|
القيمة عند أرسطو وسميث وريكاردو وماركس
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 3830 - 2012 / 8 / 25 - 18:11
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من أجل رولا
مدخل (الهوامش ملحقة فى آخر البحث) ------------ فى ضوء تقدم التبادل وإحتلاله مرتبة متميزة على صعيد الفكر والواقع، فقد لزم البحث عن الأساس الذى بمقتضاه قام جدُنا الأول بالتخلى عما أنتج فى سبيل الحصول على إنتاج شخص أخر. فى مجرى ذلك البحث قدم تاريخ الفكر الاقتصادى حتى النصف الثانى مِن القرن السابع عشر مساهمات جديرة بالإهتمام والتحليل، كمساهمة أرسطو، والاكوينى(1) ووليم بتى(2) وكانتيون(3) وكانت صحيحة، ولكنها كانت غير كافية (باستثناء مساهمة إبن خلدون التى بلغت ضفاف فائض القيمة) الأمر الذى تعين معه الإنتظار حتى مجئ العمل الخلاق لآدم سميث، وديفيد ريكاردو، تمهيداً لماركس العجوز الذى إستوعب سيسموندى(4) وبردون، وفرانسوا كينيه(5) كى يُعلن، وبكل قوة، تقدم العمل كى يَحتل المرتبة الأولى؛ فعلى أساسه يتحدد المعادِل. فحينما تطورت المجتمعات وخرجت من حياة الإنتاج بغرض الإشباع المباشر للحاجات، وتبلور ظاهرة تبادل السلع (بالمقايضة أو بالنقد) كان لابد من البحث عن أساس محدد يمكن بالاعتداد به إتمام عملية التبادل كعملية إجتماعية بين السلع المختلفة، والأمر لا يتوقف عند حدود نظريات مجردة إنشغل بها المفكرون عبر تاريخ الفكر البشرى، وإنما أهمية البحث عن هذا الأساس تكمن فى أننا نعيش فى عالم السلع، إذ تتوقف حياتنا بلا سلع؛ فنحن نتماهى مع السلع، فالبحث إذاَ عن الأساس الذى تتبادل وفقاً له السلع هو فى حقيقته بحث فى وجودنا الاجتماعى ذاته. وعلى ذلك سوف نناقش فيما يلى أهم التصورات الفكرية بشأن قيمة السلعة، بعرض تصور كل من أرسطو، وأدم سميث، وديفيد ريكاردو، وكارل ماركس.
(1) أرسطو )384 ق.م- 322 ق.م ( --------------------------------- ولد أرسطو فى إستاجرا، وهى مستعمَرة يونانية وميناء على الساحل. و كان أبوه طبيب بلاط الملك "أمينتس الثالث المقدونى"، ومن هنا جاء إرتباط أرسطو الشديد ببلاط مقدونيا الذى أثر إلى حد كبير فى حياته ومصيره، الأمر الذى ربما يُبرر أرستقراطية أرسطو، وكتابته إبتداءً من تلك الطبقية، كما أخذ عن إبيه حب الطبيعة وعُرف بميله الشديد إليها، وإعتماده على الواقع الطبيعى، فى شتى نواحيه، إعتماداً صحيحاً بالمراقبة والإختبار، كى يَبنى صرح فلسفته الأولى، كما يدعوها، أى فلسفة ما بعد الطبيعة، وعن والده كذلك أخذ تلك الواقعية الصرفة التى أتاحت له، كما يقول الأب "أوغسطينس البولسى" فى مقدمته لكتاب أرسطو "فى السياسة" أن يُشيد نظرياته الفلسفية البحتة على صخر متين يصونها من تقلبات الدهور وغارات المناوئين. ولكن أرسطو لم يعش كثيراً فى كنف إبيه؛ إذ قد فقده وهو بعد حديث السن، وربما فى الرابعة عشر أو الخامسة عشر، فعُهد، كما يقول الأب أوغسطين، إلى أحد الأوصياء كى يتولى تربيته وتعليمه(6). دخل أرسطو أكاديمية أستاذه أفلاطون للدراسة فيها وبقى فيها نحو عشرين عاماً. ولم يتركها إلا بعد موت أفلاطون. وفى غضون السنين العشرين التى قضاها أرسطو فى مدرسة أفلاطون لم ينقطع إلى الدرس فحسب، وإنما يغلب الظن أنه إنصرف من ذلك الحين إلى وضع تصاميم وخطوط تآليفه الأولى، على الأقل ما يتعلق منها بعِلم المنطق وعِلم الجدل وفنى الخطابة والشعر، وعِلمى الحيوان والنبات؛ إذ أن مدارس الفلسفة آنذاك كانت أشبه بأندية عِلمية ينصرف فيها رواد المعرفة، تحت إشراف أستاذهم الأكبر إلى مباحث متنوعة يتعاون التلاميذ فيما بينهم على البحث فيها ومناقشتها والخروج بنتائج عِلمية موسوعية. وفى سبيله الباحث فى أبواب الرزق الطبيعى وغير الطبيعى، يتخذ أرسطو من العائلة كوحدة إنتاجية، حقلاً للتحليل، ويفرق أرسطو، فى هذا السياق، ما بين فن الاقتناء، لأنه طبيعى، وبين فن الكسب لأنه مغاير للطبيعة، ثم يذهب إلى أهمية العمل الإنسانى المنتِج فى دائرة طرق المعاش، والتى حصرها فى: الرعى، والزراعة، والتلصص (لم يكن من الأمور الشائنة فى بلاد اليونان) وصيد الأسماك، وقنص الوحوش والطيور. ويَعتبر أرسطو الغنى الحقيقى صادراً عن أبواب الرزق التى حصرها على نحو ما ذكرنا. وحين حديثه عن القيمة، فنرى أرسطو لديه الوعى بكل من قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، دون أن يصل إلى مقياس التبادل، فهو يقول: ".... فيبدلون النوافع بما هو من نوعها، لا أكثر ولا أقل، فيقدمون الخمر مثلاً ويأخذون عوضه الحنطة. وهكذا فى كل من الاشياء الاخرى المتجانسة"(7). ويصل أرسطو إلى ما هو أبعد من ذلك بكشفه عن المنفعة كشرط للقيمة، وهى الرؤية التى ستُقلب الفكر الاقتصادى رأساً على عقب بعد ذلك بمئات السنين، إذ يرى أرسطو أن الأشياء القابلة للمقايضة، أى التداول، هى فقط التى يُمكن أن تكون محلاً للاستعمال. ويضرب مثالاً على ذلك بالحذاء الذى يستخدمه صاحبه فى الاستعمال، أو بمادلته بسلعة أخرى. ولكنه لم يتقدم أبعد من ذلك لتحليل قيمة المبادلة، فهو يقول:" لكل قنية إستعمالان، وكلاهما ذاتيان، ولكن دون مماثلة فى ذاتيتهما، إذ الواحد مختص بالشىء والآخر غير مختص به. فالحذاء مثلاً يُحتذى به ويتجر به، وهذا الوجه من الانتفاع وذاك الوجه هما إستعمالان له. والذى يُقايض غذاءً أو نقداً مَن كان محتاجاً إليه إستعمله كحذاء ولكن لا إستعمالاً خاصاً إذ لم يُجعل للمقايضة"(8). ثم ينتقل أرسطو إلى الصعوبات التى أدت إلى ظهور وحدات النقد، تلافياً لعيوب المقايضة، وإعتبار تلك الوحدات المتَخَذة من الحديد والفضة وسيطاً فى المبادلة، وحينما هيمنت وحدات النقد فى التبادل منحية المقايضة جانباً، والتى كان يَعتبرها أرسطو الأصل العام فى عملية التبادل، ظهر على المسرح الاجتماعى نشاط التجارة، والذى يدينه أرسطو ويَعتبره خارج الكسب الطبيعى، لأنه يقوم على البيع والشراء بمعنى أدق بيع منتجات فائضة بالنقد، ثم شراء منتجات يُفتَقر إليها، بالنقد كذلك، وهو التبادل الذى يراه أرسطو ذميماً. أما عن نظرية أرسطو فى النقود فهى تتلخص فى أن حياة أى مجتمع (غير بيتى، أى غير شيوعى بدائى) تتطلب تبادل السلع والخدمات، وهذا التبادل يأخذ صورة مقايضة فى مبدأ الأمر، يتم ذلك بصورة طبيعية، ولكن الصعوبات، كما ذكرنا، تواجه عملية المقايضة والرغبة فى تفاديها تجعل الناس تلجأ بطريق الاتفاق الضمنى، أى العرف، أو عن طريق التشريع إلى إتخاذ سلعة واحدة كوسيط للتبادل. وهو الأمر الذى قاد إلى ظهور معدن من نوع ما كى يلعب هذا الدور فى التبادل،أى أن أرسطو توصل إلى الوظيفة الأولى من وظائف النقود"...