أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الصمد مرون - رياح...














المزيد.....

رياح...


عبد الصمد مرون

الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


رياح...
عندما استيقظ كان المذياع، الذي اعتاد تواجده إلى جانب فراش النوم كل مساء، ما يزال ميمما عقاربه شطر الجارة الشمالية إسبانيا، موسيقى غجرية رتيبة تتخللها نقاشات حامية بين ضيوف الفراش المغربي من الإسبان، كان غير متحكما من تفاصيل اللغة القادمة من بلاد قشتالة، لذلك خيل إليه، أن هذا الشعب الشمالي كثير الشجار بدليل صوته المرتفع دائما، هذا ما تأكد له بالأمس عند مشاهدة فيلم على قناة الأندلس، فحتى الحب تطلب لغة مجهورة، لا أسرار هناك، حيث يرتاد الحب كل الفضاءات مقهى شارع حديقة، مر على كل القنوات واستنفذ من الليل أخر دقائقه، فعليه أن يستغل فرصة لن تتكرر في شتاء أصيلة الطويل، التي كانت تعيش على وقع هبوب رياح الشرقي الجافة من حيث الأمطار والمحملة بالقنوات الإسبانية العديدة.
كم تمنى ليلة الأمس وهو مسمر إلى جانب التلفاز، خلال النشرة الجوية استمرار هذه الرياح، ولو ليوم إضافي، لتتسنى له فرصة مشاهدة المقابلة الحدث بين فريقي برشلونة وريال مدريد، عكس الأب الذي طالب بكل ابتهال أن تنتهي هذه المحنة، بهبوب الرياح المعاكسة الغربي، المحملة بالأمطار للفلاحين، والسمك الكثير بالنسبة للبحارة، فالشرقي يمثل لهم إجازة اضطرارية، بالإضافة إلى أن المقابلة لم تكن تعنيه في شيء، فالأب من عشاق الفريق الأبيض والأحمر، أتلتيكو بيلباو.
انسل بهدوء إلى المطبخ، ارتشف حظه من الشاي في إبريق الصباح، مرفقا بكسرة خبز مع قليل من الزيتون الأسود، المعبأ بعناية منذ السنةـ الماضية، تمثل هذه الثمار بعض نصيب العائلة من شجرة زيتون العائلة، التي مازالت صامدة، هناك على جبال "ابن عروس" تلك الشجرة هي الوحيدة التي لا تعير اتجاه الريح أي اعتبار، فكل الرياح تدور حولها وتؤول إليها، استنجد بالعدة المخبأة بإمعان في إحدى جنبات السطح، إنها "أوراق الكيف" رفقة "السبسي"، دسهما في سرواله بعناية. ثم عبر الدرج المفضي إلى الشارع.
توجه بصورة تلقائية إلى ساحة الزلاقة المقابلة للبحر، نتيجة مخطط منحوت في الذهن، لكن قبل ذلك كان عليه أن يقطع السوق المزدحم بالتجار والأهالي، وخلال اختراق هذه الجموع لم يكن يسمع غير، جمل مكرورة، "الله يرحمنا" "القمح يعاني" "لم يعد لنا ما نشرب"...، أمن كل هذا في سره شريطة أن توجل الأمطار القادمة على جناح الغربي موعدها إلى ما بعد "الكلاسيكو" المرتقب، صادف خلال هذا المرور خالته "فطوم" رفقة حمارها الوفي، لثم رأسها كما العادة، وأخذ نصيبه من الدعاء، وانسحب بعد أن طلب منها الحضور للغذاء إلى جانب العائلة.
مر بمقهى البحارة الذين نالت منهم العطالة كل المنال، على وجهوهم حفر الزمن أخاديد عميقة كما تفعل الأمواج بالصخور، هم بالجلوس لكنه رمق أباه "الرايس" في أقصى الزاوية فعدل عن ذلك، احتراما لمكانة الوالد، في المقابل لم يمنعه ذلك من استدعاء رفيقه الوحيد "أيوب"، بعد أن همس في أذنه: "قسيمة كتامية"، كانت الجملة كافية لإغواء أيوب لترك جولة "البارتشي" في بدايتها، استأذن أيوب النادل في أخذ كأس الشاي ثم غادرا المكان، ثم استكملا المسير معا نحو الساحة المعلومة كما كان مخططا منذ البداية.
