أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الغرافي - في جدوى تدريس النص الأدبي















المزيد.....

في جدوى تدريس النص الأدبي


مصطفى الغرافي

الحوار المتمدن-العدد: 3826 - 2012 / 8 / 21 - 09:28
المحور: الادب والفن
    


إن التأمل في وضع المدرسة العربية اليوم في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها هذا العصر يواجه بسؤال لا مناص من الإجابة عنه حتى نكون رؤية واضحة لمعالم المستقبل: مستقبلنا ومستقبل أجيالنا. إنه السؤال – الإشكال: لماذا ندرس الأدب اليوم في المدرسة؟ وهو سؤال – معضلة يواجه المهتمين بحقل التربية والتعليم بصفة عامة، والمشتغلين بالأدب بصفة خاصة. وإن كان يهم بصفة أخص أساتذة اللغات الذين توكل إليهم مهمة تنفيذ البرامج الدراسية، ومنها تدريس النصوص الأدبية. حيث تواجههم عند تدريسهم لهذه المادة مشاكل جمة تجعل الأسئلة تتناسل أمامهم فلا يستطيعون وقف سيلها الجارف: ما جدوى تدريس النص الأدبي؟ هل ندرسع استجابة لحاجة حقيقية تفرضها الأهداف والغايات الموجهة للسياسة التعليمية في هذه البلاد؟ أم أن تدريسه يرجع فقط إلى "حكم العادة"، بحيث جرت العادة أن تتضمن جميع الأنظمة التعليمية مادة الأدب كجزء من البرنامج الدراسي؟ ثم ما هو الوضع الإعتباري للأدب في الوقت الحاضر الذي يشهد سيطرة واضحة لوسائل الإعلام مقابل التراجع المهول في اقتناء الكتاب وقراءته؟ أيضا ما الوظيفة التي ينهض بها النص الأدبي؟ وما جدوى تدريس لغته الهائمة والمموهة لطلبتنا في ظل اجتياح "تقاليد كتابية" مختلفة تطالعنا في الإنترنيت والهواتف المحمولة؟ أليست هذه هي اللغة التي يستخدمها الشباب في نقل مشاعرهم وأحاسيسهم ويرون فيها أداة ناجعة وفعالة في التواصل؟ وإذن ما الحاجة إلى لغة الأدب الوقورة والمغرقة في القواعد والقيود؟ هل يستشعر شبابنا التائه بين القنوات التلفزية المتنوعة، والذي تربى على قيم الإستهلاك السريع، حاجة إلى بذل الجهد وتجشم العناء من أجل قراءة وفهم قصيدة جاهلية يقف صاحبها على طلل مهجور باكيا مستبكيا؟ وهل يراها تستحق القراءة أصلا؟ هل يملك شبابنا "الوقت" و "الكفاية التأويلية" حتى يتوقفوا عند قصيدة معاصرة يجهد فيها صاحبها نفسه في تتبع المجازات وآخر تقنيات الكتابة ، فيحشد لها الرموز والأساطير والبناء الشذري المتشظي .. فيضني قارئه الذي ما يلبث أن ينصرف عنه؟
إن هذه الأسئلة تفرض نفسها بإلحاح علينا اليوم ويرجع ذلك إلى عاملين اثنين :
- تدني مستويات القراءة داخل المدرسة و خارجها.
- سيادة تصور يرى أن ليس للأدب وظيفة في حياتنا المعاصرة، ومن ثم الدعوة إلى تشييع جثمان الأدب ما دامت وظيفته في أحسن الأحوال هي التسلية والمتعة وخلق عوالم خيالية تفصل القارئ عن واقعه .
ومن هنا كان التساؤل عن جدوى تدريس الأدب مطلبا بيداغوجيا ملحا، فهو المدخل الذي ينبغي اعتماده لإعادة طرح علاقتنا بالأدب بتحديد الغايات والرهانات التي يتقصدها من تدريس النص الأدبي .
إن التساؤل عن وظيفة الأدب ليس وليد اليوم كما قد يتصور ولكنه قديم قدم الأدب نفسه. وهو إشكال تباينت حوله آراء الفلاسفة و النقاد منذ أرسطو إلى اليوم. وإذا كنا لا نستطيع في هذا الحيز الضيق جرد كل الآراء التي أثيرت حول هذه القضية، فإننا نستطيع الخلوص من استعراض هذه الآراء النقدية إلى تحديد وظيفتين مركزيتين للأدب هما: المتعة والفائدة. ففي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى الأدب باعتباره متعة خالصة، وتسلية محض لإغراقه في الصنعة الزخرفية التزييينية وعنايته بالأساليب والطرائق الشكلية، فالأدب من منظور هذا التصور فعل لازم ليس له هدف سوى ذاته. ويرى آخرون أن الأدب ليس متعة خالصة ولكنه يتضمن بالضرورة قدرا من "الفائدة" و"المنفعة" لما يتضمن من معارف وثقافة وتجارب حياتية ينقلها جيل لجيل . إن الأدب من هذا المنظور "رسالة" اجتماعية أو سياسية يصدر فيها كاتبها عن خلفية فكرية ومذهبية. ومن ثم كان الأدب يوجه، يعلم ويربي، مما يعني أنه يقوم بعديد من الوظائف أبرزها:
الوظيفة الإبداعية: من خلال احتكاك التلميذ بمجموعة من النصوص الأدبية المتباينة أجناسيا يتمكن التلميذ من التعرف على خصائص كل جنس على حدة ومن خلال محاكاة هذه النماذج وتقليدها يستطيع التلميذ أن يبد ع نصوصا جديدة بالنسج على منوال النصوص التي درسها. وغير خاف أننا بوساطة هذا الإجراء أن ننقل التلميذ من مجرد متلق سلبي إلى منتج لهاومن مجرد مستهلك للنصوص إلى مبدع لها مما يجعل المدرسة منفتحة على الإبداع والخلق بدل الجمود والاجترار.