النقد عنصر التبادل"، وحين يدين أرسطو إحتفاظ الإنسان بأية ثروة تزيد عن حاجته، فهو فى الواقع يصل إلى وظيفة أخرى من وظائف النقود، وهى المتعلقة بمخزن القيمة، وأخيراً فإن أرسطو حينما يتحدث عن التبادل والبيع والشراء فإنما يفتح باب المناقشة حول مقياس القيمة، وتلك وظيفة ثالثة تقوم وحدات النقود بأدائها. وبشأن الفائدة التى تكون على الاقراض، يقول أرسطو:"يوجد نوعان من فن تكوين الثروة: أحدهما يتعلق بالتجارة، والاخر بالاقتصاد؛ وهذا الأخير ضرورى وجدير بالمديح، أما الأول فيقوم على التبادل ولذلك يندد به عن حق وصواب، وهكذا يكره الجميع الربا بحق، لأن النقد بالذات يُعتَبر هنا مصدر الكسب ويستخدم ليس من أجل الغاية التى تم إختراعه من أجلها. فهو قد نشأ من أجل التبادل البضاعى، بينما تصنع الفائدة المئوية من النقد نقداً جديداً. ومن هنا تسميتها بالمولود، لأن المولود شبيه بالوالد. إلا أن الفائدة المئوية هى نقد من نقد، ولذا فإن فرع الكسب هذا أشد مناقضة للطبيعة من بين سائر فروع الكسب". (9) ولعل أهم ما قال به أرسطو، بتصورى، فى الباب الذى خصصه لبحث أبواب الرزق الطبيعى وغير الطبيعى، هو رؤيته للقيمة الزائفة للنقود، ووعيه بكون وحداتها غير معبرة عن القيمة الطبيعية للأشياء أى أن أرسطو ينظر إلى النقود، كظاهرة طارئة على المجتمع، نظرة متقدمة جداً بالنسبة لعصره، ويرى أن النقد (المصنوع من الحديد ومن الفضة) لا يُعبر، فى المقام الأول، عن قيمة ما يحتويه هو نفسه من حديد أو فضة كسلع، وأن البشر هم الذين جعلوا من المعادن نقوداً يبعون من خلالها ويشترون، ويقول:"..... وما النقد، على ما يبدو لنا، إلا هذيان وعادة مرعية، وما هو على شىء من القيمة الطبيعية. إذ لو عدل مستعملوه عما إصطلحوا عليه لأضحى شيئاً زرياً لا يعتد به ولا يقضى حاجة، ولأمسى مَن قامت ثروته على النقود فى أمس العوز إلى القوت....."(10) إن تتبع مساهمة أرسطو، لا شك تقودنا إلى الإعتراف بأنه قد تمكن من الوصول إلى قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، ولكن من منظور يتعين أن ننتظر مئات السنين حتى يُعاد النظر فيه نظرة أكثر نضجاً كما أن تتبع ارسطو ربما يقودنا كذلك إلى الاعتراف بإحتمالية وصوله إلى ضفاف نظرية عامة فى القيمة، ولكنها غير واضحة وربما غامضة، إلا أن أرسطو يظل أول من أشار لطبيعة السلع ودور النقود فى الحياة اليومية بشكل تجريدى يُمكن أن يُبنى عليه بناءً نظرياً صحيحاً عن السلع والتبادل والنقود. (2) أدم سميث (1723- 1790) --------------------------------- ولد أدم سميث، الذى يُعتبر أبا عِلم الاقتصاد، فى 5 يونيه عام 1723 بمدينة كيركالدى باسكتلندا، مات أبوه قبيل ولادته ببضعة أشهر، فربته أمه، وكان ميالاً إلى العزلة، مفكراً متأملاً. وغريب الأطوار، فكان سميث معروفاً بكونه شخصية تلفت النظر، إذ إشتهر بشرود الذهن، ومن ذلك أنه سقط مرة فى إحدى الحفر التى تستخدم فى عملية الدباغة أثناء سيره وهو منهمك فى بحث أصولى جاد مع صديق له، كما قيل أنه صنع لنفسه شراباً من الخبز والزبد ثم أعلن أن ذلك أسواء فنجان من الشاى تذوقه فى حياته(11)، بيد أن تلك الهفوات لم تكن لتنبىء إلا عن شخصية غريبة إلى حد ما، ومع تلك الغرابة كان سميث معروفاً وإن لم يكن مشهوراً، فلقد سمع به فولتير، وكان ديفيد هيوم صديقه الحميم، كما أن طلاباً من روسيا كانوا يقطعون أميالاً طويلة لسماع محاضراته. ولقد عاش سميث وحيداً بجانب أمه التى بلغت التسعين عاماً، ولم يتزوج طيلة حياته، ودفن فى كنيسة كانونجيت، وقد كتب على شاهد قبره:"هنا يرقد آدم سميث مؤلف كتاب ثروة الأمم". إلتحق أدم سميث بجامعة جلاسكو فى عام 1737، وتميز فى الرياضيات والفلسفة، وفى عام 1740 أوفد إلى اكسفورد لمدة سبع سنوات، عاد بعدها إلى كيركالدى، وقد قرر أن لا ينخرط فى سلك القساوسة، وفى سن الخامسة والعشرين ينتقل آدم سميث إلى أدنبره ملقياً محاضرات فى الأداب والبلاغة، ولكى يُعين أستاذاً للمنطق بجامعة جلاسكو فى عام 1751، ثم أستاذاً للفلسفة الأخلاقية عام 1752، وكان عِلم الاقتصاد يدخل آنذاك ضمن دراسة الفلسفة، وفى عام 1759 قام آدم سميث بنشر كتابه "نظرية المشاعر الأخلاقية"، ولذيوع صيته فى أوروبا؛ فقد دُعى كى يقوم بالتدريس لدوق "بوكلييه"، وأقام فى فرنسا من أجل ذلك ما يقارب من ثمانية أشهر، مكنته إلى حد ما من التعرف على فكر الفيزوقراط بوجه عام، وفكر فرنسوا كينيه بوجه خاص، حتى عاد إلى كيركالدى؛ كى يعكف على كتابة مؤلفه الشهير" ثروة الأمم"(12) وفى ذلك المؤلف الذى تتضمن فكر أدم سميث، ومَثَل إنطلاقة الفكر الكلاسيكى، خمسة كتب: تتناول مسائل الانتاج والتوزيع(الكتاب الأول والثانى) وبحث تاريخى لتطور الثروات فى مختلف الأمم(الكتاب الثالث) ودراسة لنظرية التجاريين والنظام الزراعى الذى قال به الطبيعيون(الكتاب الرابع) ويُعالج فى (الكتاب الخامس) إشكاليات المالية العامة. وما يميز مذهب سميث فى تلك اللحظة التاريخية من تاريخ الفكر الاقتصادى انه قائم على كون إنتاجية العمل تتوقف فى الأساس على تقسيم العمل بين الأفراد، كما وأن للفرد ميلاً وإتجاهاً إلى العمل وإن ذلك يُعد صفة لصيقة بالطبيعة الإنسانية، ومِن هنا فإن التخصص وتقسيم العمل يُعدا أساساً للتراكم الرأسمالى؛ وتمكن سميث من نقل تصوره هذا حول التخصص والتراكم على صعيد التجارة الدولية، عقب أن وجه سهام النقد لفكر التجاريين وسياسة المعدن النفيس، إلا أن سميث لاقى العديد من الصعوبات النظرية، والتى سوف يتولى ديفيد ريكاردو محاولة إزالتها، مُدخلاً تعديلاً على نظريات أستاذه وبصفة خاصة نظريته فى التجارة الخارجية والتى كانت مؤسسَة على النفقات المطلقة، وجعلها مؤسسَة على النفقات النسبية. (أ) تصور آدم سميث مجموعة من الأسئلة حاول سميث الانطلاق إبتداءً من الإجابة عليها فى سبيله لإقامة مذهبه؛ فهو منشغل بالإجابة على السؤال الخاص بالكشف عن ذلك الجهاز الذى يحفظ تماسك المجتمع، وكيف يمكن لمجتمع يسعى كل أفراده إلى مصلحتهم الذاتية أن يستمر ولا يتفكك؟ وما الذى يجعل تصرفات أفراد المجتمع، على الرغم من أنانيتها، تأتى متفقة مع المصلحة الجماعية؟ بل وكيف ينجح المجتمع فى أداء المهام اللازمة لبقائه على الرغم من عدم وجود سلطة مركزية؟ وهذا ما يفترضه أدم سميث. وإذ يُقدم سميث إجابات على ما يُثيره من أسئلة، فإنما يتوصل إلى أول صياغة لقوانين السوق، والتى تركز على "اليد الخفية" التى بمقتضاه تسير مصالح الناس الخاصة وأهواءهم فى الاتجاه الأكثر إتفاقاً مع مصلحة المجتمع بأسره. ولكن قوانين السوق ليست مجرد جزءً من البحث الذى يقوم به سميث؛ فالأمر الذى كان يعنى سميث هو حركة المجتمع خلال الزمن، ولذا تكون قوانين السوق ذات بعد ديناميكى وهى تقوم بعملها على الصعيد الاجتماعى. وفى سبيله لتحليل طبيعة السوق وقواعده، وصياغة قوانينه، فقد لاحظ آدم سميث، ما يلى: - أن المصلحة الذاتية تقوم بدور القوة المحركة التى توجه الناس إلى أى عمل يُريد المجتمع أن يدفع ثمنه، ومن هنا ينشأ العرض. - أن المصلحة الذاتية لا تُمثل غايته فى التحليل والطريق لم يزل طويلاً، ومن هنا إستأنف تحليله للمصلحة الذاتية على أساس أنها التى تدفع أفراد المجتمع إلى العمل، ولكن شيئاً ما يُعد عاملاً آخر يتعين أن يسيطر على إنفلات الأثمان، هذا العامل المنظم هو المنافسة أى الذى يمنع تحكم أحد العارضين فى الثمن، وهو يقصد هنا ثمن السوق، اللهم إلا إذ ما حدث إتفاق بين العارضين لسلعة ما، وهنا كذلك يستعين السوق بنفس المبدأ. مبدأ المنافسة، إذ سيأتى رأسمالىُ أخر من خارج سوق تلك السلعة ويدخل سوقها بأثمان أقل؛ بما يؤدى إلى توازن الثمن مرة أخرى. - أن قوانين السوق لا تفرض على المنتجات سعراً(سوقياً) تنافسياً فحسب؛ بل وتحرص على أن يراعى المنتجون طلب المجتمع بشأن مقادير السلع التى يحتاجها، فالسلعة التى يقرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها لا شك ستقود المنتجين إلى الإكثار من إنتاج تلك السلعة، على حساب سلعة أخرى كف، ولو مؤقتاً، المجتمع عن إستهلاكها، بما يؤدى إلى زيادة الإنتاج من السلعة التى قرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها ومن ثم يزيد الفائض منها، فى مقابل إختفاء الفائض من السلعة التى توقف الإنتاج بشأنها لعدم رغبة المجتمع فيها، بما يؤدى إلى إنخفاض المعروض منها عن حاجة المجتمع، تتدخل هنا قوانين السوق، كى تصحح الوضع ولترجعه إلى ما كان عليه من توازن، فتبدأ أثمان السلعة التى إنخفض قدر المعروض منها عن حاجة المجتمع فى الإرتفاع، نظراً لإختفاء الفائض وإحتياج المجتمع إليها، فعن طريق قوانين السوق إذاً يكون المجتمع قد قام بتغيير تخصيص عناصر الإنتاج حتى تناسب رغباته الجديدة. وكل ذلك، بتصور سميث، يتم دون تدخل لأى سلطة مركزية، وإنما بفضل التناقض بين المصلحة الذاتية والمنافسة. - وثمة مساهمة أخرى مهمة لآدم سميث، مؤداها ما يلى: فكما تنظم قوانين السوق الاثمان ومقادير السلع، فهى تنظم كذلك دخول الذين يتعاونون فى إنتاج تلك السلع؛ فإذا كانت الأرباح فى قطاع ما من الأعمال من الكبر بحيث تتجاوز القدر الواجب فسوف يتدفق الرأسماليون على هذا القطاع، فيزيد الإنتاج، ومن ثم سيزيد الفائض، ويظل الأمر هكذا إلى أن تقوم المنافسة بتخفيض الفائض، الدخول هنا إنما ترتبط، وفقاً لقوانين السوق لدى أدم سميث، بمدى تدفق العمال على قطاع السلعة التى زاد الطلب عليها، يظل هذا التدفق مستمراً حتى يكثر العمال فى هذا القطاع وتزداد المزاحمة، كما سيشرح ريكاردو ومن بعده ماركس، فيما بينهم فيبدأ الدخل فى الانخفاض. وهكذا يتم التوازن فى السوق. تعامل سميث مع السلعة آنئذ فى مرحلة التداول، وليس الإنتاج، وقوانين السوق هى الكفيلة، وفقاً له، بتنظيم المجتمع وضبط إيقاعه، ولكن تلك القوانين التى كشف عنها سميث لم تكن إنجازه الحقيقى، إذ أن مساهمته الفعلية، وما أكثرها فى الاقتصاد السياسى، إنما تتركز فى نظره إلى السلعة فى المرحلة السابقة على طرحها فى السوق للتداول. أدم سميث، والكلاسيك بوجه عام، إنما ينظرون إلى العملية الاقتصادية فى المجتمع ككل، إبتداءً من الإنتاج ومروراً بالتداول والاستهلاك، وإنتهاءً بالتوزيع كما سيكون ذلك الانشغال الرئيسى لدى ريكاردو، كما سنرى أدناه. وعلى هذا يرى سميث إن ثمن السلعة، أو قيمة مبادلتها، إنما يتكون مِن: الأجر، والربح، والريع. إذ يقول إن:"القيمة التى يقوم العمال بإضافتها إلى المواد تنقسم إلى شطرين: الأول، وهو الذى يُدفع كأجر، أما الثانى، فهو الأرباح". أى أن الأجر والربح مصدرهما العمل. ويرد أدم سميث، بتلك المثابة، جميع الأجزاء المكونة لثمن السلعة (ويقصد هنا ثمن السوق) إلى العمل. والذى لا يقيس فقط قيمة ذلك القسم من الثمن الذى يحل نفسه فى العمل، ولكنه يقيس كذلك الذى يحل نفسه فى الريع، ومما يحل نفسه فى الربح، فهو يقول: "The real value of all the different component parts of price, it must be observed, is measured by the quantity of labour which they can, each of them, purchase or command. Labour measures the value not only of that part of price which resolves itself into labour, but of that which resolves itself into rent, and of that which resolves itself into profit."
