|
ملاحظات على أطروحة محمد عادل زكي عن جدلية القيمة الزائدة
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 3833 - 2012 / 8 / 28 - 16:55
المحور:
الارشيف الماركسي
لقد أثارت أطروحتى بشأن إعادة طرح جدلية القيمة الزائدة الحديث ربما الخافت، وبمساهمة المفكر الكبير يوسف المصرى، فإنى أعتبر باب النقاش الجدى قد صار مفتوحاً، وأدناه أورد نص ملاحظات أستاذنا المفكر الكبير على مساهمتى كما كتبه، وأتمنى أن تصبح بداية سديدة نحو مناقشة علمية رصينة من أجل إعادة فهم سر حياة الرأسمالية.
ملاحظات على مداخلة الدكتور محمد عادل زكي عن القيمة الزائدة بقلم المفكر الكبير يوسف المصرى ------------------------------------------------------------------------ الغرض من هذه الملاحظات ان اقدم للقراء من عمال مصر مداخلة مبسطة عن معنى القيمة الزائدة او القيمة المضافة دون تعقيد وان ارد في نفس الوقت على اراء عرضها كاتب وصديق استفيد كثيرا من كتاباته ويستفيد منها كثيرون غيري وهو الدكتور محمد عادل زكي في مقال نشره تحت عنوان مخطوطات اولية في جدلية القيمة الزائدة. لدينا اربعة عناصر سنرصد هنا العلاقة المتبادلة فيما بينها: العنصر الاول هو تكلفة قوة العمل والعنصر الثاني هو القيمة المضافة والعنصر الثالث هو انتاجية العمل والعنصر الرابع هو وقت العمل والآن فلنتحدث عن سلعة معينة ولتكن مثلا القلم. ولنفترض ان العامل ينتج قلما واحدا في يوم العمل الواحد اي في 12 ساعة في لحظة معينة لنسمها مثلا اللحظة الاولى. ثم لنفترض ايضا ان القلم يباع بعشرة جنيهات منها تكلفة انتاج (بدون اجر العامل) 6 جنيهات وان العامل يتقاضى 2 جنيه (جنيهان) ومن ثم فان صاحب المصنع يحصل على جنيهين فيما يسميه الكاتب القيمة الزائدة. ويعني ذلك بطبيعة الحال انه لو زاد اجر العامل من جنيهين الى 3 جنيهات فان القيمة الزائدة ستنقص من جنيهين الى جنيه واحد. وبنفس الصورة فانه لو نقص اجر العامل من جنيهين الى جنيه واحد فان القيمة الزائدة ستزيد بدورها الى 3 جنيهات. والآن لنفترض لحظة تالية – لنسمها اللحظة الثانية - تطور فيها فن الانتاج واضيفت آلة صغيرة الى العامل فاصبح ينتج ثلاثة اقلام في اليوم الواحد. اي ان "انتاجية العمل" زادت. وانتاجية العمل هي ما ينتجه العامل الواحد في يوم العمل الواحد. في هذه الحالة فان تكلفة الانتاج بدون اجر العامل ستكون 18 جنيها. واذا كان اجر العامل جنيهين اثنين فان اجره سيظل على حاله اي جنيهين طالما ان ان وقت العمل ظل على حاله اي 12 ساعة. في هذه الحالة سيدفع صاحب المصنع 20 جنيها هي تكلفة الانتاج بالاضافة الى اجر العامل وسيبيع الاقلام الثلاثة التي انتجها العامل في يوم عمله ب30 جنيها اذ ان سعر القلم الواحد 10 جنيهات كما اسلفنا. من هذا المثل الذي يبدو بديهيا يمكن القول انه عند بعد النتقال من اللحظة الاولى الى اللحظة الثانية حدث ما يلي : ارتفعت انتاجية العامل وبقيت اجر العامل كما هو وارتفعت القيمة الزائدة اي ما يحصل عليه صاحب المصنع في آخر اليوم. واذا فعلنا العكس اي اذا انتقلنا من اللحظة الثانية الى اللحظة الاولى في "مارشدير" فاننا سنجد التالي : انخفضت انتاجية العامل وبقي اجر العامل كما هو وانخفضت القيمة الزائدة. ليس ذلك صعبا على الذهن. ولكن فلننظر الى السلعة ذاتها تحت اشعة اكس. يمكن ان نجد صورا كثيرة للقلم ولكننا سنركز على الصورة التي تعنينا هنا وهي "قيمة" قوة العمل محسوبة في القلم الواحد. في اللحظة الاولى كان العامل ينتج قلما واحدا ويتقاضى جنيهين. في هذه الحالة فان قيمة قوة العمل من مجمل القيمة التبادلية للسلعة كان جنيهين. وفي اللحظة الثانية كان العامل ينتج ثلاثة اقلام ويتقاضى جنيهين ايضا. اي ان مساحة قيمة قوة العمل في الصورة التي نراها تحت اشعة اكس للقلم الواحد تراجعت فقد اصبحت نحو 66 قرشا فقط. من هذا المثل نخلص الى انه في اللحظة الاولى (حين نقارنها باللحظة الثانية) : كانت انتاجية العامل منخفضة وكان اجره ثابتا وكانت حصة قوة العمل في قيمة السلعة مرتفعة (لانها كانت جنيهين) وكانت القيمة الزائدة منخفضة (لانها كانت جنيهين) وفي اللحظة الثانية حين نقارنها بالاولى : كانت انتاجية العامل مرتفعة (فقد اصبح ينتج ثلاثة اقلام بدلا من قلم واحد) وكان اجره ثابتا وكانت حصة قوة العمل في قيمة السلعة منخفضة (لانها اصبحت كما رأينا تحت اشعة اكس 66 قرشا) وكانت القيمة الزائدة مرتفعة (لانها اصبحت 6 جنيهات) ويمكن التعبير عن هذه المعادلة ذاتها التي تبدو الآن واضحة تمام الوضوح بطرق مختلفة كثيرة. فلنبحث مثلا هذه المعادلة الواضحة من زاوية وقت العمل. في الحالة الاولى كان العامل ينتج قلما واحدا في 12 ساعة وهكذا فان اجره في 12 ساعة كان جنيهين. اي انه لو عمل اربع ساعات فقط اي لو انتج ثلث قلم وعمل ثلث يوم العمل المعتاد واصيب بوعكه اعادته الى منزله فان سيتقاضى 66 قرشا. وفي الحالة الثانية فانه يتقاضي جنيهين لينتج ثلاثة اقلام. فلو اصيب بمرض منعه من الاستمرار في العمل بعد 4 ساعات فقط فانه سيتقاضى ايضا 66 قرشا رغم انه انتج قلما كاملا وليس ثلث قلم كما كان الامر في الحالة الاولى. نأمل اذن ان تكون المسألة واضحة تماما في ذهن القارئ الذي يتابع اذ ان الامر ليس به كما هو واضح حتى الآن اية الغاز. والآن فلنبحث "التناقض" الذي اشار اليه الكاتب في هذه القصة المسلية. المعادلة الاولى التي يبرزها الكاتب – محقا – هي ما قاله ماركس وريكاردو من ان القيمة المنتجة تساوي القيمة الزائدة مضافا اليها قيمة قوة العمل. فلنشاهد الآن معنى تلك المعادلة في اللحظة الاولى في حكايتنا المسلية. القيمة المنتجة في الحالة الاولى هي قلم واحد اي عشرة جنيهات. وهي تقسم بين القيمة الزائدة وقوة العمل. ولكن لماذا لم نذكر "تكاليف الانتاج" الاخرى مثل المواد الخام والكهرباء وما الى ذلك. يرجع السبب الى ان ماركس وريكاردو كانا يعتبران كل العناصر التي تدخل في عملية الانتاج هي قوة عمل. فالمادة الخام لم تكن لتوجد بدون تفاعل عمل العمال مع الطبيعة ومحطات الكهرباء لم تكن لتنتج بدون عمال (العمل الذهني هنا يعد عملا ايضا مثل عمل المهندسين). وفي كل الاحوال فان هذه قضية اخرى يمكن مناقشتها في سياق آخر ولكن لنؤجل ذلك قليلا ونعود الى المعادلة مفترضين صحتها اي ان القيمة المنتجة = القيمة الزائدة + قيمة قوة العمل. بعد