عمّار المطّلبي
الحوار المتمدن-العدد: 3836 - 2012 / 8 / 31 - 09:06
المحور:
الادب والفن
لم يكن الكرسي الرابض في تلك القاعة بالقصر يستطيعُ أنْ يفهم تلك الصيحات الغاضبة للجماهير التي ما فتأتْ تنادي منذ الصباح الباكر موجّهةً أقسى النعوت إليه و إلى صاحبه الذي اعتاد الجلوس عليه .
و لأنّهُ كان كرسيّاً، و لمْ يكن بشراً ، فإنّهُ لمْ يشعرْ بالخوف حين اندلع القتالُ للسيطرة على القصر، و لمْ يشعر أيضاً بالحزن لمشهد الجثث و الدماء، أو بالهلع حين تناهتْ إليه صيحات المحتَضرين ، أو أنين الجرحى اليائسين ..
غير أنّ ذلك الكرسيّ المذهّب الذراعينِ شعر بالفضول حين حملت الجماهير التي كانتْ غاضبةً رجلاً آخر ليجلس عليه ، بدلاً من صاحبه الذي لاذ بالفرار.
ولأنّهُ كانَ كرسيّاً و لمْ يكنْ بشراً مثلنا، فقد استبدّ به العجب، حين أجلست الجماهير الرجلَ الذي حُمِل على الأكتاف، وسط التصفيق و صيحات النصر ..
قال الكرسيّ في نفسهِ إنّ عَجيزة هذا الرجل الجالس هي هي نفسها عجيزة ذلك الذي كانَ يجلس عليه . و لمْ يكن هذا الكرسيّ وحدهُ مَنْ يفكّر بهذا الأسلوب، فالكراسيّ كلّها لا تعرفُ عن البشر سوى أعجازهم التي تجلسُ عليها ..
و هكذا ظلّ الكرسيّ المذهّب يفكّر وقتاً طويلاً، و قد استبدّ به العجب، محاولاً أنْ يفهم هذا السرّ العجيب الذي يجعل بني الإنسان يُضحّون بأرواحهم منْ أجل أنْ يستبدلوا عَجيزة رجلٍ بأخرى !!
*هامش لُغويّ
العجيزة للمرأة خاصّة، و للرجل يقال عَجُز .. و قد ورد استعمال العجيزة للرجل في حديث البراء، بقوله : رفعَ عجيزتَهُ في السجود .. و القاعدة أنّهُ لا تُستعمَل للرجل إلاّ على سبيل التشبيه، و منْ هنا كان استعمالنا لها في هذه الحكاية !!
#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