حافظ سيف فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 1117 - 2005 / 2 / 22 - 10:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
تقدمت نائبة في البرلمان البولندي الـ(سيم) الى احدى جامعات وارسو, للبدء في اكمال الدراسة الجامعية, وشوهدت في الاعلام المرئي, وهي تجلس الى جانب زميلاتها وزملائها الطلاب على مقاعد الدراسة, وبعد ان تنقضي المحاضرات يتجمع حولها نفر من الطلبة ينشدون توقيعها, وتبادلهم الحديث. وتعيش النائبة الشجاعة حياة طالبة مجدة وطبيعية. حازت على الاعجاب والاستغراب الشعبي في نفس الوقت, من كونها عضوة برلمان ومدعومة من حزبها السياسي, ويكون مؤهلها التعليمي لايزال قاصرا!. اما الاعجاب, فنم عن مدى همتها الحثيثة في طلب العلم, دون خشية او حياء او استكبار. ولمقارنة الوضع البرلماني اليمني, بالبرلمان البولندي الاوروبي, ونائبته الغير مكتمل تعليمها, تصفحنا (الويب سايت) موقع مجلس النواب اليمني الالكتروني على الانرتنت, وتحديدا صفحة اعضاء المجلس, فوجدنا ان مؤهلات لعدد لابأس به من الاعضاء, يحمل درجات دراسية عليا (ماجستير, دكتوراه). وعدد اخر من الاعضاء, ايضا غير قليل, يحمل صفات غريبة خارج الوسط العلمي المتعارف عليه من نتاج الاكاديميات والجامعات او حتى المدارس الالزامية, في خانة المؤهل العلمي لكل عضو, مسميات مثل: خبرة في التجارة, خبرة خدمية وسياسية, خبرة في ادارة الاعمال, معادلة ازهرية, علوم شرعية, علوم دينية, متوسط قديم, رابعة متوسط. ونواب اعضاء آخرون يحمل مؤهل, اعدادي, اول ثانوي, ثانوي. وكان هناك ايضا نواب عديدون حملوا صفة (ثقافة عامة) اي انهم ارفع درجة من مؤهل الـ(البدون) و (يقرأ ويكتب), واقل درجة من ابتدائي!.
ولكن ما كان مثيرا للدهشة, ويعد من آخر الصرعات البرلمانية اليمنية, ان يوجد امام خانة صفة المؤهل العلمي لبعض الاعضاء عبارة (بدون), كحقيقة قائمة على ارض الواقع, وهؤلاء يختلفون اختلافا جذريا عن مسمى البدون لاهل الخليج, وبالرغم من ان نائب كهذا بدون مؤهل علمي, يشاد به, على وضوحه وصدقه لافصاحه, بعدم امتلاكه لاي من المؤهلات العلمية المتعبة, ووجوده في البرلمان اليمني على هذه الصفة البدونية يعتبر مقبولا عرفا او شرعا, فقد كان افضل وضوحا من غيره من اعضاء في المجلس كتب امام خانة مؤهلهم العلمي عبارة (يقرأ ويكتب), مما قد يعني تأويلا, ان هناك اعضاء لايقرأون ولايكتبون, اي انهم في رواية اخرى (اميين), واستنتجنا ذلك من خلال ترك سطر خانة المؤهل العلمي لنواب اخرين بعبارة (فارغ), وذلك اٍما بدافع الخجل, لعدم وجود وثائق مايثبت مؤهلهم العلمي او بدافع الامية الاساسية (لا التكنولوجية, امية الانترنت). ولكن لكي لا نتوقف كثيرا امام هذا الاستنتاج او الاسترسال فيه, قررنا على الفور مراجعة وتصفح قانون الترشح لمجلس النواب لمعرفة شروط العضوية فيه, عله يوجد سبب او مبرر