ذلك يتقدم الكاتب الى مداخلته الاساسية فيقول : "بيد ان ثمة ملاحظات نبرزها على القانون بعد اعادة صياغته على يد ماركس". ويذكر الكاتب تلك الملاحظات. فما هي تلك الملاحظات؟. يقول الكاتب منتقدا هذه المعادلات انه حين تنتقل الحكاية المسلية التي بدأنا بها من الحالة الاولى الى الحالة الثانية فان العامل ينتج في تلك الحالة الثانية قلما واحدا كل اربع ساعات. اي ان ما كان يفعله في يوم العمل كله في الحالة الاولى اصبح يفعله الآن في اربع ساعات فقط. ثم يسأل : فما هو مصير باقي ساعات يوم العمل؟ مصير باقي ساعات العمل هو ان صاحب المصنع "شفطها". فهو يدفع للعامل اجر انتاج قلم واحد ثم يدفع له نفس الاجر لانتاج ثلاثة اقلام. صاحب المصنع هناك حصل من العامل على قلمين "ببلاش" بعد دفع تكلفة الانتاج طبعا واخذ منه قيمة زائدة حتى على القلم الواحد الذي انتجه في الاربع ساعات؟ اي ان صاحب المصنع حصل على قيمة زائدة "خالصة" (اي بدون اجر العامل) اذا اردنا التبسيط خلال ساعتين وحصل على القيمة الزائدة بعد دفع اجر العامل عن الاربع ساعات الاولى. ولهذا السبب فاننا حسبنا القيمة الزائدة في الحالة الثانية على الوجه التالي : لانتاج ثلاثة اقلام ثمنها 30 جنيها حصل العامل على جنيهين ودفع صاحب المصنع تكاليف انتاج 18 جنيها ثم وضع في جيبه 10 جنيهات بدلا من الجنيهين اللذين كان يحصل عليهما في الحالة الاولى. وسوف نلاحظ هنا ان ما يسمى ربح صاحب المصنع قفز من جنيهين الى عشرة جنيهات اي خمسة اضعاف بينما انتاجية العامل قفزت من قلم واحد الى ثلاثة اقلام اي ثلاثة اضعاف فقط. لما اذان زادت حصة صاحب المصنع كنسبة وتناسب عن حصة العامل؟. السبب انه حصل على قيمة زائدة "خالصة" كما سميتها مجازا ولكن ما هو وجه التناقض في هذه "الحدوتة"؟..لاشئ. فلنعد اذن الى فرضيات الكاتب. انه يقول "الافتراض هو : يوم عمل مكون من 12 ساعة. وكل ما يفترض ان سلعة معينة كانت تنتج عدد ساعات معين. وظهر فن انتاجي جديد جعلها تنتج في عدد ساعات اقل. ولكن لم نعرف مصير باقي ساعات يوم العمل. فالافتراض هو: يوم عمل مكون من 12 ساعة تنتج من السلع ما مقدراه 6 جنيهات. فلما ظهر الفن الانتاجي الجديد الذي زاد من انتاجية العمل جعل ال6 جنيهات تلك تنتج في 6 ساعات. فما هو مصير باقي ساعات يوم العمل المؤلف من 12 ساعة اي ما مصير ال 6 ساعات المتبقية من اليوم؟. نمط الانتاج الرأسمالي لديه الاجابة اذ يقول ان ال6 ساعات المتبقية هي ساعات عمل غير مدفوع الاجر ومن ثم تضاف الى جانب القيمة الزائدة". هذا كلام الدكتور محمد عادل وهو كلام "ميه ميه". ثم يخلص الدكتور من ذلك الى قول التالي: "اننا نكون امام النسب التالية : 12 ساعة عمل = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة 6 ساعات عمل = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة العمل + 6 قيمة زائدة + 6 قيمة زائدة اضافية نتيجة استخدام الفن الانتاجي" انتهت هذه الفقرة من كلام الدكتور محمد عادل وسأثبت هنا ان بعض الاخطاء التي وقع فيها بعد ذلك ناجمة في الحقيقة عن الطريقة التي وضع بها هالتين المعادلتين. فاذا كان العامل (في مثل الكاتب) ينتج 