|
تعقيبا على مقال … بمنظور غيرسياسي (7)
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3827 - 2012 / 8 / 22 - 21:37
المحور:
الادب والفن
ذكرت في نهاية الحلقة السادسة بأن حل المشاكل الفنية التى كانت تعترض مقاولة مام رشيد لا يستغرق أكثرمن أيام، بإستثناء فقرة واحدة كانت تُشكل إختبارا لمصداقيتي كمهندس وإنسان في أن واحد. حيث من واجب المهندس أن يلتجئ إلى الحلول الصحيحة وعلى الإنسان أن يكون له هواجسه وما يُقلقه، بموجب جدول المعايير التي كنت أحاول أن أزن أعمالي بها قبل القدوم عليها وحتى بعد مراجعتها. لأنني كنت أعي بأن لهذه المهنة، بمجملها، تأثير كبير وخطير على نوعية حياة الإنسان، بشكل مباشر وغير مباشر، بضمنها أداء دور تخريبي وهدام للبيئة التي عاشت وتطورت في أحضانها جميع الكائنات الحية منذ نشأة الخليقة، وديمومة وجودها مرهونة بتوازنات الطبيعة هذه. ولكي لا نضيع في تفاصيل هذه الهواجس أعود إلى أصل المشكلة: كانت المكائن معبأة، كمحاولة يائسة لإيجاد حل (خاطئ) لمشكلة واجهت مَنْ حاول تشغيل الأجهزة قبلي، بكمية كبيرة( لا أتذكر الرقم وكانت عدة مئات من الكيلوغرامات على أكثر الظن) من خليط غازين من الغازات المعروفة بالفريون وكانتا R12و R22 وكان عليّ من بين المهام الأخرى إزالة هذا الخليط من المكائن ومن ثم تعبئتها بغاز R12 فقط. كانت الأشكالية بالنسبة لي تتجسد في تفريغ هذه الكمية من الخليط المضر بالبيئة إلى الهواء مباشرة، رغم معرفتي بما أُلحق بالبيئة، بعملي هذا، من أضرار، وإستمرار وجود هذين الغازين في الطبقات العليا من الجو تأكل طبقة الأوزون و ترفع سخونة الارض لعشرات السنين، خصوصا R12. وهي الطريقة، غير الواعية لأضرارها، والتي كانت متبعة في العراق، حسب علمي، وعدم إعطاء أدنى حد من المبالات بما تسبب للبيئة من أضرار. كانت، وقتها، حملة العلماء ومظاهرات أنصار حماة البيئة على أشدها، بصدد حث المجتمع الدولي على إصدار تشريعات عالمية للحد من إنبعاث الغازات المسببة لتهالك طبقة الأوزون و إزدياد ظاهرة الحبس الحراري، التي أثمرت في إصدار إتفاقية مونتريال عام 1987 لتدخل حيز التنفيذ عام 1989. هكذا كنت مضطرا، لكي أكون صادقا مع المعارف المخزونة في رأسي و صادقا مع هواجسي، أن ألتجأ إلى طريقة بدائية مملة لإعادة الغازات إلى القناني الفارغة والتي كانت متواجدة في الموقع لحسن الحظ، في أمل أن نجد طريقة سليمة للتخلص منها في حالة عدم إمكان تنقيتها لأنها لم تكن صالحة لأعادة إستعمالها كخليط بتاتا*. هكذا تمكنت من تشغيل جميع المكائن بكامل طاقتها بدون أن يتحمل مام رشيد نفقات لا مبرر لها، وعلى أثرها إستلمت الدائرة المشروع وكانت المؤسسة العامة للسياحة كما أظن، وخلال هذه الفترة توطدت علاقات مبنية على أسس من الصداقة الخالية من أية مصلحة بيننا، لدرجة شعرت عندما حاول مام رشيد أن يستفسرمني عن ما أستحقه مقابل أتعابي وهو يشعر بنوع من الإحراج وكان جوابي له: دعه يكون عربونا لصداقتنا. عندما سمع هذا الكلام قال ضاحكا: سبحان الله. عندما قال لي عماد بأنك إبن لسكرتير سابق للحزب الشيوعي وكنت مديرا للبلديات فلت له يا عماد أبو شيوعي وأكيد هو بعثي وإلا لما عينوه مدير بلديات كيف يستطيع شخص بمثل هذه المواصفات أن يتعامل مع مثل هذه التكنلوجيا الحديثة، هكذا كان تصوري عنك قبل أن أراك، وعندما خابرك عماد إستمعت إلى الحوار الذي دار بينكما ورغم ذلك نحن الأن