فارس محمود
الحوار المتمدن-العدد: 3836 - 2012 / 8 / 31 - 02:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان قرار حكومة المالكي المليشياتية والطائفية بـ" منع دخول السافرات والمتبرجات وكذلك الرجال الذين لم يلتزموا بمظهرهم الخارجي (من قصات الشعر والملابس) بدخول مدينة الكاظمية" وتهديدها بـ"المحاسبة القانونية لكل من لم يلتزم بالقرار" خطوة اخرى في سجل سلطة المالكي السيئة الصيت والمعادية لابسط الحقوق والحريات المدنية. لم يقم بفرض طوق على شارع او محلة او .... بل على مدينة يبلغ سكانها المليون تقريبا! يبدو ان لاحدود لانحطاط هذه الحكومة.
من الواضح ان "ديمقراطية" المالكي و"العراق الجديد" الذي ارساه المالكي وامثاله اثر حرب امريكا واحتلالها بحد من التفاهة والهزالة بحيث لاتتحمل ابسط حق من حقوق الانسان، حق الانسان في الملبس. فيالسخف الديمقراطية وهذه السلطة القرووسطية.
انها سلطة تنصلت عن كل ما يهم المواطن في العراق، سلطة النهب الخرافي، القتل والجريمة المنظمة، سلطة انعدام ابسط اشكال الخدمات من ماء صالح للشرب، الكهرباء، النظافة، وصولاً الى البطالة المليونية والجوع والفقر المدقع. انها سلطة اتت للحكم عبر المليشيات والنهب المنظم. لاتمت بادنى صلة للانسان وهمه وسعادته ورفاهه. وان كل مايحتاجه الانسان في العراق ليس موضوع عندها، وان محاربة المدنية والتحضر، وحقوق العمال والنساء والشباب هو اول اولوياتها، وماتسهر على تنفيذه بالقمع والخرافة وتبليه المجتمع.
عنصرية سافرة!
لو تصورنا ولو قليلا ان مدينة باريس او روما مثلاً قررت اغلاق ابوابها امام كل من يرتدي زياً اسلامياً، فماذا سيكون راي امثال المالكي. الا يقلبون الدنيا ولايقعدوها بضجيج "ان هذه عنصرية"، "انه تمييز بحق المسلمين"، "انه مناقض لحقوق الانسان"، "انه مناهض للحريات" وغير ذلك. انه تمييز وعنصرية بكل ماتعنيه الكلمتان من معنى. انه عنصرية بقدر تلك المدينة التي تضع لوحة على ابواب مطاعمها او اسواقها "يمنع دخول السود" او "يمنع دخول العرب" او غيره ممارايناه في تاريخ البشرية، والذي داست عليه البشرية نفسها وانطلقت نحو الانسانية والتقدم. انه تمييز تجاه الانسان استناداً لا الى الدين والقومية، هذه المرة، وبشكل احط، استناداً للملبس والمظهر. من يقبل بهذا؟!
اثمة انسان يتمتع بادنى درجات الانسانية ان يقبل مثل هذه القرارات المجحفة والمنحطة؟! انه يقبله امثال المالكي وسلطته وتياره السياسي والفكري. فيالبؤس هذا التيار وانحطاطه! ان هذا القرار هو كاف لاصدار حكم كنس هذه الطغمة المليشياتية مرة وللابد من حياة هذا المجتمع. انه تيار الردة للوراء. انه متاخر كثيرا عن عصره. ان المجتمع اكثر تقدماً منه بكثير. انه قرار الافلاس الفكري والسياسي لهذا التيار ودليل على ان مابجعبته للمجتمع لايتعدى سوى هذه "العطايا" القرووسطية، سوى التردي القرووسطي.
"الاسلمة" حاجة ملحة!
انها سلطة تهدف الى اسلمة مجتمع مدني ومتحضر وسار في ركب التقدم منذ القرن الماضي بالقوة، بالعنف والقسر. بيد ان سؤالاً يطرح نفسه هنا: لماذا هذا السعي الدؤوب لاسلمة المجتمع؟ ماهي حكمة الاسلمة عند السلطة الحاكمة؟ وماذا "تدر" عليها اسلمة المجتمع في عراق اليوم؟!
الحكومة والسلطة الحالية استبدادية بكل معنى الكلمة. ان وضعنا جانباً تشدقات المالكي وازلامه حول "الحرية" و"حقوق الانسان" و"العراق الجديد" المبتذله، فان عراق المالكي المنشود هو عراق الاستبداد وقمع الحريات والديكتاتورية. ان الاسلمة توفر اداة مهمة بيد المالكي وامثاله من اجل اخضاع المجتمع وتركيعه. الاسلام اداة مهمة لهذا الغرض. انهم حين يجبرون النساء على ارتداء العباءات والحجاب او الشباب على ارتداء نمط معين من الملابس وقصات الشعر، وحين يقر المجتمع بهذا الامر ويركن اليه صاغراً، فان ذلك يعني ان المجتمع اقر بالامر الواقع والسلطة الواقعة وقراراتها وقوانينها بوصفها امر طبيعي وعادي.
