|
تسكع من نوع آخر
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 3827 - 2012 / 8 / 22 - 21:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتب مروان صباح / قد يجزم المرء بأن هناك فاصل غير مرئي بين الأكاديمي العاطل عن العمل في العالم الثالث مقابل آخر يعمل في الحقل الوظيفي العمومية ، رغم أن الحقيقة تؤكد بأن لمثل هذا الفاصل انقرض وتلاشى تماماً لدرجة الانصهار في قالب واحد وما تبقى من فوارق لم يعد أمرها مخفي بتاتاً عن العقول والأنوف المتدربة على اشتمام رائحة عبودية الراتب امام تسكع الآخرين بين المقاهي والأرصفة معتقدين بأنهم أحرار لكنها حرية جريحة ناقصة توصف بالقسرية لا الاختيارية رغم المحاولات العديدة في استدعاء جميع الإحتياطات الوسائطية بهدف دخوله دائرة العبودية لكنها تبقى رهان الحظ وحجم الواسطة . بالتأكيد من أولويات الدولة رعاية مواطنيها بشتى المجالات وعلى الأخص تأمين الكفاف الشهري لمن ضاقت به الأرض وليس لديه صنعة أو تجارة أو نوع أكاديمي خاص يعود بمردود مالي ، إلا أن ما يحصل منذ عَرفت المجتمعات بما يسمى بالدولة الحديثة المنشودة من أنماط وظيفية للخرجين من الجامعات والمعاهد العالية تندرج تحت التواطؤ على الذات بل أصبحت تُحدد ضمن البطالة المقنعة تشبه الحفل التنكري تقودها حكومات همها الأول والوحيد كيفية توفير رواتب التنابل لديها ولتلك السياسة القاصرة تأتي انعكاسها السلبي دائما على حساب دافعين الضرائب ولمن يعمل ساعات طويلة في حقول متعددة ومتنوعة كي يستطيع أن يوفر الدخل المحترم لعائلته في حين يتقاضى الآخر في المربع الثاني لذات المبلغ بل يمكن ضعفه لكنه دون أن يزرف دمعة واحدة أو قطرة عرق ، لقد تحولت الوظيفة العامة مع مرور الزمن إلى مأوى للعاجز ومكان مريح لشرب القهوة ولعب الشدة على جهاز الحاسوب واستماع بعض الأغاني وتبادل الثرثرة بديلاً عن ما كان يدور من صباحيات بين نساء العمارة والواحدة كأن هناك اتفاق مبرم دون أن يعلن بين الموظفين والحكومات على عدم الاجتهاد أو بذل أي جهد في تقديم أي نوع من الخدمات لدرجة باتت الناس في هذه المجتمعات مقتنعة تماماً بأن تلك المباني الشاهقة التى تلتف بسيارات الفارهة هي أشبه بزنازين والسجون تؤوي البشر لمدة 7 ساعات يومياً كضمانة من تفلتات هنا وهناك . ما من سبيل إلا الخروج من هذه الحالة المستغرقة التى تزداد تفاقماً مع مرور الأيام دون الاستشعار بما تُراكمه الأيام من ربا مضاعف سيرثه بالتأكيد الأجيال القادمة من تخاذل أدى إلى عطب ميكانيزم التفكير وإدارة الذات والكيانات معاً ، الذي يستوجب طرح رؤية جديدة تتجاوز الأحزاب ومشتقاتها والأيدلوجيات الضيقة وتتسم بالعمومية الجامعة كي تستطيع الانسلاخ بشكل فوري من متاهات التطور المأسسة المرهون بالموسمي والانتقال نحو الفرد التى نُزعت منه الإنسانية نتيجة افعال مارستها الأنظمة الاستبدادية سواء كانت قهراً أو طوعاً ، لهذا لابد من وضع كل الأفكار التى استنفذت قدرتها على الإقناع و الفهم ما يجري كونها أفكار باتت خالية وانتهت وفقدت صلاحية استعمالها والالتفات دون تردد إلى أنسنة الكيان من خلال إنشاء معاهد تعيد تأهيل الفرد أينما وجد ومهما وصل من العمر والمواقع السياسية والأكاديمية ، وقتها فقد تتوجه الأنظار والرؤى بعد وصول الإنسان إلى مرحلة متقدمة من السلوك الحضاري تبدأ عملية الدفع نحو احياء المأسسة التى لا يمكن أن يعاد تطورها ابداً دون الاستباق لإعادة انتاج الإنسان بولادة جديدة من أو السطر لأن العملية تقع أولاً وأخيراً عليه ، ليس كما يسرب من خلال حلقات تضليلية توحى بأن العكس صحيح ، فالأصل أن يُبّنى الفرد قبل أن تأتي به من العشوائيات لتسكنه مسكن سليم ، فيما إذا حصل العكس يتحول المسكن وما حوله إلى عشوائية جديدة ، لقد عرفت السنوات الأخيرة بعض التحولات على الساحة العربية من متغيرات باتت أسهل تعقبها هي ظاهرة الحكومات التكنوقراطية ذات طابع اصلاحي لكن نتائجها كانت متواضعة وسطحية