|
حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
بيرم ناجي
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 10:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" لقد جاء قوم يدعون فضيلة وكلهم يبغي لحالته نفعا وما انخفضوا كي يرفعوكم وانما رأوا خفضكم طول الحياة لهم رفعا أبو العلاء المعري
مقدمة: بعد حصولها على تأشيرة العمل القانوني بفضل ثورة 14 جانفي 2011 لم تطرح حركة النهضة التونسية برنامجا جديدا بل اكتفت بإعادة إصدار برنامج "حركة الاتجاه الإسلامي" الصادر سنة 1981 و الذي كانت قد تقدمت به في أوائل عهد بن علي من أجل العمل القانوني و رفضت رغم إمضائها على الميثاق الوطني سنة 1988. إن حركة النهضة – بإبقائها على ذلك البيان التأسيسي- تريد تحقيق هدفين رئيسيين وهما: -أولا: الحفاظ على وحدتها التنظيمية بين جناحي المهجر والداخل إذ أن من بقي في الداخل التونسي لم يشارك بصفة فعلية في الحياة الفكرية للحركة كما فعل جناح المهجر في لندن و أوروبا عامة. -ثانيا: إيهام الشعب التونسي إنها كانت دائما-منذ تأسيسها- حركة معتدلة و ديمقراطية بدليل إنها تحتفظ ببيانها التأسيسي القديم حتى بعد حصول الثورة في تونس. لكن هذه الوضعية – كما سنرى- هي من ناحية أولى دليل على ازدواج الخطاب الإسلامي السياسي الذي يحاول ركوب الثورة الديمقراطية التونسية من أجل الالتفاف عليها لاحقا . و هي من ناحية ثانية الحبل الذي يمكن أن تشنق الحركة نفسها به فيؤدي بها إما إلى افتضاح نواياها الحقيقية المعادية للديمقراطية أو إلى الانقسام و التشرذم الداخلي إذا عرف الديمقراطيون- بل و حتى بقية الإسلاميين- كيف يناضلون ضدها. *** ان ما يؤكد هذا الازدواج هو ما يتم منذ 23 أكتوبر 2011 و اعتلاء الحركة سدة الحكم مع شريكيها.طوال هذه المرحلة حاولت النهضة الذهاب بعيدا في تطبيق استراتيجيتها الاسلامية و فشلت جزئيا بفضل تصدي مجمل القوى الديمقراطية لها.لقد حاولت ذلك مع اعلان الشريعة مصدرا اساسيا في التشريع و فشلت في فرض ذلك و حتى في اقناع حلفائها في الترويكا الحاكمة.كما تحاول ذلك في مسألة المساواة بين المراة و الرجل عبر طرح صيغة التكامل بدل المساواة و حقوق الأطفال عبر رفض التبني و تضييق حقوق الأطفال ،الخ. كما تورطت الحركة في اعمال – أو تسترت عليها- اقل ما يقال عنها انها منافية لأبسط الممارسات الديمقراطية و ذلك مثل الاعتداءات المتكررة على المثقفين و المبدعين( نوري بوزيد، محمد الطبيب، يوسف الصديق، لطفي بوشناق،لطفي العبدلي الخ) و على معارض فنية (العبدلية) و على تظاهرات سياسية و قادة سياسيين ( نجيب الشابي و أخيرا سمير القنطار،ألخ) و على بعض رجال الدين من ائمة و خطباء مساجد وعلى محلات تجارية. وفي هذه الظروف انعقد المؤتمر التاسع للحركة في تونس مؤخرا و حاولت النهضة تلميع صورتها ولكنها فشلت في ذلك من جديد بالأساس لأنها لم تنجز" مؤتمرا مضمونيا" بل تنظيميا لاغيرو لم تراجع شيئا تقريبا من خطابها وحتى من وثائقها التأسيسية الا سطحيا . لم تتعرض الحركة تماما لبيانها التأسيسي الذي يعود الى سنة 1981 و لا لوثيقة "الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي" لحركة الاتجاه الاسلامي .كما ان "القانون الأساسي " للحركة لم يعرف تغيرات جوهرية باعتبار طابعه التنظيمي التقني تقريبا. في المقابل صدر عن المؤتمر الأخير هذا "بيان ختامي" حاول تزويق وجه النهضة بتسجيل كل المصطلحات الديمقراطية و المدنية و لكن في نفس الوقت بقيت الحركة سجينة تصوراتها الاخوانية القديمة جوهريا مع تأكيدها على صفتي "الاعتدال و الوسطية" و محاولة ابراز الخصوصية التونسية للحركة. ومن مظاهر الدلائل السلفية في هذه الوثيقة ربط التحولات السياسية الجارية بفعل جماهير الشعب بما سمته الحركة " الفرص التي يعرضها علينا القدر الالهي لأداء دور ورسالة من مستوى حضاري" وكأن الله هو الذي أوصل النهضة الى الحكم. كما ورد في البيان الختامي ربط مزدوج بين الاصلاح و الاحياء الدينيين الى درجة القول ان الحركة هي امتداد لكل من " خير الدين و محمد علي باشا (و...) الأفغاني وعبده و الكواكبي و الثعالبي و البنا و بن عاشور" و شتان بين حسن البنا و بن عاشورمثلا. كما اتى في البيان تأكيد على " تجريم التعدي على المقدسات باعتباره عدوانا على حرية الغير" و لكن لم يقع التأكيد لا على حرية المعتقد الديني كما تنص عليها المواثيق الدولية التي تضمن حتى حرية تغيير المعتقد و حرية عدم الاعتقاد. كما ان هذا المقترح قد يصبح خطيرا جدا على حرية الرأي و التعبير لأن رفض الاساءة للمقدسات – الذي هو مبدأ ديمقراطي- يجب ان يصاحبه أولا فصل واضح بين" المدنس و المقدس" في الدولة و المجتمع و هو ما يعني ضرورة القبول بالعلمنة و فصل الدين عن الدولة حتى لا يتم الاعتداء لا على المتدينين و لا على غير المتدينين و العلمانيين . و من ناحية ثانية يجب ان يصاحبه تحديد واضح لمحتوى المقدسات التي لا يجب الاساءة اليها لأن المقدس نفسه نسبي داخل المجتمع لكن حركة النهضة تؤمن بما يسمى "التصور الشمولي للاسلام" و بالتالي قد تجعل من كل شيء مقدسا بما ان الدين الاسلامي يشمل "الدين و الدنيا" او "العبادات و المعاملات" ،الخ. ان المقدس بالنسبة الى من يعتمد التصور الشمولي للاسلام قد يشمل كل شيء و بذلك يصبح مبدا عدم الاساءة الى المقدسات قانونا "شموليا-كليانيا" يعدم الحرية تماما. و من ناحية أخرى تصدت النهضة لامكانية "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني" ورفضت الفكرة تماما. كما دعا البيان الختامي الى "رؤية اجتماعية" تهدف الى اعادة " مؤسسة الأوقاف و الزكاة" هذا قد يفتح الباب لتكون الخطوة المقبلة اعادة "الجزية و الخراج". كما احتوى البيان على دعوة الى" ان يكون التعليم الزيتوني في القلب من هذا المشروع الاصلاحي" في الميدان التعليمي و الثقافي. و لا نعرف لماذا لا يكون التعليم الحكومي الرسمي في قلب مشروعهم؟ ولماذا أطل علينا النهضويون بقرار تدريس اللغة التركية في تونس قبل أي اصلاح تعليمي آخر و هل سيدرسون اللغة التركية بالأحرف اللاتينية التي فرضها كمال أتاتورك العلماني الذي يسبونه ليلا نهارا أم بالأحرف العربية ثأرا لدولة الخلافة؟ أما " النظام الأساسي الجديد" للحركة و المنقح في المؤتمر فكما قلنا هو ذو طابع تنظيمي تقني بالأساس و لكنه يحتوي هو الآخر على ازدواج ديمقراطي-اصولي يظهر مثلا في الفصل الأول حيث تعرف النهضة نفسها على انها " حزب سياسي ذو مرجعية اسلامية" و بما ان الاسلام شمولي و فق النظرة الشمولية الاخوانية فان بالامكان تقدير مكانة " المرجعية الديمقراطية او الانسانية " في فكر و ممارسة النهضة. من ناحية أخرى و في خصوص الانخراط و العضوية ورد شرط "بلوغ سن ستة عشر سنة كاملة" و هذا خطير جدا لأن القانون التونسي يربط الحق الانتخابي و السياسي بسن 18 سنة و هو ما ستكون له انعكاسات خطيرة على الأطفال التونسيين لأن القانون التونسي يربط الرشد ببلوغ ثمانية عشر سنة كاملة الا في الحالات الاستثنائية عند وجود احكام خاصة –مثل زواج الفتاة في عمر سبعة عشر يجعلها راشدة بمقتضى حكم خاص بالزواج-. كما احتوت التنقييحات فكرة " المحافظة على أسرار الحزب" و هي تدل على تواصل عقلية الجماعة الدينية السرية و المنغلقة تنظيميا لحزب هو الآن في السلطة ويدعي تبني الديمقراطية داخله و بالنسبة للمجتمع بكامله . ان ما أتى به المؤتمر التاسع لم يلغ و لم يحور الوثائق الأساسية لحركة النهضة و لذلك ننشرهنا ما كتبناه منذ مايو 2011 حول البيان التأسيسي و القانون الأساسي آملين ان يساعد هذا في فهم و تقييم هذه الحركة و في دعم النضال الديمقراطي ضدها . ولكن قبل البدء في نقاش البيان التأسيسي و القانون الأساسي نود تقديم قراءة موجزة لطبيعة القوى الأساسية المكونة للحركة الإسلامية ستقودنا في هذا العمل.
1- في تعريف الحركة الاسلامية. يمكن ان نختصر تعريف الحركة الاسلامية كالآتي: ان الحركة الاسلامية هي مجموع التنظيمات السياسية الهادفة للوصول الى الحكم لتطبيق الشريعة الاسلامية بتكوين الدولة الاسلامية بقطع النظر عن طريقة الوصول الى الحكم و عن المذهب الاسلامي الخصوصي او بعض الاختلافات البرنامجية الجزئية الأخرى. لقد درج اليسار الاشتراكي منذ المؤتمر الثاني للأممية الثالثة الى تقسيم الحركات السياسية في المستعمرات و أشباه المستعمرات و البلدان التابعة الى قسمين هما: - -الحركات الوطنية الاصلاحية التي مثلتها تاريخيا أحزاب مثل الوفد في مصر و الدستور في تونس و الاستقلال في المغرب و غيرها من الأحزاب التي قادها غاندي في الهند او صن يات صن في الصينو كل هذه الأحزاب تعتبر وطنية اصلاحية لأن البورجوازية القومية /الوطنية لا تقطع جذريا مع الاستعمار بل تهدف الى تقاسم السوق المحلية معه رلكنها على أية حال تسعى الى الاستقلال القومي/ الوطني من منطلق بورجوازي. - -الحركات الوطنية الثورية التي تمثلها أحزاب اليسار الاشتراكي و الأحزاب الفلاحية و البورجوازية الصغيرة التي تذهب بعيدا في القطع مع الاستعمار و تطرح الاستقلال الجذري عنه و تصفي العلاقات ماقبل الرأسمالية بل و تطرح تجاوز الراسمالية ولو تم ذلك انطلاقا من تصورات مختلفة عن الاشتراكية.
لكن ما أهمله اليسار التاريخي – رغم ان بذور الفكرة موجودة عنده- هو تعريف تعريف و توصيف تيار ثالث نسميه الحركة الوطنية المحافظة و الذي مثلته حركات و أحزاب قاومت الاستعمار و لكن من موقع تقليدي محافظ يرفض الاستعمار و الرأسمالية معا و يتمسك – او يحاول في الحقيقة فقط- بأنماط اجتماعية تقليدية في الحياة مثل الآنماط القبلية أو الآسيوية أو الآقطاعية حسب الظروف الخاصة بكل بلد. لقد تعرضت بعض وثائق اليسار التاريخية العالمية الى "النزعة التوحيدية الاسلامية" ( البان- اسلاميزم ) مثلا ولكن لم تر فيها سوى حركات رجعية وقتها لأنها كانت تبدو على ارتباط بالامبراطورية العثمانية . اننا نعتقد ان اليسار قد تغافل عن هذه القوة السياسية و عن دراستها و لم ينتبه الى ذلك الا لاحقا عندما أخذت تتسع. ان وجود حركات وطنية محافظة أمر طبيعي جدا في كل البلدان التي تتعرض للاستعمار و ذلك لأنه يوجد غالبا قسم من المجتمع يتمسك بهياكل المجتمع التقليدية و يريد المحافظة عليها مستقلة ما أمكن . و لقد ظهرت هذه الحركات دائما كلما كان المستعمر-بكسر الميم- أكثر تطورا من المستعمر-بفتحها-. لقد تعود اليسار الاشتراكي –خاصة بسبب المؤتمر السادس للأممية الثالثة و بسبب التروتسكية كذلك- اعتبار كل الملاكين العقاريين الكبار و البورجوازيات التجارية و الربوية التقليدية بمثابة عملاء و خونة ووصفهم دائما بالكومبرادور و الاقطاعية المتحالفة مع الاستعمار لكن هذا الوصف شديد العمومية و مجانب لتعقد الوضع التاريخي اذ وجدت شرائح تقليدية من الملاكين العقاريين و التجار و المرابين ووجهاء القبائل و زعماء الرابطات الحرفية التقليدية و رجال الدين الذين قاوموا التدخل الأجنبي الاستعماري انطلاقا من مواقعهم التقليدية المحافظة تاريخيا. ان أمثلة عبالقادر الجزائري – الذي يعرف موقف ماركس السلبي منه- و ملك أفغانستان الذي قاوم الأنقليز –والذي يمدحه لينين- و غيرهم كثر و ضمن هذا التيار يمكن ادراج الحركة الاسلامية في عمومها.
إننا نرى أن الحركة الإسلامية هي بالأساس حركة وطنية محافظة من صنف خاص. إنها حركة وطنية تقليدية لأن مفهوم الوطن و مفهوم الأمة عندها هو مفهوم تقليدي ما قبل حداثي لأنه يرتكز على مفهومي الوطن و الأمة الدينيين القديمين المرتبطين بمصطلح الجماعة الدينية و الرابطة الإسلامية و ليس المرتبطين بمفهومي الوطن و الأمة القوميين الحديثين الذين تعتبرهما الحركة الإسلامية من باب "الشعوبية" المرفوضة دينيا. لكن الحركة الإسلامية تبقى حركة وطنية- بهذا المعنى- دون أن تتحول بكاملها إلى حركة "لا وطنية" أو عميلة و خائنة بالمطلق كما يصفها بعض نقادها و أعدائها من القوميين أو من اليساريين الذين يعتقدون إن وصفها بأبشع الصفات يسهل عليهم النضال ضدها و هم في الواقع يسهلون عليها المهمة من حيث لا يعلمون رغم صحة بعض المعطيات التي يقدمونها أحيانا في خصوص علاقات هذه الحركة بقوى أجنبية من باب التحالف و التمويل كالقول بتمويل شركة قناة السويس الأنقليزية للخوان المسلمين لضرب الوفد او كتحالف الاسلاميين مع "الامبريالية الأريكة المؤمنة" ضد الاتحاد السوفياتي الملحد في افغانستان ،الخ. إن الحركة الإسلامية الحديثة هي ردة فعل وطنية على الاستعمار و الهيمنة الأجنبية و لكنها ردة فعل وطنية محافظة و تقليدية بل و رجعية على الصعيد الاجتماعي. إن الإسلاميين يناضلون وطنيا ضد الاستعمار و الهيمنة الخارجية بطرق و بمستويات مختلفة قد تكون قوية جدا – كما فعل حزب الله في لبنان مثلا – وهم عبارة عن تحالف تاريخي متحول عبر الزمن بين فئات من المثقفين التقليديين - الذين يتحولون بدورهم مع التاريخ- وطبقات و شرائح اجتماعية تقليدية و محافظة كانت تتمثل في الملاكين العقاريين و الحرفيين و التجار التقليديين وتحولت تدريجيا و لكن بدرجات متفاوتة بين الدول نحو بعض شرائح البورجوازية الصغيرة و المتوسطة و الكبيرة نصف الحداثية المتضررة نسبيا من التدخل الاقتصادي الأجنبي و التي لا ترى مخرجا إلا في الانغلاق المحافظ وتحلم بإعادة أمجاد السيادة العربية الإسلامية القديمة على العالم. إن الإسلاميين هم وطنيون بهذه الصفة لكنهم يفعلون ذلك انطلاقا من مواقع محافظة بل ورجعية اجتماعيا لأن مرجعيتهم الفكرية تقليدية و تصوراتهم السياسية والاجتماعية محافظة و ما قبل حداثية. إنهم ينقدون عيوب الاستعمار و الهيمنة والحداثة "من اليمين" و من مواقع ما قبل حداثية فكريا و سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا. إن الحركة الإسلامية – ككل- حركة محافظة و تقليدية تتميز بثلاثة خصائص معادية للحداثة و التقدم وهي: أولا: العداء للعقل الحديث انطلاقا من تفضيلهم العلوم النقلية الشرعية التي يرونها الأرقى على العلوم العقلية التجريبية و الطبيعية و نقدهم للعقل الحديث بواسطة العقل ما قبل الحداثي و ليس انطلاقا من عقل ما بعد الحداثة الذي يستثمرون طابعه النقدي وبعض نتائجه المعرفية و تطبيقاته التكنولوجية لهدم الحداثة وليس لتجاوزها ايجابيا مع المحافظة على مكتسباتها . ثانيا: العداء للديمقراطية الحديثة إما بشكل تام و سافر- حزب التحرير و الحركة السلفية…- أو بشكل جزئي ولين يسمونه "الوسطي المعتدل" من خلال إفراغها من محتواها السياسي الحديث لتحويلها إلى آليات وتقنيات انتخابية لا تتعارض مع مفاهيم التابعية و الرعية و الشورى القديمة بحيث تتحول الديمقراطية إلى سلطة دينية قديمة مجملة ببريق حداثي تقني و أداتي لا غير وهو يشرعن لأشكال و درجات متفاوتة و مختلفة من التيوقراطية التي قد تكون مفضوحة عند غلاة الشيعة و السنة على السواء و قد تكون مخفية عند "المعتدلين "منهم لا غير. إن الحركة الإسلامية لا تنقد الديمقراطية لتطويرها في اتجاه حداثي أكثر عدالة و مساواة و حرية بل من موقع محافظ يخضع الشرعية الشعبية إلى تصورها الخاص عن الشرعية الإلهية المقدسة. ثالثا: العداء للحداثة الاجتماعية بحجة العداء للنزعة الفردية في المجتمع الحديث - والتي لا يرون فيها سوى أنانية أخلاقية - و الدعوة لمجتمع ما قبل حداثي قائم على مفهوم "الجماعة" الديني و الطائفي و ليس على أساس المواطنة الحديثة المرتبطة بحقوق الإنسان و المواطن. إن الحركة الإسلامية تنقد الفردية الحديثة ليس انطلاقا من نزعة اجتماعية و جماعية حديثة بل من حنين للجماعة و الأسرة و الوطن و الأمة التقليديين الذين كانوا عماد المجتمعات التقليدية المحافظة.(انظر مواد: النزعة المحافظة، النزعة التقليدية و الأوتوقراطية في معجم علم الاجتماع لبودون و آخرون، ص 45-46 و 234 و236-237). لكن هذا التعميم الاصطلاحي لا يجب ان يعفينا من التحليل الملموس لكل حركة اسلامية في حد ذاتها و لتطورها التاريخي و لأقسام هذه الحركة ارتباطا حتى بخصوصياتها المذهبية أحيانا. ان عوامل التشيع أو التسنن أو النزعة الخارجية أو المسحة الصوفية أو غيرها قد تؤثر على الحركة الاسلامية و تجعلها تختلف بين هذه و تلك أو تتحول بين زمن و آخرأو تكون عنيفة و سلمية أو تكون أقرب أو أبعد عن الفئات الفقيرة و المتوسطة أو تختار التصور التيوقراطي أو الملكي ،الخ لكننا نعتقد ان خيطا رابطا بين الجميع يبقى موجودا ألا و هو النزعة الوطنية المحافظة. كان اليسار في تونس مثلا يختلف في تعريفاته للحركة الاسلامية الى تصورات يمكن تبخيصها في مايلي: اما القول انها حركة اقطاعية و الحال ان وجود الاقطاع نفسه محل تساؤل في المجتمع العربي الاسلامي ودليل ذلك الاختلاف حول نمط الانتاج الآسيوي –ماركس- و نمط الانتاج الخراجي –سمير أمين-،الخ. كما ان وصف الحركة الاسلامية بالاقطاعية من ناحية و اعتبار الاقطاع حليفا دائما للاستعمار و البورجوازيات التابعة و الكومبرادورية من ناحية ثانية يجعل اصحاب هذا الرأي عاجزين تماما عن فهم القدرة النضالية الوطنية لحزب الله أو الجهاد الاسلامي مثلا بل و يجعلهم يعجزون عن تفسير كل المواقف الوطنية المحافظة وبالتالي عن اتخاذ المواقف و التكتيكات المناسبة داخل حركة التحرر الوطني و القومي. هل يعني هذا انه ليس للحركة الاسلامية اية علاقة بالطبقات و الشرائح ماقبل الرأسمالية؟ قطعا لا و لكن هذه الحركة تتحول بتحول تلك الفئات و الطبقات و تنتهي مثلها بالانخراط في الرأسمالية مع الابقاء عن توترات مع راس المال الأجنبي الا اذا كان هذا الرأسمال من "امبريالة مسلمة" ربما.ان الحركة الوطنية المحافظة قد تصبح الوجه الثاني المحافظ للحركة الوطنية الاصلاحية البورجوازية الليبيرالة تقريبا لكنه تبقى مختلفة عنها نسبيا في مشروعها السياسي الاجتماعي العام في نقاط عديدة. هنالك من اليسار التونسي من كان يعتبر الحركة الاسلامية حركة فاشية.و رغم نقاط التشابه بين الحركة الاسلامية و الحركة الفاشية في كونهما يرتبطان بفئات و طبقات وطنية و محافظة الا ان الفاشية هي نتاج الدولة-الأمة المتقدمة بالأساس وهي حركة قومية حديثة باعتبار ان مرجعيتها هي الأمة الحديثة ولكن بما انها تصورها عن الأمة قومي-عرقي فهي حركة قومية متعصبة- شوفينية- وهي حركة استعمارية امبريالية بينما الحركة الاسلامية هي وليدة مجتمعات مستعمرة و تابعة ومرجعيتها الأمة /الجماعة الدينية و هدفها الدولة- الأمة الدينية التقليدية على الرغم من أنها – بوصفها حركة عالمية- تطمح هي الأخرى الى نزعة امبراطورية تقليدية قريبة من مصطلح "الامبريالية الاقطاعية" الذي وصف به لينين- سهواعلى ما يبدو- الامبراطورية القيصرية الروسية .
