|
حتمية الصدام بين المنهج السلفي والدولة المدنية
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 00:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السلفية، كمصطلح، ليس مذهباً دينياً إسلامياً صرفاً كما يعتقد البعض، ولكنه منهج عام يقود الطريق إلى عقائد وقناعات محددة. السلفية هي قناعة راسخة بأن "الحقيقة" قد حازها أُناس (رموز) سابقون في الزمان، وأن "الطريق" إلى تلك الحقيقة هي بتبني آراؤهم وقناعاتهم ومناهجهم، ولا سبيل إلى "السعادة" إلا بالعودة إلى فضاء هؤلاء السلف الماضون. ولذلك فإن السلفية لا تقتصر على دين محدد ناهيك أن تقتصر على مذهب ديني واحد، لأن كل توجه فكري أو عقائدي أو أيديولوجي أو حتى عرقي من الممكن أن يستظل تحت ظل "السلفية" كمنهج. فكما لدينا التوجه السلفي السني الرسمي (المملكة العربية السعودية) لدينا أيضاً التوجهات السلفية الإسلامية المتطرفة (الجماعات الإرهابية المنتشرة في كل مكان)، ولدينا أيضاً التوجهات السلفية الشيعية (إيران وبعض التوجهات الشيعية في العراق)، وتواجدت السلفيات العرقية (هتلر والرايخ الثالث)، والسلفيات المسيحية في القرون الوسطى، وهناك سلفيات علمانية أيضاً (النموذج الأتاتوركي في تركيا). فـ "السلفية" هي منهج ترى في زمان مضى معين ومحدد، بظروفه وعقائده وآلياته وحتى إشكالياته وحلوله، هو أساس الخلاص ولب الحقيقة وطريق السعادة. و "المنطق" السلفي يقود أتباعه إلى الاستنتاج أنه إذا ما تم تبني منهج هؤلاء "القدماء" فإن طريق "السعادة" هذا سوف يكون ممهداً للخلاص. تلك هي خلاصة "الحقيقة".
المنهج السلفي يقود أتباعه بالضرورة إلى إيمان راسخ بأن الماضي كان أفضل بكثير من الحاضر. بل إنه يقودهم إلى تلك النظرة التي تزدري الواقع المعاصر، أي واقع، لأنه لا يمثل بتاتاً تلك "المدينة الفاضلة" التي يتوهمون أنها قامت في زمان قديم كان بها "السلف". فالفرد السلفي في حالة حرب دائمة مع واقعه ومجتمع، لأنه، وببساطة، يزدريهم. الفرد السلفي يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه يمتلك الحقيقة النهائية المطلقة للخلاص، ولكنه يرى الواقع والمحيط الاجتماعي والسياسي يستعصي عليه ويرفض أن يخضع لحقيقته "السلفية"، فهما ضدان متناقضان، ولأنهما كذلك فهما في حالة حرب، خفية أو معلنة. السلفي يرى كل مَنْ يرفض الحقيقة السلفية التي يتوهم امتلاكها إما مبتدع أو كافر أو مجنون، لأن مَنْ يرفض الحقيقة بإرادته هو كذلك كما قال روجيه غارودي، ومكانه ساحات القصاص أو المصحات العقلية (مراكز الإرشاد الديني) لإعادة تأهيله. فالسلفية السُنية ترى في الحديث المنسوب إلى النبي محمد: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) دليلٌ ساطع على دونية الواقع بالنسبة إلى الماضي "السعيد" في تلك القرون الثلاثة المُفضلة. بينما السلفيات الشيعية ترى في ظروف خروج المهدي، الذي لن يخرج حتى تمتلئ الدنيا ظلماً، دليلٌ آخر على أن الزمان من سيء إلى أسوأ، في حتمية لازمة ومفروضة من الرب جل شأنه حتى تكتمل دورة الزمان بخروج مهديه ليملأها لهم "عدلاً" بعد أن وصلت إلى الذروة في السوء. أما السلفيات العرقية فإنها ترى في ذلك "العِرق" المعنى الصحيح للـ "إنسانية" التي يجب أن تهيمن حتى تعود تلك "الحضارة" البائدة إلى سابق عهدها، وأن دخول (تنجس) العِرق بالدماء الأخرى هو السبب في الانحطاط الذي يشاهدونه حولهم.
