جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3830 - 2012 / 8 / 25 - 13:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انظروا إلى داخل تل أبيب والمدن الإسرائيلية ستجدون هنالك مساجد منتشرة هنا وهناك والناس أحرار في صلاتهم وعبادتهم والسبب في ذلك أن داخل إسرائيل ثقافة العلمانية وضمان حق التعبير لكل مواطنٍ فيها فهنالك أناس لا يمكن أن يعيشوا بلا دين وهنالك أناس لديهم الرغبة بالتحرر من الدين والناس عبارة عن أشكال مختلفة ومعارف متعددة,ولولا أن طلاب المدارس يتعلمون من صغرهم على العلمانية لَما سُمح في تل أبيب على الإطلاق ببناء مساجد .. نحن كعرب مسلمين نحتاج هذا اليوم لتعلم العلمانية وتعليمها للأطفال في المدارس قبل أن يتعلموا كيف يقرءوا سورة الفاتحة وهذا ليس بسبب أننا نهدف لبناء هياكل دينية لليهود ولكن لأننا نريد بناء مؤسسات حكم تحكمنا بأسلوب حضاري بعيد عن التعصب والشللية,فنحن مطلقا و100% لا توجد عندنا مؤسسات حكم مدنية وأقولها بالفم المليان:لا توجد عندنا مؤسسات حكم بل توجد عندنا قبائل وعشائر ونظام اقتصادي مختلط ونظام سياسي يحكم بأسلوب القرون الوسطى, واليوم هنالك أكثر من 100معتقد فكري وسياسي وثقافي وديني,وهنالك آراء شخصية لكل شخص بالعالم ولكل إنسان الحق في أن يتبع الفكرة التي في رأسه سواء أكان في نظرنا مخطئا أم مصيبا,وهذا ما نصت عليه ثقافة حقوق الإنسان ومن خلال نشر ثقافة حقوق الإنسان سيتعلم الطلاب في المدارس على حقوق الأقليات وعلى حق كل إنسان أن يعيش في المجتمع حر في الإرادة والتفكير والتعبير عن رأيه بشفافية مطلقة,والذي يعيق العلمانية هو الدعاية السيئة ضدها مثل أنها تريد القضاء على الإسلام وعلى عادات العرب وتقاليدهم وهذا ليس صحيحا والصحيح أنها تريد تصحيح مسار المجتمعات العربية من مسارات التعصب والانحلال السياسي إلى نظام حديث قائم على حق كل إنسان بأن يعيش الحياة التي يريدها,وهل تعلموا أن دولة عربية مسلمة مثل السعودية تحتل رقم 6 من بين أكثر الدول العربية استهلاكا للخمور؟ هذا مع علمنا أن هنالك رقابة صارمة على بيعها وشربها لأن الله في الدين الإسلامي:لعن شاربها وبائعها وحاملها,ولو سُمح لها بالانتشار لكانت السعودية الدولة رقم 1 في العالم كله من حيث بيعها وحملها وشرائها وأوردنا هذه المعلومة ليعلم القارئ بأن هنالك نوايا للانتقال إلى الحياة المدنية ولكن أنظمة الحكم الفاسدة تمنع الحرية الفكرية والسياسية كما تمنع الخمر ومع ذلك الكل يريد التغيير,إن العلمانية هدفها القضاء على التعصب الديني وعلى التعصب الفكري والثقافي,وطالما أننا سنعلم الأطفال في المدارس على الفاتحة العلمانية قبل أن يتعلموا على قراءة سورة الفاتحة القرآنية فمن هذا المنطلق يجب على كل خطيب مسجد يصعد على المنبر أن يدخل في دورة تدريبية على العلمانية ليعرف ما هي وما هي أصولها وماذا تريده منا بدل أن يقف على المنبر مشمرا عن ساعديه وهو يسب في العلمانية ويتهمها زورا وبهتانا بغير علم, نحن جميعا نريد العيش بسلامٍ دائمٍ وللأبد ونريد أن نؤمن على أرواحنا إذا دخلنا كأعضاء في جمعية أو مؤسسة مجتمع مدنية ونريد التأمين على أرواحنا إذا دخلنا حزبا سياسيا وبما أنه لا توجد شركات تأمين تؤمن على أرواح المثقفين والسياسيين ضد التعصب الأعمى أو ضد الغير فإن الضامن الوحيد لأرواحنا هي العلمانية بكل تجلياتها الفكرية والثقافية والسياسية,والعلمانية ليست كالثقافة على اعتبار أن الثقافة مصطلح مطاطي وهنالك أكثر من 165 تعريف للثقافة ولكن هنالك تعريف واحد للعلمانية تتفرع عنه كافة فنون المعرفة في حقوق الإنسان ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
