أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - هل هناك علاقة بين تنوع الثقافات والاعراق؟















المزيد.....


هل هناك علاقة بين تنوع الثقافات والاعراق؟


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 12:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لماذا تفوق العنصر الابيض الاوربي في صنع الحضارة الحديثة ؟
هل هناك علاقة بين تقدم المجتمعات والاعراق كما يزعم بعض العنصريون ؟
يقول العالم كلود ليفي شتراوس في كتابه (العرق والتاريخ ) ترجمة د . سليم حداد , ط4 – 2008 م – صادر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان :
عندما نتحدث عن مساهمة الاعراق البشرية في الحضارة , فاننا لانريد القول ان المساهمات الثقافية لاسيا او لاوربا , لافريقيا,لامريكا تتسم بخصوصية معينة , كون هذه القارات ماهولة من قبل سكان ينتمون الى جذور عرقية مختلفة . واذا كانت هذه الخصوصية موجودة ( وهذا الامر ليس قابلا للشك ) ,فانها تعود لظروف جغرافية وتاريخية واجتماعية , وليس نتيجة لقابليات متميزة متصلة بالتكوين التشريحي او الفيزيولوجي للسود او الصفر او البيض .
ان الحياة الانسانية لاتتطور في ظل نظام متماثل الرتابة ,ولكن عبر نماذج متنوعة من المجتمعات والحضارات . هذا التنوع الثقافي والجمالي والاجتماعي ليس متصلا باية علاقة سببية بالتنوع الموجود على الصعيد البيولوجي . ان هناك ثقافات انسانية اكثر بكثير من الاعراق البشرية , كما ان ثقافتين انتجهما اناس ينتمون الى العرق نفسه يمكن ان تختلفا بقدر ما تختلف ثقافتان تعودان لاناس ينتمون الى لمجموعات عرقية متباعدة وربما اكثر منها .
السؤال الذي يطرح نفسه : (اذا لم يكن ثمة قابليات عرقية غريزية , كيف نفسر التقدم الكبير الذي قطعته الحضارات التي طورها الرجل الابيض ؟ في حين ان حضارات الشعوب الملونة بقيت متخلفة ؟
يقول ليفي شتراوس ان الثقافات الانسانية لاتختلف فيما بينها بالطريقة نفسها ولا على الصعيد نفسه .ولن يستطيع الانسان الاتصال بحضارة زائلة الا عبر الوثائق والاثار . علينا ان لاننسى ان المجتمعات المعاصرة التي لم تعرف الكتابة والتي نسميها( متوحشة ) ,او (بدائية ) سبقتها هي ايضا اشكال اخرى ,من المستحيل عمليا التعرف عليها , ولا بطريقة غير مباشرة .
ان تنوع الثقافات حاليا وفي الماضي اكبر بكثير واغنى من كل ما نحن مهياون لمعرفته على الاطلاق .ثمة في المجتمعات البشرية ,قوى تعمل في اتجاهات متعارضة ,بعضها يتجه الى المحافظة على الخصائص المميزة وحتى التشديد على ابرازها , في حين ان البعض الاخر يعمل في اتجاه التوافق والتقارب .في الوقت الذي تميل فيه لغات من جذر واحد للاختلاف مثل اللغات الروسية والفرنسية والانجليزية ,فان لغات ذات جذور متنوعة ,ولكنها محكية في اقاليم متجاورة تقدم سمات مشتركة مثل اللغتين الفنلندية – الهنغارية والتركية المحكيتين .ان تنوع الثقافات الانسانية يجب الا يتم ادراكه على نحو ساكن . مما لاشك فيه ان ابناء البشر قد انجزوا ثقافات مختلفة بفعل التباعد الجغرافي والخصائص المميزة للبيئة .ولكن ذلك لايكون شديدالصحة اذا كانت كل ثقافة او مجتمع مرتبطا ومتطورا في عزلة عن المجتمعات الاخرى ,الا ان ذلك لم يحدث الا ربما في امثلة استثنائية .فالمجتمعات البشرية ليست وحيدة ابدا .
الى جانب الفوارق الناتجة عن العزلة , فان ثمة فوارق بنفس القدر من الاهمية ناتجة عن التجاور ,مثل الرغبة في التعارض وفي التمايز وفي تحقيق الذات . فالكثير من العادات لم ينشا نتيجة لحاجة داخلية ولكنه نشا نتيجة ارادة عدم البقاء في فراغ بالنسبة لمجموعة متجاورة .
يؤكد العالم شتراوس ان الانسانية في طريق تقدمها لاتشبه انسانا يصعد سلما . ان الانسان الابيض الذي استكشف قارة اميركا صنع حضارة تجميعية وليس حضارة ساكنة . كانت العصور القديمة تخلط كل ما لايشترك مع الثقافة اليونانية (ومن بعد ذلك بالثقافة اليونانية – الرومانية ) تحت اسم البربري ,وفيما بعد استعملت الحضارة الغربية تعبير (متوحش ) التي تعني انه ات من الغابة ,تذكر بنوع الحياة الحيوانية بمواجهة الثقافة الانسانية بالضبط كالفرق بين انكيدو القادم من مجتمع الغابة والحيوانات وبين جلجامش ابن المدينة والحضارة .وفي كلتا الحالتين ترفض القبول بواقعة تنوع الثقافة نفسها . كما اطلقت المسيحية على الديانات القديمة مصطلح (وثنية )واطلقت على نفسها صفة (سماوية ) وذلك لغرض تميزها عن غيرها . مثلما اطلق اليهود على غير اليهود مصطلح (الاغيار ) و (الكلاب )وهي مصطلحات تشير الى رفض الاندماج والتنوع(مع احترامنا لليهود وللدين اليهودي طبعا ).