12 سلعة في 12 ساعة تباع كل منها بنصف جنيه فان الدخل الاجمالي سيصبح 6 جنيهات. لنفترض الآن ان صاحب المصنع سيدفع منها 3 مقابل قوة العمل فانه يحصل على 3 جنيهات عن عمل العامل الواحد ويروح بيتهم بعد ذلك. اذن المعادلة الاولى التي وضعها الكاتب لا مشكلة فيها باعتبارها حالة القياس. ولكن حين دخلت الآلة اصبح العامل ينتج في 6 ساعات ال 12 سلعة نفسها. ولكنه لا يتقاضي مقابل ذلك كل اجره عن يوم العمل (12 ساعة) الذي كان يؤديه قبل دخول الماكينة. انه يتقاضى فقط نصف الاجر لانه عمل نصف اليوم. المعادلة الثانية لن تصبح اذن كما وضعها الدكتور محمد عادل اي ليست 6 ساعات عمل = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة العمل + 6 قيمة زائدة + 6 قيمة زائدة اضافية نتيجة استخدام الفن الانتاجي الجديد (هذه صيغة الكاتب وهي طبعا غير دقيقة حتى حسابيا) المعادلة الصحيحة ستصبح 6 ساعات عمل = 6 جنيهات (لان العامل انتج ال12 سلعة في نصف الوقت) = 1,5 قيمة قوة العمل (لان العامل تقاضى نصف اجره عن نصف يوم عمل وليس اجرا كاملا كما افترض الكاتب) + 4,5 قيمة زائدة. باختصار لقد نسي الدكتور محمد عادل شيئين. الاول هو خفض اجر العامل بحكم انه عمل نصف يوم فقط كما نسى انه حسب القيمة الزائدة مرتين. ولكن ما علينا. العامل في مثل الدكتور محمد عادل عمل نصف يوم وانتج بواسطة الماكينات وبعون الله تعالى 12 سلعة في نصف يوم بيعت بست جنيهات ذهب منها الى قوة العمل حسب ارقام الدكتور بعد تصحيحها 1,5 جنيها وشفط صاحب المصنع 4,5 جنيها. والمعادلة على هذا النحو تصبح مضبوطة حسابيا. صح؟. ولان الدكتور اسس على معادلة خاطئة كل مداخلته التالية فان المداخلة بدورها تصبح خاطئة. ولكن لنفحصها عن قرب على اي حال. يقدم الكاتب بعد ذلك معادلتين جديدتين. هاتان المعادلتان هما: 12 ساعة عمل = 6 جنيهات = 3 قيمة قولة عمل + 3 قيمة زائدة و 12 ساعة = 4 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 1 قيمة زائدة الواضح ان الفرق بين المعادلتين هو كما اوضح الكاتب انخفاض الانتاجية في الحالة الثانية عنها في الحالة الاولى. طيب. فلنفصل المعادلتين قليلا. العامل ينتج في يوم العمل الكامل 12 سلعة قيمة كل منها نصف جنيه اي 6 جنيهات. منها 3 قيمة قوة العمل و3 قيمة زائدة. ماشي. ولكن اذا لم يكن لدى العامل آلات فانه سينتج 8 سلع في اليوم قيمتها 4 جنيهات. وحيث ان اجر العامل كما هو لانه عمل يوما كاملا فان قوة العمل ستكلف الامر نفسه اي 3 جنيهات وسيتبقى لصاحب المصنع جنيه واحد من عمل العامل الواحد. لا خلاف مع ذلك. من هاتين المجموعتين من المعادلات التي تضم كل منهما معادلتين للمقارنة يخلص الكاتب الى التالي : - "سأفترض على غير اعتقادي ان التغير النسبي ما بين قوة العمل وبين القيمة الزائدة المؤسس على التغير النسبي في قيمة قوة العمل امام القيمة الزائدة ثم التغير ككل (من 3:3) الى (3:1) امام الانتاجية هو ما يمثل الجدلية التي انطلق منها ماركس بعد تعديله للقانون الذي صاغه ريكاردو. ولكن ما هو مدى اتساق هذا القانون مع ما قاله ماركس؟." هذه هي كلمات الكاتب وسأحاول الآن ان اوضحها للقراء