صديقان. وأضفت: زميلان أيضا، لأن روح الزمالة عند الأنسان شئ رائع في نظري. كنت أرغب فعلا في صداقته، لأنني شعرت بأنني أتعلم منه الشئ الكثير بسبب الأختلاف الموجود بين خلفياتنا وكذلك في البيئة الطبيعية والأجتماعية التي نشأنا وترعرعنا فيها، والدهشة التي تجلب معها مبدأ القبول بالعيش المشترك رغم وجودالشعور بالأختلاف بعيدا عن كل الحساسيات، هذه كانت السمة الأساسية لأهل أربيل. وكانت لهذه الرغبة سبب معرفي أيضا، وهو معاينة أقطاب عشيرة كبيرة من قرب، وهي واقعة في وسط الدائرة السوداء لحملات البروباغاندا الحزبية التي أظلمت الفكر والمجتمع الكورديان لردح طويل من الزمن بشرخهما عموديا وبعمق، بتعميماتها و بمعاييرها المزدوجة، الشعب الكوردي، عشيرة كانت لها سلطتان : السلطة الدنيوية تمارسها رجال على طرفي الزاب الأعلى أما السلطة الدينية تمارسها نساء ( داك وخوشك، الأم والأخت) من الموصل، واللهجات الدارجة بين أفرادها هي البهدينانية في المناطق الواقعة على الجانب الشمالي من الزاب والسورانية في المناطق الواقعة على الجهة الجنوبية منه، وظهرت علامات إنفتاحها وإختلاطها مع مجتمع المدينة وظهور العديد من خريجي الجامعات من بينهم، في مختلف الأختصاصات بالإضافة إلى عدد من الضباط في الجيش العراقي. ولكن الروح العشائرية ظهرت في رد فعل مام رشيد تجاه موقفي معه، حيث أقام وليمة عشاء كبيرة للمهندسين الذين كانوا يعملون معي في مستشفى صدام التعليمي في أربيل ومنتسبى شركة ماروبيني العاملين فيه، بحيث عندما دعى مام رشيد الحاضرين إلى المباشرة بالأكل رد عليه مسؤول الشركة اليابانية في أربيل: لما العجلة لنصبر الى أن يأتي الأخرون. وكان الجواب: المدعوون كلهم موجودون. وقال الياباني بإستغراب: هل كل هذا الأكل لهذا العدد من المدعويين. وكان رجلا كبيرا في السن سأكتب موجزاً عنه في الحلقة القادمة. يبدو وإن كان الأكل ثقيلا عليه كان له مذاقه عنده، لهذا أصاب الرجل المسن بإضطراب في جهازه الهضمي في اليوم التالي وإضطرت الشركة إلى إعادته إلى بغداد ومنها إلى اليابان بدون تأخير. * إحتاج سوق أربيل لغاز الفريون 12 لتصليح الثلاجات بعد الأنتفاضة بعد حرب الكويت بسبب الحصار الذي فُرض من قبل الحكومة على المحافظات التى إنسحبت منها، عندها تمكنت من تنقية المزيج بعد إطلاق الغاز 22 إلى الهواء وكانت نسبتها أقل كثيرا وكذلك أضرارها، قمت ببيع الغاز المتبقي بأسعار مخفظة. (يتبع)
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أوراق باحث عن اللجوء (3)
-
24// بين عامي 1984 و 1987
-
من أوراق باحث عن اللجوء (2)
-
ماكنت أحلم به…(10)
-
تعقيبا على مقال ... بمنظور غير سياسي (6)
-
من أوراق باحث عن اللجوء (1)
-
23// بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به...(9)
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسي (5)
-
22// بين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(8)
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسى(4)
-
21// مابين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(7)
-
تعقيبا على مقال…بمنظور غير سياسي(3)
-
20// ما بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به …(6)
-
تعقيبا على مقال ...بمنظور غير سياسي (2)
-
19// بين عامي 1984 و 1987
-
يا حمامة مهما طرتِ
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|