ثم يضيف بشأن رأس المال، إن رأس المال يلعب دورين: أولهما: دور الإيراد بالنسبة للعمال، وثانيهما: دور الرأسمال بالنسبة للرأسمالى، وبعبارة أخرى: إن ذلك الجزء مِن الرأسمال الذى دُفع للعمال، ويُمثل لهم كإيراد، صار بهذه المثابة بعد أن لعب فى البداية دور الرأسمال. ”The portion of the stock which is laid out in maintaining productive hands……… after having served in the function of a capital to him the employer constitutes revenue to the labourers…..…” وحينما يبدأ أدم سميث تحليله إبتداءً من دائرة الإنتاج، فإنه يوضح أن شرط البدء فى العملية الإنتاجية المنظمة والتى تمثل القاعدة العامة فى عصره، وعصرنا كذلك، هو التراكم، ويرى أدم سميث مصدره فى قيام بعض الناس بإدخار المال، وهم الذين سيتحولون إلى تجار فى فترة تاريخية معينة، ثم، ومع التطور التاريخى، إلى رأسماليين يستخدمون عمالاً بالأجرة، وسميث لديه الوعى بكون العمل الضرورى اللازم للإنتاج هو مقياس التبادل، ويضرب على ذلك مثلاً الصيد، فإذ ما كان صيد حيوان ما يتكلف إصطياده ساعتين من العمل، وآخر يتكلف ساعة واحدة من العمل؛ فإنه يتعين مبادلة زوج من الحيوان الذى تكلف صيده ساعة عمل ضرورى واحدة بحيوان واحد من الذى تكلف صيده ساعتين من العمل. "In that early and rude state of society which precedes both the accumulation of stock and the appropriation of land, the proportion between the quantities of labour necessary for acquiring different objects seems to be the only circumstance which can afford any rule for exchanging them for one another. If among a nation of hunters, for example, it usually costs twice the labour to kill a beaver which it does to kill a deer, one beaver should naturally exchange for or be worth two deer. It is natural that what is usually the produce of two days or two hours labour, should be worth double of what is usually the produce of one day s or one hour s labour". يعى سميث جيداً الرابط ما بين الربح وبين القيمة الزائدة، فيذهب إلى القول بأن :" العمال فى مجال الصناعة يأخذون أجورهم مِن سيدهم، الرأسمالى، وهم فى ذلك لا يجعلونه فى الحقيقة يُنفِق شيئاً؛ حيث أن هذه الاجور، عادة، ما تُدفع من الارباح". “The manufacturer has his wages advanced to him by his master, he in reality, costs him no expense, the value of those wages being generally restored, together with a profit ……” (ب) التركيب العضوى لرأس المال يرى سميث، ومؤسسو الاقتصاد السياسى بوجه عام، إبتداءً من دائرة الإنتاج، أن الإنتاج يتطلب توافر حد أدنى من الرأسمال الذى يلج حقل الإنتاج فى أشكال مختلفة، منها ما هو فى صورة مواد أولية أو مواد مساعدة، ومنه ما هو فى صورة آلات ومبانى، ومنه ما هو فى صورة قوة عمل تنفق فى سبيل تفعيل المواد من خلال الأدوات وتحويلها إلى سلع، هنا يقرر سميث أن الرأسمال هذا إنما ينقسم إلى قسمين: أحدهما وهو الذى يستخدم فى سبيل الحصول على الأرض والألات، أى أدوات الإنتاج، ويسمى آدم سميث هذا القسم (الرأسمال الأساسى) أما القسم الثانى والذى يسميه سميث (الرأسمال الدائر) فهو الذى يستخدم فى سبيل شراء مواد العمل وقوة العمل. ووجه الفارق ما بين الرأسمال الأساسى وبين الرأسمال الدائر، كما يرى سميث، يتجلى فى شرط بقاء الملكية، وهو الشرط الذى سيعدله ريكاردو فيما بعد، فآدم سميث يجعل معيار التفرقة بين قسمى الرأسمال هو مدى إحتمالية تغير مالك ذلك الجزء من الرأسمال الذى تجسد فى السلعة عقب إنتاجها وطرحها فى حقل التداول، بمعنى أن كل سلعة من السلع المنتجة طبقاً لنمط الإنتاج الرأسمالى والمعدة للطرح فى السوق، إنما تحتوى على (أدوات عمل، ومواد عمل، وقوة عمل) والذى يمضى فى التداول هو (مواد العمل وقوة العمل) وتظل الأدوات، والمبانى، على ملك صاحبها، وإنما تتجسد فى الناتج بمقدار الاهلاك فقط، وبنسبة محددة، على حين أن المواد إنما تُستهلك كلية أثناء الإنتاج، وكذلك قوة العمل التى هى عرضة مثلها مثل المواد للتبدل والتغير فى أى لحظة يراها الرأسمالى، وتبقى الألات والمبانى كى تمثل الرأسمال الأساسى، على حين تعد مواد العمل وقوته رأس مالاً دائراً، وفى ذلك يقول أدم سميث: "There are two different ways in which a capital may be employed so as to yield a revenue or profit to its employer. First, it may be employed in raising, manufacturing, or purchasing goods, and selling them again with a profit. The capital employed in this manner yields no revenue or profit to its employer, while it either remains in his possession, or continues in the same shape. The goods of the merchant yield him no revenue or profit till he sells them for money, and the money yields him as little till it is again exchanged for goods. His capital is continually going from him in one shape, and returning to him in another, and it is only by means of such circulation, or successive exchanges, that it can yield him any profit. Such capitals, therefore, may very properly be called circulating capitals. Secondly, it may be employed in the improvement of land, in the purchase of useful machines and instruments of trade, or in suchlike things as yield revenue or profit without changing masters, or circulating any further. Such capitals, therefore, may very properly be called fixed capitals.Different occupations require very different proportions between the fixed and circulating capitals employed in them".
(3) ديفيد ريكاردو (1772- 1823) --------------------------------- ديفيد ريكاردو، واحد من أعظم أساتذة التحليل الاقتصادى فى عالمنا المعاصر، وأعظم مَن يمثل الكلاسيكية بعد آدم سميث. ولد ديفيد ريكاردو فى عام 1772 فى أسرة يهودية من هولندا، جاءت إلى إنجلترا واستقرت بها، وبعد مرحلة من عمره تحول عن اليهودية. أصبح ديفيد ريكاردو سمساراً للأوراق المالية، وإستطاع أن يجمع ثروة كبيرة فى وقت قصير أهلته من أن يصير مالكاً للأراضى، كما ساعدته ثروته على عضوية مجلس اللوردات، وأن يتفرغ للإنتاج الفكرى والمعرفى فى وقت مبكر. وفى عام 1817 قام ديفيد ريكاردو بنشر أهم مؤلفاته "مبادىءالاقتصاد السياسى والضرائب(13)" وفى هذا المؤلف الهام، المكون من 32 فصلاً، يعتبر ديفيد ريكاردو أن الإشكالية الأساسية فى الاقتصاد إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التى تنظم عملية التوزيع، وإنما إبتداءً من القيمة. ومن ثم يتبدى وجه الاختلاف بين رؤية سميث وبين رؤية ريكاردو للموضوع الذى ينشغل به الاقتصاد السياسى، فعلى حين يرى آدم سميث أن دائرة الإنتاج هى محل الانشغال، ينقل ريكاردو التحليل من دائرة الإنتاج إلى دائرة التوزيع؛ وعلى الرغم من وجه الاختلاف هذا، إلا أن كلا منهما يصدر