|
هل الوهابيون مواطنون مغاربة؟
محمد الرازقي
الحوار المتمدن-العدد: 3832 - 2012 / 8 / 27 - 08:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا سلمنا بان المواطنة ليست فطرية في الإنسان ولا غريزة طبيعة، فان هذا يعني أنها اختيار حر، تنبني على أساس قناعات ومواقف غير بعيدة عن قيم حقوق الإنسان والحرية والمساواة أمام القانون، ومقترنة بمفهوم الدولة الوطنية أو القومية الحديثة، كما تسمه –أي مفهوم المواطنة- مجموعة من السمات، وهكذا يصبح من الجائز أن نسائل أو بالأحرى أن نتساءل حول من نرى فيه عيبا أو نقصا في هذه السمات فيما اذا كان مواطنا حقا أو يختبئ فقط في عباءة من يطلق عليهم بالمواطنين، وهذه هي حال من يدعون أنفسهم حاملين للـ"فكر الوهابي" ضانا منهم انه نهاية التاريخ، وخاتمة لكل الملل والنحل. وربما لاحظ كثيرون منكم سلوك هؤلاء الوهابيين في المغرب، مما يتنافى مع مبادئ المواطنة، أو بلغة أخرى مع العقل ومقاصد الشرع معا، فلا هم عملوا لدنياهم، لتتقوى شوكة بلدانهم أمام العدو، ولا هم حفظوا للدين في عقول الناس من منزلة كالتي يستحقها، فافسدوا بذلك على الناس دينهم ودنياهم كما يقال. ونحن هنا لسنا ممن يمنح أو ينزع صفة المواطنة عن احد، أو بصدد حكم قيمة تجاه احد، بل بصدد التفكير في معطيات ووقائع نراها يوميا ونعيشها باستمرار. فالإنسان الذي يفكر بمنطق "آسرة العقيدة أقوى من آسرة القرابة" لا يمكن أن تبني معه وطنا بالمفهوم الحديث الذي يحتضن جميع مواطنيه على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية ومرجعياتهم الفكرية، كونه أخاك أو جارك أو ابن بلدك، ذلك انه قد يرمي عرض الحائط ما يربطك به بمجرد ما يرى أن مصلحة الذي يتقاسم معه تلك العقيدة أو بالأحرى تلك العقدة(بضم العين) مهددة حتى لو كان هذا الأخير من دولة أجنبية، ما يجعل القضية غير محصورة فقط في دائرة المعاملات الفردية فقط، بل خطرا على مصالح الدولة ككل، ويمكن أن نقرأ ذلك بشكل أكثر وضوحا في الأحداث التي شهدتها بعض دول المشرق. كما أن هاؤلاء الوهابيون تجدهم ملمين ومتابعين للقضايا التي تربط ايران والشيعة في الدول الأخرى بدولة آل سعود، وتطغى على حديث مجالسهم ومواعظهم، أكثر من اهتمامهم بقضية الصحراء في بلدهم الأم مثلا، وقس على ذلك القضايا الأخرى. ليس هذا فقط، بل انك ترى حتى من لباسهم وهم في جبال المغرب أنهم يحاكون أعراب الجزيرة العربية، من تقصير في السروال ولباس الصندل بل ووضع الغطاء السعودي على الرأس في بعض الأحيان، فتضن للوهلة الأولى أنهم سياح حتى وهم يحيون بعضهم البعض بتحايا غريبة عن أهل البلد، ولا يفقهون فيها شيئا، وحتى إن وجدت احدهم لا يتزيى مثلهم، إلا انك تجد من خلال الحديث معه انه يعتبر نفسه مقصرا في هذا الجانب ، او يتمنى اليوم الذي يلتزم فيه بقواعد اللعبة، ليتماهى مع جماعته، جماعة أهل السنة والجماعة كما يحلوا لهم أن يسموا أنفسهم، درءا للشبهات التي تثيرها حولهم كلمة "وهابي". أما مسألة الولاء، فالأولوية لخادم الحرمين عندهم، أو بلغة أكثر دقة لآل سعود الذي تحالفوا تاريخيا مع محمد بن عبد الوهاب في أواسط