت – أن الحكم علي القصة ، لا يكون بمدي عمق نهاياتها فحسب ، وأنما بحركة السياق العام للقصة ومدي إستيعابها وشمولها للحدث في علاقته الضرورية بالحياة ! أننا نريد أن نقول ، أن الأدب والفن عامة ، و" خطاب " القصة القصيرة بوجه خاص ، هو – بالأساس – بنية حية تزخر بكل ما تمثله البنية الحية من تشكيل ملتحم إلتحاما عضويا بمادته وبوظيفته الفاعلة المؤثرة ... وتأسيسا علي ذلك ، يمكننا أيضا أن نقول ، أن النص القصصي ، الجدير بهذا الأسم ، ليس كينونة مجردة مطلقة ، خارج الحياة أو فوقها ، أي ليس مجرد تشكيل جمالي في ذاته ، وأنما هو تشكيل إبداعي نابع من الحياة نفسها ، وتحقق الحياة عن طريقه إستمرارها وتجاوزها لذاتها ، أنه إضافة خلاقة للحياة ، لا لمجرد وصفها أو حتي نقدها ، بل لأجل تغييرها نحو الأفضل وتجديدها بإستمرار وتثويرها بالأضواء الإبداعية ذات الأشراق التي تتلألأ وتظهر وتلتمع من بين ثنايا العمل القصصي ! ودائما ما نري أن " القوانين " العامة والخيوط الأساسية في كتابة القصة هي " قوانين " معرفية في أساسها ، أي أنها آليات وفعاليات " كاشفة " لحقيقة ما ، ثم أنها " قوانين وأطر " تتضمن حكما وتقييما بالنقد والدحض والأدانة والتحريض والدعوة إلي التجاوز والتغيير ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر . وفي جل هذه القصص يمكنك أن تجد ملامح هذه " القوانين " الإبداعية جميعها ، ثم أنك ستجد أيضا آليات ومؤشرات تتيح للقاص صياغة معادلاتها ، وهي آليات ومؤشرات تجدها – أحيانا كثيرة – واحدة متكررة وإن اختلفت مسمياتها ، أو اختلف شكلها الظاهري ! ولكننا ، نتفق مع عابدين ، بأن هنالك " تقصيرا " نقديا تجاه النتاج القصصي الجديد ، علي الأقل عند المقارنة مع المطروح النقدي تجاه الرواية والشعر والمسرح والتشكيل والموسيقي ، فهو في مواجهة القصة قليل من ناحية الكيف تحديدا . وفي ظني أن ذلك مرده لتخلف مناهج النقد الأدبي نفسها ، وتخلف تقنياته في مجال القصة القصيرة . فأغلب ما يكتب بصدد القصة القصيرة لا يخرج عن أن يكون أحصاءا أو متابعة تاريخية أو تفسير للمعاني أو أصدار الأحكام العامة ... في قراءته لنص زهاء الطاهر " أسامة أب قرجة ... أسامة مطر الصباح " يقرأ عابدين بالمحبة " كلها " هذا النص البديع ، مثل كتابات زهاء جميعها ، ثم يكتب مأخوذا بحشد الرموز التاريخية والسياسية والثقافية والغنائية ، ثم بالأنهار والبحار ، ويتسأل : " كيف نجمع كل هذه الرموز والشخصيات وكل هذه الأمكنة ، وكل هذه الأنهار والبحار الموزعة علي جسد خارطة هذا النص لفك شفراته المحيرة المدهشة ؟؟ " ! . ويستطرد عابدين موضحا حول تسمية عنوان النص فيقول : " أسامه ، أنه الحفيد ، حفيد جده الأمير أبو قرجة " ، ثم يتسأل عابدين : " فماذا فعل الأحفاد بوصايا الأجداد ، وكيف أجابوا علي الأسئلة التي ستحل اللغز ، لغز الحياة ولغز الإنسان ، وهو يحمل أسئلته الكونية الكبري بحثا عن الأجوبة ، وبحثا عن تحقيق الحياة الحلم " . ولكننا نلاحظ ، أن إبداع زهاء كله كان يتمحور ويتجوهر ، وينمو ويزدهر – بإبداع وحساسية عالية – حول تلك الرموز والشخصيات والأمكنة والأنهار والأحداث التي قرأها عابدين وأشار إليها ، لقد كانت تجربة زهاء القصصية تتمتع بذلك الثراء في تنوعه المثير ، بتلك الفيوضات المشرقة لجدلية الحياة وجدلية الواقع ، في تلاحمه وتناغمه ، ونموه في ذات الوقت ، مع حيوات ومصائر وأمكنة وتجليات كونية تنبض بالحياة ، ويجعلها زهاء جميعها في خدمة الإنسان ، لأجل تقدمه وغده الذي يراه قادما ، جميلا ومعافي برفيف الحياة ونبضها العذب ... أن تجربة زهاء تنتظر منا درسا كثيرا لمعرفة