|
وخزة
روني علي
الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 15:50
المحور:
كتابات ساخرة
حتى أمد ليس بالبعيد ، كنا – الملتزمين والمهتدين والمتبنين والمسترشدين – نفتش عن خبايا وخفايا الأمور في بلاد الهونولوي أو الواق واق ، أو في أية رقعة أخرى من أرض الله الواسعة ، نتحدث عنها ونغوص فيها ، نتعرض إلى مشاكلها وإنجازاتها ، نتضامن معها ونستنكر ما تتعرض لها .. نلمع صور قادتها ، ونقتبس ديباجات خطبهم وجملهم ، في معرض الإشادة بما نعمل ، أو التأكيد على مصداقيتنا وصوابية رأينا . بل كنا نعلق صور أبطالهم ورموزهم ، سواء الذين خدموا الإنسانية وضحوا من أجلها ، أو الذين دفنوا الإنسان وهو حي يرزق ، في فوهة المدفع ، أو ألقوا به إلى سعير بيوت النار .. ونرصف الكتب والمخطوطات في مكتباتنا ، ولو لم يتعلق واحد منها بأحد رموز ذاكرتنا ، أو خصوصية إحدى مواقعنا ..! حتى نشأ جيل في ديارنا يبني بيته على مقاسات بيوت تلك البلاد ، ويلبس حسب الموضة الدارجة فيها ، ويتمنطق وفق المنطق السائد هناك ، دون أن يستدرك يوماً ويتساءل : ترى هل نمتلك ذات التربة للبناء عليها .. أو نفس العقلية ليتوافق مع ما يلبسون أو يتمنطقون به .. إلخ ، حتى تجاوزنا ذواتنا وانصهرنا في بوتقتهم ..؟ لكن ، وبما أننا من أنصار تقييم المراحل حسب قوانينها ومفاهيمها واللغة السائدة فيها بتوازناتها ومعادلاتها وإرهاصاتها ، نقول بأنها –تلك المرحلة – لم تكن قسرية أو خارجة عن المألوف حينها، بالرغم ما جلبت لنا من إرهاصات وتداعيات ، لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون قد شكلت جزء من تاريخنا النضالي ، لعل وعسى أن نستفيد من كبواتها ونبني على بعض الجوانب الجميلة المتبقية منها .. لكن ، ما أن ولت تلك الأيام وخارت قواها ، حتى احتلت صور رونالدو ودونالدو وريكاردو وغيرهم من أبطال الملاعب ، كذلك صور جاكسون وسبل جان ودياب وشاكيرا وغيرهم وغيرهم موقع تلك الصور المعلقة ، إضافةً إلى الصور التي تملئ جيوب فتياننا وفتياتنا ، منها ما هي شفافة وزاهية ومزركشة ، أو منسوخة على الأقراص الصلبة تبحث لنفسها عن أقرب فرصة لتأخذ طريقها إلى أجهزة الفيديو والسي دي .. ؟ نعم ، في نبشنا وبحثنا عما يدور ويجول في حاضرة تلك البلدان ، في تعاملنا مع تلك الأسماء والانتصارات ، حتى لا نختلف على تسمية المسميات في حاضرتنا بأسمائها ، ونتهرب من مواجهة أولي الأمر والقوة والسلطة والقدر والقرار ، والبسطاء من بني ملتنا ، وتأويل الكلمات وتفسير البيانات ، حتى لا نظهر عن شحنا الفكري وعقمنا السياسي وخوائنا الثقافي ، وبالتالي نفقد الهالة التي تلف أجسادنا من الأخمص إلى الأخمص ، محافظين بذلك على رزانة القائد ، واتزان السياسي ، ودبلوماسية الخبير ، طمرنا شيئاً فشيئاً ما تحمله ذواتنا أو ذاكرتنا ، وخُلق في أحشائنا جيل يحفظ عن ظهر قلب العديد من الأسماء والألقاب .. العديد من المواقع والانتصارات ، أسماء كل المهاجمين وكل المدافعين ، بل وحتى موطنهم وتاريخ ميلادهم وشكل عشيقاتهم ، مبارزات العمالقة ، وأصوات الجنس اللطيف ، بل حتى قصة شعرهم وشكل غرتهم ، فدخل إلى كل بيت نسكنه البانكي والفرزادتشي والمارينز وعرف الديك .. وإلخ ، دون أن يرافقها دخول ركائزها ومستلزماتها ، دون أن نعي حقيقتها وحقيقة ما يحصد الزمن من تيار التغيير ، حتى وجدنا أنفسنا في عالم لم نمتلك مقومات التعامل معه ، بل نشعر بالغربة والاغتراب في أحضان أسرنا ، فأضحى الرياء خصلة ، والنفاق ميزة ، والتلون شطارة ، والمجاملات دبلوماسية ، والنهب والسلب والقنص والاحتكام إلى شرعة قضاة ما بعد منتصف الليالي ، من متلازمات قطاعات واسعة في مجتمعنا الوسيع. نعم ، جيل تاه بين ما كان يروجه الكبار في مجالسهم من تسميات ومسميات بعيدة كل البعد عن ذاكرته ومتطلبات حياته اليومية ، بل حتى لا يمتلك القدرة على استيعابها وإمكانية تداولها والتعامل معها ، حتى كانت الهوة التي تفصله عن المكلفين بتنشئتهم وتقويم سلوكهم الحياتي ، وبناء شخصيتهم المعرفية ، وبين قوة الإعلام وقدرة السلطات وهجمة النزوات والمغريات ، وتيار التغيير الذي لا يفقه من مبادئه حتى الأساسي منه .. نعم ، هو ذا التطور بمقاييس اليوم ، أن يبني الإنسان ذاته كما يرغب ، ويلبس كما يهوى ، ويعمل كما يشتهي ، يقرأ ويسمع ويرى كما يحلو له ، حتى لو كان من نسل مناضل أفنى جل حياته في سبيل أن يستقيم المجتمع ، ويبنى الإنسان على ركائز معرفية .. ! ولأننا - نحن أيضاً - مع التطور - ولا قدر الله أن نكون في مواجهة الموجة - ونحترم التعددية الدارجة ، وحرية الرأي ، لا نبالي إذا كان أبناؤنا لا يجيدون كتابة أحرف (مهاباد أو دياربكر أو حلبجة وخورمال وقلعة دزه وعامودا ... إلخ ) أو لا يعرف من هو ( البارزاني أو قاضي محمد أو الشيخ سعيد أو سيد رضا .. إلخ ) ، بل حتى لو انسلخ عن أمه ولفظ لغتها ولكنتها .. فللتطور حقه .. ! نعم ، هو ذا التطور ، حرية الآباء في حربهم مع وعلى الكلمات ، بل وخنق الكلمات من جهة، وديمقراطيتهم في التعامل مع الأبناء بما يحملون في عقولهم وجيوبهم ، من جهة أخرى .. فنحن نعيش اليوم عالم الحرية والتحرر والتطور، عالم الرأي والرأي الآخر .. هو ذا عالمنا، لا تناقض ولا نقيض ، عالم ليس من الضرورة فيه أن تفعل ما تقول ، أو تقول ما تفعل ، عالم قد يحل فيه الظلام موقع النور، أو يتحول النور إلى ظلام .. فالأمر سيان ، لأن القافلة في طريقها إلى حيث مشيئة القائد ، والأمور سارية في مجراها ، والمشاريع تظهر وتخبو لتظهر من جديد بمزيد من إشراقات الفطاحل وذوي النظرة السديدة.. والكل يبحث عن وحدة القرار.. عن وحدة الموقف .. عن وحدة الحركة .. دون أن يستدرك ويتساءل عن ركائزها ، ولماذا انهكنا التاريخ ويلفظنا الحاضر ، لماذا المسافات والمسافات بين الطرح والمنطق .. بين الشعار والهتاف والممارسة .. بين الجيل وما يتم دعوته إليه .. ؟ ثم لماذا لا نفرش الحقيقة على الواقع وندخل في جوهر الأزمة ، هل هي أزمة مشاريع ، أم أزمة البحث عنها ، أم أزمة القائمين عليها والمغذين لها ..؟. فليجعجع الذين لا يملكون في كيانهم من الفعل سوى الصخب والضجيج ، وفي جيوبهم سوى التعاسة ، وفي صدورهم سوى انكسار الأحلام ومشاريع القادة ، وفي عقولهم وذاكرتهم سوى السوط وبساط الريح ، القهر والإذلال ، سادية القوة ، المبررة على أن الضعيف مازوشي بطبعه .. ! نعم ، نحن في عالم لك الحرية في أن تقول وتفعل ، لك الخيار في الاختيار وفي التحرك ذات اليمين وذات الشمال ، ولكن قبل هذا وذاك، وحتى لا تلقي بنفسك إلى التهلكة ، عليك أن تدرك تماماً وبدقة - وتكون حذراً في إدراكك هذا - الخيط الفاصل بين الخطين ، الأبيض والأحمر ، التابع والمتبوع ، القائد والجندي، السيد والموالي، مصادر القوة ونتائج الضعف. وإذا ما راودك شعور بأن تنتفض على الذي يجري بعد كل الذي ذاقه البسطاء من كبوات الفطاحل ، على تهميش العقل وتغييب الفكر ، على نقل واستنساخ الجمل والمقولات وجعل البسطاء حقولا لتجارب أولي الأمر .. إذا راودك شعور في أن تقول إلى متى سنبقى نتهافت على الديباجات الجاهزة والشعارات البراقة ، والأشكال الخاوية بحكم شكل وحجم مجتمعنا ، من الاشتراكية إلى العلمية إلى المجتمع المدني والعولمة ، دون أن نفتش عن الإنسان في إنساننا ، وعن التربة في واقعنا .. دون أن ندرك لماذا قمع الإنسان وإبادة الكلمات وتشطيب الآخر من قاموس الفعل .. فما عليك إلا أن تقول رحمك الله أيها الكاتب الذي لم نعرف عنك - وعلى مر مئات السنين - حتى اسمك ، سوى الـ كليلة ودمنة ، رحمك الله يا من جسدت الضعف والأعزل من بني ملتك في شتربتك، والقوة والسلطان في أصناف ومسميات أخرى . فما عليك يا من تود أن تقول » لا « في هذا الزمن الذي حول الكثير من « اللآت » إلى دمى وهياكل متحركة تقودها الزمبلك ، أن تعود إلى تلك الـ كليلة ودمنه ، لعل وعسى أن تحذو حذوها وتجنب نفسك من التهلكة وغضب أولياء الأمر والنعم ، لأن في غضبهم إما أن تكون قيامتك ، أو سيتم تشطيبك من قاموس الفعل والنور ، لتحمل لقباً أحب إليهم وإلى قلبهم ..
#روني_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مادة مطروحة للنقاش
-
تداعيات -حل - القضية الكردية على المشهد السياسي في تركيا
-
مشروع « الحركة الوطنية الكردية في سوريا » ..رسالة -للصم- وكت
...
-
مجرد كلمات
-
الرأي الآخر في أحضان ثقافة الأنا
-
لماذا الحزب .. ؟ نحو التأسيس لثقافة حزبية تجسد مبررات وجود ا
...
-
لكنة الوداع
-
براميل من بارود ..
-
..بين الاقصاء والانفتاح
-
على مقربة من خطوط التماس
-
كل التضامن مع الأستاذ محمد الغانم .. الإنسان
-
إعلان دمشق .. والموقف الكردي
-
القضية الكردية في أجندة دعاة الديمقراطية .. - قراءة هادئة في
...
-
الديمقراطية .. - ما لها وما عليها
-
المرجعية الكردية في سوريا .. بين الرغبة والواقع
-
!الحزب ( السياسي ) الكردي بين حكايا الليل وإملاءات النهار ..
...
-
« البعض الكردي » .. إلى متى ..؟
-
هل من قراءة جديدة للوحة الكردية ..؟
-
العراق .. بين الفكر السلفي والرؤية الواقعية
-
ماذا تحمل الرياح العاتية من لبنان ..؟؟ المؤتمر القطري خطوة أ
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|