وأثبتت التجربة أنها خالية تماماً من الغايات لحد تختفي المعايير الإصلاح بل استغرقت في أغلب الأحيان بالأدوات الممتدة من اطار الفاعلية المروج لها إعلامياً وبوسائل آخرى حيث ترحل الحكومة في كل مرة دون أي انجاز ملموس ، بل عُرف عنها كثيرة الحركة ولديها بشكل مقصود الرغبة في اظهار للآخرين بأن هناك حركة دائمة لكنها مفرغة من أي هدف كأنها تحمل في طياتها توجه تضليلي مرتكزةً على الخطاب الفضفاض غُيِبة منه الرؤية الواضحة التى اعتمدت على حركات تشبه البهلوانية التى لا تعود على المجتمعات بأي فائدة أو تملك مؤشر تحدد البوصلة والمعايير كي تحاسب عليها في نهاية المهمة . تمكن الاستغراق من الوظيفة الحكومية التى أدت بالموظفين من الانتقال من حالة الراحة حيث تطورت لاحقاً إلى البلادة بفضل ابتعادهم عن أي عمل يتسم بالانجاز ، الأمر الذي لم يعد مقبولاً أن يستمر داخل اطار الصمت والتواطؤ على الذات والآخرين ضمن معادلة الاقصاء لمن يفكر ويستخدم قدراته العقلية مقابل نهج أصبح لا ينتج إلا تنابل محظوظين بالدلال الذي يتحول إلى جهل مدلل له مؤسسات تعتني به وتَكرِس من الجهد كي تحافظ عليه ويصبح التقدم إلى نحو المواقع مشروط بمهارة الانبطاح ثم الزحف ، ما إن يصل إلى غايته يكون وجهه قد تحول إلى فحم ، مما يدفع من لديه كفاءة من أي نوع كانت إلى الهجرة نتيجة الشعور بالاغتراب بل لم يقف الأمر عند هذا الحد حيث يتعرض إلى ابشع المؤامرات الخسيسة كونه أراد الخروج عن السرب والتقاليد المتبعة ليتحول منبوذ يتواطأ الجميع عليه ويُحارب بكل الوسائل التى توفرت وتراكمت خلال سنوات من الوضاعة بالتفكير الذي أنتج تأمر رخيص ، مما يفرض علينا جميعاً اعادة تشغيل العقل المتوقف عن العمل لاستعادة أرض تركناها في يد بعض الثرثارين بمختلف مظاهرهم ليعيشوا فيها تأويلاً وتبديلاً بما يجعلهم حريصين على ترتيبها بما تخدم أجنداتهم الضيقة دون الالتفات بأنهم قد أوصلوا البشر إلى حفت الانتحار ينتظرون من يأتي من الخلف كي يدفعهم إلى الموت الذي باتوا يمِتون الحياة كل يوم أكثر من أن يعيشوها لقلة الإنتاج بل عدميته . الأبراج تعلو والإنسان يتقزم والحديد والأسمنت قضما غابات كانت ذات يوم رئات وذلك يعود بسبب لجوء الأغلبية من القرى إلى العواصم واندماجهم في عملية كبرى بالوظائف الدولة دون استقراء انعكاسها الخطير ممن سهل لها الطريق أو حتى المندفعين إليها ، لما سيترتب لاحقاً من نقص بالزراعة وإهمال لما زرعه الأجداد من مئات السنين ، فبدل أن تضع الحكومات سبل الدعم لورثت أصحاب الأراضي وتشجعهم في الثبات والاجتهاد وتطوير أنواع الزراعات وإحياء الأراضي المهجورة ضمن مشروع وطني يؤدي إلى اكتفاء ذاتي ويجعل الحركة دائمة وبفاعلية تصل إلى الغايات ، لجأت إلى الأسهل ضمن تواطؤ مزدوج بالتعاطي مع الأجيال المتدافعة فأصبحت تكدس بهم في المؤسسات دون أن تعي خطورة هذا اللجوء . إذ ما ظل الحال على ما هو عليه فمن الأفضل أن تقتصر الوظائف الحكومية على الفئات العمرية ما بعد الستين بحيث يوفر لهم المكان المناسب لقضاء بعض الوقت والتسلية وإراحة من في البيت . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اجراس تكفي لأن تثقب طبلة الأذن
-
تحالف المشوهين
-
بين قسوة العربي على توأمه والعدو
-
فحم يتحول إلى ماس يتلألأ
-
أهي البداية أم قراءة الفاتحة
-
التحرر من عُقد النقص والتورط بالتقليد
-
صفحات بلا فصول
-
ظل وظلال
-
الشعب يريد نصرك يا الله
-
باحثون عن حفرة ينامون بها إلى الأبد
-
يحتاج المرء إلى ثلاثة اضعاف عمره كي ينجز بعض احلامه
-
المعرفة المجزوءة
-
اتباع الطاغية لا دولة بنوا ولا حرية سمحوا
-
عجلات لن ترحم
-
أجمل ما في الحياة أن يدافع المرء عن نفسه
-
نقدم العزاء لروح ستيفن جوبز
-
الموت السريري والنبض الكاذب
-
عناق تحت الأرض
-
قد يكون المحذوف هي الحقيقة ذاتها
-
لم يعد متاح لمن يسبح على الرمل أن يفوز بقطع النيل
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|