تلك القناعات وما يستتبعها من مناهج سوف تقود أتباع هذه السلفيات إلى رفض مباشر وصريح وعلني، في حال الوصول إلى سيطرة سياسية أو مراكز القرار الوطني، لكل ما هو بديهي لمبادئ الدولة المدنية. فـ "المؤمن" السلفي لا يساوي في القيمة حتماً "الكافر" بهذا المنهج (السعودية وايران). والقيمة الإنسانية لا تكون قيمة مجردة، بغض النظر عن ما يعتقده الإنسان ويؤمن فيه (السعودية وايران). والديموقراطية هي حتماً ليست وسيلة ليحكم الشعب نفسه بواسطة ممثليه الذي يختارهم بحرية، ولكنها وسيلة لتأكيد منهج سلفي متفق عليه من مشايخ النظام أو فقهائه (السعودية وايران). والقانون لا يخضع أبداً لاعتبارات التجرد والتعالي والمصلحة العليا، ولكنه مشتق من نص كما فهمه فلان أو علان منذ أكثر من ألف سنة تزيد أو تنقص على حسب قناعات مشايخ النظام (السعودية وايران). والحريات هي "مصطلح" لا يكون القانون هو معياره الرئيس، ولكن معياره هو المحاكم الشرعية التي تضع بعين الاعتبار الفروقات بين الزنديق والمؤمن، والمستقيم وصاحب البدعة، والمؤمن والكافر، والسني والشيعي والمسيحي (السعودية وايران). والخطاب ذاته ينطلق من قناعتهم بأنهم يتكلمون باسم الرب، وباسم حُكمه، وباسم تفويضه في مواجهة أي خطاب "شيطاني" آخر يخالف نظرتهم وفهمهم وقناعاتهم وحكمهم ومشيئتهم ورغباتهم (السعودية وايران).
إن السلفية، كمنهج، هي مصادمة لكل المبادئ المدنية التي تقوم عليها الدول الحديثة. هذه حقيقة لا فكاك منها. ولذلك فإن خطورة وصول هؤلاء، أو مَن يتعاطف معهم، إلى مراكز التشريع واتخاذ القرار سوف يؤدي بالدولة حتماً إلى الانشغال بصراعات داخلية بين النسيج الاجتماعي المختلف من ناحية، وبين مؤسسات الدولة المدنية وقوانينها وأعرافها وبين القناعات السلفية وعقائدها من ناحية أخرى.
السلفية، بغض النظر عن نوعها، هي بطبيعتها مناهضة للدولة المدنية ومعاكسة لها، ولذلك فإن معارضتها للتغلب عليها هي أشبه بـ "معركة" سوف تأخذ طابع الشراسة. هي شرسة لأن السلفيين لا يقبلون بطبيعتهم ذلك الآخر المخالف، وإنما يسعون إلى تصفيته، معنوياً وفي بعض الأحيان جسدياً.
ولو أن أبا قتادة الفلسطيني يمثل التطرف السلفي السني في أقصى درجاته، ولكن الاقتباس من كلماته سوف يعطينا الانطباع العام لما أقصده من هذه المقالة. يقول أبو قتادة:
"الوصول إلى التمكين من خلال شوكة النكاية المتكررة لن يجعل همَّنا إرضاءَ الناس بتأمين السكن والخبز والعمل لهم. ولسنا محتاجين إلى أخذ رضاهم فيمن يحكم أو بما يحكم. سيحكمهم أميرنا شاءوا أم أبوا. وسنحكمهم بالإسلام، ومن رفع رأسه قطعناها". فارفعوا رأسكم معارضين للتوجهات والمناهج السلفية، وقولوا لهم: المناهج العلمانية هي التي ستحكمكم، ومَن رفع رأسه منكم حاكمناه إلى مبادئ الدولة المدنية والقانون.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميسون سويدان ... أيتها الرائعة
-
أيها السياسيون الكويتيون العباقرة … يا أيها الشعب
-
باغافاد غيتا – المعرفة السرية القصوى
-
التدليس في الخطاب الإعلامي الديني ... محمد العوضي كنموذج
-
إشكالية النص المسيحي وشخصية يسوع
-
مَنْ كتب الإنجيل؟
-
في نقد الطب الإعجازي المسيحي والإسلامي
-
حوادث أكل لحوم البشر في التاريخ الإسلامي
-
شذوذ مفهوم الوطنية في الذهنية العربية
-
في إشكالات السيرة النبوية
-
في إشكالية العصمة النبوية
-
من إشكالات المجتمع الكويتي
-
هل لا تزالون أمة ً أمّية؟
-
رسالة يهوذا، الذي خان المسيح، إلى الحُكام العرب
-
إشكالية اغتصاب المرأة في الفقه الإسلامي
-
مقالة في أن العلمانية تحمي الدين من احتمال الاستبداد
-
إلغاء ملتقى النهضة وزيف شعارات الحرية
-
مقالة في أن لا كهنوت في الإسلام مقولة خاطئة
-
خطورة التسويق للنموذج السعودي للحداثة … الاستقواء بالسلطة ضد
...
-
السذاجة الإسلامية كما تتجلى في قضية حمزة الكاشغري
المزيد.....
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|