2- ملاحظات انتقادية حول البيان التأسيسي لحركة النهضة: ان الحركة الاسلامية هي اذن حركة سياسية-دينية وطنية محافظة من صنف خاص : وطني اسلامي محافظ لأن النزعة السياسية –الدينية المحافظة تختلف بين المجتمعات حسب اختلاف الديانات مع ان النزعة الاسلامية المحافظة السنية قد تختلف جزئيا عن النزعة الشيعية،الخ. ومن البديهي اننا ازاء نزعة محافظة سنية مالكية تونسية في فترة تاريخية محددة .لذلك وقبل البدء في انتقاد محتوى البيان التأسيسي و القانون الأساسي نود ملاحظة الأمرين التاليين: الأول: إن حركة النهضة التونسية لها سمات خاصة نسبيا ليس فقط مقارنة بحزب التحرير الإسلامي في تونس أو الحركة السلفية الوهابية في تونس بل حتى مقارنة بمثيلاتها من بنات حركة الإخوان المسلمين – الحركة الأم- في العالم بما في ذلك في البلدان السنية المالكية المغاربية مثلا. إن السبب في ذلك هو خصوصية التجربة الحداثية في تونس بسلطتها و معارضاتها التي فرضت على" حركة الاتجاه الإسلامي" التأقلم مع مجتمع فيه إصلاحات اجتماعية حداثية و فيه نضال نقابي و يساري و حقوقي و نسوي خاص أدى ليس فقط إلى محاولات للتأقلم بل كذلك إلى ظهور و انفصال تيار إسلامي خاص من صفوف الاتجاه الإسلامي ألا وهو تيار "اليسار الإسلامي" أو من سموا أنفسهم الإسلاميين التقدميين. إن هذه الخصوصية التونسية فعلت فعلها ليس فقط منذ الثمانينات- زمن كتابة هذا البيان التأسيسي- بل و لاحقا .و لكن قمع السلطة للحركة الإسلامية دفع أجنحتها لأمرين متوازيين هما مواصلة البحث عن صيغة " أكثر حداثية و ديمقراطية" لمقارعة الخطاب السلطوي- خاصة عند المغتربين و المنفيين- مع السعي إلى المحافظة على الوحدة التنظيمية التي تستدعي عدم الذهاب بعيدا و سريعا في اتجاه "الحداثة" حتى لا يشعر المسجونون بخيانة المراجعين .و لكن ما ضمن تعايش هذين الاتجاهين طويلا هو طابع الحركة نفسها و هو الذي يقوم على الازدواج بين الدعوي و السياسي و بين المبدئي و البراغماتي و بين الأصولي و "النهضوي" و خاصة بين الظاهر الديمقراطي و الباطن التقليدي المحافظ. الثاني :إن البيان التأسيسي صدر سنة 1981 بينما القانون الأساسي صدر في عهد بن علي في فترة أمضت فيها حركة النهضة على "الميثاق الوطني" و تأثر محتواه بالجو العام الذي حاول بن علي اشاعته و المتمثل في إيهام الشعب و القوى السياسية بأنه يبدأ خطة للإصلاح الديمقراطي تقطع مع الاستبداد البورقيبي. و قد انخرطت حركة النهضة في هذا المسار وصاغت قانونها الأساسي على هديه في إطار قانون الأحزاب الصادر في03 ماي 1988. و كان هذا القانون يرفض تأسيس أحزاب دينية و استعمل بالتالي لرفض الترخيص للنهضة بالعمل القانوني رغم كل التنازلات التي حاولت النهضة تقديمها- مقارنة بما ورد في بيانها التأسيسي- كما سنرى لاحقا. *** لنعد الآن إلى البيان التأسيسي ولنبدأ بالتوطئة توطئة : انتقادات 2011 لتوطئة.1981 جاء في التوطئة ما يلي: -"يشهد العالم الإسلامي ـ وبلادنا جزء منه ـ أبشع أنواع الاستلاب والغربة عن ذاته ومصالحه فمنذ التاريخ الوسيط وأسباب الانحطاط تفعل فعلها في كيان امتنا وتدفع بها إلى التخلي عن مهمة الريادة والإشعاع، طوراً لفائدة غرب مستعمر وآخر لصالح أقليات داخليةمتحكمة انفصلت عن أصولها وصادمت مطامح شعوبها." نحن الآن في سنة2011 - أي بعد ثلاثين عاما من كتابة البيان التأسيسي هذا- و مع ذلك تتبنى الحركة الآن هذه الوثيقة التي توجد على صفحاتها الالكترونية المختلفة مثلما توجد هذه الوثائق و غيرها في موقع حركة الإخوان المسلمين المصرية."ويكيبيديا الاخوان المسلمون".www.ikhwanwiki.com. إن الصيغة الواردة في هذه الفقرة تنطلق من التصور السياسي الديني التقليدي الذي يقسم العالم إلى دار الإسلام الذي تمثله "الأمة الإسلامية" و"دار الحرب" التي يمثلها "الغرب المستعمر" و أعوانه من "الأقليات" التي "انفصلت عن أصولها و صادمت مطامح شعوبها" و هي صيغة أصولية تؤكد النظرة السياسية للإسلام الأصولي التقليدي الذي لا يرى حصول أي تقدم "منذ التاريخ الوسيط" بل يرى فقط "الانحطاط" في كيان "الأمة".إنها النظرة السلفية نفسها التي لا تنظر إلا نحو الماضي المجيد الذي ضاع و ضاعت معه وضعية" الريادة و الإشعاع" التي يبدو أنها قد تمهد الطريق أمام آمال إمبراطورية جديدة.إن الحركة الإسلامية بهذا لا تدعو فقط إلى النضال ضد الاستعمار بل تحلم على ما يبدو بأن تتحول هي إلى حركة تقود "الأمة" إلى التحول إلى مركز " الريادة و الاشعاع" الذي سنرى لاحقا كيف انه حلم استعماري مقلوب لا غير. إن مواصلة "حركة النهضة" تبني هذا البيان هو مؤشر على تأصل خطاب "صراع الحضارات" اليميني الديني المتطرف لديها و هذا ما تؤكده الفقرة الثانية من البيان بالفعل حيث جاء: "وكان المستهدف الأول طوال هذه الأطوار كلها هو الإسلام، محور شخصيتنا الحضارية وعصب ضميرنا الجمعي. فقد عزل بصورة تدريجية بطيئة، وأحياناً بشكل جريء سافر عن مواقع التوجيه والتيسير الفعلي لواقعنا. فهو رغم بروزه عاملا محددا في صنع الجوانب المشرقة من حضارتنا وفي جهاد بلادنا لطرد المستعمر، قد بات اليوم أو يكاد مجرد رمز تحدّق به المخاطر ثقافيا وأخلاقيا وسياسيا نتيجة ما تعرض له في المرحلة المعاصرة والأخيرة خاصة من إهمال واعتداء على قيمه وعلى مؤسساته ورجاله" المشكلة إذن – بالنسبة لحركة النهضة- هي دينية بالأساس بما أن الإسلام كان "المستهدف الأول" و من المنطقي أن الذي يستهدف الإسلام " في المقام الأول" لا يكون إلا يهوديا أو مسيحيا أو علمانيا كافرا حسب التصور السياسي الديني عند الإسلاميين. المستعمر يستهدف الإسلام في "المقام الأول" و كذلك تفعل "الأقليات الداخلية" التي هي بهذا المعنى غير مسلمة أيضا خاصة "في المرحلة المعاصرة و الأخيرة".و صولا حتى عهد بن علي طالما يبقى البيان وثيقة ملزمة للحركة. إن الاستعمار لم يأت للاستغلال الاقتصادي و الاستبداد السياسي و الظلم الاجتماعي و الثقافي في نفس الوقت بل جاء في المقام الأول لاستهداف الإسلام. و لكن ماذا عن الاستعمار التركي لبلدنا : هل جاء يستهدف الإسلام؟ وهل" الأقليات الداخلية" هي أيضا غير مسلمة كلها و تستهدف الإسلام في "المقام الأول"؟ و لماذا لا يهمس النهضويون ببنت شفة عن النظام الوهابي السعودي الذي يساعد في إدخال الاستعمار إلى العراق و يتواطأ على فلسطين؟ ولماذا لا يقولون كلمة سوء واحدة عن النظام القطري الذي يفتح "ديار المسلمين" للقواعد العسكرية الأمريكية و يربط العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ؟ و لماذا يطبلون للقرضاوي "بابا" الدولة القطرية و منظر "الإسلام الوسطي"العزيز عليهم؟ وهل كان بورقيبة مثلا يستهدف الاسلام في "المقام الأول" بهدف عزله "عن مواقع التوجيه و التسيير" و من أجل إهماله و الاعتداء "على قيمه و على مؤسساته ورجاله" أم أنه كان يستهدف التحرر من الاستعمار و بناء الدولة الحديثة في المقام الأول رغم كونه كان مستبدا و غير ديمقراطي؟ هذه أجابتهم عن بورقيبة في الفقرة التالية من البيان التأسيسي: "وإضافة إلى هذه المعطيات الحضارية التي تشترك فيها بلادنا مع سائر بلاد العالم الإسلامي، عرفت تونس في أواخر الخمسينات وطيلة عشريتي الستينات والسبعينات ـ رغم حصولها على وثيقة الاستقلال- أوضاعا خصوصية اتسمت بالتأزم واحتداد الصراع الاجتماعي وتعطل سبل النمو الشامل. وقد تكرّس هذا الوضع نتيجة أحادية الاتجاه السياسي المتحكم "الحزب الدستوري" وتدرّجه المتصاعد نحو الهيمنة على السلطة والمؤسسات والمنظمات الجماهيريّة من ناحية، ونتيجة ارتجالية الاختبارات الاقتصادية والاجتماعيّة وتقلبها وارتباطها بمصالح دوليّة تتعارض مع مصالح شعبنا الوطنية من ناحية أخرى." إن هذا التوصيف- رغم بعض جوانبه الصحيحة- هو خاصية التطرف السياسي الأصولي في الحكم على مرحلة تاريخية بأكملها بكل النعوت السلبية لا غير.و من الغريب الآن – بعد الثورة- إن حركة النهضة تدعي الدفاع عن الانجازات الوطنية في التعليم و الصحة و مجلة الأحوال الشخصية و غيرها من الجوانب التي يعود بعض الفضل فيها لبورقيبة و"الأقليات الداخلية" التي "انفصلت عن أصولها"و"صادمت مطامح شعبها" و تميزت اختياراتها ب"ارتباطها بمصالح دولية". إن مواصلة تبني هذا البيان التأسيسي من قبل حركة النهضة الآن يدل على ازدواجية الخطاب السياسي عندها و هو يعكس أيضا التقييم المتطرف الذي تجريه الحركة الإسلامية- بوصفها الصورة النمطية عن الحركة الوطنية المحافظة"- لما تنجزه الحركة الوطنية الإصلاحية الحداثية رغم عيوب و نواقص هذه الأخيرة طبعا. إن الحركة الإسلامية لا ترى من الاستقلال سوى" الحصول على وثيقة" لم تمنع من "الارتباط بمصالح دولية" و لا ترى في ما تحقق في البلاد في عهد بورقيبة سوى "التأزم" و "الصراع" و "التعطل" و " الهيمنة" و "الارتجالية"و "التقلب". إن هذا يدل على أن التطرف الأصولي المحافظ لا ينقد الحركة الوطنية الإصلاحية ايجابيا بل ينتقدها بصورة سلبية و عدمية لأنه ينقم على الحداثة برمتها و يحن للعودة إلى أصول ماضوية محافظة لا بل رجعية أحيانا كثيرة مثله مثل كل حركات "استرجاع الهوية" الماضوية التقليدية. و هذا ما يقوله البيان التأسيسي: " في هذا المناخ ظهر الاتجاه الإسلامي بتونس في بداية السبعينات بعد أن توفرت له كل أسباب الوجود، وتأكدت ضرورته، وقد ساهم هذا الاتجاه من مواقعه في إعادة الاعتبار للإسلام فكرا وثقافة وسلوكا، وإعادة الاعتبار للمسجد. كما ساهم في تنشيط الحياة الثقافية والسياسية فأدخل عليها لأول مرّة نفساً جديداً فياتجاه تأصيل الهوية والوعي بالمصلحة وتأكيد التعدد بتجسيمه واقعياً" هكذا إذن تتولد الهوية السياسية- الدينية المتأزمة من القراءة المحافظة للواقع. فعندما كانت الحركات السياسية الديمقراطية و التقدمية الوطنية تطرح على جدول أعمالها النضال صد الحركة الوطنية الإصلاحية بهدف تدعيم الاستقلال الوطني و إرساء الديمقراطية و تدعيم الحداثة و التقدم- مثلما فعلت في خضم ثورة 14 جانفي - ظهرت الحركة الإسلامية لتحقيق أهداف أخرى تماما و هي اليوم تحاول استغلال هذه الثورة لتحقيقها من جديد على أنقاض ثورة سياسية ديمقراطية بالأساس. إن مطالب حركة النهضة -التي مرت من العمل الدعوي إلى السياسي- كانت و لا تزال ليس الربط بين الاستقلال الوطني و الديمقراطية و التقدم و الحداثة بل هي "إعادة الاعتبار للإسلام…" و كأن المجتمع التونسي غير مسلم و " إعادة الاعتبار للمسجد" و كأن المساجد كانت قد أغلقت أوهي المؤسسة الأولى التي يفترض في حركة سياسية أن تعيد إليها الاعتبار. في الواقع إن حركة النهضة دخلت الساحة السياسية و لا تزال ليس "لإعادة الاعتبار للإسلام" و للمسجد بل لفرض تصورها هي عن الإسلام و عن المسجد في الساحتين الدينية و السياسية في تونس و ذلك في صراعها مع التصورات الدينية السائدة عند السلطة في عهدي بورقيبة و بن علي على السواء.و الغريب في الأمر اليوم – بعد الثورة- أن هذه الحركة تدعي العمل على "تحييد المساجد" بعيدا عن السياسة و لكن الجميع يعرف أن هذا الموقف للتسويق الإعلامي لا غير . من ناحية ثانية تدعي الحركة إنها ساهمت في" تنشيط الحياة الثقافية والسياسية" في " اتجاه تأصيل الهوية" " وتأكيد التعدد بتجسيمه واقعيا ً" و هي في الواقع أرادت نشر تصور أصولي عن الهوية الماضوية المنغلقة و الثبوتية التي تبدأ بتجسيد صنف من "التعدد" الذي يقضي علىالتعددية الفكرية و السياسية إذ إن الحركة التي لا ترى أمرا واحدا ايجابيا في المجتمع عند نشأتها لا يمكن أن تقبل بالتعددية مع من تعتبرهم يستهدفون الإسلام في المقام الأول و لهم ارتباطات بالخارج … و هي لا تزال على نفس الخط السياسي و الديني كما سيتضح لاحقا. إن العلامات القديمة في البيان التأسيسي تدل على هذا إذ نقرأ ما يلي: " وقد عبر الاتجاه الإسلامي من خلال نشاطه ومواقفه العديدة عنالتحامه بذات أمته وتجسيده آمال شعبه وتطلعاته فالتفت حوله قطاعات عريضة من المحرومين والشباب والمثقفين. وكان نموه السريع مجلبة لاهتمام الملاحظين وترصد القوى والأنظمة السياسية في الداخل والخارج. ورغم سعيه الرصين المتعقل لتلمّس أنجع سبل التطوّر والتغيير فقد تعرّض هذا الاتجاه إلى سلسلة منالتهم الباطلة والحملات الدعائيّة المغرضة نظمتها ضدّه السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام الرسميّة وشبه الرسمية، بلغت هذه الحملات حد الاعتداء تعسفا على وسائل إعلامه قصد منعه من إبلاغ صوته وتطورت بعد ذلك إلى أشكال أشد قهرا فقدمت عناصره إلىالمحاكمات وتكثفت ضد أفراده التتبعات والتحقيقات وفتحت أمام شبابه السجون والمعتقلات حيث الضرب والتعذيب والإهانة." إن هذه الفقرة من البيان التأسيسي لحركة النهضة- الاتجاه الإسلامي سابقا- تحوي قسمين يساعد الأول جزئيا في تفسير الثاني. يسرد الجزء الثاني كل أشكال الظلم التي تعرضت لها الحركة – و هو ظلم تضاعف لاحقا مع بن علي و لكن سبقته فترة عسلية مع محمد مزالي يتناساها النهضويون- و لكن الجزء الأول يفسر جزئيا سبب التهم و الحملات و الاعتداء و المحاكمات …إذ إن الحزب السياسي الذي يرى نفسه قد"عبر …عن التحامه بذات أمته وتجسيده آمال شعبه وتطلعاته.." في نفس الوقت الذي يعتبر فيه الآخرين يستهدفون الإسلام في المقام الأول هو حزب سياسي يتوهم انه هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة و يحافظ على قداسة الدين و يلتحم بذات الأمة و يجسد آمال و تطلعات الشعب و كل من سواه ظالم و كافر أو مرتد…يدفع الآخرين إلى قمعه خاصة إذا كانت بيدهم السلطة لأنهم سيشعرون إن هذا الحزب يحضر هو نفسه إلى القيام بنفس الشيء لو وصل إلى الحكم. لقد كان الاتجاه الإسلامي و لا يزال حزب النهضة يحافظ على نفس العقلية الأصولية الاستئصالية بدليل انه لا يزال يتبنى بيانا تأسيسيا من "عصر الإيديولوجيات الكبرى" الاقصائية و الشمولية و لا يقول انه تطور خوفا من نتائج المراجعات التي ستدفعه إلى الاعتراف بحقيقة ما كان عليه سابقا و لا يجرأ فعلا على مراجعات جذرية ليس فقط خوفا على الوحدة التنظيمية بل- وأساسا- ارتهانا بمنشئه الأصولي السلفي. إن أبرز صفات هذا المنشأ – المذهب تظهر في الفقرة التالية: "إن استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في مجتمعنا يرسخ لدى الإسلاميين شعورهم المشروعبمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية في ضرورة مواصلة مساعيهم وتطويرها من أجل تحرر البلاد الفعلي وتقدمها علىأسس الإسلام العادلة وفي ظل نهجه القويم." إن الإسلاميين يعتقدون إذن أن لهم مسؤولية ربانية- تترجم في المسؤولية الوطنية والإنسانية- ترسخ شعورهم بأن "التحرر الفعلي" للبلاد و تقدمها لا يمكن أن يتم إلا بتصورهم الأصولي الخاص حول "أسس الاسلام العادلة و في ظل نهجه القويم". إن الله يبدو و كأنه فوض الإسلاميين بأن حملهم "مسؤولية ربانية" إذ بما "ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"(حسب الحديث الذي يرويه أبو داود عن أبي هريرة) و بما أن الإسلاميين يعتقدون أن الإسلام مستهدف في هذه البلاد و المطروح إعادة الاعتبار له و بما أنهم راسخون في"شعورهم المشروع" الذي هو وحده سيؤدي إلى "تحرر البلاد الفعلي" على "أسس الإسلام العادلة و في ظل نهجه القويم" الذي يدعي الإسلاميون أنه لا يتبناه سواهم في البلاد فان المشروع الإسلامي لحركة النهضة يصبح هو وحده "الرباني" و "العادل"و"القويم" و كل ما سواه كفر و ردة وظلال و لائكية و انتهازية و نفاق كما سنرى ذلك بعد قليل. لكن الصيغة التي يعبر بها الإسلاميون عن هذه الفكرة لا يمكن أن تكون بهذه المباشراتية و الوضوح طبعا بل هي متسترة و ازدواجية و هذا ما يكتبون: "وقد يذهب البعض إلى أن هذا العمل هو من باب إقحام الدين في دنيا السياسة وأنه مدخل إلى احتكار الصفة الإسلامية ونفيها بالتالي عن الآخرين. إن هذا الفهم فضلا عن كونه يعبر عن تصور كنسي دخيل على ثقافتنا الأصلية يكرس استمرارية "حديثة" لواقع الضياع التاريخي الذي عاشته أمتنا." إن كون هذا العمل هو من باب" إقحام الدين في السياسة" أمر واضح و لا ينكره الإسلاميون أنفسهم اعتمادا على ما يسمونه " التصور الشمولي للإسلام" .و لكنهم يحاولون تلطيفه بعدم ادعاء " احتكار الصفة الإسلامية" الموجه لمن يوصفون "الآخرين" الذين هم من بقية الحركات الإسلامية و ليس منبقية الحركات السياسية الحداثية التي ترفض أن تكون حركات سياسية-دينية و لا تريد "إقحام الدين في دنيا السياسة". إن رفض "التصور الكنسي" للإسلام يهم الحركات الإسلامية فيما بينها أما الحركات السياسية الحداثية فهي بالنسبة للإسلاميين تكرس "استمرارية "حديثة" لواقع الضياع التاريخي الذي عاشته أمتنا" حتى لو كانت تلك الحركات تتكون من مسلمين.إذ أن المسلمين من غير الإسلاميين ليس لهم حسب حركة النهضة ذلك "التصور الشمولي" للإسلام و هم بالتالي يساهمون في إقصائهعن مواقع التسيير في المجتمع الإسلامي الشمولي الذي يطمحون إليه. إن هذا التصور الشمولي- بمعنى الكلي- للإسلام عند حركة الاتجاه الإسلامي-النهضة هو الذي يجعلها قابلة دائما للتحول إلى حركة شمولية- بالمعنى الكلياني الاستبدادي للكلمة- لأن تصورها للإسلام يصبح تصورا عقائديا مغلقا يسعى إلى الاستيعاب الشامل للمجتمع في كل الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية و الدولية اعتمادا على تصور "رباني" يضفي على نفسه القداسة الإلهية و ينزعها عن غيره و يعتبر نفسه الأداة البشرية لتنفيذ "الحاكمية الإلهية" العزيزة على بعض الأسلاف الكبار للحركة من ابن تيمية إلى أبي الأعلى المودودي و سيد قطب. و إن هذا التصور لا يهدد فقط الحداثيين بل و كذلك الإسلاميين الآخرين أنفسهم . يواصل البيان التأسيسي في هذا المعنى : "على أن "حركة الاتجاه الإسلامي" لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن ينسب هذا اللقب إليها. فهي مع إقرارها حق جميع التونسيين في التعامل الصادق المسؤول مع الدين، ترى من حقها تبني تصور للإسلام يكون من الشمول بحيث يشكل الأرضية العقائدية التي منها تنبثق مختلف الرؤى الفكرية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هوية هذه الحركة وتضبط توجهاتها الإستراتيجية ومواقفها الظرفية. وبهذا المعنى تكون "حركة الاتجاه الإسلامي" واضحة الحدود محددة المسؤولية غير ملزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرز هنا وهناك ـ إلا ما يقع تبنيه منها بصورة رسمية ـ مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفسهم من براقع التدين ورفعوا رايات الإسلام." إن الازدواجية في الخطاب تظهر هنا في" أبهى" مظاهرها إذ إلى جانب التصور الشمولي للإسلام تقول الحركة إنها "لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس" و هذا ما يسمح – نظريا- بحق المسلمين و الإسلاميين بتبني تصورات جزئية أو شمولية مخالفة للإسلام . لكن مع ذلك تشترط الحركة على جميع التونسيين حقهم "في التعامل الصادق المسؤول مع الدين" و تتبرأ من "التحركات و المواقف" الإسلامية الأخرى "مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفسهم من براقع التدين ورفعوا رايات الإسلام". يحق للتونسيين التعامل مع الإسلام على شرط أن يكون تعاملهم "صادقا و مسؤولا" و الحركة هي طبعا من سيحكم على صدق و مسؤولية هذا التعامل.