من عمالنا منعا من "التوهان". ما يقصده الدكتور هو النظر الى العلاقة بين ما يـأخذه صاحب المصنع في جيبه وما يدفعه للعمال. وهو مثلنا جميعا يحاول ان يرى ما يحدث اذا نظرنا الى هذين الرقمين وحدهما. ففي حالة لما كان انتاج العامل 12 سلعة في اليوم كانت قيمة قوة العمل 3 والقيمة الزائدة 3 وبالتالي النسبة كانت 3 على 3. وفي حالة لما كانت الآلات متخلفة وكان العامل ينتج 8 سلع في اليوم الواحد كانت قيم قوة العمل 3 والقيمة الزائدة 1 اي ان النسبة كانت 3 على 1. لا خلاف. ولكن الكاتب يقول بعد ذلك مباشرة : "ولكن ما مدى اتساق هذا القانون مع مجمل البناء النظري لماركس؟ وعلى وجه التحديد مدى اتساق القانون المذكور مع قانون "ميل الربح للانخفاض" الذي قال به ماركس وصار من ركائز البناء النظري الماركسي؟ اذ يقف هذا القانون بالذات في تضاد وتناقض مع القانون الريكاردي المعدل على يد ماركس اذ يقول هذا القانون كما سنرى ان الارباح تميل الى الانخفاض كلما تم استحداث الفن الانتاجي الجيد باحلال الآلة محل عنصر العمل" حتى هنا ومن الوجهة الظاهرية فقط يبدو الكاتب محقا رغم انه اجاب بنفسه على سؤاله كما سنرى لاحقا. لماذا يبدو محقا؟ لان المعادلات التي وجعنا رأسنا بها توا تبرهن انه كلما دخلت الآلة كلما زادت القيمة الزائدة. فما يشفطه صاحب المصنع يزيد مع زيادة الانتاج. الارقام تقول ذلك. ولكن من الناحية الاخرى فان ارقام ارباح الشركات الاميركية الكبيرة مثلا تنخفض منذ الاربعينيات حين كانت تبلع 25% تقريبا الى 5% في بعض الحالات الآن رغم ان تلك الشركات لا تتوقف عن ادخال آلات جديدة. ليه طيب؟. لسبب بسيط. هو انها بالذات تدخل آلات جديدة لتحل محل الآلات القديمة. فلنتصور مثلا ان صاحبنا صاحب مصنع الاقلام الذي يبدو اننا نسيناه الآن ادخل الآلة التي جعلت انتاج العامل يزيد من قلم واحد في اليوم الى 3 اقلام في اليوم وبالتالي جعلت القيمة الزائدة التي تدخل جيب صاحب المصنع من جنيهين الى 10 جنيهات وانه بالتالي كان في غاية الانبساط الى ان سمع ان صاحب المصنع المجاور ينوي ادخال آلات احدث. ساعتها سيبدأ التفكير. لو ادخل صاحب مصنع الاقلام المجاور آلات جديدة فانه سيربح اكثر وسيجعله ذلك قادرا على خفض سعر القلم من 10 جنيهات الى 9 جنيهات فقط دون ان يخسر شيئا اذا ان الزيادة في الارباح ستعوض الفارق. صاحب المصنع الاول سيشعر ان عليه ان يتحرك بسرعة لاستبدال الآلات التي اشتراها بآلات احدث حتى لا تكسره المنافسة. وبالتالي فان يخصص جزءا من القيمة الزائدة لرأس المال الثابت. بل ان البعض يفتح معمل للابحاث وللتطوير داخل مصنعة ويوظف مهندسين كل عملهم هو تطوير آلات احدث حتى لا يبتلعه جاره. الموضوع اذن لا يحدث في فراغ بين صاحب المصنع وعماله. ولكن هناك عنصر المنافسة. المنافسة. المنافسة التي شرحها ماركس في ردساته للتحولات الداخلية التي تطرأ على البنية العضوية لرأس المال بصورة بالغة الوضوح. ذلك ان التطوير التكنولوجي ليس اختيارا بالمزاج في المجتمع الرأسمالي. لهذا يقول اصحاب الشركات "ان لم تكبر ستصغر" وهذا صحيح تماما لان الجار سيكبر وسيبتلعك. الفلوس اذن لن تستقر في جيب صاحب