ما فيها من جدل الماضي والحاضر والمستقبل ، جدل الواقع والحلم المرتجي ، تماما كما قال عابدين بنفسه هنا ! أعجبتني جدا إلتفاتة عابدين إلي" مأساة دارفور في فضاء القصة القصيرة " ، وهي الدراسة التي تناول فيها قصص : " مارتجلو ... ذاكرة الحراز " لأحمد ضحية ، و " الرحيل من شارف " لإبراهيم أسحق ، و " هجاء الجبل / دوسنطاريا " لمنصور الصويم ، و " مساويط الرماد " ليوسف عزت الهميري ، و " مومو " لمدي الفاتح ، وهي جميعها قصص قصيرة تتناول – بأبعاد ورؤي تختلف بين قصة وأخري – الحرب في دارفور ، تلك الحرب التي ضج بها ضمير العالم وشغلت الناس حد أن أصبحت توصف بالكارثة الكبري في تاريخ الإنسانية المعاصر ، نحيي عابدين الذي شغلته هذه القصص التي رأي فيها بعضا يسيرا من ملامح الحرب وهولها الرهيب ، ثم أبرزها تحت العنوان البديع ذو الدلالة " الغزالة والبندقية " . ثم بعد أن أضاء ملامحمها ، عبر ما تجمع لديه ، من " محبة " تجاهها ، تسأل بأسي بالغ : " متي تنتهئ الحرب اللعينة لتمسح ( مريومة ) دمعتها ، وتعود لبنات ( التنجر ) وكل بنات دارفور ( سماحتهن ) القديمة ، ليغنن ويرقصن ( المردوم ) ، وعليك يادارفور السلام ، فهذا هو حلمنا ياغزالتنا الجميلة " ! جميل جدا ما أشارت إليه هذه القصص ، وجميل أيضا ما كشفه لنا عابدين من مظاهر وتجليات حرب دارفور " اللعينة " ، لكن يبقي السؤال المؤرق للكتابة والثقافة معا : ماذا فعلت هذه القصص للإقلال من أضرار إنتهاكات وفظائع هذه الحرب ، ولماذا لم تشرع في كف اليد التي تحرك وتدير هذه الألة الجهنمية للحرب ؟ أنني أعلن وأعترف بأننا نحبك جدا أيها الصديق إبراهيم عابدين ، وبسبب من ذلك ننتظرك أن تسلط أضواءك الباهرة فتكشف لنا عن العلامات واللالات والقيم غير المسبوقة ، المعرفية أو الوجدانية ، ذوقية أو سلوكية ، التي تكمن في قصتنا القصيرة ، لأن ذلك الكشف وحده هو الذي يتيح لك – بهذه الكشوفات – تغييرا وتجديدا وتطورا للرؤية وللخبرة الإنسانية ، فليس هنالك ، ياعزيزنا ، في عالم الثقافة اليوم ، ثمة قراءة بريئة ! -------------------------------------------------------------------------------------- * الكتابة مقدمة لكتاب الناقد إبراهيم عابدين " القصة القصيرة السودانية وآفاق تطورها " .
#جابر_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الشوق إليها !
-
إلي صاحب الأخوات !
-
العاري !
-
ماقلته الليلة للسوسنة !
-
في حلمه الليلي ... !
-
عن الورود ، الحب و ... الحبيبة !
-
في ذكري رحيل درويش !
-
حول مرض درويش ولحظاته الأخيرة !
-
في مطبخها !
-
أطلت !
-
في مديح السوسنة !
-
مطر كالقبل !
-
الموت الغامض لعاشق النجوم !
-
سألتني عن الشعر !
-
من أولوس إلي مبارك الصادق ... !
-
حبها ... !
-
ذاكرة الأصابع !
-
سقوط المثقف ، وهل تخلي سعدي عن الثورة ؟
-
صباحها ... !
-
الخونة ، حكاية مدام لافارج !
المزيد.....
-
مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
-
صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
-
موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة
...
-
فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال
...
-
فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
-
-بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم
...
-
الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
-
نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!!
...
-
-قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
-
مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|