فى تحليله لدائرة إنشغاله من القيمة. والواقع أن الاختلاف بين ريكاردو وسميث فى تلك النقطة الفكرية إنما هو إنعكاس مباشر لحركة الواقع، فآدم سميث حين فكر فى إنتاجه ثروة الأمم، وحالما كان يُنتجه فعلياً، إنما كان يعيش عصر الثورة الصناعية وكانت المشكلة الأساسية هى مشكلة تنظيم الإنتاج ونموه، بينما جاء ريكاردو كى يعايش مرحلة تالية أخذت مشكلة توزيع الدخل حيزاً كبيراً على صعيد الاقتصاد القومى، فيما بين: العمال، والرأسماليين، والملاك العقاريين، وفى نفس الوقت كانت هذه المرحلة التى عاشها ريكاردو هى مرحلة تتسم بزيادة ملحوظة فى الإيجارات الزراعية(الريع) ومن ثم كان إشكال توزيع الدخل بين الزراعة وبين الصناعة من الموضوعات الرئيسية التى شغلت التفكير الاقتصادى؛ فالتعارض كان واضحاً وشرساً بين مصالح طبقة كبار الملاك العقاريين وبين طبقة الرأسماليين. (أ) تصور ديفيد ريكاردو يبدأ ريكاردو من حيث الانشغال بتفسير لغز القيمة بالرجوع إلى مسألة الندرة، فهو يقرر أن الاختلاف بين القيمة الاستعمالية وبين القيمة التبادلية إنما يعود إلى ندرة السلع المختلفة؛ فبعض السلع قد يكون لها قيمة إستعمال مرتفعة ومع ذلك تنخفض قيمتها التبادلية لوجودها بوفرة؛ الهواء الجوى مثلاً قيمته الاستعمالية مرتفعة ولكن حيث يوجد بوفرة تشبع حاجات الإنسان فإن قيمة تبادله تنخفض إلى الصفر، وبعض السلع الأخرى التى تصور آدم سميث أن قيمتها الاستعمالية منخفضة جداً نجد أن قيمتها التبادلية مرتفعة جداً؛ كالذهب مثلاً، تنخفض قيمة إستعماله وترتفع قيمة مبادلته. "It has been observed by Adam Smith, that "the word Value has two different meanings, and sometimes expresses the utility of some particular object, and sometimes the power of purchasing other goods which the possession of that object conveys. The one may be called value in use; the other value in exchange. The things," he continues, "which have the greatest value in use, have frequently little or no value in exchange; and, on the contrary, those which have the greatest value in exchange, have little or no value in use." Water and air are abundantly useful; they are indeed indispensable to existence, yet, under ordinary circumstances, nothing can be obtained in exchange for them. Gold, on the contrary, though of little use compared with air or water, will exchange for a great quantity of other goods" وهو يصل إبتداءً من فكرة الندرة إلى إعتبار أن السلع تعتمد فى قيمتها التبادلية على أمرين: الندرة، وكمية العمل المطلوبة لإنتاجها. وإنما إبتداءً من وعيه بأن قيمة السلعة لا تتوقف فقط على العمل المنفَق مباشرة فى إنتاجها، بل وأيضاً العمل المنفَق على الأدوات والعدد والمبانى الضرورية لتحقيق العمل. أى أن ريكاردو يعالج هنا مسألة العمل المختَزن. "Possessing utility, commodities derive their exchangeable value from two sources: from their scarcity, and from the quantity of labour required to obtain them" وهكذا حاول ريكاردو أن يفهم التناقض ما بين قيمة إستعمال السلعة وبين قيمتها التبادلية، وذلك بالرجوع إلى ندرة السلعة، ويمكننا البدء فى إيجاز تصور ريكاردو من حيث بحثه إبتداءً من القيمة، وهو يحرص على إجراء التفرقة ما بين ثلاثة مصطلحات بشأن القيمة، إذ يفرق ريكاردو ما بين مصدر القيمة، ومنظم القيمة، ومقياس القيمة، وهو يرى إبتداءً من تلك التفرقة الواعية أن قيمة سلعة أو كمية معينة من سلعة أخرى تكون معدة للتبادل، إنما تتوقف على كمية العمل (النسبية) الضرورية لإنتاجها، وحينئذ نكون أمام الثمن الطبيعى. والذى لم يتمكن أدم سميث من الوصول إليه بوضوح ريكاردو. "The value of a commodity, or the quantity of any other commodity for which it will exchange, depends on the relative quantity of labour which is necessary for its production, and not on the greater or less compensation which is paid for that labour". أما إذا كان التعويض أكبر أو أقل فنكون أمام ثمن السوق؛ فريكاردو يفرق بين الثمن الطبيعى وبين ثمن السوق، وهو يعمم تلك التفرقة على جميع ما يُباع ويُشترى فى السوق من سلع، مع إستبعاده التحف والأشياء النادرة.وطالما العمل سلعة تُباع فى سوق العمل لمن يشتريها فى مقابل الأجرة، فإن ريكاردو يرى أن الثمن الطبيعى للعمل هو الذى يكون ضرورياً لتمكين العمال من العيش وإدامة عرقهم، دون زيادة أو نقصان. إنما يعنى حد الكفاف، وحينما تطرح سلعة العمل فى السوق نكون أمام ثمن السوق للعمل، وهو يراه هنا، كما أدم سميث، خاضعاً لقوى العرض والطلب، فريكاردو يقول فى الفصل السادس: "Labour, like all other things which are purchased and sold, and which may be increased or diminished in quantity, has its natural and its market price. The natural price of labour is that price which is necessary to enable the labourers, one with another, to subsist and to perpetuate their race, without either increase or diminution. The market price of labour is the price which is really paid for it, from the natural operation of the proportion of the supply to the demand; labour is dear when it is scarce and cheap when it is plentiful. However much the market price of labour may deviate from its natural price, it has, like commodities, a tendency to conform to it" ويقرر ريكاردو أن العمل المباشر يحصل على أجر مقابل مساهمته فى الإنتاج والعمل المختَزن يحصل على ربح وهذا هو مقابل تكوين الرأسمال أو إختزان العمل، ولكن ريكاردو يرى إمكانية زيادة الأرباح عن ذلك المستوى الذى يعوض أصحاب الرأسمال على مجهوداتهم التى بذلوها فى سبيل إنتاج السلعة. وهذه الزيادة فى الأرباح تشبه الريع الذى يحصل عليه ملاك الأراضى من حيث كانت فى رأى ديفيد ريكاردو نتيجة لندرة الرأسمال وليست نتيجة للمجهود الذى بذل فى تكوينها. (ب) التركيب العضوى لرأس المال يستكمل ديفيد ريكاردو، إبتداءً من قانون القيمة، الخط المنهجى الذى وضعه أدم سميث بشأن التفرقة ما بين الرأسمال الأساسى وبين الرأسمال الدائر، بيد أن إستكماله لهذا الخط المنهجى إنما هو فى الواقع إعادة نظر ليس فى التقسيم أو فى محتواه، وإنما فى معياره، فعلى حين رأى سميث أن معيار التفرقة ما بين الرأسمال الأساسى والرأسمال الدائر، إنما هى تفرقة تعتمد على شرط مدى بقاء ملكية ذلك الجزء من الرأسمال الذى يتجسد فى السلعة على نحو ما رأينا أعلاه، فإن ريكاردو يعتمد معياراً جديداً، يرتكز على معدل الاستهلاك، أو الديمومة؛ فإذ ما كان ذلك الجزء من الرأسمال مما يستهلك فى وقت قصير أو كلية فى فترة وجيزة، مثل ذلك الجزء من الرأسمال المدفوع كأجرة، فإن ذلك، وفقاً لريكاردو، بمثابة (الرأسمال الدائر) أما إذ ما كان مما يطول بقائه ويدوم إستخدامه فى الوظيفة التى تم إعداده لأجلها(كالألات والمبانى) فنحن أمام