والمسيحية اليوم لا يوجد فيها المسيحية السياسية وحتى إن كتبنا كتابا أو مقالا عن المسيحية السياسية فإننا لن نجد بندا يسمى ببند:المسيحية السياسية لأن المسيحية منذ عقود أخذت بكلام المسيح وأعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله وتوقفت الحروب بين البروستانت والكاثوليك وانتقلت إلى الصراع على غزو الفضاء والفتوحات العلمية ,يجب أن يتعلم طلاب المدارس الأبجديات الأولية للعلمانية قبل أن يتعلموا أصول الدين نفسه,فتعليم الدين للأطفال في المدارس أولا يشكل خطرا كبيرا على المجتمع وعلى أنفسهم وذلك بسبب الآيات التي تحث على التكفير وعلى الإرهاب وقتل المرتد وتضييق الحصار عليه بلقمة الخبز,وثانيا لم تكن العلمانية في العصور الوسطى مطلوبة لتهذيب النفوس كان الدين لوحده قادرا على تهذيب النفس ولكن بعد عصر التطور ظهرت اتجاهات فكرية متعددة ويجب أن نحترم أصحاب هذه الأفكار ولا نقوم بتكفيرهم,واليوم بفضل شبكة الاتصالات الكبيرة والحديثة أصبح العالم قرية صغيرة والمسافات تقلصت بتقلص عدد الساعات لقطعها وكل شيء أصبح سريعا فنحن نعيش في عصر التكنولوجيا وهو عصر السرعة,وهنالك اتجاهات فكرية متعددة وطرق تفكير متعددة ويتأثر الإنسان اليوم وهو بمنزله ومغلقا عليه باب بيته بأفكار أخرى من الصين أو من جنوب أمريكا وإذا بقي الإسلام في الوطن العربي هو المسيطر الوحيد على المجتمع بفعل الهيمنة عليه فإن الوضع سيكون خطيرا وستزداد الخطورة أكثر وخصوصا إذا عرفنا أن مستقبل الحريات العامة في خطر نتيجة هيمنة الإسلام على المجتمع دون وجود العلمانية أو حزب آخر منافس له ليظهر لنا الغث من السمين.
وللتوضيح أكثر: العلمانية ليست ضد الدين,أي دينٍ كان,ولكن العلمانية ضد انتشار الشر وضد سيطرة مجموعة واحدة على المجتمع كله وما دامت هنالك آراء مختلفة فإن هذه الآراء ستتحول إلى تيارات فكرية فيها جذب وشد وإقبال عليها ولن تتمتع بحرية الحركة إلا إذا كان المجتمع الذي تتمدد به عارفا وفاهما العلمانية على أصولها,والعلمانية هي الضمان الوحيد لتهدئة الأوضاع في الدول العربية,العلمانية تضمن للمسيحي أن يذهب للكنيسة دون أن يعترض طريقه أحد,وتضمن للمسلم أن يدخل المسجد ويخرج منه دون أن يعترضه أحد شريطة عدم التدخل في حياة الآخرين أو في رسم سياسة الدولة وفق منظور ديني بل تبقى الدولة علمانية تحكمنا فيها القوانين ومؤسسات المجتمع المدنية,فكما تضمن العلمانية حرية الدين فإنها أيضا تضمن حرية الاعتقاد وحتى الإلحاد نفسه مع العلم أن العلمانية ليست إلحادية كما يتوهم الواهمون,وليست مسيحية,ولكنها الفصل الحكم بين الجميع وهي الضمان الوحيد الذي يكفل حرية الرأي وحرية الدين وحرية المعتقد شريطة عدم المساس بحقوق الآخرين وضمان عدم تدخل فئة للضغط لحساب فئة أخرى,ولولا العلمانية التي انتشرت في أوروبا بعد عصر النهضة لكانت أوروبا إلى اليوم غارقة في الحرب بين الكاثوليك والبروستانت,ولولا العلمانية التي انتشرت في أوروبا لَما تكاثرت الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنية وثقافة حقوق الإنسان فالعلمانية هي التي أدت إلى حياة العصرنة الحديثة حيث وجد الناس أنفسهم في حرية الاختيار بين هذا وبين ذاك, العلمانية ليست تعليم للإلحاد بل هي جاءت لتهدأ من حدة التوتر الديني ولو أن الدول العربية صادقة في مشاريع الإصلاح لقامت على الفور منذ عشرين سنة أو منذ عشرة سنوات بتعليم طلاب المدارس على المنهج العلماني قبل تعليمهم على قراءة سورة الفاتحة.
إن التركيز على تعليم الدين لوحده خطر جدا على عقول الأطفال ويسبب هذا التصرف نزيفا حادا في الرئة التي يتنفس منها المجتمع بأكمله,فالعلمانية ليست أن تفصل الدين عن الدولة فحسب فهذا التعريف تعريف أولي لها وهو بداية الطريق وليس نهايتها
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