القرن الثامن عشر، وما يقتضيه هذا الولاء من الثناء عليه، والدعوة لهم –أي لآل سعود- بطول العمر والبقاء، هذا حتى لو كان الشخص لا يمكن أن يدين بولائين في آن واحد، لكن في الفكر الوهابي لكل قضية لها حلها في التراث، فالتقية هي الحل السحري عندما لا تكون في اليد حيلة، قد لا يقولون هذا لكن ما هو مكتوب في الجبين تراه العين. كما تجد اغلبهم قارئا لتاريخ آل سعود، وضابطا لكل صغيرة وكبيرة لأحداث الجزيرة العربية، وحافظا لأشعار رجالها، وسير أبطالها، في الوقت الذي يجهل فيه تاريخ بلده وأمته، بل يجهل من هو، حتى يضن بنفسه غير ما هو عليه، فتختلط عليه الأمور، فينصب العداء لأهل وطنه لاختلاف صغير من طريقة تقييم كل منهما للأمور، فلا تتسع صدورهم لهذا الاختلاف، كيف لا ومشروع حياتهم هو قتل الإبداع فينا كل يوم، لان التاريخ قد اكتمل، وكماله في ما عاشه السلف الصالح، وما على الخلف إلا الاقتداء بهم، لان كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن المواطنة لأبعد عن هاؤلاء، بعدهم عن هموم أوطانهم، فلم اسمع من احدهم يوما حديثا عن السبل الكفيلة بتحديث البلاد، وتنميتها، وتقوية شوكتها أمام الأعداء، سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو ما شابه، بل كل ما نسمعه لغة خشبية، تتحدث عن فوائد خشبة السواك والحبة السوداء ومنافع إطالة اللحى، أو شوشرة حول كفر هذا أو ذاك وهذا أهم عندهم من الحديث عن طرق او تقوية الإنتاج والإبداع في مختلف المجالات. ربما نخلص إلا أن هؤلاء رعايا، لان المواطنة تقتضي أفرادا عقلاء أحرار، وهذا ما يقوله الوهابيين عن أنفسهم –بشكل صريح ودون خجل- بأنهم ضد العقل وبدعاته الشيطانية إن خالفت طقسا سلفيا يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وان الأولوية للجماعة على الفرد الذي يجب أن ينصهر فيها ولو على حساب حقوقه، فلا حقوق الإنسان من أدبياتهم، ولا حقوق المرأة من أولوياتهم، بل الحق كل الحق لذلك لرجل الفحل ذي اللحية الكبيرة والسروال البين-بين والصندل، وغيره لا يستحق الحياة، بل كافر زنديق. وفي الأخير هم ضد الحرية، بل هم أول من يدعون إلى عبودية لا الله فقط، بل عبودية محمد بن عبد الوهاب ومشايخ السعودية وكأن المغرب خلو من العلم والعلماء والصالحين، أو وكأنه عقيم لا ينجب أمثالهم، واقصد بالعبودية الامتثال المطلق لأقوالهم، وعدم الشك في اجتهاداتهم ولو أنهم بشرا مثلنا يمشون في الأسواق كما يقال ويفعلون ما نفعل. لست أريد الحكم عليهم جزافا، لكن من خلال ما سبق يتبين إن هؤلاء عالة على الدولة، وخطرا مستقبليا على مصالحها، ا وان شئنا التوضيح أكثر، فكر وأدلوجة الوهابيين شوكة في مؤخرة الدول التي تريد لنفسها أن تلحق بركاب العصر، كيف لا ونحن نرى كيف بدأت هذه الجماعات في الدول المجاورة، وحتى في الدول التي كانت تبدو لعهد قريب أكثر تحررا واحتراما للحريات من المغرب، تشن فيها جماعات وهابية حملات تأديب لمخالفها باسم الإسلام. ولعله يصدق فيهم قول النبي: « يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم». لقد كرهوا الناس في الحياة، وقتلوا فيهم روح