ان الاسلمة اطار لقولبة المجتمع، وبالتالي، لفرض "ماهو مقبول" وماهو "غير مقبول" من زاوية السلطة الحاكمة، من زاوية اهدافها ومصالحها. انها تسعى لارساء مجتمع مدجن، مجتمع يسكت فيه العامل على اوضاعه المزرية، مجتمع عمالة رخيصة وخانعة. ويسكت المتطلع للحرية والسمو والارتقاء الانساني عن تطلعه ومجمل الساعين للتغيير وحياة اكثر انسانية ومدنية. وليس بقدر الدين، بوصفه ايديولوجيا وافكار ام بوصفه اطار قمعي ومحضوراتي، مايفرض الخنوع على الانسان.
ان حكومة المالكي هي حكومة تسعى باظافرها واسنانها لتثبيت سلطتها، تسعى لتثبيت هيمنتها في المجتمع والتحكم به وبثرواته النفطية الهائلة هي بامس الحاجة الى تركيع المجتمع، للقمع السافر والمستتر، بامس الحاجة للمليشيات والاسلام والطائفية ولكل مايدفع باهدافها ويقربها منها.
كذب وصفاقة!
على الانسان ان يضع هذا الكذب السافر والصلف جانباً، الكذب الذي مفاده "يرحب ويشكر اهالي الكاظمية الحكومة على قرارها"! ان الصفاقة تكمن بـ"سحل قدم الاهالي" لوسط الموضوع. انه ترحيب جمع معين، اناس معينين، تيار سياسي معين، تيار المالكي والدعوة ورموز الجهل والتخلف والطفيلية. والا كيف قررت الاغلبية الساحقة الترحيب بهذا القرار؟! وفق اي الية؟! من الذي سمح لهذا الجمع ان يتحدث باسم "اهالي الكاظمية"؟ من اين استمد هذا التخويل للحديث باسم الاهالي؟! انه تخويل لايساوي قطعة القماش الرخيص الذي كتبت عليه اللافتات في بوابة المدينة.
ان الاغلبية الساحقة من اهالي المدينة ساخطة على هذا القرار. انه تضييق عليها. كل لاسبابه. المدني لمدنيته، الفتيات والشباب للتضييق الذي يفرض عليهم، قاطنوا المدينة للسيطرات وطوابير الدخول الطويلة جراء هذا القرار ومضايقات لا شرطة الاداب، بل في الحقيقة شرطة كل من لا ادب له، اصحاب المحلات وذلك لتقييد تدفق الناس على المدينة/ وبالتالي على حركة السوق التجارية. ان هذا هو شعور الانسان في الواقع الحياتي واليومي. قليخرسوا ولايتحدثوا عن "ترحيب" و"شكر" اهالي المدينة!
انه النفاق والرياء اللذان يستهتران بصلافة بمشاعر الناس. اين هي مشاعر الناس عند هذه السلطة القمعية حين يكتوون بحرارة تصل الى 60 درجة مئوية دون كهرباء! اين هي مشاعر الناس عندها حين يسحقهم الجوع والفقر المدقع، ولماذا تلزم سلطة المالكي الصمت على مشاعر ملايين العاطلين عن العمل؟!اين هي مكانة مطاليب الناس في الخدمات وضد البطالة والنهب والسلب وسلطة المليشيات والانفلات الامني؟ اين هي مكانة الناس ورايها حين قتلت وسجنت وخطفت ومارست قمعاً وحشيا بحق المتظاهرين العزل في ساحة التحرير في شباط العام المنصرم. انها سلطة معادية للجماهير، ولهذا عليها ان تخرس ولاتنطق باسم اهالي الكاظمية "المقدسة" في حين ان الاهالي ليس لهم ادنى قيمة لدى سلطة المالكي واجندتها. ان جر اقدام الناس زوراً هو ديدن الديكتاتوريات دوماً.
على هذه الحكومة ان ترحل. ان تلملم خرقها الطائفية البالية وترحل. ليس امام الجماهير الداعية للتحرر والمساواة، ليس لدعاة المدنية والتقدم والثقافة والحضارة، ليس للطبقة العاملة وسائر محرومي المجتمع من سبيل لمجتمع اكثر انسانية دون الاطاحة بهذه السلطة المليشياتية الجاثمة على قلوب الجماهير المتعطشة للرفاه وللمدنية. ينبغي احباط هذا المسعى وهذا القرار. ينبغي التصدي له بكل الاشكال الممكنة. يجب حشد مجمل القوى المناهضة لهذه الممارسات والسياسات في صف نضالي واحد وفي حركة جماهيرية عارمة من اجل كنس هذه السلطة وقراراتها المتخلفة والبالية. على كل المنظمات والاحزاب والتيارات والشخصيات ان تستنكر هذه الممارسات وتشجبها وتشن نضال لاهوادة فيه من اجل ايقاف فرض هذا التردي والانحطاط على المجتمع. قطب جماهير التحرر والمساواة هو من بوسعه ان يضع لهذا الانحطاط حدود.
#فارس_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