مقنع لوجود مثل هذا (السيرك) او العجبة المثيرة في التركيبة البرلمانية اليمنية, يفترض انها مؤهلة بتعليم عال ومتخصص, لتشرع وتسن القوانين, وتراقب سير الحكومة, وتقترح حلول وبدائل, ولها سلطة المساءلة والمحاسبة. فوجدنا ان الفقرة (ج) من المادة (56) من الفصل الاول لانتخابات مجلس النواب في الباب الخامس, تشترط بحد ذاتها من المرشح لعضوية مجلس النواب: ان يكون مجيدا للقراءة والكتابة. وفي الفقرة (د) تشترط: ان يكون مستقيم الخلق والسلوك مؤديا للفرائض الدينية وأن لايكون قد صدر بحقه حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف والامانة مالم يكن قد رد اليه اعتباره. فتسائلنا كيف سيكون من السهولة العملية, اثبات القراءة والكتابة على المرشح, الا بأجراء اختبار تحريري امام لجنة تقييمية, تجعل شهادتها للمرشح المجيد فقط للقراءة والكتابة, معتمدة تأهيله للترشيح. وفعلا, في المادة (57) : أ- يقدم طلب الترشيح كتابة على النموذج المعد لذلك إلى اللجنة الأصلية أثناء ساعات الدوام الرسمي للجنة وذلك في الأيام العشرة التالية لفتح باب الترشيح، على أن يتم كتابة استمارة طلب الترشيح من قبل المرشح نفسه أمام اللجنة للتأكد من توفر شرط إجادة القراءة والكتابة ويوثق ذلك بمحضر يوقع من قبل اللجنة. اي ان الامر اصبح ممكنا وميسرا, ولكن كيف ستتمكن ايضا اللجنة الاصلية واثناء الدوام الرسمي, من معرفة ان المرشح مستقيم الخلق والسلوك, مؤديا للفرائض الدينية, واي دينية؟ هل يعني ان اليمني اليهودي لايمكنه من المشاركة في الترشيح لعضوية مجلس النواب, لان فرائضه الدينية تختلف؟ او اليمني الغير متدين او المتساهل كسلا لفروضه الدينية, لايمكنه المشاركة؟ فمواطنا مثل "سيدي" حسين الحوثي, كان مؤديا وملتزما لفروضه الدينية, بينما مواطن (اكس) من الناس كان وطنيا متصديا في جبال مران لتمرد الاول. وهل الامور السياسية عموما في اليمن تقاس وتؤخذ حسب المواطنة اليمنية ام حسب الاعتقاد والتسلك بمسلك, لايكشف, الا بشق صدور الناس والبحث في نوايا قلوبهم؟. واعتقد ان مثل هذه العبارات والمصطلحات المطنطة, لازالت من بقايا نهاية حرب انفصال صيف, 1994, عندما تم ارضاء التيار الديني المشارك في مغنم الانتصار, والذي تعسر عليه بعد الوحدة من اقحام مصطلحاته من مصطلحات الاسلام السياسي في الدستور والقوانين, وخاصة المصطلح الخلافي الشهير, الشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع, او مصدر جميع التشريعات.
فنلحظ فيما سبق ذكره, ان مسألة القراءة والكتابة حُل امرها, ولكن الاستقامة والخلق وتأدية الفرائض يصعب حلها عمليا. فمثلا, هناك امكانية في صدور حكم قضائي, اذ يكفي ان يقدم المرشح شهادة رسمية من مصدرها, تفيد بعدم الاخلال بالشرف والامانة. ولكن كيف يقدم شهادة بانه مؤدي للفرائض وحسن المسلك او على الاقل كيف يتم القياس العملي في هذا الشأن!؟.