أما إذا رأت أن هذا التعامل غير صادق و غير مسؤول حسب تصورها الشمولي الخاص بها فان التونسي المسلم المختلف عنها سوف يتهم بالنفاق أو الردة أو الزندقة و الكفر كما سنرى لاحقا. أما الحركات الإسلامية الأخرى فان أصحابها ليسوا إسلاميين صادقين و مسؤولين على ما يبدو مهما أضفى أصحابها على أنفسهم "من براقع التدين و رفعوا رايات الإسلام". و هكذا تتحول الرؤية الشمولية الكلية إلى شمولية كليانية و تتحول الرؤية الأصولية إلى ممارسة استئصالية تقصي المخالفين في الرأي حتى من المسلمين بل ومن الإسلاميين المختلفين. هنا تعود الحركة إلى التصور السني السلفي التكفيري الخطير و هي بالتأكيد ستبرر ذلك بالحديث القائل:" ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة؛ الناجية منها واحدة و الباقون هلكى…" (أبو داود و ابن ماجة و أحمد) و" الفرقة الناجية" من النار واحدة هي "أهل السنة و الجماعة" و الباقون في النار. إن هذا التصور السلفي الأصولي ربما سيكون معتدلا مع بعض المسلمين و الإسلاميين السنة المالكيين ولكنه بالضرورة سيكون متطرفا مع التونسيين المسلمين الاباضيين و الشيعة و بدرجة ما مع المتصوفة أما عن المسلمين الحداثيين و اليهود و الملاحدة من التونسيين فحدث و لا حرج. إن الصورة تزداد قتامة بالتأكيد عندما يرتبط هذا بحركة سياسية منظمة و معبأة لأن المسألة لن تقف عند الجدل الفكري بل ستصبح مسألة سلطة سياسية تحتكر العنف المادي و الرمزي و هذا ما يعدنا به النهضويون اذ هم: " وتأكيدا لهذا الوضع من ناحية، وتكافؤا مع جسامة المهمة ومقتضيات المرحلة من ناحية أخرى، فإنه يتعين على الإسلاميين دخول طور جديد من العمل والتنظيم يسمح لهم بتجميع الطاقات وتوعيتها وتربيتها وتوظيفها في خدمة قضايا شعبنا وأمتنا. ولا بد لهذا العمل أن يكون ضمن حركة مبلورة الأهداف مضبوطة الوسائل ذات هياكل واضحة وقيادات ممثلة.. إن "حركة الاتجاه الإسلامي" التي حالت بينها وبين جماهيرها المسلمة العريضة ظروف القهر والإرهاب، لتأمل أن تكون مساهمة جماهيرها أعمق وأشمل في مستقبل الأيام. " و هذه هي المهام التي يعدون بتحقيقها لنا كما وردت في البيان التأسيسي: المهام: تعمل هذه الحركة على تحقيق المهام التالية أ ـ بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بأفريقيا ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب والضلال. إن عبارة "البعث" تكاد تلخص لوحدها كل شيء هي و عبارات "الإحياء" و "التأصيل" التي كثيرا ما تستعملها الحركة الإسلامية. فتونس حسب رأيهم شخصيتها الإسلامية ميتة و يجب بعثها و الدولة التونسية في تبعية للاستعمار و الشعب التونسي يعاني إما "الاغتراب" بسبب ارتباطه بالغرب أو" الضلال" بسبب ارتباطه بالبدع و الضلالات التي يروجها التونسيون الذين يدعون أنهم مسلمون و هم في رأي النهضة ضالون يضفون على أنفسهم "براقع التدين" لا غير . . ب ـ تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتةومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب. زعماء النهضة يلمحون هنا إن الله بعث بهم إلى تونس ليجددوا لها دينها و هم يعتقدون بالتالي أن "المائة سنة" التي سبقتهم كلها كانت ضلالا ابتعد فيها المسلمون التونسيون عن أصول الإسلام الثابتة و لوثوا أثناءها إسلامهم برواسب الانحطاط و آثار التبعية و اغتربوا فيها عن "مقتضيات الحياة المتطورة " إذ أن كل حركات الإصلاح و التقدم في تونس أدت إلى "التبعية و الاغتراب" و ها إن الله يحمل الإسلاميين مسؤولية ربانية ليصلوا بين الأصول الثابتة و التطور بعد "عصور الانحطاط" التونسي. ج ـ" أن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية." حزب النهضة يلمح هنا إلى الاستقلال السياسي عن "الوصاية الخارجية" و النظام السياسي الموعود به من الإسلاميين إلى الجماهير وهو ينسى أن منهجه الأصولي لا مكان فيه للجماهير في العصر الذهبي الذي تعتز به "الفرقة الناجية" لأهل "السنة و الجماعة" الذي فرض فيه عمر أبا بكرا خليفة أول بحد السيف و أوصى فيه أبو بكر بالخلافة لعمر بن الخطاب و عين فيه عمر- بعد طعنه وعند إشرافه على الموت- مجلسا ضيقا لاختيار الخليفة بعده لا مكان فيه للجماهير العريضة و صل فيه علي ابن أبي طالب إلى الخلافة بعد مقتل عثمان من قبل القراء و انتهى بمقتل علي نفسه. فإذا لم تتدخل الجماهير العريضة في حياة الرسول نفسه و لا أثناء الخلافة في العصر الذهبي للإسلام و مات ثلاثة من الخلفاء قتلا من قبل مسلمين و لم تعن الشورى مطلقا تشريك الجماهير في السياسة الداخلية للمسلمين في عهد "السلف الصالح" فمن أين لحركة النهضة بالمراجع" الثابتة في أصول الإسلام" لتشريكها الآن؟ . "د ـ إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعا عادلا على ضوء المبدأ الإسلامي "الرجل وبلاؤه، الرجل وحاجته" أي (من حق كل فرد أن يتمتع بثمار جهده في حدود مصلحة الجماعة وأن يحصل على حاجته في كل الأحوال) حتى تتمكن الجماهير من حقها الشرعي المسلوب في العيش الكريم بعيدا عن كل ضروب الاستغلال والدوران في فلك القوى الاقتصادية الدولية." ينسى زعماء النهضة انه إلى جانب مبدئهم القائل "الرجل و بلاؤه الرجل و حاجته" الذي استحضروه لمقاومة المد الاشتراكي و الشيوعي القائل على لسان ماركس" من كل حسب عمله و لكل حسب حاجته" هو مبدأ لا يتناسق- كما يتناسق ماركس مع نفسه ولو يوطوبيا- مع جزء من أصول الإسلام الثابتة. هذه الأصول القائلة بأن الله خلقنا درجات بل و جعل بعضنا لبعض سخريا ( "ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا."..الزخرف 32) و فضل بعضنا على بعض في الرزق ( والله فصل بعضكم على بعض في الرزق، النحل 71) و إن التوزيع العادل للثروة وفق التصور الإلهي الإسلامي هو توزيع يقوم على مبدأ اعتبار كل من الفقر و الغنى أمرا طبيعيا و هو بلاء و امتحان الهي و إن الإسلام نهى حتى عن تمني امتلاك ما يمتلكه الآخرون و إن من الصحابة و من المبشرين بالجنة من كان يملك ما يحمل على النوق من الذهب و الفضة و كان يملك الآلاف من العبيد و الجواري- حسب الطبري و ابن خلدون- بينما منهم من كان بالكاد يجد ما يأكله. و ينسى زعماء النهضة أن الرجل لم يكن يحصل في كل الأحوال على حاجاته حتى في عهد عمر الموسوم بالعدل مما جعل هذا الخليفة يوقف العمل بالحدود في السرقة لسنوات و هي – أي الحدود- من الأصول الثابتة في الإسلام . كما ينسى زعماء النهضة إن الخليفة عثمان كان يحابي أهله في الرزق و يوليهم السلطة بينما ينفي أبا ذر الغفاري في الصحراء مما أهاج المسلمين ضده فقتلوه وولوا علي بن أبي طالب – أبا التراب- مكانه. إن النهضويين ينساقون إلى السياسة الشعبوية – ربما تأثرا بالخميني جزئيا- و يتناسون الأصول الثابتة للدين استدرارا لعطف الجماهير العريضة لتجنيدها في صفوفهم لتحقيق أهداف سياسية تنسيهم الأصول التي يدعون أنهم يحاربون من أجلها الاستغلال و"المستكبرين" و القوى الاقتصادية الدولية. كما يتناسى النهضويون أنهم لا يرفضون من السياسة الاقتصادية للقوى الدولية شيئا سوى الربا و يقبلون بالبقية و أساسها الملكية الرأسمالية الخاصة و التجارة الرأسمالية و لن يمانعوا في التعامل مع "امبريالية إسلامية" كالخلافة العثمانية القديمة أو التركية الجديدة و لا مع المال السعودي و القطري الملوث بالتعامل مع "القوى الاقتصادية الدولية" و المتضمخ بدماء العراقيين و الفلسطينيين و بعرق العبيد الجدد من الخدم و العمال و الموظفين العاملين في بلدان الخليج من آسيا و البلدان العربية الفقيرة. هـ ـ "المساهمة في بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلامعلى المستوى المحلي والمغربي والعربي والعالمي حتى يتمإنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلط دولي." و أخيرا تعدنا حركة النهضة بالتحول إلى حركة عالمية وبحث المسلمين التونسيين على الجهاد مغاربيا و عربيا و عالميا و بتحويل المسلمين إلى منقذين للبشرية جمعاء بحملها على تبني الإسلام و بتحويل الدولة الإسلامية إلى خلافة عالمية تسيطر بكيانها" السياسي و الحضاري" على الدول –الكيانات السياسية- الأخرى وعلى الحضارات الأخرى و سيكون للتونسيين دور في الجهاد العالمي للنهضة بأن يرسلوا أبناءهم إلى أقاصي الأرض شرقها و غربها ليموتوا من أجل فتوحات إسلامية جديدة في عصر العولمة الإسلامية الجديدة المناضلة صد "العولمة الصليبية اليهودية و الملحدة" و يعود للإسلام مجده الضائع و يصبح النهضويون من الخلفاء الراشدين الجدد الذين لا تغيب الشمس عن سلطانهم. نعم ما يعد به النهضويون التونسيين و هم بالكاد يبدؤون بتحقيق ثورتهم الديمقراطية. أما عن و سائل تحقيق كل هذا فإليكم التفاصيل. .الوسائل لتحقيق هذه المهام تعتمد الحركة الوسائل التالية:: "-إعادة الحياة إلى المسجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد في العهد النبوي وامتداد لما كان يقوم به الجامع الأعظم، جامع الزيتونة، من صيانة للشخصية الإسلامية ودعما لمكانة بلادنا كمركز عالمي للإشعاع الحضاري." بعد ثورة 14 جانفي يدعي النهضويون في تونس إنهم يريدونتحييد المساجد عن التجاذب السياسي و جعلها في منأى عن السياسة و لكنهم يتبنون بيانا تأسيسيا يدعو بصريح العبارة إلى اعتبار المسجد ليس مركزا للتعبد فقط بل " للتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد في العهد النبوي". و بما إننا ندرك أنهم يريدون المحافظة على "أصول الإسلام الثابتة" و لا نصدق ازدواج خطابهم التكتيكي فإننا نعرف أن حزب النهضة يسيس المساجد و يكذب عند الحديث عن حيادها. إن الإسلاميين يمحون القرون الأربعة عشر الماضية ليوهمونا بالعودة إلى العهد النبوي و لكنهم يتناسون أن النبي كان موجودا و قتها في مسجده ليوحد المسلمين الذين لم يتفرقوا بعد إلى شيع دينية و مذاهب سياسية مختلفة حد الاقتتال فهل يوجد هذا الوضع الآن؟ كما إن الإسلاميين ينسون أمرا آخر شديد الأهمية وهو أن المسلمين في عهد الرسول لم يعرفوا غير المسجد مؤسسة لهم ومن الطبيعي وقتها أن يكون المسجد في نفس الوقت "مركزا للتعبد و التعبئة الشاملة" لكن المسلمين الآن تطوروا و عرفوا المؤسسات المختصة كالمدرسة و القضاء و الإدارة و النقابات و الأحزاب ومؤسسات الإعلام و الجيش و الشرطة وغيرها فهل يبشرنا الإسلاميون بتحويل كل هذه المؤسسات إلى مراكز تعبد و تعبئة شاملة أيضا بما أنهم لا يريدون فصل الدين عن الدولة و عن الساسة؟ أم أن الأحرى بالمسلمين التونسيين الآن – وهم يخوضون ثورة ديمقراطية- أن يحسموا الأمر في هذا الشأن نهائيا ضد حزب النهضة و الحركات السياسية الإسلامية الأخرى التي تفتك منهم المساجد -التي هي لعموم المسلمين- لتحولها إلى مراكز تعبئة حزبية خاصة وتفتك بقية المؤسسات - التي هي لعموم التونسيين - و التي كانت و لا تزال تتصارع عليها فيما بينها و مع السلطة من أجل أهداف سياسية خاصة و فئوية. "- تنشيط الحركة الفكرية والثقافية، من ذلك: إقامة الندوات، تشجيع حركة التأليف والنشر، تجذير وبلورة المفاهيم والقيم الإسلامية في مجالات الأدب والثقافة عامة وتشجيع البحث العلمي ودعم الإعلام الملتزم حتى يكون بديلا عن إعلام الميوعة والنفاق." إن الحركة الإسلامية لا تتحدث سوى عن "تنشيط الحركة الفكرية و الثقافية" و التأكيد على القيم و المفاهيم الإسلامية و مقاومة الميوعة الأخلاقية والنفاق الديني و لكنها تنسى ذكر الحرية الفكرية و الثقافي. تنسى حرية التأليف و النشر وحرية الإبداع الفني العام و حرية البحث العلمي و حريةالإعلام للجميع دون استثناء أو إقصاء و هي بالطبع تنسىحرية المعتقد الديني التي تعني حرية اعتناق كل الديانات و التعبير عنها و ممارسة شعائرها و حرية تغيير المعتقد بل و حتى حرية عدم الاعتقاد الديني تماما مع ضمان حرية التعبير عن ذلك بنفس القدر المسموح به لجميع المؤمنين أيا كانت دياناتهم. إن المشروع الفكري و الثقافي للنهضة الإسلامية لا يتسع للحرية إلا إذا كانت"إسلامية" على ما يبدو وهو بذلك بعيد كل البعد عن الحرية الفكرية و الثقافية بالمعنى الديمقراطي. إن ربط "تنشيط الحركة الفكرية و الثقافية" بما يسمى "المفاهيم و القيم الإسلامية" و بمقاومة "الميوعة و النفاق" سوف يؤدي حتما ليس فقط إلى التضييق على المسلمينالذين لن يبدو عليهم "التعامل الصادق و المسؤول " مع الإسلام ومع الإسلاميين الآخرين " مهما لبسوا من "براقع التدين ورفعوا رايات الإسلام" لأن كل هؤلاء سوف يسهل اتهامهم بالميوعة والنفاق. أما المفكرين و المثقفين اللاأدريين و الملاحدة و الوضعيين و العلمانيين و اليهود التونسيين والداروينيين و الماركسيين والديمقراطيين و غيرهم فان مصيرهم سوف يكون على الأرجح إما كمصير أمثالهم من حسين مروة و مهدي عامل إلى علي محمود طه أو كمصير نجيب محفوظ (الطعن) أو نصر حامد أبي زيد( التهجير) أو مارسيل خليفة (المحاكمة) أو سيد القمني المطاردة و في أحسن الحالات سوف يحصل لهم ما حصل لجوليا بطرس مع حزب الله اللبناني إذ غنت أغنية "أحبائي" المشهورة من كلمات السيد حسن نصر الله و لكن اذاعات و تلفزيون حزب الله رفضت بثها لسباب عقائدية لأن صوت المرأة عورة تقريبا خاصة عندما تغني …الخ . لقد بدأت الحملة في تونس بتعنيف المخرج نوري بوزيد و تواصلت بتعنيف بعض الشعراء وتنكرت النهضة و أنكرت لكن البقية صمتوا ومن يدري لعل البقية تأتي. - "دعم التعريب في مجال التعليم والإدارة مع التفتح على اللغات الأجنبية" ولكن أي تعريب بأية عربية يا ترى؟ ما الذي سيعربه الإسلاميون ليصبح جزءا من برامج التعليم الإسلامي و جزءا من الفكر و الثقافة في تونس؟ أغلب برامج الفلسفة العالمية مثلا ستنقرض هذا ان سمحوا أصلا بتدريس الفلسفة فبعض الإسلاميين يرفضونها تماما بحجة" تهافت الفلاسفة" الغزالية و يدعو إلى " إبطال الفلسفة و فساد منتحليها" على خطى ابن خلدون. أغلب النظريات العلمية في العلوم الطبيعية و خاصة ذات المنحى التطوري سوف تنقرض من برامجنا هذا إذا لم تنقرض العلوم الطبيعية برمتها لأن " مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا و لا معاشنا فوجب علينا تركها" .(ابن خلدون- المقدمة- فصل في إبطال الفلسفة، ص570). أغلب الأدب و الشعر العالمي سوف يغيب لأنه "مائع" و لأن الشعراء –من غير المؤمنين- سوف يتبعهم الغاوون حتما . أغلب الأفكار و النظريات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية سوف تغيب لأنها "كافرة" أو في أحسن الحالات " نفاق" إنساني مجاف للفكر الإسلامي "الوحيد الأوحد" في صحته و صلاحه. "رفض العنف كأداة للتغيير، وتركيز الصراع على أسس شوريةتكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة". يقال :هنالك أشكال مختلفة من الموت و لكن الموت واحد في النهاية. إن العنف هو واحد من الإشكاليات التي تطرحها الحركة الإسلامية و لكنه ليس الوحيد.فالحركات الإسلامية الأصولية منها الإرهابية ( استعمال السلاح للتخويف و زرع الرهبة) ومنها "الثورية الإسلامية"( استعماله لتحقيق الثورة الإسلامية) و منها السلمية نسبيا و تكتيكيا والتي تفضل العنف الرمزي ولكن هدفها واحد وهو"الحسم" في اتجاه "الدولة الإسلامية" . ما ذا يعني "رفض العنف كأداة للتغيير" إذا صح أصلا –لأن النهضة استعملت العنف بعد إصدار هذا البيان و اعترفت بذلك- سوى و عد بالقتل البطيء للحداثة و الديمقراطية عوض القتل العنيف؟ أية أهمية لرفض العنف تبقى – رغم أهميتها الظاهرة- إذا كان الهدف المعلن للحركة هو رفض العنف كأداة للتغيير مع المحافظة على هدف التغيير المعادي للديمقراطية. . - رفض مبدأ الانفراد بالسلطة "الأحادية" لما يتضمنه من إعدام لإرادة الإنسان وتعطيل لطاقات الشعب ودفع للبلاد في طريق العنف. وفي المقابل إقرار حق كل القوى الشعبية في ممارسة حرية التعبير والتجمع وسائر الحقوق الشرعية والتعاون في ذلك مع كلالقوى الوطنية. و لكنكم لم تتركوا لأحد الصفة الشعبية و الوطنية. فالليبراليون و القوميون و اليساريون و الإسلاميون غير السلفيين كلهم لا وطنيين و لا شعبيين في التصور الأصولي السلفي. الليبراليون عملاء للغرب الرأسمالي و اليساريون عملاء للغرب أو الشرق الشيوعي و حتى القوميون العرب شعوبيون وكانوا ضد الخلافة العثمانية و بالتالي هم ضد "الأممية الإسلامية" وهم قوى علمانية يجب التخلص منها استراتيجيا. عن أي تعاون إذن يتحدثون لإقرار "الحقوق الشرعية" وهم يربطون الشرعية بمفهوم الشرع و الشريعة كما يتصورونها هم و يعتبرون التشريعات المدنية الوضعية التي أقرت المفهوم الديمقراطي للشرعية تشريعات غربية معادية – أو على الأقل مجافية- للإسلام؟ بلورة مفاهيم الإسلام الاجتماعي في صيغ معاصرة وتحليل الواقع الاقتصادي التونسي حتى يتم تحديد مظاهر الحيف وأسبابه والوصول إلى بلورة الحلول البديلة.والانحياز إلى صفوفالمستضعفين من العمال والفلاحين وسائر المحرومين في صراعهم مع المستكبرين والمترفين." ما هي يا ترى المفاهيم المعاصرة للإسلام الاجتماعي عند النهضة و كيف سيقع ربطها بالأصول السلفية "الثابتة" في الاجتماع الإسلامي؟ لنكتف بمسألتي الجنس و الدين. ماذا سيقول السلفيون في قول الإمام علي- في خطبة له في ذم النساء- ملخصا الموقف من المرأة بأن النساء ناقصات عقل و دين و حظ: عقلا لأن شهادتهن نصف شهادة الرجال و دينا لأن واجباتهن الدينية تنقص عند الحيض و النفاس و حظا لأن مواريثهن أنصاف مواريث الرجال و ينصح الرجال بأن " لا تطيعوهن في معروف حتى لا يطمعن في منكر"؟(الامام علي، نهج البلاغة، في ذم النساء، ص149) و ماذا سيقول السلفيون في حقوق اليهود التونسيين سوى أنهم "أهل ذمة" لا يحق لهم سوى ما يحق لأهل الذمة في الإسلام و هم بالتالي لن يتمتعوا بنفس الحقوق و الحريات التي يتمتع بها التونسي المسلم و ستفرض عليهم واجبات خاصة كالجزية لأن مبدأ المساواة هذا من مبادئ المواطنة الديمقراطية الحديثة و ليس من مبادئ التابعية و الرعية القديمين المرتبطين بالأصول الإسلامية "الثابتة"؟ و ماذا يعني القول بالانحياز إلى "العمال والفلاحين و سائر المحرومين من المستضعفين" في صراعهم مع "المترفين" و مع" المستكبرين" ؟.هذه اشتراكية إسلامية أم هي ازدواجية خطاب؟ أليس هذا من باب التحليل الطبقي الاشتراكي و الشيوعي؟ و هل فعلا كل العمال و الفلاحين هم من المستضعفين حسب السلفية و كل المترفين هم من المستكبرين؟ أم إن في الأمر ازدواجية في الخطاب لسحب البساط من تحت أقدام اليسار الاشتراكي و "اليسار الإسلامي" الذي تمرد على السلفية في تونس في الثمانينات و تبنى أطروحات حداثية؟ و اذا صدقنا الأمر جدلا فلماذا يبدأ راشد الغنوشي توجهه للطبقات الاجتماعية في تونس بعد ثورة 14 جانفي بمخاطبة المستثمرين في صفاقس يوم 09 أفريل الماضي ثم يكمل المهمة في الحمامات و نابل مع أصحاب النزل و يتوجها بزيارات و تطمينات لتركيا و فرنسا؟ ما الذي ينتظر العمال من الحركة السلفية أكثر من "اعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" و الأعمال" الخيرية الاجتماعية" التي ستوزع على المستضعفين بعض فتات الصدقات؟ "دعم العمل النقابي بما يضمن استقلاله وقدرته على تحقيق التحرر الوطني بجميع أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية." يوهم السلفيون المال بأنهم سيعملون على تحقيق استقلالية العمل النقابي و لكنهم أثبتوا في المرة الوحيدة التي مارسوا فيها العمل النقابي إنهم آخر من يتحدث عن الاستقلال. فعندما أسسوا "الاتحاد العام التونسي للطلبة" في مواجهة "الاتحاد العام لطلبة تونس" جعلوا منه منظمة إسلامية تابعة للنهضة تماما. والعمل النقابي مهمته إذن هي "تحقيق التحرر الوطني بجميع أبعاده" " و ليس المساعدة في تحرير العمال من الاستغلال الذي يمارسه ضدهم "المترفون المستكبرون". إنها ازدواجية الخطاب لأن العمل النقابي في الفكر الأصولي مرفوض أصلا عند البعض فهل يطلب إسلاميونا من السعودية حليفتهم أن تسمح للعمال السعوديين و الأجانب بالحرية النقابية حتى نصدقهم و هل يفعلون نفس الشيء مع إيران و حماس حتى نطمئن لهم و نصدق ما يحضرونه للعمل النقابي في تونس؟ "اعتماد التصور الشمولي للإسلام، والتزام العمل السياسي بعيدا عن اللائكية والانتهازية." هكذا كان الإسلام الأصولي على حقيقته " الإسلام الشمولي" البعيد عن اللائكية و الانتهازية – و هذا مفهوم تماما- و لكن هذا كان سنة 1981 فماذا يفعل الإسلاميون الآن؟ إنهم لازالوا يحاربون العلمانية طبعا أما الانتهازية فأمر آخر. إنهم يدعون الآن إلى "تحييد المساجد" عن السياسة و يقبلون غير المحجبات في صفوفهم كما يقولون.و يريدون "تحريم الخمر بالتدريج كما فعل الرسول" و ليس لهم مشكل مع السياحة ( على شرط عزل السياح في غيتوهات تسمح بالعراء و الخمر بعيدا عن المسلمين على ما يبدو ) و سيكتفون بالدعوة لتكوين بنوك إسلامية إلى جانب البنوك الربوية فقط …الخ. فهل هذه انتهازية أم لا؟ هل هي "التقية" الشيعية و قد أصبحت سنية أم هي سياسة "التمسكن حتى التمكن" الانتهازية بامتياز؟ - تحرير الضمير المسلم من الانهزام الحضاري إزاء الغرب"." هذا مفهوم طبعا و لكن من أجل ماذا ؟ ليس من أجل الحوار و التعايش بالطبع – إلا تكتيكيا- بل من أجل الانتصار الحضاري على الغرب كما سيقول الإسلاميون "غير الانتهازيين" . ألم نقرأ منذ قليل في أول البيان التأسيسي حول " بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغربي والعربي والعالمي حتى يتم إنقاذ شعوبناوالبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلط دولي." إن تحرير الضمير المسلم من الانهزام الحضاري إزاء الغرب ما هو إلا المرحلة النفسية و الفكرية التحضيرية الأولى للانتصار" السياسي و الحضاري" على الغرب لإنقاذ البشرية جمعاء من "التسلط الدولي" الغربي و تعويضه "بالكيان السياسي و الحضاري" للإسلام. هذه هي التعبئة النفسية السلفية المهيأة للفتوحات الإسلامية القادمة التي لابد أن تقع لان الصراع بين الحضارات حتمي عند السلفيين. - "بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائدي والموضوعي مغربيا وعربيا وإسلاميا وضمن عالم المستضعفين عامة." لنلاحظ أولا عبارة " لنظام الحكم الإسلامي" جيدا لأنها جوهر مطالب الحركة الإسلامية السياسي و المجتمعي العام. إن حزب النهضة مازال يتبنى بيانا تأسيسيا يهدف إلى تحقيقالحكم الإسلامي بعد الثورة الديمقراطية التونسية. من ناحية ثانية لا بد من الوقوف عند عبارة "البلورة"( ثم تليها عبارة "تجسيم") التي تدل ظاهريا على عدم وضوح الرؤية بعد و لكنها قد تستعمل لأغراض تكتيكية بترك الصيغة ضبابية تحسبا للتفاعل الزئبقي الانتهازي مع الصراعات السياسية و مع القوانين سارية المفعول في البلاد في انتظار" التجسيم". وثالثا – وهنا ندخل في نقاش المحتوى- نتساءل ماذا يمكن أن تعني عبارات "إطارها التاريخي و العقائدي و الموضوعي"؟ -عقائديا: المعروف و الثابت ان الحركات الإسلامية تؤكد على مصطلح الشورى عند تناولها " لنظام الحكم الإسلامي" و المعروف "عقائديا" أن القرآن احتوى هذه العبارة مرتين فقط ( و شاورهم في الأمر، آل عمران 159) و ( وأمرهم شورى بينهم،الشورى 38) و لم يرتبط ذلك بشكل صريح بتحديد "نظام الحكم الإسلامي" مما جعل شيوخا أجلاء مثل علي عبد الرازق (في كتابه "الإسلام و أصول الحكم") ينفي أن يكون هنالك تماما شكل من نظام الحكم الإسلامي يمكن وصفه بأنه "معطى عقائدي". - تاريخيا: إذا أخذنا مرحلة حكم الرسول سوف نجد مشكلة كبيرة نظرا لعدم قابليتها للقياس التاريخي بحيث نبلور منها صورة عن نظام الحكم إلا إذا اعتبرنا زعماء الحركة الإسلامية رسلا جددا تضاهي مكانتهم " كعلماء" مكانة الأنبياء… وهذا ما يسقط فيه بعضهم تقريبا. إن الرسول كان في نفس الوقت مشرعا و منفذا و قاضيا يدمج بين السلطات الثلاث و إن مرحلة الرسول تميزت بلعبه دور الحاكم و الواسطة مع الله من خلال الوحي و هذا ما جعل مساحة الشورى في عهده محدودة في ميادين ضيقة عسكرية بالأساس بل ولقد ترك الخوض أصلا في بعض المسائل كما يدل على ذلك "حديث النخيل" الذي يروى فيه قوله الشهير "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". إذا أراد الإسلاميون القياس على هذه المرحلة فسوف يصبح خليفتهم "نصف نبي" تقريبا دون أن يشعروا بذلك و مهما كان حسن النوايا.و إذا كان بعض الشيعة ينظر لذلك صراحة فان السنة المتطرفين قد ينزلقون بذات الاتجاه لاعتبارات سياسية سواء عن وعي أو عن غير وعي. كما انه يمكن الجزم تقريبا ان الرسول كان أول من فتح الباب أما درجة من العلمنة في السياسة الإسلامية عندما أقدم قبيل موته علي تعيين أي بكر للصلاة بالمسلمين في حينانه لم يعين خليفة و لم يكلف شخصا أو مجموعة بعينها لحسم المسألة من بعده. و لكن المسلمين من الصحابة – و الرسول لازال مسجى- اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لبحث الأمر وكأنهم عادوا إلى التقليد القرشي القديم بالتفريق بين العبادة في الحرم- الصلاة في المسجد- و السياسة في دار الندوة- سقيفة بني ساعدة- مع كل الفروق بين الوضعين التاريخيين و الدينيين طبعا. أما بعد وفاة الرسول - في عهود الخلفاء- فلقد وضحنا سابقا انه لم يوجد تصور واحد عن الشورى عند الخلفاء الذين مات ثلاثة منهم مقتولين على أيدي مسلمين لأساب سياسية – دينية و يمكن توضيح و تلخيص المسألة أكثر من أجل حسمها بالتذكير بما ينسب للإمام علي في" نهج البلاغة" في خطبته المسماة بالشقشقية اذ قال : " أما والله لقد تقمصها فلان(أبو بكر)و انه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى(…) حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده( يقصد عمر)(…)فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها( في إشارة إلى عجرفة و صعوبة طبع عمر)(…)حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة (يقصد نفسه و عثمان و طلحة و الزبير وعبد الرحمان بن عوف و سعد بن أبي وقاص) زعم أني أحدهم فيا لله و للشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن الى هذه النظائر (…) وقام معه بنو أبيه( يقصد عثمان) يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتلهو أجهز عليه عمله و كبت به بطنته فما راعني إلا و الناس كعرف الضبع إلي…" ( نهج البلاغة.الشريف الرضي تحقيق محمد عبده ،ص 68/72). إن التاريخ لا يسعف الحركة الإسلامية بل يزيد من مشاكلها إلا إذا كانت الأهداف السياسية للحركة و لزعمائها الكلمة الفصل بعيدا عن العقيدة وخاصة عن التاريخ كما بينه القدامى مثل الطبري و المحدثين مثل هشام جعيط و غيرهم. موضوعيا: أما "الإطار الموضوعي" عند بلورة و تجسيم الصورة المعاصرة للحكم الإسلامي فالمقصود به -على الأرجح- موازين القوى السياسية و الظروف الداخلية و العالمية المحيطة بالحركة الإسلامية في سعيها نحو الحكم. أن هذه المسألة هي أم المسائل عند الإسلاميين "الوسطيين " البراغماتيين فهم يتلونون كما يجب حتى التمكن من الحكم و هم مستعدون للتأقلم النسبي مع الواقع الموضوعي مما يضطرهم أحيانا إلى "الانتهازية السياسية" التي يدعون مقاومتها لكنهم عند لحظة القوة يغلبون "العقائدي" (أو ما يزعمون انه كذلك) على التاريخي و الموضوعي وهذه مشكلة السلفية بشكل عام فهي عقائدية شمولية و تريد أن تخضع التاريخ الماضي و الحاضر الموضوعي إلى العقائد الذاتية المنغلقة على الواقع و على التاريخ. . توثيق علاقات الأخوة والتعاون مع المسلمين كافة: في تونس وعلى صعيد المغرب والعالم الإسلامي كله. ولم الأخوة والتعاون مع المسلمين فقط ؟ لماذا لا تقبل حركة النهضة الأخوة الإنسانية و تكتفيبالأخوة الإسلامية؟ و لماذا لا تقبل بالتعاون الدولي عموما بدل الاقتصار علىالتعاون مع المسلمين؟ هنا نعود من جديد إلى مفهوم "الكيان السياسي و الحضاري للإسلام" و ضرورة صراعه و حربه مع الآخر في التصور السلفي. هنا يحدد الإسلاميون بوضوح إخوانهم وأعداءهم و يهددون البلاد بالدخول في صراعات دينية سياسية مع من هو غير مسلم في العالم و أي مسلم؟ انه المسلم صاحب "التعامل الصادق و المسؤول" فقط و ليس من " يرتدي براقع التدين" مهما رفع "من رايات الإسلام". إن السياسة الخارجية لتونس ستكون سياسة محورها الأخوة و التعاون مع المسلمين و العداوة والصراع و الحرب ضد غير المسلمين. - دعم ومناصرة حركات التحرر في العالم. أي دعم و مناصرة و أي تحرر؟ الأرجح انه سوف يكون بمعنى دعم حركات التحرر التي تقودها الحركات الإسلامية لا غير. أما عندما تكون حركات التحرر منضوية في تنظيمات "غير إسلامية" فسوف يتعاملون معها كما تتعامل حماس مع منظمة التحرير الفلسطينية أي رفضها بسبب "طبيعتها الدينية" بدعوى مثلا أنها علمانية و ليس نقدها – أو حتى رفضها- بسبب مواقفها السياسية من مسائل التحرر الوطني أو القومي أو الإنساني. *** هذا هو البيان التأسيسي لحركة النهضة في تونس و الذي لا تزال تعتمده في عملها و تنشره في كل مواقعها الالكترونية بعد ثورة 14 جانفي 2011 الديمقراطية.و إن أفضل ما نختم به النقد لهذا البيان هو ما يلي: أعيدوا قراءة البيان الذي حرصنا على عرضه كاملا في هذا المقال و سوف تلاحظون غياب الكلمات التالية فيه غيابا مطلقا : الديمقراطية، الجمهورية، الدستور، فصل السلطات، استقلال القضاء، سيادة الشعب، المساواة أمام القانون و القضاء، المساواة في الحقوق والحريات و الواجبات، حقوق وحريات المرأة ، حرية المعتقد . تكفي هذه المصطلحات /المبادئ العشر وإذا كان" اللبيب من الإشارة يفهم" فهذه إشارات عشر. 3- القانون الأساسي لحركة النهضة: السلفية و ديباجة الحلي و الحلل الديمقراطية. " يلقاك بالماء النمير الفتى وفي ضمير النفس نار تتقد يعطيك لفظا لينا مسه ومثل حد السيف ما يعتقد " أبو العلاء المعري نعرض في هذا القسم الجزء الأساسي من" القانون الأساسي" لحركة النهضة و المتمثل في" نص ديباجة القانون الأساسي الذي تقدمت به حركة النهضة لوزارة الداخلية مرتين بعد 7 نوفمبر 1987 والذي لاقى الرفض مرتين." إن هذا النص دليل- كما سنرى- على ازدواجية الخطاب التي تؤدي إلى انفصام بين المعلن من الخطاب و الممارسة السياسية الفعلية لحركة النهضة. سنقدم "الديباجة " كاملة في البداية حرصا-مرة أخرى- على الأمانة السياسية و العلمية و لكننا لن نعلق هذه المرة على الفقرات أولا بأول بل سنقدم بعد العرض ملاحظات و تعليقات موجزة تجنبا للتكرار و تركيزا على الأهم. إليكم الديباجة كاملة كما هي موجودة في المواقع الالكترونية التابعة للحركة و جريدة "الفجر" الناطقة باسمها و نذكر بانتغميق أو تشديد الكلمات في البيان التأسيسي و القانون الأساسي من فعلنا نحن و ليس واردا في النص الأصلي:
( نص الديباجة) "النهضة: مشروع حضاري لقد آلت الصيرورة التاريخية الحديثة لبلاد العرب والمسلمين إلى صياغة أنماط من الاجتماع لئن اختلفت أشكالها من بلد إلى آخر، فإنها تبقى في معظمها محافظة على سمات أساسية مشتركة أبرزها المفاصلة مع الهوية الثقافية للأمة، وسلب إرادة الشعوب وحرمانها من حق التمتع المشروع بثرواتها في كنف العدالة، والتفريط في وحدة الأمة وعزها واستقلالها عن دوائر النفوذ الأجنبية.. وإذا كان لهذه الأوضاع أسبابها التاريخية داخليا وخارجيا فإن لأنظمة الحكم الأحادية ـ باختلاف أشكالها ـ أثرا كبيرا في ترسيخ هذه الأوضاع نتيجة استلابها الثقافي واستهتارها بقيمة الحرية وانتهاكها لحقوق الإنسان… بيد أن تراكم تجارب الفكر والواقع في سياق تدافع التيارات والقوى على امتداد الزمن قد أثمر وعيا شعبيا بحقيقة أزمتنا الحضارية في مختلف أبعادها الاجتماعية والسياسية. وكان قوام هذا الوعي الجديد إصرار على إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية في الضمير وفي الواقع، واعتماد منهاج سياسي يكفل الحريات العامة وحقوق المواطنة المادية والمعنوية. وقد جاءت مساندة الشعب التونسي لمبادئ 7 نوفمبر 1987 معبرة عن أحد مظاهر هذا الوعي في بلادنا، على اعتبار أن المبادئ الديمقراطية والحضارية التي تضمنها ذلك البيان هي حصيلة سياق من الوعي جسدته نضالات شعبية ووطنية استمرت عقودا وعرفت أوجها بالتصدي لطغيان الحكم الفردي سنة 1987. ويتنزل الإعلان عن "حركة النهضة" ضمن هذا الإطار العام حيث أن مناضلي هذه الحركة ليسو نكرات في تاريخ بلادهم المعاصر، فلقد انسلكوا في تيار الصحوة الثقافية والنضال منذ سنين فكانت حركة الاتجاه الإسلامي التي شكلوها سنة 1981 كتطور للجماعة الإسلامية التي ظهرت في السبعينات إضافة نوعية في المجتمع التونسي ودعما لقوى الحرية والنهضة والتوحد في الأمة. وظل المشروع الذي يحملونه يتشكل في صيغ تدريجية بتفاعل بنّاء مع مكونات واقعنا مستجيبا لمستلزمات أصالة الروح وحداثة الفكر وفعالية الوسائل وبناء على القناعة المبدئية بقداسة قيمة الحرية في ذاتها، على اعتبار أنها مناط تكريم الإنسان، فضلا عن كون مناخ الحريات العامة والتعددية السياسية هو أفضل إطار لحل مشاكلنا الاجتماعية والتصدي لكل التحديات التي تواجهنا وحرصا على ترسيخ دورة التحول الديمقراطي الذي تشهد بدايته بلادنا في هذه المرحلة، آثرنا التفاعل الإيجابي مع معطيات الواقع السياسي الجديد ما يستتبع من تكيف مع قانون الأحزاب، علما بأننا بقدر ما نحرص على أن يكون القانون هو أساس الدولة والحكم العدل بين أبناء البلد الواحد بقدر ما نلح على ضرورة تطويره بما يستجيب لمصلحة البلاد العليا، ولطموحات شعبنا المشروع في الحرية والعدالة والكرامة.. إن إقدامنا على تغيير الاسم وما يستتبعه على بقية المستويات لا يعني أن اسم حركة الاتجاه الإسلامي قاصر عن تحقيق المراد وأن المطالبة بتقنين وجودنا ليست نابعة من رغبة في إضافة رقم جديد إلى قائمة الأحزاب السياسية المسموح بها بل إن كل ذلك ينبع من تقدير واع لمصلحة البلاد العليا وتضحية كبيرة لدعم التمشي الفعلي نحو ترسيخ قواعد الاجتماع المدني عن طريق هيكلة التشكيلات الاجتماعية والسياسية ضمن أطر القانون، حتى تستفيد بلادنا من آراء وجهود كل أبنائها ويتحصن مجتمعنا من أسباب التفكك المخل ومن الهزات التي قد تنشأ عن احتكار السلطة وإقصاء المخالفين أو استثناء البعض منهم والدفع بهم نحو العمل السري واستنباط الحلول اليائسة.. وإذن، فإن الإعلان عن "حركة النهضة" هو ترجمان لشعور كل مناضليها بمسؤوليتهم الوطنية إزاء مشروع التغيير، وحرصهم على نجاحه في ترسيخ أسس المجتمع المدني وقواعد العمل الديمقراطي والقسط بين الناس. وسيتجلى تجسيد هذه المسؤولية في دعم كل مبادرة ديمقراطية وكل .