الرأسمال أساسى. كما يقول ريكاردو. مع ملاحظة أن ريكاردو لا يُحدثنا عن المواد الأولية أو المواد المساعدة. "In the former section we have supposed the implements and weapons necessary to kill the deer and salmon, to be equally durable, and to be the result of the same quantity of labour, and we have seen that the variations in the relative value of deer and salmon depended solely on the varying quantities of labour necessary to obtain them,—but in every state of society, the tools, implements, buildings, and machinery employed in different trades may be of various degrees of durability, and may require different portions of labour to produce them. The proportions, too, in which the capital that is to support labour, and the capital that is invested in tools, machinery and buildings, may be variously combined. This difference in the degree of durability of fixed capital, and this variety in the proportions in which the two sorts of capital may be combined, introduce another cause, besides the greater or less quantity of labour necessary to produce commodities, for the variations in their relative value—this cause is the rise or fall in the value of labour"
(4) كارل ماركس (1818- 1883) --------------------------------- نعاه إنجلز بقوله:" لقد كانت رسالته فى الحياة أن يُسهم بطريقة أو بأخرى فى قلب المجتمع الرأسمالى وأن يُسهم فى تحرير بروليتاريا العصر الحديث الذى كان أول مَن جعلها تعى مركزها وحاجاتها وتدرك الظروف التى يُمكن فى ظلها أن تحصل على حريتها. كان القتال ميدانه وقد قاتل بعنف وإصرار ونجاح لا يُباريه فيها كلها إلا قليل ومن ثم فقد كان أكثر رجل تعرض للعداء فى عصره، ثم مات محبوباً محترماً مبكياً عليه من ملايين العمال الثوريين من زملائه من مناجم سيبريا إلى سواحل كاليفورنيا، وفى كل مكان فى أوروبا وأمريكا. إن إسمه وعمله سيخلدان على مر العصور"(14) وقال عنه شومبيتر فى عبارات معبرة:"حقاً يختفى معظم ما يخلقه العقل أو الخيال بعد أزمنة مختلفة من عمليات الخلق تلك، قد تقصر أو تطول، لكن بعض هذه الأثار لا يختفى أبداً... فقد تعانى الاحتجاب، ولكنها تعود للظهور تارة أخرى، وهى روائع عظيمة، وما من ريب أن ذلك ينطبق على رسالة ماركس"(15) (أ) تصور كارل ماركس يبدأ ماركس تحليله إبتداءً من أن ثروة المجتمعات التى يسودها نمط الإنتاج الرأسمالى، تبرز بوصفها تكديساً هائلاً من السلع، بينما تبرز كل سلعة على حدة كشكل أولى لهذه الثروة. الأمر الذى يستلزم أن يبدأ ماركس من حيث تحليل السلعة، ويتعامل معها إبتداءً من كونها مادة خارجية، شىء، يلبى بفضل خصائصه، حاجة من الحاجات البشرية، مع وعيه بأن طبيعة تلك الحاجات البشرية، سواء كان مصدرها المعدة أم الخيال، لا تغير من الأمر شيئاً، ومع وعيه كذلك بالدور الذى تلعبه السلع على صعيد كل من الاستعمال والتبادل. ومن هنا يرى ماركس إمكانية النظر إلى كُل شىء نافع، مثل الحديد والورق...إلخ، مِن وجهتى نظر: مِن الجانب الكيفى ومِن الجانب الكمى. فكُل مِن هذه الأشياء هو مجموع للكثير مِن الخصائص ولذلك يُمكنه أن يكـون نافعاً بمختلف جوانبه. وإن الكشف عن هذه الجــوانب المختلفـة، وبالتالى عن الأساليب المتنوعة لإستخدام الأشياء هو عمل مِن عوامل التطور التاريخى. ويصح قول الشىء ذاته فيما يتعلق بإيجاد المقاييس الاجتماعية، فالاختلاف فى مقاييس السلع إما أنها تعود إلى إختلاف طبيعة المواد موضع القياس، وإما أنها إصطلاحية. إن منفعة الشىء تجعل منه حائزاً لقيمة إستعمالية، ولكن هذه المنفعة، ليست مُعلقة فى الهواء، كما يقول، فهى لكونها مَشروطة بخصائص جسد السلعة، لا توجد بدون السلعة؛ ولذلك فإن جسد السلعة، كالحديد والورق والذهب...إلخ؛هو بحد ذاته قيمة إستعمالية، ولدى النظر فى القيم الاستعمالية يقتضى الامر دائماً تحديدها كمياً، مثلاً: برميل من النفط، طن مِن حديد، متر مِن القماش، جرام مِن الذهب إلخ، وتُشكل القيم الاستعمالية للسلع موضوع عِلم خاص هو عِلم السلع، ولا تتحقق القيمة الاستعمالية إلا مِن خلال الاستعمال أو الاستهلاك. وأن القيم الاستعمالية تُشكل المضمون المادى للثروة مهما كان الشكل الاجتماعى لهذه الثروة، وفى ظل شكل المجتمع الرأسمالى الذى نحياه حالياً، تُعتبر القيم الاستعمالية فى الوقت نفسه حاملات مادية للقيمة التبادلية. وتبدو القيمة التبادلية قبل كُل شىء كعلاقة كَمية، كنسبة يجرى بموجبها تبادل قيم إستعمالية مِن نوع ما بقيم إستعمالية مِن نوع آخر. فإن سلعة مُعينة، كيلو مِن القمح مثلاً تجرى مبادلته بمقدار (س) مِن الأرز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إلى ذلك، وبإختصار: بسلع أخرى بأكثر النسب تبايناً، وبالتالى فليس للقمح قيمة تبادلية واحدة، بل لها، كسلعة، الكثير جداً مِن القيم التبادلية، ولكن بما أن (س) مِن الارز، و (ص) مِن الحرير، و (ع) مِن الفضة، إنما تُشكل القيمة التبادلية للكيلو مِن القمح، فإن (س) من الأرز، و (ص) من الحرير، و (ع) مِن الفضة، وما إليها، يجب أن تَكون قيماً تبادلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض، أى أن تكون متساوية فيما بينها. ومِن هنا ينجم، أن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تعبر عن شىء واحد. ولنأخذ سلعتين للتمثيل المبسط، وليكن الحرير والفضة، فمهما تكن علاقتهما التبادلية يُمكن على الدوام التعبير عن هذه العلاقة بمعادلة تَتَعادل فيها كَمية معينة مِن الحرير مع كَمية معينة مِن الفضة، مثلاً: مبادلة (10) أمتار مِن الحرير بـ(5) جرام مِن الفضة. فعلام تَدُل هذه المعادلة؟ إن تلك المعادلة إنما تدل على وجود أمر مشترك مقداره واحد. إن كلاً مِن هذين الشيئين، الحرير والفضة، مساو لشىء ما ثالث، لا هو الأول ولا هو الثانى، وبالتالى لابد وأن يكون كُلٌ منهما بإعتباره قيمة تبادلية، قابلاً للارجاع إلى هذا الشىء الثالث. وهذا الشىء المشترك لا يُمكن أن يكون متمثلاً فى خصائص هندسية أو فيزيائية أو أية خصائص طبيعية أخرى للسلع، فخصائص السلع الجسدية لا تُؤخذ فى الاعتبار على وجه العموم إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، أى بقدر ما تجعل مِن السلع قيماً إستعمالية، وفى هذا الشأن يَنقل كارل ماركس، عن "باربون" قوله:"إن نوعاً من البضائع هو صالح تماماً كأى نوع آخر إذا كانت قيمتهما التبادليتان متساوييتين، ولا فرق أو إختلاف بين الأشياء التى لها قيم تبادلية متساوية؛ فكَمية مِن الحديد أو الرصاص بمائة جنيه لها نفس القيمة التبادلية كما لكمية مِن الفضة أو الذهب بمائة جنيه"(16) إن الأمر الثالث المشترك بين(قيمة السلعتين التبادلية) هو العمل، فكلاهما نتاج قوة العمل. ولا محل هنا للقول بأن الرأسمال والأرض والمنظم والمواد والألات أيضاً يسهمون فى عملية الإنتاج تلك؛ وذلك لأن ماركس هنا يناقش (القيمة التبادلية) للسلع، وليس الأثمان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كل ما ذكر من الرأسمال والأرض والمنظم، والنقل، والمواد، الأساسية منها والمساعدة، والألات لا يضيفون إلى الناتج سوى قيمتهم، دون أن يزيدوا الناتج ومن ثم زيادة قيمته التبادلية. إنشغل ماركس، بشكل رئيسى، بقيمة قوة العمل. متسالاً: ما هى قيمة قوة العمل؟ ويُجيب: إن قيمة كل سلعة تقاس بالعمل اللازم لإنتاجها. وقوة العمل توجد فى شكل العامل الحى الذى يحتاج إلى كمية محـددة من وسائل المعيشة لنفسه ولعائلته، مما يضمن إستمرار قـوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل المعيشة هذه يُمثل قيمة قوة العمل. وعلى ذلك يدفع الرأسمالى للعامل أجره أسبوعياً مثلاً، شارياً بذلك إستخدام عمله لهذا الاسبوع. بعد ذلك فان الرأسمالى يجعل عامله يبدأ فى العمل، وفى وقت محدد سيقدم العامل كمية من العمل توازى أجره الأسبوعى، والمثل المعروف مؤداه أننا لو إفترضنا أن أجر العامل الأسبوعى يمثل ثلاثة أيام عمل، فان العامل إذا بدأ العمل يوم الاثنين؛ فانه يكون فى مساء يوم الأربعاء قد "عوض" الرأسمالى عن"القيمة الكاملة للأجر المدفوع". ولكن هل يتوقف العامل عندئذ عن العمل؟ إطلاقاً. لقد اشترى الرأسمالى عمل العامل لمدة أسبوع، وعلى العامل أن يستمر فى العمل خلال الأيام الثلاثة الاخيرة من الأسبوع كذلك، وهذا العمل الفائض(17) الذى يقدمه العامل فوق الوقت اللازم لتعويض أجره وزيادة عليه هو"مصدر فائض القيمة"، ومصدر الربح، والتراكم المتزايد بإستمرار للرأسمال. (ب) التركيب العضوى لرأس المال لا يهدم ماركس التقسيم الذى وضعه سميث، وسايره فيه ريكاردو، مع بعض التعديلات، وإنما يُعيد النظر فيه من جهة محتوى التقسيم ومعياره، كى يصل إلى إعادة طرح رأس المال الأساسى والرأسمال الدائر وفقاً لتقسيم الكلاسيك، من جهة المفهوم والمحتوى والمعيار، وإنما إبتداءً من القيمة وإنتقالها، كمياً وكيفياً من الرأسمال إلى المنتَج النهائى، الأمر الذى قاد ماركس نحو عمل تقسيم مختلف تبدى فى إعادة النظر فى الرأسمال الأساسى على وجه التحديد، فالرأسمال لديه يتكون، من جهة التركيب القيمى، إلى قسمين: ثابت، ومتغير: ثابت: وهو ذلك الجزء مِن وسائل الإنتاج (تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الذى ينقل جزءً من قيمته (التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياً فى"عملية إنتاجية واحدةً"، وتستمد صفة الثبات وجودها مِن أن ذلك القسم مِن الرأسمال ينقل جزءً مِن قيمته التبادلية (وهو من تلك الوجه يُعد رأسمالا متداولاً) بينما يظل الجزء الآخر ثابتاً فى وسائل العمل، وبالتالى يبقى فى حقل الإنتاج. مُمثلاً لرأسمال أساسى. والقسم الثانى هو الرأسمال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. كما ينقسم الرأسمال كذلك، من الوجهة التكنيكية، إلى: وسائل إنتاج، وقوة عمل حية، وبهذا المعنى يتحدد تركيب رأس المال بالعلاقة بين كتلة وسائل الإنتاج المستخدمة، من جهة، وكمية العمل اللازمة لإستخدام هذه الوسائل، من جهة أخرى. وفى ذلك يقول ماركس:" إن ذلك القسم من رأس المال الذى يتحول إلى وسائل إنتاج أى مادة خام ومواد مساعدة ووسائل عمل، لا يغير مقدار قيمته فى عملية الإنتاج. لذلك فأنا أسميه بالقسم الثابت للرأسمال، أو بإختصار: الرأسمال الثابت، وعلى العكس، فذلك القسم من الرأسمال الذى تحول إلى قوة عمل، يُغير قيمته فى عملية الإنتاج، فهو يُجدد إنتاج معادله الذاتى وعلاوة على ذلك فائضاً، قيمة زائدة يمكنها أن تتغير بدورها وأن تكون أكبر أو أقل، وهذا القسم للرأسمال يتحول بصورة متواصلة من مقدار ثابت إلى متغير، ولذلك فأنا أسميه بالقسم المتغير للرأسمال، أو بإختصار: الرأسمال المتغير"(18).
الهوامش (1) الاكوينى: هو القديس توما الاكوينى (1225 - 1274) قسيس كاثوليكى إيطالى وفيلسوف. والاكوينى نسبته إلى محل إقامته فى أكوين. كان أحد الشخصيات المؤثرة فى مذهب اللاهوت الطبيعى، له تأثير واسع على الفلسفة الغربية، من رواد مدرسة الثمن العادل، وكثيرٌ من أفكار الفلسفة الغربية الحديثة إما ثورة ضد أفكاره أو اتفاق معها، خصوصاً فى مسائل الأخلاق والقانون الطبيعى ونظرية السياسة. يعتبره العديد من المسيحيين فيلسوف الكنيسة الأعظم لذلك تُسمى باسمه العديد من المؤسسات التعليمية. ملحوظة: من أصول البحث العِلمى فى تاريخ الفكر الاجتماعى بوجه عام، وتاريخ الفكر الاقتصادى، بوجه خاص، أن يتم أولاً التعرف على الواقع الاجتماعى والظرف التاريخى الذى يعيش فيه المفكر، ثم الانتقال إلى أفكاره، ولكن ولأننا لم نذكر هؤلاء الأعلام إلا إبتداءً من بحثنا عن القيمة، دون أن نهدف إلى الحديث فى تاريخ الفكر الاقتصادى أو تاريخ عِلم الاقتصاد السياسى، كما أن المقام لا يسمح لنا بذلك، فسنكتفى بذكر موجز بشأن كل عَلم من الأعلام الذين سيأتى ذكرهم متناً وهامش. (2) وليم بيتى (1623-1687) اقتصادى إنجليزى وأحد مؤسسى عِلم الاقتصاد السياسى الكلاسيكى, أول من أشار إلى الريع الفرقى، ويمكن القول بأن وليم بيتى كان باحثاً إقتصادياً أصيلاً وبيّن فى دراساته خضوع ثمن السلعة الحقيقى للعمل المبذول فى إنتاجها. ولوليم بتى عبارة شهيرة تقول:" إن العمل هو الأب والأساس الفاعل للثروة، بينما الأرض هى الأم". يمكن الرجوع إلى العمل الأصيل والخلاق لاستاذنا الدكتورمحمد دويدار، الذى يقوم من خلاله بتقديم وليم بتى، كأحد الرواد الإنجليز للمدرسة التقليدية، مبادىء الاقتصاد السياسى- الأساسيات (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة، 2008) (3) ريتشارد كانتيون (1680 – 1734) أيرلندى، ومُنظِّر إقتصادى، أول مَن إستخدم مصطلح Entrepreneur المنظم وإنتقل إلى الإنجليزية بنفس النطق الفرنسى. ومن المعتَقد أن أول مَن نحت المصطلح هو الاقتصادى الفرنسى جان باتست ساى"عام 1800، ويجرى كانتيون التفرقة ما بين البيع المؤكد للسلعة وبين البيع المحتمل، من خلال التفرقة ما بين نمط الإنتاج الإقطاعى، حيث الإنتاج معروف سلفاً إلى أين سيذهب، ومن هنا كان مؤكداً، وبين نمط الإنتاج الرأسمالى، والذى معه يتم الإنتاج من أجل السوق، ولذا فان بيعه يكون محتملا، ويمكن القول بأن ما يميز مساهمة كانتيون، هو تصوراته على صعيد النقود؛ حيث قام بمناقشة وضع الدخل فى النظرية النقدية، فقام بتحليل العلاقة السببية التى تربط التغيرات فى رصيد النقود بسلسلة التغيرات فى الانفاق الكلى والدخل والتوظف والأسعار. وبدأ تحليله ببيان التدفق الدائرى للدخل فى مجتمع يعتمد على النشاط الزراعى، فالمزارعون يدفعون إيجارات الأرض للملاك وهؤلاء يقومون بدورهم بالانفاق على العمل وعلى حيوانات المزرعة والسلع المصنوعة؛ وما يتبقى للملاك يُمثل رصيداً متبقياً أو دخلاً صافياً لهم. تلك الأفكارسيتلقفها كينيه، ويتولى شرحها بمزيد من العمق فى كتابه " الجدول الاقتصادى". (4) جون شارل سيسموندى (1773 - 1842) ولد فى جنيف بسويسرا. وهو كاتب ومؤرخ اقتصادى. وهو مؤرخ معروف بكتاباتهِ فى التاريخ الفرنسى والايطالى. ولقد هاجم سيسموندى آراء وأفكار المذهب الحر الطبيعى فى كثير من الآراء التى كان يروج لها أنصاره، ودعى إلى الإهتمام بتحسين حالة العمال وتأمين السلامة