الم يكن من الواجب والكافي ان يقدم مرشح عضوية مجلس النواب او البرلمان شهادة بحسن سيرته وسلوكه والتي يمكن قياسها, واصدارها جهة مخولة قضائية عدلية, بان (لاحكم عليه). كذلك ان يقدم شهادة قابلة للمقاييس العملية المنصفة, اكاديمية او علمية, لاتقل عن جامعية او ما يعادلها, لتؤهل العضو المرشح لمنصب هام كهذا. ويمكن النظر لحالة اليمن الخاصة بسبب ارتفاع نسبة اميتها, وقلة جامعاتها في زمن مضى ليس ببعيد, فيقل الشرط الى مستوى ثانوية عامة او مايعادلها. فالمنطق يفيد انه من الحري, ان لايمثل الاميين, اعمى او امي مثلهم او من يفك الخط, بل متعلم, عال التعليم, ويثبت ذلك بتقديم مؤهلاته العلمية من شهادات دراسية دون اللجوء الى اختبارات تحريرية وموثقة بمحضر!. ونقترح ان ينشئ لاعضاء مجلس النواب اليمني وغيرهم من رفيعي سلك الدولة الذين يتصفون في مؤهلاتهم العلمية من الصفات الغريبة سابقة الذكر: البدون, والثقافة العامة, وذوي الخبرات الحياتية (لا الاكاديمية). ان يكملوا تعليمهم, ولن ننصحهم بالاقتداء بالمرأة البرلمانية البولندية المذكورة انفا, كي ينخرطوا مباشرة في المدارس والجامعات ويحتكوا بالطلبة واشغالهم بالمرافقين المسلحين واقلاق امنهم, وانما فتح مركز تعليمي متخصص لمثل هذه الحالات المستعصية والنادرة في العالم والمتوفرة بغزارة في المجتمع اليمني, يعنى بمحو الامية حتى الدراسات الجامعية, ليعتبر اكاديمية خاصة فقط برجالات الدولة المعينين والمدعومين واعضاء مجلسي الشورى والنواب الغير حاصلين على تعليم اولي او تعليم عالي. حتى يشعر المواطن والناخب بالطمأنينة في ان مستقبله ومستقبل البلاد في ايدي تديرها عقول على مستوى عال من الثقافة والتعليم المؤهل والمتخصص. كان هذا مجرد اقتراح.. قد يسهم من بعيد, ولو بطريق غير مباشر, لاعادة النظر في الكف عن ملاحقة طلبة الدراسات العليا في الخارج بقطع مساعداتهم المالية المتواضعة اصلا, واستهدافهم من اعلى مستويات الدولة, والعمل على تقدير مستوياتهم العلمية العليا بدعمهم, واعادة فتح باب الابتعاث الى الخارج خاصة في الدراسات العليا وعلى نفقة الدولة, والتي لو اجتهد قليلا مجلس الوزراء بحرص, ووجدت ارادة سياسية عليا جادة, لكافحت الفساد المالي والاداري المستشري في اروقة الدولة, وامرت بترشيد الانفاق العام, لما لجئ صاحب اعلى قرار سياسي في السلطة, الى هدم فائدة عملية الابتعاث الدراسي للخارج. وليتبصر المسؤلين عن المال العام فقط, في تكاليف تنقلات مسؤولي الدولة الجوية والوفود المبالغ بعددها بالطائرة الرئاسية وتكاليف الاقامات والاطعمة في رحلاتهم المكوكية وهلم.., تكلف ميزانية الدولة الكثير. والحقيقة المرة, لانعلم لماذا في كل مرة يراد بها مصارعة الفساد المزمن في اليمن, يكون اول عرضه لمعول "الاصلاح الهادم" الطلبة الدارسين في الخارج, ويتم صرع الطلبة بالضربة القاضية, ويبقى (بعبع الفساد المزمن) ممدا لسانه ساخرا من الحكومة وقياداتها العليا امام انظار الجماهير الشعبية التي شبعت من هذه النكتة السمجة الممجوجة, نكتة (اصلاح الفساد المالي والاداري). بامكان اي من المراقبين مراجعة هذا الملف وسيتأكد من صحة هذا القول, وعلى مدى تشكيل الوزارات السابقة, كان يحدث هذا دوما مع الطلبة ويدفعون ثمنه غاليا. انه فعلا, امر لفي غاية الغرابة!!.
*حافظ سيف فاضل, كاتب وباحث اكاديمي
#حافظ_سيف_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