المصنع طويلا اذ ان عليه ان يواصل انفاقها على تطوير ادوات الانتاج بلا توقف والا داسته اقدام المنافسين. هذا ما قاله ماركس. وهو يبدو "مش راكب" مع سؤال الدكتور عن الخطأ الهيكلي في نظرية ماركس عن القيمة. ولكن هناك جانب آخر مهم اشار اليه المفكر الكبير الذي شرح آليات عمل المجتمع الرأسمالي كما لم يشرحها احد حتى ان الرأسماليين يدرسون الآن نظريته لفهم اسباب ازمتهم الحالية. ذلك ان نجاح اي فرع من الصناعة مثل صناعة الاقلام التي اعطيناها مثلا وظهور علامات الثراء والعز على صاحب احد مصانعها سيؤدي الى ان يتوجه اصحاب رأس المال الى هذا الفرع نفسه. ويعني ذلك زيادة الطلب على قوة العمل المتخصصة في صناعة الاقلام. والعامل هنا يعتبر من زاوية نظر صاحب رأس المال سلعة وليس شخصا. فاذا كان هناك عمال متخصصون كثيرون فان اجر الواحد منهم يصبح قليلا واللي مش عاجبه يورينا عرض كتافه. واذا كان المهرة في انتاج الاقلام قلائل فان "سعرهم" يزيد. الامر في نظر الرأسمالي مثل شراء الطماطم. في الموسم رخيصة وخارج الموسم غالية. وحين يحدث تطوير كبير في الطاقة الانتاجية الصناعية فان اجر العامل يزيد وتتشكل النقابات وتطالب بكذا وكيت. وقد رأينا ان جلب العمال المهاجرين الى اوربا من الجزائر والمغرب مثلا كان تجارة مربحة بعد الحرب العالمية الثانية فقد كانت الصناعات تنمو دون توقف وكان الوكلاء يذهبون الى مدن الجزائر وهم يحملون اجراسا ويقفون في الشارع لعرض العمل على الجزائريين والتذكرة مدفوعة والسكن جاهز. كان الهدف هو كسر عين العمال الفرنسيين ومنعهم من المطالبة باجور عالية بسبب شدة الطلب على قوة العمل. وحين اصاب الضعف معدلات النمو في فرنسا وحلت الازمة بصورة تدريجية متمثل في انخفاض معدلات الربح للشركات بسبب المنافسة ليس في الداخل فقط ولكن في اسواق العالم ايضا اصبح العمال على قفا من يشيل كما يقولون واصبح الجزئريون والاجانب مشكلة واقلية منبوذة يتعرضون للتفرقة العنصرية خصوصا وان العمال الفرنسيين انفسهم لا يجدون عملا. ولكن رأس المال الكبير في فرنسا لا يعامل العمال الفرنسيين افضل كثيرا. فنظرا لانهم دافعوا عن حقوقهم فقد فكر الرأسماليون في طريقة لخلق وفرة في قوة العمل دون جلب مهاجرين من بلاد اجنبية. وكان الحل بسيطا. فقد ذهبت رؤوس الاموال الى البلاد الاجنبية لاقامة مصانعها هناك وبلا وجع راس ولا جلب للعمال من الخارج. وكان ما سبق ذلك طبعا هو ارغام الدول المستضيفة لرأس المال الاجنبي على ان تخفض الضرائب وان تزيل الرسوم الجمركية وان تتوسل لاصحاب رأس المال كي يأتوا لاستغلال عمالها بدلا من ان يستغلوا العمال الفرنسيين بسبب ارتفاع اجر هؤلاء. اي انهم في الحالتين في حالة نقل العمال الاجانب الي فرنسا وفي حالة نقل رأس المال الى الجزائر (مثلا وليس بالذات) فانهم كانوا يدقون اسفينا مصطنعا بين العمال على الجانبين وكانوا يبحثون في الحالتين عن خفض قيمة قوة العمل. ان رأس المال مهمته تعظيم الربح بصرف النظر عن اي عوامل اخرى. لا وطنية ولا اخلاص للفرنسيين باعتبارهم "ابناء الوطن" ولا دايولو. فرأس المال لا وطن له ولا دين له. ولكن فلنعد للدكتور محمد عادل الذي يرغمنا دائما على ان نفكر. يقول الدكتور في مقاله "نحن امام قانونين متناقضين. اولهما يقول بان الآلة تزيد من القيمة الزائدة بالنسبة لقوة العمل. والثاني يقول ان الآلة تخفض من القيمة الزائدة لتخفيضها رأس المال المتغير بالنسبة بالنسبة لرأس المال الثابت!! فماذا يعني ذلك؟ ان ذلك بتصوري يعني التناقض الحقيقي وهو المستتر يعني الجدلية في اوضح صورها وهو المعنى الذي لم يحققه ريكاردو وماركس بالتبعية. فحين تم استحداث فن انتاجي جديد تصور ريكاردو وماركس من بعده ان التناقض يقع بين القيمة الزائدة وبين قيمة قوة العمل". ليس ثمة تناقض الا فيما يقوله الدكتور محمد عادل بطبيعة الحال لسبب بسيط هو انه حين يتحدث عن "ادخال فن انتاج جديد" فانه يتحدث عن فلوس ستنفق لاستبدال فن الانتاج القديم بفن الانتاج الجديد هذا. ولكم من سيدفع هذا الفلوس؟ العمال؟ كيف اذا كانوا يعيشون بالعافية واذا لم تكن لهم مصلحة من الاصل في شراء ماكينات يملكها صاحب المصنع وليسوا هم؟. وهو يقول في الفقرة نفسها امرا لو استطرد فقط في وصفه لحل المعضلة التي يواجهها. الا انه بدلا من الاستطراد يضع علامات عجب. انه يقول ان الآلة تخفض من القيمة الزائدة بسبب تخفيضها رأس المال المتغير بالنسبة لرأس المال الثابت. وهنا بالضبط يكمن "الفيل" الذي لم يره الدكتور. فصاحب العمل مضطر الى "تجديد" الانتاج بصفة دائمة. وليس هذا كما اسلفت قرار اختياري. انه يفعل "غصب عن عينه" بحكم قاعدة "ان لم تكبر ستصغر" التي اشرت اليها. وسوف اعود لمناقشة الاسباب التي ترغم منحنى الربح على الانخفاض. بقي فقط ان اقول ان الدكتور محمد يحل المسألة بنفسه ودون تدخل مني او من اي شخص حين يقول في مقاله " كما سنرى حين عرضنا للتركيب العضوى لرأس المال، أن رأس المال ينقسم عند ماركس إلى نوعين، أولهما: رأس المال الثابت : وهو ذلك الجزء مِن وسائل الانتاج(تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الذى ينقل جزءً من قيمته(التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياً فى"عملية إنتاجية واحدةً". وثانيهما: هو رأس المال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. فالرأسمال من تلك الوجهة لا يمكنه إستخلاص قيمة زائدة من رأس المال الثابت، على حين يمكنه ذلك من رأس المال المتغير، ومعنى دخول الالة حدوث إنخفاض فى مصدر القيمة الزائدة، الأمر الذى يستتبع إنخفاض فى الربح الذى هو حاصل النسبة ما بين القيمة الزائدة وبين رأس المال الكلى". ان ما يقوله الدكتور في هذه العبارة هو ما قاله ريكاردو ومن بعده ماركس بصورة حرفية تقريبا. واذا كانا قد قالا بذلك فان علينا ان نفكر في السبب الذي جعلهما يقولان في موضع آخر ان معنى دخول الآلة حدوث زيادة في القيمة الزائدة. فالقيمة الزائدة تزيد عند حسابها في علاقتها بقيمة قول العمل فقط..فقط..فقط. ولكنها لا تزيد ابدا في علاقتها برأس المال الثابت بل انها تنخفض. ويمكن طبعا لما في جيبي ان يزيد كل يوم اذا زاد عملي او عثرت على وظيفة افضل. ولكن يمكن لهذا الاجر ان يقل اذا ما زادت مصروفاتي كأن انتقل الى شقة جديدة ايجارها اغلى مثلا. ان دخلي قد زاد كدخل مترتب على عملي. ولكنه قل كدخل منسوب لمصروفاتي. ان الزيادة او التراجع هي امور ينبغي ان تكون منسوبة الى غيرها. فلا توجد زيادة منها فيها كده. زيادة بالنسبة الى ماذا؟ او تراجع بالنسبة الى ماذا؟. وعلى الكاتب ان يجيب على سؤال واحد فقط : كيف فسر ماركس انخفاض منحنى الارباح وهو الامر الذي نراه بأم اعيننا وابوها ايضا بالرغم من ان المفكر الكبير تركنا منذ زمن طويل؟. لقد فسر ذلك على نحو ما قاله الدكتور محمد عادل نفسه في نهاية مقاله. فهذا ما قال : "حين دخل الفن الانتاجى الجديد حدث تغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لتغير مماثل فى قيمة قوة العمل، بيد أن ذلك ليس نهاية الطريق، وإنما نصفه فقط، إذ لا يؤدى الفن الانتاجى الجديد فقط إلى إرتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، وإنما يؤدى، وفى نفس اللحظة، إلى إنخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى. فتتحدد القيمة الزائدة الكلية على هذا الاساس بالتناقض بين التغير فى القيمة الزائدة(ق ز) بالنسبة لقيمة قوة العمل (ق ع) وبين التغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى (ر) القيمة الزائدة الكلية إذاً هى: حاصل التناقض ما بين الارتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل وبين الانخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى". طيب. القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلي التي يتحدث عنها الدكتور محمد عادل هي تفسير ماركس لتراجه منحنى الارباح. لماذا؟ لان احلال فن انتاجي جديد يكلف فلوس. ولماذا يحل الرأسمالي فن انتاجي جديد؟ لانه لو لم يفعل سيموت. هذه هي الحكاية. بقي القول ان علاقة التناسب العكسي ليست "تناقضا" بالمعنى الفلسفي للكلمة. ولكن هذه قصة اخرى لا نريد ان نوجع بها رأس القارئ الآن بعد كل هذا الوجع المؤلم. لقد استمتعت بقراءة مقال الدكتور محمد عادل وهو طبعا صديق. فضلا عن ذلك فان كتاباته كثيرا ما تفيدني وهذا كلام حقيقي والله. ولعل هذا النقاش المفتوح يكون مفيدا لعمالنا الذين نعرف انهم قادرون على فهم ما هو معقد طالما انه يتصل بهمومهم اليومية, وهذا على وجه التحديد ما يحرص عليه الدكتور محمد عادل دائما وما احاول ان افعله بقدر ما استطيع.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القيمة عند أرسطو وسميث وريكاردو وماركس
-
الاقتصاد السياسى الماركسى
-
حول فرضيات جرامشى
-
منهجية البحث فى إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
-
الاقتصاد السياسى للصراع فى السودان
-
الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس
-
مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
-
الاقتصاد السياسى فى فكر كارل ماركس
-
ماركس المفكر لا الأيديولوجية
-
السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -
-
نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس
-
إحياء الفكر العربى. فقر الفكر الثقافى؟ أم فكر الفقر الثقافى؟
-
الاقتصاد العالمى المعاصر . . . حينما يقود المخبولون العميان
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|