خطوة يتمكن الشعب عبرها من التعبير الحر عن إرادته وتحديد مصيره وحياته.. وإن إدراكنا لحقيقة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا يجعلنا نلح على ضرورة تلازم الحل السياسي مع الحل الاجتماعي والاقتصادي إذ لا معنى للديمقراطية في تصورنا ما لم تكن ذات مضمون اجتماعي عماده تمكين جميع المواطنين من حقهم في الصحة والتعليم والشغل والعيش الكريم والحياة ضمن بيئة تضبطها قيمنا الأصيلة بما يحرر الإنسان عامة من عبودية الفاقة ومآسي الجهالة والمرض والرذيلة، وبما يحرر المرأة بشكل خاص من العوائق التي تعطل فعلها الاجتماعي والحضاري.. ولما كانت التشكيلات السياسية القائمة، رغم تقديرنا لها، لا تسع برامجنا ولا تنسجم بالضرورة مع خصوصيتنا الفكرية، رأينا الانتظام ضمن حركة نأمل أن توفر الإطار المناسب لاستيعاب دائرة أوسع ممن يشاركوننا التوجه الفكري السياسي، واخترنا لها عنوانا لا يخلو من خلفية فكرية: حيث أن تقويما مركزا لطبيعة المرحلة التي نعيشها ينتهي بنا إلى اعتبار أن الإشكالية الأساسية التي تواجهنا هي إشكالية نهضوية تتجاوز حدود الحسابات السياسية ورسم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإن قصور عديد خطط التنمية عن صياغة مجتمع جديد قوي ومتقدم مرده إلى عدم استناد تلك الخطط إلى أساس نظري وإلى واقع حضاري يجمعان شروط النهضة الشاملة على الصعيد الفكري والإنساني. وإننا على تمام الاقتناع بأن مشروع النهضة في أمتنا الذي بدأ يتبلور على يد علمائها ومجاهديها في أعقاب عصور الانحطاط معبرا عن آمالها في استعادة عزتها ومتفاعلا مع همومها وتحديات العصر، إن هذا المشروع لم يتحقق بعد، بمعنى أنه لم يفلح في صياغة كيان وطني يحقق ذاته ويحفظ مصالحه ويتميز بقيمه ويشع في العالم المعاصر ورغم إيماننا بأن إنجاز مشروع النهضة هو مهمة كلالأمة بكافة قواها الاجتماعية وتياراتها الفكرية والسياسية، فإننا نعتبر أنفسنا قوة أساسية للإسهام في تحقيق هذا المشروع الذي لنا في شأنه مقاربة نظرية وعملية متميزةتضع نفسها ضمن مقاربات أخرى مختلفة وأحيانا متصارعة، سبق أن عبرت عن نفسها، وأخرى قد تكون في طور التشكيل، وإن ما يميز مقاربتنا لمشروع النهضة قناعتنا بأنه لن يمتلك مقومات الفعالية إلا إذا انطلق من الذات الثقافية عبر قراءة جادة للتراث، وإذا ما توفرت له القاعدة الاجتماعية والإطار السياسي. إننا باختصار حركة سياسية تحرص على إبراز العمق الحضاري للفعل السياسي بالتواصل مع ثمارات النهضة والإصلاح في أمتنا وباعتماد الحوار داخل محيطنا الثقافي والوطني وبالتفاعل مع الحضارات الأخرى إيمانا منا بوحدة المصير الإنساني.. هذه حركة النهضة في أبعادها تشق طريقها متكلة على ربها عز وجل، واثقة في دينها وفي أمتها على العطاء والإبداع آملة أن تقدم إسهاماتها في تحقيق دنيا سعيدة وآخرة أسعد للناس كل الناس، في الأرض كل الأرض والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. حركة النهضة الباب الأول: التأسيس والأهداف الفصل الأول تكوّن بين المواطنين التونسيين الذين صادقوا أو سيصادقون على هذا القانون والمؤمنين بالأهداف التي سيتم تعدادها ولمدة غير محدودة حزب أطلق عليه أسم "حركة النهضة" وهو خاضع للقانون الصادر في 3 ماي 1988 والأحكام الآتي ذكرها الفصل الثاني: الأهداف تناضل حركة النهضة من أجل الإسهام في تحقيق الأهداف التالية: أ ـ المجال السياسي دعم النظام الجمهوري وأسسه وصيانة المجتمع المدنيوتحقيق مبدأ سيادة الشعب وتكريس الشورى. تحقيق الحرية باعتبارها قيمة محورية تجسد معنى تكريم الله للخلق وذلك بدعم الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسانوتأكيد مبدأ استقلال القضاء وحياد الإدارة إقامة سياسة خارجية تنبني على عز البلاد ووحدتها واستقلالها من كل نفوذ وفي كل المستويات وإقامة العلاقات الدولية وفق مبادئ عدم الانحياز الإيجابي والاحترام المتبادل وحق الشعوب في تقرير مصيرها والعدل والمساواة. دعم التعاون والتعاضد بين الأقطار العربية والإسلامية والعمل من أجل تكافلها ووحدتها إشاعة روح الوحدة العربية والإسلامية والتوعية بقضايا الأمة الأساسية حتى يوضع حد لحالة التنافر والانفصال والتجزئة وتركز الجهود على قضايانا المصيرية والنضال من أجل تحقيق الوحدة الشاملة ودعم كل الخطوات الجادة على دربها وإيلاء أهمية كبرىلوحدة أقطار المغرب العربي. النضال من أجل تحرير فلسطين واعتباره مهمة مركزية وواجبا تقتضيه ضرورة التصدي للهجمة الصهيونية الاستعمارية التي زرعت في قلب الوطن كيانا دخيلا يشكل عائقا دون الوحدة ويعكس صورة للصراع الحضاري بين أمتنا وأعدائها. دعم قضايا التحرر في المنطقة العربية والوطن الإسلامي والعالم كافة والكفاح ضد سياسات الاستعمار والميز في أفغانستان وارتيريا وجنوب أفريقيا وغيرها والتضامن مع سائر الشعوب المستضعفة من أجل التحرر ومناهضة الأوضاع المؤسسة على الظلم والاضطهاد العمل على تطوير التعاون مع البلدان الأفريقية واعتباره توجها استراتيجيا لبلادنا والعمل على تحييد حوض البحر الأبيض المتوسط عن صراع قوى الهيمنة لإزالة أسباب التوتر فيه والإسهام في إرساء علاقات تعارف وتعاون بين الشعوب من أجل دعم السلم العالمي المقام على العدل. ب ـ المجال الاقتصادي بناء اقتصاد وطني قوي مندمج يعتمد أساس على إمكانياتنا ويحقق الاكتفاء الذاتي ويسد الحاجات الأساسية ويقيم التوازن بين الجهات ويسهم في تحقيق التكامل والاندماج مغاربيا وعربيا وإسلاميا. تحقيق التكامل والتوازن بين القطاعات الوطنية: العام والخاص والتعاوني بما يخدم المصلحة العامة. التأكيد على أن العمل هو أصل التكسب وشرط النهضة، وهو حق وواجب، والسعي إلى بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة بالبلاد وفقا لمبدأ: الرجل وبلاؤه، الرجل وحاجته - بما يعني حق كل فرد في التمتع بثمار جهده في حدود مصلحة الجماعة، وفي الحصول على حاجته في كل الأحوال - والقضاء على الفوارق المبنية على الاستغلال والاكتناز والاحتكار وغير ذلك من طرق غير مشروعة.. ج - العمل الاجتماعي العمل على توفير الخدمات الاجتماعية بما يضمن الكفاية للجميع ويوفر حقهم في الغذاء والصحة والتعليم والسكن وغير ذلك من أساسيات الحياة الكريمة صونا لتماسك المجتمع وتطوره وإطلاقا لطاقات الروح والجمال والإبداع في تناسق بين ضمان الحق وأداء الواجب العمل على دعم كل المنظمات الجماهيرية وحماية وجودها ووحدتها وديمقراطية القرار داخلها واحترام استقلالها حتى تعبر عن حاجات منظوريها وتدافع عن مصالحهم وتساهم في توفير حصانة ضد أي وجه من وجوه الاستبداد مهما كان مأتاه حفظ كيان الأسرة، قوام المجتمع المعافى والعمل على أن تقوم العلاقات داخلها على المودة والرحمة والتكامل والاحترام، وتقديس الرباط الزوجي، وتوفير الظروف الملائمة لرعاية الطفولة تنشئة وإعدادا النهوض بواقع المرأة وتأكيد دورها الإيجابي في الساحة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية حتى تسهم بفاعلية في تنمية المجتمع بمنأى عن التبعية والانحطاط تحقيقا لذاتها وصونا لكرامتها استعلاء على مظاهر الميوعة والتفسخ. رعاية الشباب قلب الأمة النابض وحسن إعداده لمهام النهضة والبناء وفق تربية صالحة، وفتح آفاق مساهمته الفعالة في التنمية الشاملة وتيسير اندماجه في المجتمع وتوفير الشغل له وتشجيع الزواج وتيسيره . العمل على إقامة العلاقات الاجتماعية على أسس المبادئ الحضارية لبلادنا بترشيح القيم والأخلاق الفاضلة حتى تسود المجتمع روح التآخي والتراحم ويتحصن من الآفات د - المجال الثقافي . ترسيخ الهوية العربية الإسلامية وتجذيرها باعتبارها شرطا من شروط النهضة وإحلالها المكانة التي تستحقها تجسيدا لمقتضيات دستور البلاد وقوانينها، واعتبارا لكون الإسلام قيما وحضارة منهج حياة واللغة العربية وعاء للثقافة الوطنية. . توفير المناخ الملائم لنهضة فكرية وعلمية شاملة مقامة على الثابت من أصول الإسلام وعلى مقتضيات الحياة المتطورة بما يضع حدا لحالة الانحطاط والتخلف والتبعية والاغتراب، والسعي إلى إحداث حرية فكرية وثقافية تنويرا للعقل وتهذيبا للذوق والسلوك وتأكيدا لدور تونس الحضاري . اعتماد اللغة العربية في مجالات التعليم والإدارة والثقافة والارتقاء بها لتكون أداة لنهضة حضارية تسهم في توحيد الأمة الإسلاميةوتيسر التفاعل الإيجابي مع ثقافات العالم بعيدا عن روح الانهزام وتحقير الذات والانغلاق. . توفير الشروط الضرورية لتشجيع البحث العلمي والحث عليه وتوقير العلماء والباحثين والمخترعين وإنزالهم المكانة التي يستحقونها إيمانا بأهمية دور العلم في تحقيق نمو البلاد وتدعيم استقلالها وسعيا إلى نهضة معرفية وعلمية حتى تنسجم مع حركة العباد مع نواميس الكون وسنن التاريخ. العمل على تحقيق سياسة إعلامية قوامها احترام حرية التفكير والتعبير وتنمية روح الإبداع والابتكار وتوفير الشروط اللازمة لإيجاد إعلام مستقل ونزيه ومسؤول يساهم في تقدم البلاد ودعم هويتها. تشجيع الآداب والفنون وممارسة الرياضة حتى تؤدي دورها في نشر الفضيلة والدعوة إلى التدبر وضمان سلامة الجسم وتساهم في ترقي الروح ودعم أسس النهضة."
(انتهت الديباجة) *** في العادة يكتفي الناقد باقتطاف المقاطع التي تهمه في النص الذي ينقده للتركيز فقط على النقاط السلبية و لكن أصحاب النص المنقود كثيرا ما يحتجون حول قطع المقتطف من السياق و تناسي جزء من الفقرة أو الجملة و يتهمون الناقد بسوء النية وتعمد التشويه ،الخ. وتجنبا لكل هذا و دون خوف من الاتهام- الذي قد يصدر عن منتقدي الحركة الآخرين- بخدمة الحركة الإسلامية بصورة غير مباشرة نتعمد فعل ذلك حتى لا نترك للنهضويين أي إمكانية للتهرب من نصوصهم. نعود الى محتوى القانون الأساسي و نكتفي بتقديم الملاحظات التالية مع التذكير- كلما رأينا ذلك مناسبا- بمقتطفات من كتاب راشد الغنوشي "مقالات" - الذي صدرت طبعته الثانية في نفس السنة التي صدر فيها القانون الأساسي أي 1988- و هو يحتوي مقالات أصدرها في الصحف التونسية بين سنتي 1972 و 1982 دون تعديل من الكاتب أو أية إشارة إلى تطور لاحق وهي بالتالي ظلت ملزمة له حتى سنة 1988 على الأقل : - أولا: صدر هذا القانون الأساسي بعد وصول بن علي إلى السلطة في 07/11/1987 بهدف الحصول على ترخيص للعمل القانوني ولم يمكن حركة النهضة من ذلك رغم إمضائها على "الميثاق الوطني" في07/11/1988. إن المهم في هذا الباب هو التالي: ماذا كان موقف النهضة منانقلاب بن علي و كيف تم التعبير عنه في "القانون الأساسي"؟ إننا لا نهدف إلى التشهير بالنهضة في مواقفها الأولى من بن علي لأن ذلك لا يقدم بالمسألة في شيء الآن بعد أن أصبحوا لاحقا من بين أكبر ضحاياه . إن ما يهمنا هو النظر في مسألة أهم و هي : ما الذي يبرر ذلك الموقف من بن علي؟ هل هو التعامل المبدئي لحركة تنادي بالتمسك بأصول الإسلام الدينية الثابتة أم هي الانتهازية السياسية؟ عبر القانون الأساسي عن الموقف بالعبارات التالية: " وقد جاءت مساندة الشعب التونسي لمبادئ 7 نوفمبر 1987معبرة عن أحد مظاهر هذا الوعي في بلادنا، على اعتبار أن المبادئ الديمقراطية والحضارية التي تضمنها ذلك البيان هي حصيلة سياق من الوعي جسدته نضالات شعبية ووطنية استمرت عقودا وعرفت أوجها بالتصدي لطغيان الحكم الفردي سنة 1987 " ثم أضاف: " وإذن، فإن الإعلان عن "حركة النهضة" هو ترجمان لشعور كل مناضليها بمسؤوليتهم الوطنية إزاء مشروع التغيير، وحرصهم على نجاحه في ترسيخ أسس المجتمع المدني وقواعد العمل الديمقراطي والقسط بين الناس. وسيتجلى تجسيد هذه المسؤولية في دعم كل مبادرة ديمقراطية وكل .خطوة يتمكن الشعب عبرها من التعبير الحر عن إرادته وتحديد مصيره وحياته." إن ما يهمنا هو التالي: هل ساند الشعب التونسي فعلا مبادئ 7نوفمبر1987 أم إن فئات منه فقط فعلت ذلك مهما كانت عريضة؟ وهل عبر انقلاب 7/11/1987 فعلا عن لحظة"أوج’ نضالات شعبية ووطنية " في "التصدي لطغيان الحكم الفردي"؟ قد يحتج الإسلاميون على هذه الأسئلة بدعوى أنها ترد الآن في 2011 و بعد الإطاحة ببن علي و لكننا نرد عليهم بالتالي: إن أحزابا و تنظيمات سياسية تونسية عديدة من اليسار و القوميين لم تساند "مشروع التغيير" و اعتبرته "انقلابا فرديا" وقتها ورفضت الانخراط فيه و لم تمض على الميثاق الوطني بينما أنتم اعتبرتم "الشعب التونسي" (بكامله ) ساند المشروع لتبرروا لأنفسكم الالتحاق به "باسم الشعب" الذي لم يقل كلمته وقتها في المسألة في انتخابات حرة و نزيهة إذ حتى الانتخابات المزورة لم تحصل إلا في 1989 بينما التحقتم أنتم بسرعة شديدة و أمضيتم على الميثاق الوطني سنة 1988 قبل أن تتم فعلا أية خطوة تهدف إلى استشارة الشعبليتمكن " عبرها من التعبير الحر عن إرادته وتحديد مصيره وحياته." إن انقلاب 7 نوفمبر لم يتم باستشارة شعبية و ان مساندتكم له لم تتم بعد استشارة شعبية و مع ذلك كتبتم عن "مساندة الشعب التونسي لمبادئ 7 نوفمبر". لماذا ساندت حركة النهضة الانقلاب إذن؟ الأكيد أن ذلك لم يتم انطلاقا من "أصول الإسلام الثابتة" بل من سلوك سياسي اعتمد على تقييم ما سوف نرى مدى مبدئيته أو انتهازيته بعد حين. ثانيا: حول تغيير اسم الحركة من "الاتجاه الإسلامي "إلى "النهضة". يمكن تغيير الاسم عند حركة سياسية لثلاثة أسباب عادة إما عندما تغير قناعاتها فتتطور في هذا الاتجاه أو ذالك أو عند تعرضها للضغط و القمع فتضطر إلى تغيير الاسم أو عند انجازها لأهداف كانت ترفعها و تريد تغيير الاسم للشروع في انجاز أهداف جديدة أرقى ربما. لماذا غير "الاتجاه الإسلامي" اسمه يا ترى؟ بالنسبة للاحتمال الأول فهو غير وارد لأن الحركة بقيت حركة سياسية إسلامية. الاحتمال الثاني غير وارد لأن الحركة التي غيرت اسمها فعلت ذلك بعد "التصدي لطغيان الحكم الفردي" وفي ظروف "مبادرة ديمقراطية" جسدها "مشروع التغيير" في 07/11/1987 كما تصف هي الواقع السياسي في البلاد في ديباجة قانونها الأساسي نفسه. الاحتمال الثالث عير وارد لأن حركة النهضة لم تحقق أهدافها في 7/11/1987 بل لم تصل إلى السلطة أصلا. ماذا بقي و الاحتمالات الثلاث المعقولة انتهت؟ يبقى فقط الاعتبار الانتهازي. و مع أي اسم ؟ مع "اسمإسلامي" . الاتجاه الإسلامي يتنازل عن صفة الإسلام - التي ينادي إلى تقديسها- في التسمية لغاية سياسية . يعبر القانون الأساسي عن المسألة بالطريقة التالية: " الإعلان عن "حركة النهضة "(…) تكيف مع قانون الأحزاب (…)إن إقدامنا على تغيير الاسم وما يستتبعه على بقية المستويات لا يعني أن اسم حركة الاتجاه الإسلامي قاصر عن تحقيق المراد وأن المطالبة بتقنين وجودنا ليست نابعة من رغبة في إضافة رقم جديد إلى قائمة الأحزاب السياسية المسموح بها بل إن كل ذلك ينبع من تقدير واع لمصلحة البلاد العليا وتضحية كبيرة لدعم التمشي الفعلي نحو ترسيخ قواعد الاجتماع المدني…" إن تغيير الاسم و ما يستتبعه- و ما يستتبعه هو تغيير البرامج طبعا- هو تكيف مع قانون الأحزاب و هو "تضحية كبيرة لدعم التمشي الفعلي نحو ترسيخ قواعد الاجتماع المدني…" هكذا إذن فالمسألة كلها مسألة تكيف سياسي لا غير و بالتالي هي ليست مسألة مبدئية دينية. كما أن تغيير الاسم – ولاحظوا جيدا التعبير- تضحية كبيرة و لكن لدعم التمشي الفعلي نحو ترسيخ قواعد المجتمع المدني. إن حزب النهضة يفكر كما يلي: اسم الاتجاه الإسلامي هو الاسم الطبيعي لأنه يتطابق مع هدف ترسيخ "الاجتماعالديني" أما تغيير الاسم إلى "حركة النهضة" فهو تضحية و كبيرة من أجل "المجتمع المدني". إن حركة النهضة ليست حركة مبدئية إسلامية و لا مبدئية ديمقراطية و لذلك فهي غيرت اسمها الإسلامي تكيفا مع القانون الوضعي. و تعتقد أنها ضحت باسمها الإسلامي بصفة كبيرة من أجل "المجتمع المدني" و المفترض ان لا يعتبر ذلك تضحية بالنسبة لمن يعتبر الاجتماع المدني غايته الفعلية في إطار دولة ديمقراطية مدنية و ليس دولة دينية. انه ازدواج الخطاب المميز لكل أصناف الانتهازية السياسية و لا شيء غيره . أما بخصوص النهضة كبرنامج عام أو كشعار يرفعه " الاتجاه الإسلامي" فاننا نتعرف عليها إذا عدنا لكتاب الغنوشي "مقالات" . يفسر الغنوشي أسباب انحطاط الحضارة الإسلامية كما يلي: "و لقد ظلت الحضارة الإسلامية في نمو متواصل داخل إطارالفلسفة الإيمانية حتى داخلتها عناصر ثقافية غريبة عنها و نمت فيها فأفقدتها بمرور الزمن أصالتها(…)وكان أفدح تلك العناصر(…) الفلسفة الجبرية (…) في العصر الأموي(…) ولول قيض الله "واصلا" و صحبه (واصل ابن عطاء) يذبون عن الدين جراثيم الانحطاط و الجمود لكان الخطب أفدح (…) ولكن لما كان هجوم الجبريين على العقل و الحرية و الوجود الإنساني بالتالي عاتيا مدمرا استلزم ان يكون رد الفعل الاعتزالي قويا (…) لم يسلم هذا الرد من تطرف و جفاء (…) فانسلخ عنهم رجل حاول التوسط و الاعتدال هوالأشعري(..) واضطر ليبرر موقفه هذا ان يطيح هو و خلفاؤهكالغزالي بمبادئ ثابتة في الكون كما هي ثابتة في كتاب الله(…) فنفض عنها الغبار وطلاها بطلاء من السنة و أغرى بها الناس على أنها لباس التقوى و ما هي والله كذلك (…) إلى عقائد الحلول ووحدة الوجود حيث رفع خافيش الليل : الحلاج وابن سبعين وابن عربي شعار "الفناء" (…)كان الإنسان المسلم (…)أهاب به الشياطين أن يفنى ففنى لأنهم خاطبوه بلغة الإسلام (…) و لم تستطع الجهود الجبارة التي بذلها ثلاثة من الرجال الأفذاذ هم ابن حزم وابن رشد وابن تيمية لتحريك العقل المسلم (…) غير أنهم زرعوا في أرض الإسلام بذور نهضة بدأت براعمها تتفتح في العصر الحديث مع محمد بن عبدالوهاب و الدهلوي و الأفغاني و عبده و البنا و المودودي و سيد قطب رضي الله عنهم…"( مقالات، ص59/60/61) ثم يقول ان النهضة لا بد لها " اذا كنا جادين في تطوير حياتنا في اتجاه حضاري فليس لنا من سبيل الا ربط حاضرنا بماضينا (…) كما يجب تحديد موقفنا من الغرب." ( مقالات ،ص 25) و يخلص إلى أن التعامل مع الحضارة الغربية يجب أن يأمرنا: "1-باستيعاب مكاسبها و خبراتها العلمية و فنونها العملية. 2-برفض قيمها و فلسفتها وآدابها ، وليس الرفض فحسب بلالعداء الشديد لما تحمل من مفاهيم و قيم." (ص 25) إذن فالحضارة الإسلامية من "الدولة الأموية " إلى "محمد بن عبد الوهاب" خرجت عن "الفلسفة الإيمانية" – و لا نعرف عن أية فلسفة يتحدث لأن التفكير الفلسفي العام لاحق و الفلسفة العربية المتبلورة ستنشأ لاحقا مع الكندي - و المطروح من أجل "النهضة" هو استيعاب علوم الغرب و فنونه العملية فقط و رفض القيم و الفلسفة و الآداب الغربية بل معاداتها عداءا شديدا . ان النهضة هي ربط الحاضر بالماضي و العداء الشديد لمفاهيم و قيم الغرب. إنها بالتأكيد لن تكون نهضة علمية و إنسانية و ديمقراطية حديثة بل محافظة و تقليدية ترتبط بالسلف – و أي سلف فمواقف الغنوشي حدية تجاه المتكلمين و الفقهاء و المتصوفة وغيرهم- أكثر مما ترتبط بما أبدعته الإنسانية في العصر الحاضر ليس فقط في العلوم – كما سنعود لذلك- بل في القيم الديمقراطية و الإنسانية الحديثة. ثالثا: حول محتوى القانون الأساسي. إن المتأمل في "القانون الأساسي" يلاحظ الفيض الجارف من المفاهيم و المصطلحات الديمقراطية الحديثة التي تغيب تماما و بالمطلق في "البيان التأسيسي" و هذه مفارقة غريبة ظاهريا إلا أنها سمة الانتهازية السياسية عند الحركة الإسلامية "الوسطية المعتدلة". لكننا نعرف ان وجود هذه المفاهيم و المصطلحات الديمقراطية هو من باب " التكيف" الحربائي- لا غير تقريبا- مع قانون الأحزاب السياسية الذي صدر يوم 03/05/1988 و الذي كتب القانون الأساسي بعده بقليل و قبل نوفمبر 1988 و هو الشهر الذي أمضت حركة النهضة فيه على "الميثاق الوطني" باسمها الجديد. لكن التكيف الانتهازي السياسي لم يفلح في الواقع لأن "البيان التأسيسي " بقي وثيقة رسمية أساسية و لأن "القانون الأساسي" نفسه لم يتخلص من روح البيان التأسيسي السلفية الأصولية إلا شكليا وظل محافظا على روح وثيقة "الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي" لحركة الاتجاه الإسلامي . و لنأخذ على ذلك أمثلة: في المقدمة حيث التحليل العام للواقع بقيت الرؤية الأصولية القائمة على الصراع الحضاري بين المسلمين و غير المسلمين هي السائدة و أضيفت إليها بعض العبارات الديمقراطية مثل: "… وإذا كان لهذه الأوضاع أسبابها التاريخية داخليا وخارجيا فإن لأنظمة الحكم الأحادية ـ باختلاف أشكالها ـ أثرا كبيرا في ترسيخ هذه الأوضاع نتيجة استلابها الثقافي واستهتارها بقيمة الحرية وانتهاكها لحقوق الإنسان…" أو " على إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية في الضمير وفي الواقع، واعتماد منهاج سياسي يكفل الحريات العامة وحقوق المواطنة المادية والمعنوية." لكن اعتبار الديمقراطية مجرد " منهاج سياسي" يوحي بوضوح إلى الهدف المضمر الذي سيساعد "المنهاج" على الوصول إليه: انه "النظام الإسلامي". في الميدان السياسي الداخلي: ورد في" البيان التأسيسي" ما يلي: "بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائدي والموضوعي مغربيا وعربيا وإسلاميا وضمن عالم المستضعفين عامة." بينما ورد في "القانون الأساسي" دعم النظام الجمهوري وأسسه وصيانةالمجتمع المدني وتحقيق مبدأ سيادة الشعب وتكريس الشورى." و "تحقيق الحرية باعتبارها قيمة محورية تجسد معنى تكريم الله للخلق وذلك بدعم الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان وتأكيد مبدأ استقلال القضاء وحياد الإدارة". فهل النظام الجمهوري هو "الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي"؟ أم انه النظام الأمثل الذي يسمح بالتكيف من أجل المرور إلى "نظام الحكم الإسلامي"، الذي قد يمر أيضا من باب التكيف بشعار"الجمهورية الإسلامية". هل المطلوب الدفاع عن الجمهورية الديمقراطية المدنية أم الجمهورية الإسلامية؟ ما دام النظام الإسلامي المعاصر لا بد أن يطرح القضايا" في إطارها التاريخي والعقائدي والموضوعي" على الطريقة السلفية كما ورد في البيان التأسيسي فان عبارة " دعم النظام الجمهوري" ما هي إلا تكيف وقتي من أجل تحويل الجمهورية إلى "جمهورية إسلامية" في الوقت الذي قامت فيه الثورة التونسية من أجل الجمهورية الديمقراطية الحديثة و المدنية. إن ما يدل على هذا في القانون الأساسي هي العبارات التالية: "ورغم إيماننا بأن إنجاز مشروع النهضة هو مهمة كل الأمة بكافة قواها الاجتماعية وتياراتها الفكرية والسياسية، فإننا نعتبر أنفسنا قوة أساسية للإسهام في تحقيق هذا المشروع الذي لنا في شأنهمقاربة نظرية وعملية متميزة تضع نفسها ضمن مقاربات أخرى مختلفة وأحيانا متصارعة، سبق أن عبرت عن نفسها، وأخرى قد تكون في طور التشكيل، وإن ما يميز مقاربتنا لمشروع النهضة قناعتنا بأنه لن يمتلك مقومات الفعالية إلا إذا انطلق من الذات الثقافية عبر قراءة جادة للتراث، وإذا ما توفرت له القاعدة الاجتماعية والإطار السياسي". يدعي النهضويون من ناحية إن مفهوم النهضة يتطلب مشاركة الجميع و لكن يستدركون قائلين إنهم "القوة الأساسية" التي ستفعل ذلك بسبب تميز مقاربتهم -دون سواها- بقدرتها على الانطلاق "من الذات الثقافية" و توفير" القاعدة الاجتماعية و الإطار السياسي" و هذا وعد مضمر بتحويل الجمهورية إلى دولة إسلامية. لنر ماذا يقول الغنوشي في نفس السنة في كتاب مقالات الذي يحتوي مقالات قديمة لكن أعيد إصدارها سنة1988 في الطبعة الثانية ونكرر انه لم يقم المؤلف بأي تصويب أو تنسيب لآرائه إذا كانت قد و قع تجاوزها. يقول مثلا وهو يعرف "مصطلح الحركة الإسلامية المعاصرة" الذي تندرج ضمنه "حركة النهضة " إنها تتميز ب: " …فهمها الشمولي في نظرتها للإسلام و موقفها الحركي في إقامة مجتمع إسلامي على أساس هذا التصور الشامل عن طريقإقامة تنظيم يعمل على إنشاء دولة إسلامية…" (ص91) إذن فليست الجمهورية الديمقراطية هي الهدف بل " الدولة الإسلامية". إن رفع الشعار الجمهوري يناقض مبدئيا الدولة الإسلامية لأن الجمهورية الديمقراطية نظام مدني بينما الغنوشي يرى: " إن الدولة في الإسلام يجب أن تكون خادمة للدين قائمة على حراسته و تنفيذ أمره ورفع كلمته في الدنيا …وبالتالي ليس جريمة أن تكون للمسلم غايات سياسية فهو يصر على أن لا يحكم الا بالإسلام…"(ص 115) وبذلك فان التصريح بالتمسك بالجمهورية يدخل ضمن المبدأ التالي: "كل ما في الأمر أن تكون مشاركته السياسية ( المسلم) مندرجة ضمن الإطار الأخلاقي و الدستوري للبلاد."(ص115) ولكن هل هذه المشاركة السياسية ستضل دائما ضمن الإطار الأخلاقي و الدستوري الجمهوري؟ و ماذا عن "الدولة الإسلامية"؟ يذكر الغنوشي برفض الرسول تزكية النفس للمناصب السياسية تجنبا للوصولية و الانتهازية لكنه يستنتج منها أمرا غريبا. يقول الغنوشي مثلا: " ومن ثم لا مجال في المجتمع الإسلامي للحملات الانتخابيةيخوضها الزعماء "فلا تزكوا أنفسكم"و إنما الأمة هي التي تزكي وترشح من تراه كفؤا."(ص141) يبدو إذن أن النهضة تحلم بالعودة إلى نظام البيعة التقليدي إذ أية جمهورية هذه التي سوف يلغى فيها أساس النظام الديمقراطي الحديث الذي هو حق الانتخاب و ما يصحبه من ضرورة القيام بحملات انتخابية من قبل المترشحين؟ كما ان الديمقراطية تفترض النضال السلمي طبعا و لكن ذلك يطرح مشكلا مع مفهوم الجهاد الإسلامي. يقول الغنوشي إن ذلك يرتبط بالظروف التي تعدل من صورة الجهاد المطلوب مثلا: "و الجهاد يتنوع بحسب المرحلة التي تمر بها الدعوة الإسلامية، ففي مرحلة البناء المجتمع الإسلامي أو إعادة بنائه- كما هو حالنا- لا يزيد الجهاد عن مجموعة الأعمال السلمية (…)فاذا رضيت الجماهير في قطاعها العريض تحكيم الإسلام فقامت للإسلام دولته مارست تلك الدولة سيادتها و نفذت أحكام الله فنشرت العدل و منعت الظلم و الاستغلال و الفساد ولو بالقوة. و على اعتبار ان الدولة الإسلامية تقوم على رسالة أممية كان عليها أن تعمل على نشر الإسلام عن طريق " البلاغ المبين" فإذا قامت في طريق الدعاة قوى طاغوتية (…) كان على دولة الإسلام أن تزيح تلك الكيانات المستبدة و لو باستعمال القوة…"(ص176) إذن، قبل الوصول إلى السلطة يرفع الإسلاميون السلم لكن إذا "قامت للإسلام دولته" يصبح بالإمكان استعمال القوة داخليالقمع المعارضة و خارجيا للفتوحات الإسلامية. ويضيف الغنوشي في معرض تحليله للثورة الإيرانية: " اننا لن نقدر على ذلك( تخليص شعوب الإنسانية من عبث اليسار و اليمين) حتى …تقوم للإسلام دولة تحكم العالم بدستور القرآن :دستور التوحيد و العدل و الحرية، و(نجعل) صفنا واحدا يضم كل عامل للإسلام و عدونا واحدا، كل شيطان من الجن و الإنس يكرس الظلم و الطغيان في هذا العالم و أملنا واحدا ، أن نفوز بأرفع وسام علق على صدر بشر:الشهادة…" (ص84) فهل هذا هو النظام الجمهوري يا ترى؟ أما في الجانب الاجتماعي فيمكن تلخيص التصور النهضوي المعادي للمجتمعات الحداثية من خلال موقفه من "النزعة الفردية " إذ يقول بعد التذكير بابن خلدون: " في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة…" (المقدمة) ما يلي: " و ان هذه العقلية الفردية لدى العرب لا تقتصر آثارها السيئة علىالجاهليين من العرب بل تتجاوزهم الى الإسلاميين أنفسهم…"( ص139) و هو بذلك لا ينقد النزعة الفردية بهدف تجاوزها الايجابي بل يعتبرها "جاهلية جديدة" و يطرح "العودة" إلى النزعة الجماعاتية الدينية التقليدية القديمة. ان هذه النزعة سوف تحد من النضالات العمالية و النسوية و الفلاحية و الحقوقية و كل أشكال النضال الاجتماعي المناهضة التمييز الاجتماعي الحديث و لكن للعودة إلى أشكال التنظيم الاجتماعية القديمة و التقليدية لا غير. أما في جانب الحقوق الثقافية داخل الجمهورية ففي مقال " برامج الفلسفة و جيل الضياع" يذكر الغنوشي بموقف ابن خلدون المعادي للفلسفة ويكتب: " الفلسفة تدمير و تخريب…" ( ص12). ثم يشكك حتى في الفلسفة الإسلامية كاتبا : "لست أدري ما ا لهدف من هذه المادة(…)ما الذي يهمنا نحن المسلمون المتخلفون المهزومون …أن نعرف موقف المعتزلة من صفات الله…ثم موقف ابن رشد من الكون…ورأي ابن سينا في النفس و خلودها وموقف الأشعري من الكسب…هل هذه هي المشكلات التي يعانيها شبابنا الآن؟ وهل جاء الإسلام لمثل هذا الجدل العقيم الذي زجت بالعالم الإسلامي في متاهاته أوضاع معينة لا علاقة لنا بها الآن؟ " ثم يخلص الغنوشي إلى القول: "ولذا فاني أقترح أن تعاد هذه الأكفان إلى قبورها …ويستعاضعنها وعن مادة الفلسفة العامة…بمادة واحدة تتولى طرح مشكلاتنا الحقيقية ،المشكلات الخلقية و الجنسية و الاقتصادية و السياسية إلى جانب موقفنا من الكون و مصيره و الإنسان و غايته و الحياة و أهدافها…"(ص12/13) هكذا سيودع التونسيون دراسة الفلسفة على ما يبدو لو نجح النهضويون و لعل مواد أخرى ستعرف نفس المصير و أولها التربية المدنية. و في خصوص الفنون يقول انه لا بد من نموذج أدب إسلامي المحتوى عربي اللغة " …فإننا مهما أجهدنا أنفسنا في البحث عن هذا النموذج للإنسان التونسي فلن نجده بعيدا عن قلبه و لسانه، عن الإسلام عقيدة و منهاجا للحياة و عن العربية لسلنا مبينا و شكلا لمحتواه…" (من مقال "الأدب و الأخلاق"، ص 38) ثم يضيف في مقال " الفكر الإسلامي بين المثالية و الواقعية" حول الفنون: "لا تزال الحركة معرضة عن كثير من الفنون و الآداب كالمسرح السينما و الرسم و الغناء…و التصوير،دون أي محاولة للتنظير وبيان الحد الفاصل بين ما يحل و ما يحرم من الفنون وتحريرها من مضامين الإلحادية المائعة و تجذيرها في تراثنا و قيمنا حتى تغدو سبلا و محاريب لعبادة الله…"(ص187) وللننتظر طبعا ليس التعامل الديمقراطي الجمهوري مع المبدعين و الفنانين على قاعدة حرية الإبداع الفني الحديث والمعاصر بل التحريم و التحليل المستند إلى مبادئ القرن السابع الميلادي مقروءة بتحجر سلفي. و كبداية لكل هذا التصور الفني ها هي جريدة "الفجر" الناطقة بلسان الحركة تغرض علينا بزهاء تجربة "فنانة إسلامية" هي السيدة إيمان الشريف التي قالت في حوار معها بعد تحجبها أنها لن تغني سوى الغناء الديني وفقط أمام النساء و مع عازفات اناث حتى لو عرض عليها ذلك في مسرح قرطاج و للتونسيين أن يستنتجوا من ذلك ما سيلحق الاختلاط بين الجنسين في العمل الفني برمته في الركح و المدرجات و بإمكانهم أن يقيسوا على ذلك في التعليم والصحة و النقل و بقية الميادين حيث صوت المرأة و حضورها جسدا ولباسا ضرورة للعمل أو الإبداع. (جريدة "الفجر" ، الجمعة ،06 ماي2011.) إن النظرة الثقافية للنهضة محكومة بتصورها عن العقل و مكانته و قد عبر الغنوشي عن ذلك قائلا: "" إن العقل أداة فعالة(…) و لكن العقل باعتباره جزءا من الوجود فليس في وسعه أن يحيط علما بهذا الوجود بدءا و نهاية و غاية و مكانة الإنسان فيه و مداه و غايته و منهاج حياته(…) نعم للعقل أن يعرف إن لهذا الوجود مبدءا أول دون تفصيل و أن يعرف ان هذا الإنسان محمدا مرسل و أن هناك حياة بعد الموت أما تفصيل ذلك فهو من مهمة الوحي و كذلك أمر تربية الإنسان و بيان الأسس الضرورية لمنهاج حياته…"(ص57) و بذلك لا يقبل بالنسبية العقلية و تفرض الحركة الإسلامية بالضرورة اطلاقية الوحي- وكأنه لا بد من الإيمان بالمطلق أصلا- و تصبح نسبية العلم نقيصة بدل أن تكون شيمة ايجابية من شيمه تسمح بالتطور و النقد و التجاوز . كما تصبح النسبية و كأنها ريبية بالضرورة مما يتطلب الوثوقية و القطع الديني إذ العقل لا يحق له أن يعرف مبدأ الوجود وبالتالي لا يحق للعلم النقاش لا في أصل الكون و لا في أصل الحياة و لا في أصل الإنسان و المجتمع و كل علوم الفلك و الحياة و التاريخ الإنساني و الباليونطولوجيا و الأنتروبولوجيا تصبح علوما الحادية يجب منعها لأن أصول الأشياء الحقيقية يدل عليه الوحي فقط و لا يحق للعلم العقلي النظر فيهاو لا حتى في "أمر تربية الإنسان و بيان الأسس الضرورية لمنهاج حياته" فتنتهي بذلك كل البحوث العلمية الإنسانية و الاجتماعية من علوم تربية و علم نفس و اجتماع و اقتصاد ….لتتحول إلى "فلسفات اجتماع إيمانية دينية" لا غير. في المستوى القومي العربي تنظر حركة النهضة إلى الحركة الوطنية و القومية كحركة شعوبية وعلمانية - كما قلنا سابقا - و لذلك فهي تخضع النضال الوطني و القومي إلى تصور آخر يرتبط بمفاهيم الوطن و الأمة الإسلاميين. إن حركة النهضة تقترب على مستوى الخطاب المعلن من الخطاب القومي في المراحل الأخيرة وقد بدأ هذا الأمر يتطور منذ بداية التسعينات من القرن الماضي و على المستوى العربي عموما خاصة بعد تأسيس "المؤتمر القومي الإسلامي" لكن الثابت في تفكير الحركات الإسلامية كان قد عبر عنه راشد الغنوشي منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما كتب: "… القومية في العصر الحديث إنما دعا إليها و نشر فكرتها قوم لا ينتمون الى أمة الإسلام بل أكاد أقول لا ينتمون حتى إلى العربو إنما هم من بقايا الصليبيين في الشرق أمثال أنطوان سعادة و اليازجي و ميشال عفلق و عزوري و تلقفها عنهم مسلمون منحرفون أو بسطاء غير واعين لحقيقة الإسلام وكان ظهور القومية العربية مرتبطا بالبرنامج الصهيوني في الشرق..والصهيونية أثارت في بلاد العرب " النعرة القومية العربية (…) و فضلا عن ذلك فان الدعوة القومية دعوة رجعية لا بالنسبة للإسلام فقط الذي يدعو إلى مجتمع عقائدي إنساني بل حتى بالنسبة للعصر…"( ماذا تقول في القومية العربية-مجلة المعرفة- فيفري 1979- ص 19). هكذا فان القوميين العرب من البعثيين – واسم ميشال عفلق واضح الذكر- و الناصريين هم إما ليسوا مسلمين و من بقايا الصليبية و عملاء الصهيونية - أو على الأقل يعملون وفق "البرنامج الصهيوني"- و أما "مسلمون منحرفون أو بسطاء" و دعوتهم "نعرة " رجعية مخالفة للدعوة الإسلامية " العقائدية الإنسانية" و للعصر. إذن عندما نقرأ في "القانون الأساسي" للنهضة عن " إشاعة روح الوحدة العربية والإسلامية والتوعية بقضايا الأمة الأساسية حتى يوضع حد لحالة التنافر والانفصال والتجزئة وتركز الجهود على قضايانا المصيرية والنضال من أجل تحقيق الوحدة الشاملة ودعم كل الخطوات الجادة على دربها وإيلاء أهمية كبرى لوحدة أقطار المغرب العربي." وعن : " دعم التعاون والتعاضد بين الأقطار العربية والإسلامية والعمل من أجل تكافلها ووحدتها" فلا يجب أن نفهم من ذلك ان التعاون الذي تزعم الحركة الإسلامية تحقيقه مع القوميين العرب لتحقيق الوحدة و المقاومة العربية هو تعاون مبدئي بل هو انتهازية سياسية تهدف إلى توظيف طاقات القوميين لصالح الحركة الإسلامية . و الغريب في الأمر ان هذه الحركة توظف أعمال أحفاد عفلق و عبدالناصر رغم اتهامهم بأبشع أصناف النعوت التي تسيء الى عروبتهم و إسلامهم و مسيحيتهم العربية و نضاليتهم القومية و شرفهم الإنساني في نفس الوقت. ويقول الغنوشي في أحد مقالاته أيضا حول اتفاقية كامب دافيد إن: " الصلح مع اليهود ( أخطر ما فيه خطره على ) الحواجز من النفرة من اليهود و النظرة إليهم على أنهم أعداء الله و الإنسانية يفسدون في الأرض حيثما حلوا…" (ص 122). وهذا ما يسبب كارثة إنسانية في العداء المطلق لليهود في العالم دون اعتبار مواقفهم السياسية - بل وحتى الدينية- من الصراع العربي الإسرائيلي ناهيك عن الموقف من اليهود الذين هم مواطنون تونسيون. وبهذا الموقف سوف يعدنا الغنوشي ليس فقط بحرمانهم من المواطنة التونسية بل بإرسالهم غالى فلسطين –هذا إن لم يقتلوا أصلا- التي يزعم انه يريد تحريرها من الصهيونية و من المتاجرين بقضيتها. يقول: " لقد اتخذ شعار تحرير فلسطين مدخلا للتبشير بالقومية العربية و المذاهب الاشتراكية و حتى الدعاية النصرانية بدأت تأخذ نصيبها. أما آن الأوان للقضية أن يتبناها أصحابها و يأخذوها من أيدي المتاجرين بها؟" (ص125) إذن ، القوميون العرب و اليساريون الاشتراكيون العرب و المسيحيون العرب كلهم متاجرون بالقضية الفلسطينية و و حدهم الإسلاميون "أصحاب القضية". للجميع أن يعرف ما انعكاس هذا المنطق على وحدة الشعب الفلسطيني المسلم و المسيحي ووحدة الفصائل الفلسطينية المناضلة من اليسارية إلى القومية إلى الليبرالية إلى الإسلامية وما هي نتائج ذلك على تحرير فلسطين. على المستوى الدولي: رأينا في "البيان التأسيسي" للحركة كيف ان الموقف الأساسي من المسائل الدولية يندرج ضمن المنظور الصراعي بين الحضارات و الأديان و ليس ضمن منظور التعاون و الحوار و التفاعل الإنساني الديمقراطي و لكن مع "القانون الأساسي" تتغير اللغة كثيرا و تقبل الحركة بمفاهيم و مصطلحات جديدة تماما على خطابها السلفي الأصولي فهل ان هذا التغير مبدئي أم انتهازي من باب التكيف؟ عند ذكر القضية الفلسطينية جاء في القانون الأساسي ما يلي: " النضال من أجل تحرير فلسطين واعتباره مهمة مركزية وواجبا تقتضيه ضرورة التصدي للهجمة الصهيونية الاستعمارية التي زرعت في قلب الوطن كيانا دخيلا يشكل عائقا دون الوحدة ويعكس صورة للصراع الحضاري بين أمتنا وأعدائها." و عند ذكر مسألة التعريب قيل : " اعتماد اللغة العربية في مجالات التعليم والإدارة والثقافة والارتقاء بها لتكون أداة لنهضة حضارية تسهم في توحيد الأمة الإسلاميةوتيسر التفاعل الإيجابي مع ثقافات العالم بعيدا عن روح الانهزام وتحقير الذات والانغلاق". أذن ، القضية الفلسطينية تعكس عند النهضة "الصراع الحضاري بين أمتنا و أعدائها" وبالتاي فالرؤية لم تتغير إلا في الشكل فقط أما في الجوهر فإنها لا تزال قائمة على النظر إلى العالم على انه في "صراع حضاري "أساسه الصراع العقائدي الديني بين المسلمين من ناحية و المسيحيين الصليبيين و اليهود و غيرهم من غير المسلمين. لنتذكر ما قاله الغنوشي حول الثورة الإيرانية: " اننا لن نقدر على ذلك( تخليص شعوب الإنسانية من عبث اليسار و اليمين) حتى …تقوم للإسلام دولة تحكم العالم بدستور القرآن :دستور التوحيد و العدل و الحرية، و(نجعل) صفنا واحدا يضم كل عامل للإسلام و عدونا واحدا، كل شيطان من الجن و الإنس يكرس الظلم و الطغيان في هذا العالم و أملنا واحدا ، أن نفوز بأرفع وسام علق على صدر بشر:الشهادة…" (ص84). كما ان التصور النهضوي حتى للعلاقة مع المسلمين من غير العرب فيه تصور استعلائي اذ تعطى للغة العربية مهمة الإسهام في" توحيد الأمة الإسلامية" و ليس الأمة العربية فقط بينما هي فقط "تيسر التفاعل الايجابي مع ثقافات العالم" . إن هذا التصور هو بداية فتح الباب أمام سياسة تعريب المسلمين من غير العرب إذ ان المطروح مع الماليزيين أو الباكستانيين ليس "التفاعل الايجابي مع ثقافاتهم" بل " توحيدهم " مع العرب بواسطة اللغة العربية. و إن هذا يعني ضرورة أن تدرس هذه الأمم غير العربية اللغة العربيةكلغة "واحدة" مع العرب و ليس حتى كلغة ثانية اختيارية. إن هذا التصور السياسي الثقافي نابع من تقديس اللغة العربية من قبل الإسلاميين العرب و استعمالها في التفوق الرمزي المعنوي على المسلمين من غير العرب بسبب ارتباطها بالنص القرآني الذي يبدو ان الحركات الإسلامية لا تؤمن أبدا بإمكانية دراسته و فهمه و تطبيقه انطلاقا من اللغات القومية غير العربية. إن نظرة حركة النهضة الإسلامية الأصولية نظرة تؤدي إلىصدام الحضارات و إلى تذويب الثقافات الخاصة بالمسلمين من غير العرب في الثقافة العربية الإسلاميةكما يفهمها الأصوليون و هي بالتالي قد تؤدي إلى صراعات حتى بين المسلمين أنفسهم على قاعدة اللغة و العناصر الثقافية غير الدينية.و هذا "صليبية مقلوبة " دينيا و استعمار لغوي – ثقافي "عروبي إسلامي" جديدليس فقط لغير المسلمين بل كذلك للمسلمين من غير العرب.