الإبداع، وقيدوهم بمقولات الجبر والأقدار المقدرة سلفا، فلا مجال للفعل الإنساني، فالفعل الإنساني مربوط بالسماء، فلا فلاحة إن لم تتضرع ووجهك للأعلى تستسقي لشتائلك، ولا صناعة لان الآلات تحتاج لأخلاق لا تؤمن إلا باستقلالية الآلة في الفعل، وخضوعها للقانون، قانونها الخاص وحدها، لا لقوانين كائنات ميتافيزيقية، ولا تجارة لان المبادلات الدولية تتعامل بالربا وعلينا أن نعود إلى معاملات الأعراب منذ آلاف السنين في الجزيرة العربية لنكون عند حسن ضن الوهابيين، ولا فن لان تصوير الكائنات حرام، وجسد المرأة حرام، وتعليق الصور حرام، لا ثقافة شعبية لأنها تتعارض مع الإسلام، وعلينا نسيان تاريخنا وماضينا، وتسفيه جهود وحضارة أجدادنا ونستبدلها بثقافة النوق والجمال، بالرغم من أن بعضنا لم يرى جملا او ناقة بالعين المجرد طيلة حياته. إن المواطنة غير هذا، وابعد ما تكون عن أمثال هاؤلاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فان تكون مواطنا هي أن تكون حرا أولا وقبل كل شئ، وتضمن لإخوتك في الوطن ما ترضاه لنفسك من حقوق، فالكل سواء أمام القانون، ولو اختلفنا في أدياننا أو أعراقنا أو مذاهبنا، فقانون المدينة قانون واحد يسري فوق الجميع، ويحتكم إليه الجميع، وتكون مصلحة الوطن أولا وقبل كل شئ، مستعدا للدفاع عنه أمام الأعداء، لا الدفع به للهاوية لصالح الأعداء. المواطنة تقتضي التعايش والتسامح، لا الجرح والتكفير، وتقتضي الإيمان بقيم حقوق الإنسان كأرقى ما وصلت إليه التجربة الإنسانية في تاريخها، وبالدولة الوطنية، وبحرية الضمير والعقيدة، واحترام حقوق المرأة، والاحتكام إلى القانون الوضعي القابل للنقد وبالتالي المراجعة والتعديل، لكن يبدوا ان هاؤلاء الوهابية لم تصلهم بعد كل هذه القيم الإنسانية، او ربما وصلتهم يوما، وضنوا بها ضن السوء، فاعتبروها كفرا ككفر من دفعوا ثمنها دما في القرون الماضية، فاعتصموا بحبل التراث، وما أوهنها من حبال، وولوا وجوههم جهة المشرق، فضنوا انه به تتقوم حياتهم، وما الأمر بذلك، فانتفت منهم سمات الوطنية، ولا شيء أدل على هذا من خطبهم وتسجيلاتهم، مما يدعون فيه للتبرؤ من كل هذه القيم التي تأسس للمواطنة، فخانوا أوطانهم، فعلا ووجدانا، فشككنا في وطنيتهم، وربما يأتي اليوم الذي نرى جدية هذا الشك.
#محمد_الرازقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى الإدريسي: هذا ما عنيته بالهوية الريفية.
-
تذكير للمحتجين ضد الخمور في المغرب
-
المجلس الوطني للصحافة : انتظار بطعم القلق.
-
ما الجديد في نشر قائمة المستفيدين من -لكريما-
-
شكرا لك محمد بن عبد الكريم الخطابي على عودتك.
-
العدالة والتنمية سقطت أخلاقيا
-
المغرب: نحو علمانية جوانية
-
قراءة في الخطاب السياسي ل-بنكيران-
-
الى متى سيكف الفيزازي عن استفزاز عقول المغاربة ؟
-
الگرمومة : السخرية كنقد للسلطة.
-
ربيع الشعوب... وعولمة الثورة.
-
وهم الصحوة الدينية بالمغرب ...والجبرية السياسية.
-
الفساد والاستبداد يخوضان معركة وجود في المغرب
-
في نهاية المطاف...نلتقي في المشترك.
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|