مما لاشك فيه ان انظمة الانسانية الكبرى ,الفلسفية والدينية قد وقفت ضد التمييز (والكلام لشتراوس ) , ولكن المطالبة البسيطة بالمساواة الطبيعية بين جميع الناس وبالاخوة دون تمييز بين الاعراق والثقافات ,يحمل ما هو مخيب للفكر , لانها تهمل تنوعا واقعيا ,كذلك الاعلانات الكبرى لحقوق الانسان ,تحمل هي الاخرى في طياتها ,قوتها وضعفها باعلانها مثالا غالبا ما ينسى حقيقة ان الانسان لايحقق طبيعته في انسانية مجردة , ولكن في ثقافات تقليدية حيث التحولات الاكثر ثورية لاتحول دون استمرار اعراف بكاملها (مثل استمرار الموروثات العشائرية في مجتمعاتنا والمتعارضة في كثير من جوانبها مع الاسلام ) . يمكننا القول ان المجتمعات البشرية استعملت بدرجة متفاوتة زمنا ماضيا ,كان بالنسبة لبعضها زمنا ضائعا , وان بعضها كان مستعجلا في حين ان البعض الاخر كان يعبث طول الطريق .وهكذا نتوصل الى التمييز بين نوعين من التاريخ , تاريخ مضطرد اكتسابي , يكدس الاكتشافات والاختراعات ليبني حضارات عظيمة , وتاريخ اخر , ربما كان بالحيوية ذاتها وواضعا قيد العمل طاقات مماثلة ,ولكن تنقصه موهبة التركيب التي تميز الاول . وكل تجديد بدل ان ياتي ليضاف الى تجديدات سابقة وموجهة في الاتجاه نفسه , يذوب فيه في نوع من الدفق المتموج الذي لايوصل ابدا الى الابتعاد فترة طويلة عن الاتجاه الاولي .يؤكد ليفي شتراوس ان التاريخ ليس تجميعيا الا من حين لاخر , الامر الذي يعني ان الحسابات تتجمع لتشكل ترتيبا معينا .ان كون التاريخ التجميعي ليس امتيازا لحضارة , يؤكده مثل اميركا حيث شهدت وصول الانسان بمجموعات صغيرة عبرت مضيق بهرنج مستفيدة من الحالة الجليدية الاخيرة في تاريخ ليس سابقا بكثير الالف العشرين . وخلال عشرين او خمسة وعشرين الف سنة نجح هؤلاء الرجال في واحدة من اروع البراهين في التاريخ التجميعي الذي عرفه العالم ,مستكشفين الى ابعد الحدود موارد هذا المكان الطبيعي الجديد , ومدجنين فيه الى جانب بعض انواع الحيوانات , اصنافا نباتية متنوعة جدا من اجل غذائهم ودوائهم وسمومهم , دافعين بعض الصناعات مثل النسيج والخزفيات وصناعة المعادن الثقيلة , الى اعلى درجات الاتقان . ان عمر الحضارات القديمة بلغ مئتين الف الى خمسمئة الف سنة ,ولم تتطور شروط الحياة الا خلال السنوات العشرة الاف الماضية . ذلك لايعني ان انسان العصر الحجري القديم كان اقل ذكاء من خلفه الانسان النيوليتي . ظهور هذه الحضارة بامكانياتها يمكن ان يحدث مبكرا او يتاخر كثيرا , ولكن سيظهر بكل تاكيد في هذه البقعة من العالم او في غيرها بعد توفر الشروط المطلوبة .
لقد كانت اوربا,بداية عصر النهضة مكان التقاء وانصهار اكثر المؤثرات تنوعا , التقاليد اليونانية والرومانية ,والجرمانية والانكلوسكسونية , كذلك المؤثرات العربية والصينية .ان اميركا ماقبل كريستوفر كولومبس لم تكن تتمتع بعلاقات ثقافية اقل ,ولكن لم تحظ الثقافات في اميركا سوى بوقت قصير للتنوع , كانت حضارات اميركا قبل كولمبس مليئة بالثغرات وان تنظيمها القليل المرونة والقليل التنوع يفسر انهيارهم اما حفنة من الفاتحين (الغزاة ) .
يمكن التفتيش عن السبب العميق في ذلك وهو ان الاختلاف الثقافي الامريكي كان قائما بين شركاء اقل تمايزا فيما بينهم من التمايز الذي كان قائما في العالم القديم , علينا القول والكلام لشتراوس ان التاريخ التجميعي هو صيغة التاريخ التي تتميز بها هذه الاجهزة الاجتماعية المتنوعة التي تشكلها المجتمعات ,في حين يكون التاريخ السكوني ( اذا كان موجودا حقا ) طابع هذا الحياة الدنيا التي تتميز بها المجتمعات المنعزلة .
ان المصيبة الكبرى التي تصيب مجموعة بشرية , وان تمنعها من تحقيق طبيعتها كاملة , هي ان تكون وحيدة .
ان كل تقدم ثقافي هو نتيجة للتالف بين الثقافات .ويقوم هذا التالف على الجمع الواعي وغير الواعي ,الارادي وغير الارادي ,بين الفرص التي تصادفها كل ثقافة اثناء تطورها التاريخي .وان هذا التالف يكون اكثر خصوبة بقدر ما يتم بين ثقافات اكثر تنوعا .
ان ظهور الحضارات والثقافات وتنوعها لايعتمد على تفوق عنصر على اخر بل على قدرة هذه الحضارة والثقافة على التنوع والاستفادة من التنوع في القيام بعملية تجميع للحضارة , وبحيث لاتكون هذه الجماعة البشرية منعزلة عن الاخرين .ان توفر الشروط الموضوعية لقيام الحضارة يعتمد في بعض الاحيان على فكرة الاحتمالية .فقد تتاخر شروط ظهور الحضارة لبعض الوقت , او لاتظهر في هذا المجتمع بل في مجتمع اخر .كما يعتمد في بعض الاحيان على مبدا الصدفة ,رغم ان الصدفة لوحدها لاتصنع حضارة ولكنها تعجل باكتشاف مهم .
يؤكد ليفي شتراوس : ( ان ظهور الانقلابات التكنولوجية المتبوعة عن قرب بانقلابات اجتماعية ,في اقاليم شاسعة وفي مناطق متباعدة تظهر بشكل جيد , انها لاتتعلق بعبقرية عرق واحد او ثقافة واحدة , ولكن بشروط عامة الى حد انها تقع خارج وعي الانسان .لنكن متاكدين ان الثورة الصناعية لو لم تظهر اولا في اوربا الغربية والشمالية ,لكانت ظهرت ذات يوم في منطقة اخرى من الكرة الارضية ) .
على المودة نلتقيكم ...
المصدر
كتاب (العرق والتاريخ )تاليف كلود ليفي شتراوس - ترجمة د. سليم حداد – ط 4 – 2008 م – اصدار المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان .



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشتركات بين ( الشلة ) وبين السياسي العراقي المعولم
- البغاء واسبابه
- موقف اباء وفلاسفة المسيحية من المراة
- المراة والملكية الخاصة والرجل
- تخلف الديانات من تخلف مجتمعاتها
- الاختلافات في الثقافات
- تصحيح الخلل في النفسية العراقية
- الامة العراقية والامة الكردستانية
- الكتلة التاريخية التي ستنقذ العراق- ج 2
- التعليم والمكتبات في سومر وبابل واكد
- الكتلة التاريخية التي ستنقذ العراق
- اغتيال ماركس على يد فؤاد النمري
- شريعة حمورابي ..ج 2
- شريعة حمورابي
- العبيد في المجتمع البابلي
- في الاخلاق الليبرالية
- سرجون الاكدي , رجل الحداثة والعلمانية الاول
- الليبرالية الجديدة
- النظرية السياسية والاقتصادية الليبرالية
- ما لايعرفه الليبراليون عن الليبرالية


المزيد.....




- -لا توجد تفاصيل واضحة-.. رئيس وزراء قطر يعلق على مفاوضات الم ...
- فيديو وصور استقبال محمد بن سلمان لأحمد الشرع في الرياض بأول ...
- الهند تختبر بنجاح نظاما للدفاع الجوي قصير المدى
- الشرع يبدأ زيارة للسعودية هي الأولى للخارج منذ تسلمه الرئاسة ...
- ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في قصر الي ...
- توافد اللبنانيين إلى مداخل ميس الجبل وحولا في جنوب لبنان وسط ...
- وكالة الصحة الأفريقية: غوما الكونغو بؤرة انتشار جدري القردة ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: مصابون برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال ...
- لحّن إحدى أغانيه الأيقونية.. محمد عبده يرثي ناصر الصالح بحفل ...
- فرنسا: بايرو يعلن أنه سيلجأ للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مش ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - هل هناك علاقة بين تنوع الثقافات والاعراق؟