الوظيفة النقدية: لما كانت النصوص الأدبية على اختلاف أجناسها ليست مجرد تشكيلات لغوية محض ولكنها بناءات معرفية تتفاعل مع الحياة وبالتالي تتضمن بالضرورة التجربة الحياتية لمبدعها فإن التلميذ من خلال احتكاكه بهذه النصوص من اكتساب الحس النقدي الذي نفتقده في مدارسنا لأن تامل التلميذ القيم التي تتضمنها النصوص الأدبية يتيح له مقارنتها بتلك السائدة في المجتمع ومن خلال آليتي المقارنة والاستدلال وإعمال الفكر يستطيع أن يميز القيم الزائفة من الصالحة ويمكنه هذا التمييز من تخطي سلبيات الحياة لمعانقة الآفاق الرحبة التي تقدمها له الأجناس اللأدبية المختلفة التي تمكنه من محاورة نصوص لشعراء ونقاد ومبدعين صارعوا الحياة وصارعتهم فاكتسبوا بذلك خبرة واسعة بالحياة ضمنوها ابداعاتهم ويمكن للتلميذ أن يفيد منها كما يمكنه مناقشة هذه التجارب لتبين مدى ملاءمتها للحياة وإلى جانب ذلك فإن التعامل مع هذه النصوص المتباينة أجناسيا يمكن التلميذ من إنماء فكره النقدي فيما يتصل بالنقد الأدبي حيث يستطيع من خلال تفحص النصوص أن يحكم عليها بالجودة أو الرداءة من خلال مدى تمثل هذه النصوص لقواعد الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه وتندرج تحته ليخلص إلى إصدار حكم نقدي حول مدى احترام النص لمبادئ الجنس الادبي الذي يمثله وإن كنا نلاحظ من خلال تفحص الكتاب المدرسي أن هذا الأخير لا يولي كبير عناية لأنضاج الفكر النقدي عند التلميذ حيث يبدي ميلا واضحا لتكريس التقليد والاتباع من خلال التركيز على حشو عقل التلميذ بالمعلومات دون أن يتيح له الفرصة لإبداء رأ يأو إصدار حكم فالمنهجية المفروض على الواضع اتباعها تجنح إلى التثقيف الذي يفترض أن هناك معرفة جاهزة ينبغي نقلها إلى التلميذ مما يؤدي إلى سجن هذا الأخير في دائرة الحفظ والإستظهار ولا يتيح له الحق في ممارسة الاختلاف فالتلميذ الناجح بمعايير الكتاب المدرسي والمدرسة عموما هو الذي يستهلك كمية أكبر من المعلومات ويستطيع إرجاعها كما هي في الامتحان دون تصرف.
الوظيفة المعرفية: تقوم النصوص التي يدرسها التلميذ إلى جانب إقداره على التمييز بينها أجناسيا بتوفير ترسانة معرفية وثقافية ومفهومية هائلة إذ بواسطة هذه النصوص يتعرف على نصوص أدبية جديدة وهو ما يمكنه من رصد التغيرات التي تطرأ على هذه الأجناس بسبب التحولات الاجتماعية والحضارية بحيث تتصدر بعض الأجناس عناية النقاد والدارسين ثم ما تلبت أن تتحول إلى هامش الدرس النقدي في عصور أخرى مما يدل على أن سيادة الاجناس في عصرنا وتهميشها في عصر آخر يخضع لمعايير ثقافية محض .
إن الأدب أداة وغاية: أداة لتنمية اللغة والأسلوب واكتساب مهارات الفهم والتحليل والتفكيك. وغاية لأن من غايات المنهاج إعداد تلميذ يقبل بنهم وعشق على قراءة الأدب أثناء الدراسة وبعدها. ولأجل ذلك فإن إقراء النص الأدبي لا ينبغي أن يقصي أبعاده الجمالية، ولا أن يضحي بجوانبه المعرفية والدلالية، ولكن ينبغي أن يزاوج بين المتعة والفائدة مما يمكن من إعداد تلميذ قادر على التفاعل جماليا مع النص الأدبي، والإستفادة من إحالاته المعرفية والثقافية. ويترتب عن ذلك نتيجة هامة مؤداها أن الأدب ينهض بدور هام في حياة الأفراد والجماعات إذ ليس " بالخبز وحده يعيش الانسان". صحيح أن الأدب في الاساس" تشكيل