الصناعية وضمان حالات البطالة والمرض والعجز. وقد مهدت آراءهُ للكثير من الأفكار الإصلاحية على الصعيد الاجتماعى. وكان لكتبهِ وخصوصاً كتاب (المباديء الجديدة للاقتصاد السياسى) الأثر الفعال لتمهيد الطريق للنظرية التاريخية الألمانية، ومن أهم مؤلفاته:"المبادىء الجديدة للاقتصاد السياسى"و"تاريخ إيطاليا فى العصور الوسطى"وهو من أعظم أعمالهِ التاريخية، ظهر الجزء الأول منهُ عام 1807 وأتم الجزء السادس والأخير عام 1818. (5) فرنسوا كينيه: هو ذلك الطبيب الذى جعل من الاقتصاد السياسى عِلماً، تمكن فرانسوا كينيه من الحصول على إجازة الطب فى سن الخامسة والعشرين، ولنبوغه صار طبيب القصر لمدام بمبادور، ثم للويس الخامس عشر، وبفضل هذا النبوغ والتفوق الفكرى إستطاع أن يجتذب البارزين من رجال القصر إلى داره؛ حيث عُقدت الندوات التى إتخذ منها وسيلة لنشر أفكاره فى الشئون الاقتصادية، ومن الذين إشتركوا فى ندواته: ميرابو، وروبرت تيرجو، الذى أصبح لفترة وجيزة وزير مالية لويس السادس عسر، وكذلك كان من الذين إشتركوا فى ندواته: بير دى نامور، صاحب التسمية بالطبيعيين. وفى كتابه الشهير"الجدول الاقتصادى" الذى نشره فى عام 1758، وضع فرنسوا كينيه التصور العام لفكر الفيزيوقراط(الطبيعين) وبوجه خاص وضع فرنسوا كينيه أولى التصورات المنهجية فى تاريخ الفكر الاقتصادى حول نظرية تجدد الإنتاج، والذى قام بتأصيلها من بعد فى مؤلفه"القانون الطبيعى"الذى نشره فى عام 1765، والذى كان واضحاً مدى تأثره بكتاب مونتسكيو فى "روح القوانين" وريتشارد كانتيون فى بحثه عن "طبيعة التجارة". وعن الجدول الاقتصادى فقد قال فيه ماركس:"إنه يُمثل أول إدراك فكرى لحقيقة طريقة الإنتاج الرأسمالية"كارل ماركس، رأس المال، طبعة موسكو، ترجمة فالح عبد الجبار، المجلد(2) ص(343)، ولئن كان إريك روول، يرى:"إن ماركس لم يطلع إلا على القليل من فكر الطبيعيين، كما أنه لم يرجع مباشرة إلى مؤلف فرنسوا كينيه، بل إستخدم مرجعاً قليل الأهمية هو مؤلف بلانكى الصادر فى عام 1875 المعنون بـ"تاريخ الاقتصاد السياسى فى أوروبا" أنظر: Eric Roll, A history of Economic Thought, Faber&Faber.London 1973.pp142-145. وقال عنه ميرابو :"إن الجدول الاقتصادى يشكل، بعد ابتكار الكتابة، ووحدات النقد، ثالث الابتكارات الرئيسية التى حققها العقل البشرى". والأمر الجدير بالذكر ان مذهب الطبيعيين قد أصبح فى فرنسا آنذاك بمثابة عقيدة دينية وتأثرت الجمعية التأسيسية به تأثراً شديداً حين وضعها للدستور الفرنسى عام 1789. راجع لمزيد من التفاصيل فى هذا الشأن: لابروس، بولوازو، موسنييه، تاريخ الحضارات العام، الفصل الثالث من المجلد الخامس (بيروت: منشورات عويدات. 1968) (6) أنظر: أرسطو، فى السياسة، نقله عن الأصل اليونانى، وعلق عليه الأب أوغسطين برباره البولسى، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع الإنسانية، بيروت 1980، وللتعرف على وجهات النظر المختلفة فى أرسطو، فإنه يمكن الرجوع إلى: فاروق عبد المعطى، أرسطو- أستاذ فلاسفة اليونان (بيروت: دار الكتب العلمية، 1992) أيضا ننصح بمراجعة: مصطفى النشار، نظرية المعرفة عند أرسطو (القاهرة: دار قباء، 2001) (7) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص 27) (8) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص 26) (9) مُشار إليه لدى كارل ماركس، رأس المال، المجلد(1) الجزء(1) ص(239) ولقد ذكر ماركس أن أرسطو كتب ذلك فى كتابه"الجمهورية". إلا أن نفس العبارات حرفياً فى كتابه "فى السياسة". وربما يكون إلتبس الأمر على ماركس. فأرجع كلام أرسطو إلى كتابه "الجمهورية" بدلاً من "السياسة" ولقد أوردنا إشارة ماركس إلى أرسطو؛ لكونها أوضح كثيراً من جهة الترجمة عن ترجمة الأب أوغسطينس والتى رجعنا إليها، وهى تتميز بالصعوبة إلى حد كبير نظراً لانتهاجها الترجمة الحرفية التى قد تؤدى، أحياناً، إلى عدم فهم المعنى على وجه التحديد. (10) أرسطو، السياسة، المرجع السابق (ص29) (11) Robert Heilbroner, The worldly Philosophers, Simon&Schuster, New York, 1961, p237 Adam Smith The Wealth of Nations, Barnes&Noble.New York 2004(12) (13) David Ricardo, The Principles of Political Economy And Taxation, Barnes&Noble.New York 2005 ولعل من أشهر النظريات التى قال بها ديفيد ريكاردو هى نظريته فى الريع، أنظر فى شرح موجز وجيد لها:أحمد أبو إسماعيل، الاقتصاد (القاهرة: دار النهضة العربية. 1979) ص 552-572، إلا إن إريك رول، يُرجع فضله الأول والحقيقى إلى نظريته فى القيمة والتوزيع: أنظر: E.Roll,op.cit.p147 (14) أنظر: ايسيا برلين،كارل ماركس،ترجمة:عبد الكريم أحمد (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة،1963)، ص215 (15) أنظر: 1966.p123 J.A.Schmpeter, Capitalism, Socialism, and Democracy.Unin University book London, (16) ماركس، رأس المال، المجلد الأول (ص45) (17) Raymonde Barre, Economique Politique. Vol II, presses universitaires, De France, Paris, 1964 “ Les capitalistes acquièrent la force travail des travailleurs en leur payant un salaire égal un minimum ainsi define: ils paient donc les travailleurs a la valeur exacte de leur travail (soit 6 heures) Mais ils sont en situation d utiliser les travail- leur pendant un temps plus long (10 heures) que celui correspondant a lentretien du travailleur. Comme les produits obtenus ont une valeux d echange déterminée par le travail que y est incorpore It y a une différence entre la valeur de la force de travail (6 heures) et la valeur des produits obtenus par l usage de cette force de travail (10 heures) cette différence (4 heures) constitue la plus- value” (18) أنظر: كارل ماركس، رأس المال، المجلد (1) الجزء (1) ص (286) والمجلد(1) الجزء(2)ص (159) والمجلد (2) ص(310) وأنظر بصفة خاصة مبحث نقل قيمة الماكينات إلى الناتج، فى الفصل الثالث عشر من القسم الرابع. المجلد (1) الجزء (2) ص(556)
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصاد السياسى الماركسى
-
حول فرضيات جرامشى
-
منهجية البحث فى إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
-
الاقتصاد السياسى للصراع فى السودان
-
الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس
-
مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
-
الاقتصاد السياسى فى فكر كارل ماركس
-
ماركس المفكر لا الأيديولوجية
-
السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -
-
نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس
-
إحياء الفكر العربى. فقر الفكر الثقافى؟ أم فكر الفقر الثقافى؟
-
الاقتصاد العالمى المعاصر . . . حينما يقود المخبولون العميان
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
-
الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
-
خاتمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|