وجدا "بؤديو" لم يستفق بعد من أثار قنينة الخمر الذي أتى عليها كاملة بالأمس، لكنه مع ذلك بدا متقد الذهن، حاضر البديهة، روى حكايته الوحيدة مجددا بكل تفاصيلها، الخيانة التي تجرع مرارتها من أشد الأصدقاء قربا إليه، هناك على شواطئ "ماربية" ذهبة ضحية وشاية فاجرة، سنوات الحب والرصاص، نتيجتها العودة مكبلا بالأصفاد من جنة الأندلس إلى جحيم السجون السرية بالنسبة للأجانب فقط، أما أولاد البلاد فقد كانت معلومة بالنسبة إليهم، مع كل كأس تذكر الأصدقاء الذين ماتوا تحت ناظريه، أو مر احتضارهم أنينا على مسمعه، صور البعض وأصوات الأغلب منهم مازالت تسكن جوانحه، لعن نفسه جهرا لأنه أفلت الموت الساكن حينئذ زنزانته، ليعيش رفقة الذل بين أسوار هذه المدينة، أضاف للعناته اسم الخائن الذي عاد سنوات بعد ذلك أميرا للمدينة، يستقبل الوزراء والسفراء، يرسم لهم لوحات من بطولاته بدماء من رحلوا ضحية جنوح سفينة الحلم، "كرايس" بدون سفينة رفع قامته الهزيلة، نظر إلى المويجات المتلاطمة على الشاطئ، توقف هنيهة، ثم قال: مازالت ليالي الشرقي قادمة، ليستسلم لنوم عميق.
رغم كلام "بؤديو"* الأخير الذي حمل إليه بشرى إمكانية مشاهدة المقابلة المرتقبة، لاسيما وأنه الخبير المطلع على تقلبات البحر كما الجو، غير أنه خلف سحابة سوداء في ذهنه، تذكر أن كلمات "بأديو" التي تواكب لحظات ذروة النشوة الخمرية عادة ما تحمل حكمة موغلة في العمق، تتجاوز الموجات الصغيرة التي تحط في أمان على الشاطئ الصخري، قبالة مقهى "الزريرق" وهموم البحارة، الجاثمين في محطة الانتظار الأبدية، فكر في هذا وهو يعبئ الجزء الأخير من "السبسي" أي "الشقف"، ويمده إلى صديقه أيوب المنتشي بالبحر وكذلك بفكرة "الكيف"، قبل الانتشاء الفعلي بوريقات من النبتة المباركة الأتية من جبال الريف.
الساعة تشير إلى الرابعة مساء، لم يتبق على المقابلة غير ساعتين، تناول مذياعه من جيب بنطاله، ثم شغله ليتمكن من معرفة تشكيلة الفريقين، فلان سيلعب الأخر لا، صرح المدرب الفلاني بكذا، قطع أيوب تركيزه عندما شده من يده قائلا، لاحظ. انتبها معا إلى تلك الموجات التي بدأت ترتفع موجة بعد موجة، قال له، لابد أن الرياح قد غيرت اتجاهها، أوحى إليهما ذلك حركة تتشكل في أعماق هذا البحر، تنتج عنها جبال من الماء ترتفع لتكسر الصخر على مرمى من الصيادين، و"الرايس" في زاوية من المقهى، نسيا معا المقابلة والفائز والخاسر، انتفضا واقفين، اتجها نحو البحر في اتفاق ضمني، مخلفين ورائهما "السبسي وبؤديوا" يغطان في نوم عميق...
عبد الصمد مرون
02/08/2012
*بؤديو :تشويه للكلمة مشتقة من اللغة الإسبانية وهي bocadillo وتعني وجبة سريعة.



#عبد_الصمد_مرون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة -انتحال صفة مقدسة-
- النمط الخفي للدراما المصرية، -فرقة ناجي عطا الله نمذجا-


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الصمد مرون - رياح...