لغوي جميل"، لكنه يحمل أفكارا ومضامين يتوجه بها إلى المتلقين وإن كساها ألبسة أسلوبية وبلاغية يكون لها بالغ الأتر في توجيه القراء إلى تنفيذ المقاصد التي يصدر عنها منجز الخطاب. ولذلك كان الأدب على مر العصور واختلاف البيئات مرتبطا بالبناء التحتي الذي يسنده، حيث كل واقعة أدبية هي تعبير عن واقعة حقيقية كانت سببا في ظهورها ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور الهام الذي ينهض به الأدب في التوجيه ولعله من الدال أن ندكر في هذا السياق أن أكثر المناهج النقدية إغراقا في الشكلية وهو البنيوية الشكلية لم ترفض الوظيفة الإبلاغية التوصيلية التي تميز الأدب فياكبسون حدد ست وظائف للأدب منها " الوظيفة المرجعية " صحيح أنه اعتبر الوظيفة الشعرية هي المهيمنة في النص الأدبي لكنه لم يلغ الوظيفة المرجعية فهي حاضرة دائما وإن كان التوجه الجمالي الشعري هو المهيمن في النص الأدبي . ولا يخفى أن المناهج النقدية القديمة إلى النص باعتباره أداة لتحقيق المنفعة والفائدة . ومن هنا اهتمامها بالمحتوى والمضمون، حيث ركزت على الشرح والتفسير للعثور على المعاني القريبة والبعيدة ، الظاهرة و الخفية. وقد كان بدهيا أن يؤدي ذلك إلى إغفال الجوانب الفنية في النص الأدبي في غالب الأحيان. وإذا كانت المناهج في التدريس قد أعلت من شأن المحتوى (المنفعة) ، فإن بعض المناهج النقدية الحديثة نادت بإعلاء المتعة (الشكل) وبالغت في ذلك إلى حد إلغاء البعد المعرفي – المضموني للنص الأدبي. لكن الأكيد أن المدرسة لا يمكن أن تفصل بين الوظيفتين، لأن المدرسة تعد التلميذ للحياة بتزويده بالتجارب ومده بالخبرات والمهارات اللازمة من ناحية أولى، وتعده لتذوق الآثار الأدبية والشعور باللذة في قراءتها أثناء الدراسة وبعدها. وهو ما يظهر أن اختيار نصوص معينة وإدراجها ضمن مقرر يتم تلقينه في مرحلة دراسية محددة ليس فعلا اعتباطيا ولا خاضعا لمحض المصادفة ولكنه فعل واع يتقصد بالضرورة ترسيخ القيم المعرفية والجمالية والأخلاقية التي تجسد السياسة التعليمية للدولة والتي تسخر في النهاية لتشكيل عقل ووعي المتلقي (التلميذ) بما يتناسب مع المواصفات التي ينبغي أن يكون عليها عند التخرج. ولا يخفى أن هذه المواصفات لا تخرج عن الغاية العامة ممثلة في "تكوين مواطن صالح" من منظور واضعي السياسة التعليمية.
إن غاية تدريس الأدب تتمثل في تقريب القيم الجمالية والمعرفية التي تنطوي عليها النصوص من ذهن التلميذ وحفزه على الكشف عنها وتعلم اللغة من خلالها. وقد ترتب عن اختلاف المنطلقات النظرية وتباين المرجعيات الفكرية اختلاف الغايات التي يتوخاها كل فريق من تدريس الأدب. وهو ما يتطلب من القائمين على وضع البرامج الدراسية مراعاة خصوصية المستهدف (التلميذ) ما دامت الغاية من درس الأدب نقل الثقافة إلى الجيل الصاعد بما هي قيم وذوق وإحساس بالجمال .



#مصطفى_الغرافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود درويش: مغني الشهداء
- الأبعاد التداولية لبلاغة حازم من خلال -منهاج البلغاء وسراج ا ...
- البلاغة والإيديولوجيا - بحث في العلاقة الملتبسة بين المعرفة ...
- المثقف والسلطة من خلال الآداب السلطانية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الغرافي - في جدوى تدريس النص الأدبي