4- راشد الغنوشي : الشيخ السلفي و "الثقافة و السلطة و حقوق الإنسان" الديمقراطية. تمهيد: مقال "الثقافة و السلطة و حقوق الإنسان" هو نص " مداخلة ألقاها الشيخ راشد الغنوشي على منبر المنظمة العربية لحقوق الإنسان –فرع لندن 1994" وكان قد صدر في كتاب له (- مقاربات في العلمانية و المجتمع المدني ، المقاربة السابعة في الموقع الخاص بالشيخ ) و أعاد نشره في صفحة فايسبوكه الرسمية في 5/فيفري/2011 و هو النص الوحيد الجدي الذي ينشره على هذه الصفحة حاليا لأنه – ربما- يناسب حركة النهضة في المرحلة الحالية في تونس و هو يستحق الدراسة الدقيقة لتبيان الازدواج بين السلفية و الديمقراطية في خطاب الشيخ السلفي /الزعيم "الديمقراطي". إن هذا النص مثال آخر على الالتفاف السلفي لشيخ حركة النهضة التونسية على المثقفين و على حقوق الإنسان تمهيدا للوصول إلى السلطة . نبدأ بالتذكير بأمر مهم جدا: إن حركة النهضة حركة سياسية دينية و ليست حركة سياسية ديمقراطية لسبب أساسي و هو أنها تعمل استراتيجيا ليس على تحقيق الدولة الديمقراطية الحديثة بل على تحقيق "الدولة الإسلامية" التي نموذجها النظري و التاريخي هو دولة الخلافة السنية انطلاقا من "التصور الشمولي للإسلام". لكن حركة النهضة تحاول – كغيرها من حركات الإخوان المسلمين- تزيين خطابها السلفي ببعض الشعارات الديمقراطية من باب التكيف حتى الوصول إلى السلطة و تطبيق نموذجها السلفي للحكم . إن الدراسة التي بين أيدينا للشيخ راشد الغنوشي سوف توضح لنا المسألة جيدا خاصة و أنها موجهة إلى المثقفين و المناضلين الحقوقيين العرب و يفترض فيها أن يصل الشيخ السلفي إلى أبعد ما يستطيع من التزين "العلمي" و "الديمقراطي" و هي بالتالي تعطينا صورة عن أقصى ما يمكن أن تصل إليه الحركة السلفية في ازدواج الخطاب و في التضليل دون أن تقدر –بحكم طابعها السلفي- على تغطية الحقيقة الفعلية للمشروع السلفي. -1- يبدأ المقال كما يلي: " قال رسول الله صلى الله عليه وسم: "إذا رأيتم العالم يرتاد السلطان فاتهموه". سأتناول موضوع العلاقة بين الثقافة والسلطة وحقوق الإنسان في اتجاه مقاربة تعتبر حقوق الإنسان جزءالا يتجزأ من ثقافتنا بعيد الغور، وليس بضاعة مستوردة تحتكرها نخبة معينة حفاظا على مكانة أو سلاحا ضد خصم عقائدي.. هل تكون إيديولوجية حقوق الإنسان مشروع لقاء بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية المتصارعة في أمتنا على أرضية مشتركة قدحا لزناد نضال مشترك يستأنف بفعالية أكبر وفي صف موحد الجهاد لتحقيق مهام نهضة أمتنا المعروفة في الاستقلال والتنمية والديمقراطية والوحدة وتحرير فلسطين؟ تلك المهام التي خمدت بسبب نفاد الوقود الذي حركها فانعطفت الأمة إلى مخزونها التاريخي تستصرخه: الإسلام. هل تكون أيديولوجيا حقوق الإنسان مشروع لقاء لخيرين بالأصالة أو بالتوبة من أبناء هذه الأمة لبعث تيار تحرري جديد عارم وأصيل يقتلع الطواغيت من أرضنا ويؤنس ويروض دولة توحشت فالتهمت مجتمعها وأبنائها, فيكون الهدف تحويلها خادما لشعبها ومؤسسة من مؤسساته المدنية، فيستعيد المواطن كرامته المهدورة والشعب قوامته على دولته والمجتمع المدني مركزيته وأهميته بما يؤهل الأمة لاستئناف دورة حضارية جديدة؟ أم أن الدعوة لحقوق الإنسان شعار إقصائي وزينة محافل واحتفاظ بمواقع؟" نلاحظ في هذا المدخل ما يلي: أولا: حقوق الإنسان إيديولوجيا و هي "جزء بعيد الغور" في ثقافتنا و ليس بضاعة مستوردة. ثانيا: إيديولوجيا حقوق الإنسان يمكن أن تكون "مشروع لقاء" لتحويل الدولة إلى مؤسسة مدنية و تطوير المجتمع المدني . ثالثا : لكن نلاحظ ثالثا إن تحقيق هذا الهدف " الدولة المدنية و المجتمع المدني" يتطلب عند الشيخ راشد عودة "الأمة" إلى "مخزونها التاريخي تستصرخه:الإسلام" و" مشروع لقاء لخيرين بالأصالة أو بالتوبة". إن الشيخ راشد يعتبر- من باب التكيف السياسي- إن إيديولوجيا حقوق الإنسان هي جزء بعيد الغور في ثقافتنا الإسلامية و هذا حسب رأينا هو مقدمة التضليل الذي تقوم به الحركات الإسلامية السلفية الأصولية في هذا الموضوع إذ أن ثقافة حقوق الإنسان –بالمعنى الحديث للكلمة- ليست بعيدة الغور لا في الثقافة الإسلامية و لا الغربية على حد السواء بل هي ثقافة حديثة تعود خاصة إلى عصر الثورات الديمقراطية الحديثة في أوروبا ورغم كونها استلهمت مبادئها من التراث الإنساني العميق في كبرى الثقافات الإنسانية ( وهي بذلك ليست بضاعة مستوردة فعلا) فإنها نقلة نوعية حصلت مع حركة الأنسنة الحديثة التي تطورت بعد النهضة الأوروبية أساسا. إن القول بان ثقافة حقوق الإنسان "بعيدة الغور" عندنا هو فتح للمجال من أجل النظر إلى حقوق الإنسان من زاوية تقليدية محافظة تفرغها من محتواها الإنساني الحديث الذي قطع مع التصور المحافظ و الرجعي للإنسان و مكانته في الكون و المجتمع في عصر ما قبل الحداثة. كما إن القول بوجود’ ايدولوجيا حقوق الإنسان’ يجعلنا نتساءل كما يلي: هل الشيخ راشد يؤمن بالايدولوجيا الإسلامية أم بايدولوجيا حقوق الإنسان إذ الفرق بين الحالتين هو الذي يحدد الفارق بين الحركة السلفية المحافظة و الحركة الديمقراطية الحديثة؟ إن الفهم الأكثر بداهة و حيادية لعبارة "إيديولوجيا" هو أنها "نسق منظم من الأفكار" حول الكون و المجتمع و الإنسان فهل إن الشيخ راشد يؤمن بالايدولوجيا الإنسانية أم الإسلامية؟ قطعا هو يؤمن بالثانية و يتعامل مع الأولى فقط من باب الاستيعاب الالتفافي كما سنوضح في الحين. إن عبارة "الخيرين بالأصالة و بالتوبة" لتدل على كل شيء. إن كون "إيديولوجيا حقوق الإنسان’ بعيدة الغور في ثقافتنا الإسلامية يجعل الإسلاميين "خيرين بالأصالة" أما أنصار حقوق الإنسان من الحداثيين فهم "خيرون بالتوبة" فقط و لا خير فيهم كما يبدو إلا إذا نظروا إلى حقوق الإنسان من منظور السلفية و استمعوا للأمة "تستصرخ مخزونها التاريخي : الإسلام." أما إذا لم يفعلوا ذلك فان توبتهم ستكون "غير نصوحة" و سيظلون يروجون "بضاعة مستوردة" و سيصح عليهم التصور السلفي القديم عن تارك الصلاة ( فما بالك بالكافر) الذي" يستتاب فان لم يتب فيقتل".( ابن تيمية، الوصية الكبرى ، دار الجيل بيروت 1991،ص 59.) إن الشيخ راشد يبدو ظاهريا و كأنه من أنصار حقوق الإنسان يريد تأصيلها في "الأمة" و لكنه يفعل ذلك من منظور سلفي أصولي و يقسم المناضلين الحقوقيين وفق العامل الديني بين المسلمين و عير المسلمين و "الأصيلين " و التائبين" وهو بالتاي لا يدعو إلى حقوق الإنسان الكونية بل إلى أسلمتها وفق منظوره السلفي لا غير. -2- يميز الشيخ راشد بين مشروع حقوق الإنسان الذي يؤدي إلى" لقاء الخيرين" من ناحية والمشروع الذي يتحول إلى "شعار إقصائي" ناحية ثانية ثم يضيف: "وحتى يكون التصور الأول لمشروع حقوق الإنسان هو المقصود، لا مناص من تحليل دقيق لعلاقة المثقف بالسلطة وبحقوق الإنسان كمدخل رئيس لتصور دولة ديمقراطية ومجتمع مدني عربي إسلامي حديث منشود على أنقاض ما هو قائم من دولة الأقلية المتوحشة الحداثوية ومجتمع سلطوي علماني قائم.. إننا لا نتحدث عن ثقافة ومثقف وسلطة وحقوق إنسان بمفاهيم فلسفية مجردة عن الزمان والمكان كنسيج متذرر, وإنما يتنزل حديثنا في واقع حضاري عربي إسلامي يتردى في أزمات مركبة، أهم تجلياتهااغتراب الدولة عن الأمة إلى حد التناقض والتصادم وحتى التقاتل، وضياع كرامة المواطن وانهيار بقايا وبدايات المجتمع المدني، واستصراخ الأجنبي للاحتماء به من الجار أو ابن البلد أو من الشعب ذاته، ودعك من الانهيار والإفلاس الاقتصاديين، وزحف الأمية وتراجع الخدمات الاجتماعية وتلوث المحيط، فهي توابع، فضلا عن تنافس بعض النخب والحكام على الانبطاح أمام عتبة الصهيونية والامبريالية الأمريكيةالتي حوّل بعض اليساريين التائبين قبلتهم إليها.". هكذا إذن يوجد مشروعان حسب الشيخ : الأول يوحد الخيرين "بالأصالة و بالتوبة" و هدفه " دولة ديمقراطية ومجتمع مدني عربي إسلامي حديث منشود على أنقاض ما هو قائم من دولة الأقلية المتوحشة الحداثوية ومجتمع سلطوي علماني قائم…" أما الثاني فهو مشروع الحداثويين السلطويين العلمانيين وبعض اليساريين الذين حولوا قبلتهم باتجاه" الصهيونية و الامبريالية الأمريكية". إن الشيخ راشد يصور المسألة و كأن العراقيل القائمة التي تحول دون "الدولة الديمقراطية و المجتمع المدني العربي الإسلامي الحديث" تكمن فقط في الصهيونية و الامبريالية من ناحية و الحداثيين و اليسار من ناحية ثانية و هذا جزء من الحقيقة فقط للسبب التالي: صحيح أن الامبريالية و الصهيونية لم تشجعا يوما ما تطور الديمقراطية و المجتمع المدني في الوطن العربي إلا بالقدر الذي يحمي مصلحتهما. صحيح أيضا إن بعض الحداثيين و اليساريين العرب كانوا مستبدين ووصل الأمر ببعضهم حد الارتباط بالصهيونية و الامبريالية. ولكن ماذا عن الإسلاميين؟ هل كانوا يوما ما مع الديمقراطية فعلا و لم تربطهم أبدا علاقات مع الامبريالية و الصهيونية؟ لا يقول الشيخ راشد عنهم شيئا لأنه يعتبرهم "خيرين بالأصالة" طبعا. يتناسى الشيخ كيف إن حركة الإخوان المسلمين حصلت على المال من شركة قنال السويس البريطانية منذ تأسيسها لضرب الوفد. يتناسى الشيخ تحالف الإسلاميين مع "الامبريالية الأمريكية المؤمنة" لضرب "الامبريالية السوفيتية الملحدة" في أفغانستان. يتناسى الشيخ علاقات أصدقائه السعوديين مع الامبريالية الأمريكية طبعا و يسهو عن غياب أي مظهر بدائي للديمقراطية و المجتمع المدني. و يتناسى كون صديقته قطر – حيث يقيم و يدعو شيخه الأعظم يوسف القرضاوي- تحوي قاعدة السيلية الأمريكية التي ضرب منها العراق و تربط علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل. يتناسى تحالف صديقه حسن الترابي مع النميري و قمعهما للحريات . و يتناسى كون صديقته تركيا "العدالة و التنمية" تربط علاقات مع إسرائيل و بها قواعد عسكرية للحلف الأطلسي استعملت في تدمير العراق و يتغافل عن قمع أصدقائه الأتراك لأبسط حقوق أكراد تركيا… كل هذا يتناساه الشيخ راشد الغنوشي " و لا يرى الجمل إلا حدبة أخيه" من ناحية أخرى نتساءل : هل ينقد الشيخ الحداثوية للمطالبة بالحداثة أو بما فوقها أو ما بعدها؟ وهل ينقد السلطوية العلمانية للمطالبة بالعلمانية الديمقراطية غير المتسلطة أم انه ينقد الحداثة و العلمانية انطلاقا من مواقع ما قبل حداثية تقليدية و محافظة؟ سوف نرى هذا لاحقا و بالتفصيل أما الآن فنذكر بنعمة الحداثة و العلمانية الأنقليزية على الشيخ و أصدقائه حين خاطبهم قائلا: " نحن إذن ليس من قبيل المصادفة المحضة أن نجتمع هنا بعيدا عن أرض العروبة والإسلام، وهو ما كان ليطوف بخيال جدودنا حتى في الحلم أن نجتمع هنا في عاصمة الأنجليز بين مشرد وطريد وخائف يترقب، لتبادل الحديث حول حقوق الإنسان العربي. والحقيقة المرة أن ليس في وطننا العربي اليوم مكان يصلح لمثل هذا الحديث الصريح بسبب غياب حماية القانون والقضاء والصحافة الحرة. ها نحن إذن، بعيدا عن الوطن العربي، نتحدث عن حقوق الإنسان العربي في علاقتها بالعلماء والمثقفين، من جهة، وبالسلطة، من جهة أخرى. أين الخلل، ومن أين ينطلق الإصلاح؟" ولننتقل الآن إلى الأساس النظري الذي اعتمده الشيخ لطرح المسألة. -3- يبدأ الشيخ راشد بتحديد مفهوم الثقافة عموما ليصل إلى مفهوم ثقافة حقوق الإنسان تحديدا فيقول: ""1- نختار لمصطلح الثقافة أحد أهم المعاني المتداولة في علم الاجتماع كما حققها المفكر الجزائري مالك بن نبي في دراساته، فعرف الثقافة بأنها ما يميز أمة عن أخرى، وذلك تمييزا لها عن العلم. فقد لا يختلف الطبيب الإنجليزي عن الطبيب العربي في شيء من حيث المادة العلمية التي يتلقاها كل منهما، ربما على منضدة واحدة، ولكنهما في ما وراء ذلك قد يختلفان إلى درجة التناقض في تصور كل منهما للكون والإنسان وللحياة ولقيم الخير والشر والجمال والقبح والشرف والعادات والتقاليد والفنون والتشريعات وأنظمة الحكم، وما إلى ذلك، وتلك هي الثقافة. وإذا كان لكل ثقافة مرجعية يقاس إليها أو يستوحى منها، كالفلسفة الإغريقية والإصلاح الديني وفلسفة عصر التنوير والقانون الطبيعي في الأمم الغربية التيتأسست عليها ثقافة ونظام الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، فما هي الأسس المرجعية للأمة العربية، إذا سلمنا بوجود أمة عربية تبحث اليوم للتأسيس لثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية على أرضيتها وعن دور المثقف فيها ودور السلطة بصدد إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق المواطن والإنسان عامة؟ " كان الشيخ راشد يذكر – في الفقرات السابقة- ما يسميه "إيديولوجيا حقوق الإنسان" ثم ها هو الآن يتحدث عن "ثقافة حقوق الإنسان" و يبدو إن الخلط المفاهيمي عنده متأصل لأنه يريد معالجة قضايا حديثة برؤية تعود إلى بدايات القرن السابع الميلادي. إن الايدولوجيا ،إن أخذناها بالمعنى المحايد الذي يعني نسقا من الأفكار، هي جزء صغير من ثقافة أي مجتمع لأن الثقافة تتجاوز نظم الأفكار بل وقد تحتوي منها العديد في نفس الوقت لأن الإيديولوجيات – المرتبطة بالمسألة السياسية عادة – قد تتنوع داخل الثقافة القومية الواحدة و قد تتصارع ارتباطا بمكونات مختلفة داخل نفس الثقافة القومية عند شعب واحد وبالسلطة السياسية. بعد هذا يقوم الشيخ راشد باختيار مفهوم للثقافة يطوعه مسبقا ليخدم مصلحته و هو إذ يقتبس عن مالك ابن نبي يكتفي بجزء من تعريفه الذي يميز فيه الثقافة عن العلم –و عن الحضارة- و لكنه يتناسى أن ابن نبي يرى الثقافة" لا تضم الأفكار فقط و إنما أسلوب الحياة و تخص السلوك الاجتماعي نفسه و هي حسب ابن نبي "انعكاس للواقع الموضوعي" (محمد السويدي ، مفاهيم علم الاجتماع الثقافي و مصطلحاته ، الدار الوطنية للكتاب بالجزائر- الدار التونسية للنشر، 1991، ص68. ) كما إن الشيخ راشد يذهب بعيدا في التأكيد- خلافا للعلم- على "ما يميز"في الثقافة "أمة عن أخرى" و بين الطبيب العربي و الانجليزي فيتحدث عن الفرق إلى " درجة التناقض في تصور كل منهما للكون والإنسان وللحياة ولقيم الخير والشر والجمال والقبح والشرف والعادات والتقاليد والفنون والتشريعات وأنظمة الحكم، وما إلى ذلك، وتلك هي الثقافة" في الواقع إن هذا التعميم خطير و مبسط جدا إذ إن العلم الذي يتطور "بنفس الطريقة" بين الشعوب يوحد تدريجيا بين التصورات الإنسانية المنتمية إلى ثقافات مختلفة مثلا في تصور" الكون و الإنسان و الحياة" و يؤثر حتى على بقية الميادين الأخرى المرتبطة بالقيم و العادات و التقاليد و الفنون و التشريعات و أنظمة الحكم. إن الشيخ راشد يتجاهل عمدا تأثير العلم –الإنساني بامتياز- في التقارب بين الثقافات الخصوصية عند الشعوب و الأمم إذ أن التصور الإنساني العام للكون و نشأته و تحوله ينقسم إلى صنفين : إما تصور علمي يوجد بين كل البشر بقطع النظر عن ثقافاتهم الخاصة و إما تصور غير علمي و بالتالي لا يزال يتأثر بالخصوصيات الثقافية غير العلمية. كما إن تصور البشر عن الإنسان و عن الحياة إما أن يكون علميا مشتركا بين كل البشر استنادا إلى العلوم الطبيعية و الإنسانية الحديثة أو غير علمي تتحكم فيه تصورات من خارج العلم حسب الخصوصيات الثقافية التي قد تكون مناقضة تماما للعلم و نظرياته و حقائقه. بل إن التطور العلمي و التقني يؤثر حتى في القيم و العادات و التقاليد و الفنون و لعل التطور الطبي و تأثيره العظيم في سلوك البشر الجنسي و الإنجابي بقطع النظر عن خصوصياتهم الثقافية أكبر دليل على ذلك. كما إن تطور الفلسفة و العلوم الإنسانية خاصة قد اثر بصفة كبرى على التصورات البشرية في مجال" التشريعات و أنظمة الحكم " أيضا و ذلك في اتجاه مزيد من التقدم و الديمقراطية والأنسنة . لكن كل هذا هو بالذات ما يخاف منه السلفيون الحريصون على الانغلاق الثقافي و على صراع الثقافات و الحضارات الديني المنزع. إن الشيخ راشد وككل سلفي يسعى بالتحديد إلى كبح دور العلوم و التقنيات- ليس كأدوات بل- كحامل فكري معرفي بشري بامتياز و بالتالي فهو يقف دائما عند تصور تنائي جامد بين العلم و الثقافة و كأن العلم نفسه ليس جزءا من الثقافة بمعناها الانتروبولوجي العام و كأنه لا يؤثر تماما في حدود التمايز النسبي و التاريخي بين بعض مظاهر الثقافات الخصوصية. إن السلفيين يريدون أن يبقى الطبيب العربي المسلم أو عالم الطبيعيات أو الفيزياء الفلكية أو عالم الباليونطولوجيا أو الأنتروبولوجيا أو غيرهم منفصمي الشخصية بحيث يدرسون العلم و لكنهم لا يحملون تصورا علميا كونيا و مشتركا عن الكون و الإنسان و الحياة بل تصورا " ثقافيا متميزا و خاصا" بالمسلمين و بذلك فهم يعترفون بصورة غير مباشرة بالتوتر الفعلي الموجود بين رجل العلم و رجل الدين الأصولي السلفي والذي إذا مارس السياسة سوف يقحم السلطة و التشريعات في خنق الحريات العلمية و الأكاديمية و الفنية بحجة أن ثقافة الأمة المتميزة تمنع من اقتباس "تصورات الكون و الحياة و الإنسان " و حقوقه " الوافدة من "الثقافات الأجنبية". إن أكبر دليل على هذا في مقال الشيخ راشد هو بحثه عما يسميه"المرجعية" يقول :" وإذا كان لكل ثقافة مرجعية يقاس إليها أو يستوحى منها، كالفلسفة الإغريقية والإصلاح الديني وفلسفة عصر التنوير والقانون الطبيعي في الأمم الغربية التي تأسست عليها ثقافة ونظام الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، فما هي الأسس المرجعية للأمة العربية، إذا سلمنا بوجود أمة عربيةتبحث اليوم للتأسيس لثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية على أرضيتها وعن دور المثقف فيها ودورالسلطة بصدد إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق المواطن والإنسان عامة؟ " ينتقل الشيخ راشد هنا من الثقافة عموما إلى "المرجعية " التي "تأسست عليها " تلك الثقافة . و هو يقدم ككل السلفيين ثنائية أخرى لتبرير "الخصوصية الثقافية" التي تمهد الطريق إلى الالتفاف عما يفترض أن يكون إنسانيا مشتركا و لتقزيمه باسم ما هو "خصوصي و مميز" و تحت يافطة البحث عن مرجعية خاصة لتأسيس ثقافة حقوق الإنسان العربي و المسلم. إن مرجعية الثقافة في "الأمم الغربية" هي الفلسفة الإغريقية و الإصلاح الديني و فلسفة عصر التنوير والقانون الطبيعي"و هي التي على أساسها ظهرت "ثقافة و نظام الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان" في الغرب أما في الوطن العربي فيجب البحث عن "مرجعية" أخرى. هنالك وجهان في المسألة هنا: أولا: لا يدعو الشيخ راشد إلى الاستفادة من الفلسفة اليونانية ولا من الإصلاح الديني الغربي ولا من فلسفة عصر التنوير ولا فلسفة القانون (أو الحق) الطبيعي و هذا غير مستغرب من شيخ سلفي يرفض الفلسفة من أصلها فكيف بالفلسفة اليونانية ثم الغربية الحديثة و المعاصرة. (انظر- راشد الغنوشي، مقالات ، ص ص 9-14. ) ثانيا: ما دام الشيخ راشد لا يرى في الثقافة سوى "ما يميز " الأمم عن بعضها و هو يستعمل مصطلح "ثقافة حقوق الإنسان" فمن المنطقي أن نستنتج من كلامه أن ثقافةحقوق الإنسان العربية الإسلامية "تتميز" عن ثقافة حقوق الإنسان الغربية بل و"… قديختلفان إلى درجة التناقض في تصور كل منهما للكون والإنسان وللحياة ولقيم الخير والشر والجمال والقبح والشرف والعادات والتقاليد والفنون والتشريعات وأنظمة الحكم، وما إلى ذلك، وتلك هي الثقافة" إذن، ما دام الشيخ راشد يعتقد إن الثقافات – بما فيها ثقافة حقوق الإنسان طبعا- قد تختلف حد التناقض في تصور الإنسان و الحياة و قيم الخير و الشر و الجمال و القبح …و حتى التشريعات و أنظمة الحكم" فانه من المنطقي التساؤل حول مدى قبوله الفعليلثقافة حقوق الإنسان العالمية. إن الشيخ راشد لا يعترف بإمكانية و جود ثقافة إنسانية عالمية موحدة و كونية لأنالثقافة بالنسبة له خصوصية و مميزة بالضرورة و حصريا. بالنسبة له وحده العلم –وربما التقنية- عالمي و مشترك أما الثقافة فلا، ناهيك إن أضفنا إليها "المرجعية " التي يتحدث عنها. من هنا يمكن الاستنتاج أيضا ان "التشريعات و أنظمة الحكم" بالضرورة تختلف و تتميزبين الأمم و بالتالي علينا أن ننسى المعاهدات و المواثيق التشريعية الإنسانية كالإعلانالعالمي لحقوق الإنسان و العهود الدولية للحقوق المدنية و السياسية أو للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية أو الاتفاقيات الدولية بخصوص حقوق المرأة و الطفل ،الخ. إذن يرتبط التعريف العام الثقافة الضيق و الثقافوي بتصورها مميزا بين الأمم لا غير و ليست قابلة لأن تكون – أو يكون جزء منها على الأقل- عنصرا مشتركا بين الإنسانيةبتصور ضيق حول "ثقافة حقوق الإنسان" نفسها فتصبح "التشريعات و أنظمة الحكم" الضامنة لهذه الحقوق الإنسانية ليست إنسانية مشتركة بل خاصة و مميزة للأمم. و أية أمم؟ إنها "الأمم الغربية " بكاملها – مع أن لها ثقافات قومية متميزة عن بعضها- في مقابل "الأمة الإسلامية" التي لها ثقافة مميزة" و لها خاصة "مرجعية مميزة" فوقعربية مثلما "المرجعية الغربية" هي فوق فرنسية و فوق ألمانية و انجليزية،الخ. هكذا نصل في الواقع إلى الالتفاف ليس فقط على ثقافة حقوق الإنسان في الوطن العربي بل أيضا على الثقافة القومية العربية نفسها ، باسم الإسلام السلفي . يقول الشيخ راشد: "إنه لم يبق ريب اليوم لدى جمهرة الباحثين في تاريخ العرب وأحوالهم منذ ظهور الإسلام فيهم أنهم قد امتزجوا به امتزاجا على نحو لم تعد تستبين لهم هوية خارجه سواء منهم من انخرط فيه بالعقيدة والحضارة وهم الجمهرة الغالبة من العرب منذ حياة قائد الدعوة عليه السلام أم من انخرط فيه بالثقافة دون العقيدة وهم أقليات بعضها دينية وبعضها عقلانية مثل العلمانيين المعاصرين أو القدامى ممن لم يعترضوا بالضرورة على البعد العمودي للدين في علاقة الإنسان بربه وإنما انصب اعتراضهم على نفوذ الدين في العلاقات الأفقية، العلاقات الاجتماعية.. وإن كانت هذه الحقيقة انتربولوجية، فالحديث عن الثقافة العربية لا يأخذ معناه الحقيقي المحدد دون الأخذ بعين الاعتبار للإسلام كمرجعية أساسية لهذه الثقافة، وهذا التسليم بهذه الحقيقة العلمية قد لا يحسم كل الاختلاف وذلك بسبب قابلية نصوص هذه المرجعية لتأويلات لا متناهية. ولكن يبقى كل ذلك داخل إطار تلك المرجعية وفق مقتضيات اللغة العربية." أنها الكارثة ..الكارثة العلمية و السياسية تقريبا و تظهر تجلياتها المتعددة في ما يلي: أولا: يبدأ الشيخ بصيغة تقريرية جازمة و عامة مفادها انه " لم يبق ريب اليوم في أن جمهرة الباحثين" تعتبر أن "لا هوية للعرب خارج الإسلام" و نحن لا نقصد بهذا أن الإسلام ليس مكونا من مكونات الهوية الثقافية لأغلبية العرب بل إن ما يهمنا هو الصيغة اللغوية الواردة في هذا الإقرار ألا وهي " لا هوية خارج الإسلام". لو كانت الصياغة وردت على نحو أن لا هوية للعرب في غالبيتهم بمعزل عن الإسلاممثلا لما أثرنا النقاش حولها و لكن عبارة "خارج الإسلام" تثير لدينا التخوف التالي علميا و سياسيا. علميا : إن هذه العبارة تفيد أن الإسلام ليس جزءا مكونا من مكونات الهوية الثقافية لأغلب العرب بل إن الهوية القومية الثقافية للعرب هي نفسها تقع "داخل الإسلام". إن هذا الطرح يتجاهل كون العنصر الثقافي القومي المميز للعرب عن غيرهم من الأمم هو اللغة العربية و الثقافة القومية العربية عموما – ومن بينها الدين الإسلامي- و هو يقلب المسألة انطلاقا من مفهوم الأمة الإسلامية الديني ليحول الهوية العربية إلى عنصر داخلي ضمن خارج هو الإسلام . إن مفهوم الأمة هنا ليس هو مفهوم الأمة القومية الحديثة بل المفهوم الديني القائم على المماهاة بين الجماعة الدينية التقليدية و الأمة. سياسيا : يؤدي هذا المفهوم إلى السعي لتذويب الفعل السياسي و الاجتماعي داخل إطار الإسلام السياسي و تصبح الحركات الوطنية القطرية و الحركة القومية العربية مجرد خادم لمفاهيم الإسلام السياسي العالمي لا غير و ينطبق ذلك على فعل العرب المسلمين و غير المسلمين في نفس الوقت. ثانيا: يظهر الاستعلاء السياسي الإسلامي مباشرة عندما يتعرض الشيخ للعرب و يقول "… سواء منهم من انخرط فيه بالعقيدة والحضارة وهم الجمهرة الغالبة من العرب منذ حياة قائد الدعوة عليه السلام أم من انخرط فيه بالثقافة دون العقيدة وهم أقليات بعضها دينية وبعضها عقلانية مثل العلمانيين المعاصرين أو القدامى ممن لم يعترضوا بالضرورة على البعد العمودي للدين في علاقة الإنسان بربه وإنما انصب اعتراضهم على نفوذ الدين في العلاقات الأفقية، العلاقات الاجتماعية." عند هذا المستوى يخلط الشيخ راشد الأوراق و لا يلتزم حتى بالمفاهيم التي يدعي استعمالها في مقالته و كل ذلك خدمة لهدفه السياسي. يظهر هذا الأمر مثلا عندما يذكر العرب الذين" انخرطوا في الإسلام " "بالثقافة دون العقيدة" مقابل من انخرط" بالعقيدة و الحضارة". لو تذكرنا تعريف الشيخ راشد للثقافة لتبين الخلط.. يقول – كما لاحظنا سابقا - إن الثقافة هي ما يميز الأمم عن بعضها و هي مخالفة للعلم و يختلف الناس عند اختلاف ثقافاتهم إلى حد " التناقض في تصور كل منهما للكون والإنسان وللحياة ولقيم الخير والشر والجمال والقبح والشرف والعادات والتقاليد والفنون والتشريعات وأنظمة الحكم، وما إلى ذلك، وتلك هي الثقافة" " و السؤال هنا كيف يمكن أن ينخرط الإنسان العربي في الإسلام الثقافي دون العقيدة؟ كيف يمكن أن يقبل إنسان ما تصورات الإسلام الثقافية " للكون و الإنسان و للحياة و لقيم الخير و الشر و الجمال و القبح و الشرف و العادات و التقاليد و الفنون و التشريعات و أنظمة الحكم ، و ما إلى ذلك، و تلك هي الثقافة " الإسلامية و دون أن تكون له عقيدة الإسلام؟ قطعا لو إننا اختصرنا العقيدة الإسلامية في أبسط مظاهرها العقائدية :الإيمان بالله و رسله و أنبيائه و اليوم الآخر و القضاء و القدر و غيرها لعرفنا ارتباطها بمفهوم خاص عن الكون و الإنسان و الحياة و غيرها و لبدأ الخلاف الثقافي لأن العقيدة جزء من الثقافة و ليست بينهما ثنائية صورية كما يتصور الشيخ و لكن ظاهريا فقط لأن إيمانه الباطني أمر آخر سيفتضح بعد حين. ثالثا: عندما يتعرض الشيخ للعرب الذين ينتمون إلى الإسلام/ الثقافة دون العقيدة يقول عنهم : "وهم أقليات بعضها دينية وبعضها عقلانية مثل العلمانيين المعاصرين أو القدامى ممن لم يعترضوا بالضرورة على البعد العمودي للدين في علاقة الإنسان بربه وإنما انصب اعتراضهم على نفوذ الدين في العلاقات الأفقية، العلاقات الاجتماعية." إن هذا القول به خلط غريب و لكنه يحتوي على اعتراف جيد نبدأ به. يعترف الشيخ راشد أن العلمانية ليست الإلحاد – كما يروج أنصاره الآن - بدليل أن العلمانيين " "لم يعترضوا بالضرورة على البعد العمودي للدين في علاقة الإنسان بربه" بل على "نفوذ الدين في العلاقات الأفقية ، العلاقات الاجتماعية" . لكن الخلط الغريب الموجود هومزدوج في الحقيقة و كالتالي: من قال إن العلاقة بالله هي علاقة عمودية بينما العلاقات الاجتماعية أفقية دائما؟ تكون العلاقة مع الله عمودية لمن لا يعتبر الله موجودا في كل مكان بل فقط في الأعلى بينما الإنسان في الدنيا السفلى و ليس هذا لا رأي كل المسلمين و لا كل المؤمنين بالله. أما إذا كان كلام الشيخ راشد مجرد استعمال مجازي لا غير حبا في الثنائيات فنتجاوز ذلك لأننا لا نشك في إسلامه و نحترم تصوره الشخصي عن ذات الله و صفاته فذلك من حرية الاجتهاد في الإسلام و حرية الاعتقاد بصورة عامة. من ناحية أخرى تصف الشيخ راشد العلمانيين بالأقلية مثلما يصف الأقليات الدينية غير المسلمة. إن هذه الطريقة في استعمال المفاهيم غريبة عن العلم و كارثية في السياسة. من ناحية العلم تعرف العلوم الإنسانية و الاجتماعية الأقليات العرقية و الدينية و اللغوية و القومية التي يكون عددها محدودا نسبيا مقارنة بالأغلبية في المجتمع- مع أن بعض الأغلبيات العددية قد تعامل معاملة الأقلية - وتكون حقوقها الإنسانية مهضومة مقارنة بتلك الأغلبية. و لكن الشيخ يضيف إلى العلوم مصطلح "الأقلية العقلانية مثل العلمانيين" و هو بذلك لا يخلط المفاهيم فقط بل يفتح أبواب جهنم على العقلانية. انه من المفترض أن تكون "الأقلية العقلانية" أقلية مقارنة بأغلبية غير عقلانية و هي " الأغلبية الإسلامية" و ليس المسلمة" لأن مقابل الأغلبية المسلمة هنالك الأقليات الدينية المسيحية و اليهودية. ان الأقلية العقلانية تتكون من مسلمين و مسيحيين و غيرهم من المؤمنين- طالما ان العلمانية "لا ترفض العلاقة العمودية بالله"- كما يمكن أن تحتوي على لاأدريين و ملاحدة. إن الشيخ راشد سيعامل المسلم العقلاني مثل معاملة المسيحي و اليهودي و الملحد… إذا سايرنا الشيخ في مفاهيمه يمكن القول إن الشيخ راشد ينسى أنه مع التحديث أصبحت "الأغلبية" عند العقلانيين في الواقع سواء من كان منهم عقلانيا بالمبدأ أو من كان عقلانيا بالتطبيق لا غير و الإسلاميون – وليس المسلمين- هم الذين تحولوا إلى "أقلية" و لولا ذلك ما ظهرت الحركات الإسلامية ربما من أصلها.وان مشكل الحركات الإسلامية هو بالذات – في بعض جوانبها على الأقل- معاداتها للعقلانية الحديثة ،وليس لأية عقلانية كما يبسط البعض ذلك خطأ فالعقلانية عقلانيات في التاريخ و حتى في نفس المرحلة التاريخية. إن المسلمين يتكيفون مع تطور العلوم الحديثة و مع مسار العلمنة الحديث – بكل عيوبه و نواقصه- و يتحولون تدريجيا إلى عقلانيين بالمبدأ و/أو بالممارسة انفتاحا على عصرهم و لكن الإسلاميين لا يفعلون ذلك ،إلا بعسر شديد، بسبب تزمتهم الإيديولوجي الأصولي و السلفي و مشكلة الإسلاميين أنهم لا يحتملون حتى تبني إخوانهم المواطنين المسلمين للعقلنة و يعدون بمعاملتهم معاملة الأقليات في نظام سياسي محافظ و تقليدي مستبد. إن المسلمين العقلانيين و العلمانيين و الديمقراطيين يعتبرون إن العلمانية ليست رفضا "لنفوذ الدين في العلاقات الأفقية، الاجتماعية" بل هي رفض لنفوذ رجال الدين و السياسة، من الإسلاميين و غيرهم ، الذين يريدون أن يكون سلطانهم عموديا في العلاقات الاجتماعية بتعلة أنهم و حدهم الذين سيحافظون على العلاقة العمودية مع الله .أي أنهم يستعملون الدين لبناء سلطان يجعلهم يعتلون العلاقات السياسية و الاجتماعية باسم العلاقة العمودية بالله. و لكن بما إن الإسلاميين يعرفون أن العلمانيين " لا يعترضون على العلاقة العمودية بالله" فإنهم يشوهونهم عبر اتهامهم بالإلحاد حتى يوهموا المؤمنين أن العلمانية تهديد لإيمانهم الديني الخاص أو الجماعي. إن الإسلاميين يريدون استغلال المقدس الديني في اللعبة السياسية للتأسيس لنظام سياسي مستبد لأنهم يضيقون باب الاختلاف في حدود ضيقة و غير ديمقراطية و ان الدليل على ذلك ما تبقى من الاقتباس الذي بين أيدينا للشيخ راشد: " وإن كانت هذه الحقيقة انتربولوجية، فالحديث عن الثقافة العربية لا يأخذ معناه الحقيقي المحدد دون الأخذ بعين الاعتبار للإسلام كمرجعية أساسية لهذه الثقافة، وهذا التسليم بهذه الحقيقة العلمية قد لا يحسمكل الاختلاف وذلك بسبب قابلية نصوص هذه المرجعية لتأويلات لا متناهية. ولكن يبقى كل ذلك داخل إطار تلك المرجعية وفق مقتضيات اللغة العربية." هنا نصل إلى الكارثة : من ناحية يدعي الشيخ ان كلامه "حقيقة أنتروبولوجية" في حين ان أبسط التعريفات الأنتروبولوجية للثقافة – و الأنتروبولوجيا هي علم الإنسان- لا تكاد تفرق بين الثقافة و الحضارة و تعتبر الثقافة " ذلك الكل المعقد" الذي يضم ما يسميه دوركهايم، و هو يعرف الفعل الاجتماعي- " كل طرق الإحساس و التفكير و الفعل" من لغة و دين و عمل و علم و " كل ما يكتسبه الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع" -على رأي أدوارد تايلور- و هو ما يميزه عن الحيوان نوعيا دون أن ينقطع عنه تماما (- راجع غي روشيه ، مدخل إلى علم الاجتماع ، 1: الفعل الاجتماعي، تعريب مصطفى دندشلي ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت ،1983، ص ص136/1143. ) . و حتى ان كانت التعريفات الأنتربولوجية متعددة كما بين ذلك كلوكهولن و كروبر و غيرهما تتفق التعريفات الأنتروبولوجية كلها - و الأنتوبولوجيا علم وضعي- على أن الثقافة تكتسب داخل المجتمع . و إذا كان الشيخ راشد يمارس الاستنجاد بالعلم الانتروبولوجي فذلك ليس من باب الإيمان الفعلي به كعلم و إنما من باب الالتفاف الديني على العلوم الوضعية لإدراج بعض تحاليلها ضمن تيولوجيا دينية عن الإنسان لا ترتقي حتى إلى مرتبة الفلسفة الاجتماعية لأن الشيخ معاد للفلسفة و"فساد منتحليها"و هو من أنصار "إبطالها " . من ناحية أخرى يطالب الشيخ "بالتسليم بهذه الحقيقة العلمية" و يحاول أن يكون "ديمقراطيا " فيذكر احتمال بقاء الاختلاف و لكن بشرط أن يبقى ذلك :" داخل إطار تلك المرجعية وفق مقتضيات اللغة العربية." ما الذي يعنيه هذا؟ إن الفهم المباشر لفكرة الشيخ الغنوشي يسمح بالاستنتاج التالي: هوية العرب لا تفهم خارج الإسلام و حتى الأقليات الدينية غير المسلمة و العلمانيين يقبلون "بالثقافة الإسلامية" و هذه "حقيقة- و ليست حتى نظرية- علمية أنتروبولوجية "تقبلها "جمهرة العلماء" و لا خلاف حولها يسمح به "إلا داخل المرجعية الإسلامية وفق مقتضيات اللغة العربية". إلى ماذا نصل إذن؟ العربي العلماني و العربي المنتمي إلى أقلية دينية غير مسلمة عليه أن يقبل الإسلام مرجعية عليا للعرب و إلا فانه معاد لهوية العرب و ثقافتهم و لن يسمح له بالاختلاف إلا إذا قبل المرجعية الإسلامية و ناقش من داخلها حسب ما تسمح به "مقتضيات اللغة العربية". هكذا نصل في الواقع إلى معرفة "هوية الشيخ راشد العلمية و الدينية و السياسية. انه الاستبداد السياسي الديني و باسم "الحقيقة العلمية" و "الحقيقة الدينية " في نفس الوقت. -4- و بعد كل هذا يتوجه الشيخ إلى المثقفين و العلماء قائلا: " فحديثنا إذن ينصب على مثقف محدد في إطار مرجعية أساسية هي الإسلام، وسياق تاريخي هو تاريخ الثقافة العربية الإسلامية." ان الشيخ راشد لا يتوجه في الواقع إلا إلى الذين يريد سجنهم داخل مرجعيته الإسلامية و داخل تصوره المشوه "للثقافة العربية الإسلامية" أما المثقف الذي قد يختلف معه حتى بصدد ما يعتقد انه "حقيقة علمية"، ذلك المثقف الذي يرفض إن يحصر نفسه داخل تصور الشيخ و لا يكتفي بالمماحكات اللغوية الاسمية داخل "اللغة العربية" فان الشيخ سوف يتهمه على الأرجح بالخروج عن الأمة و عن الدين في نفس الوقت. يواصل الشيخ قائلا: . "ما المثقف في سياق هذه الثقافة؟ وما علاقته بالسلطة؟ وما علاقته بحقوق الإنسان؟" ثم يجيب: ""- نختار لتعريف فئة المثقفين في أمة ما أنهم القائمون على إنتاج عالم الأفكار والقيم والمروجين لها المؤثرين في تصور الأمة لنفسها ولدورها ومكانتها وتاريخها وعلاقتها بالأمم الأخرى ولتصور الإنسان عن نفسه ومكانته في المجتمع والكون ومعايير سلوكه وذوقه. وأقرب فئة في تاريخنا العربي "الإسلامي"لهذه الفئة المعروفة في عصرنا بفئة المثقفين هي فئة العلماء وبالأخص علماء الدين بسبب صلتهم الأوثق بالمرجعية الثقافية للأمة ثم تليهم بقية فئات المثقفين كالشعراء واللغويين والأدباء وعلماء الطبيعة وسائر العلوم العقلية وكلها نشأت في رحاب الدين بل حتى لخدمته واتسعت أمامها فضاءات رحبة استغرقت أهم ما لا تزال تفخر به هذه الحضارة من إنتاج حضاري حتى اليوم.. فماذا كان لهذه الفئة ـ أي علماء الدين بالمعنى الضيق أو العلماء بالمعنى المطلق ـ من دور إزاء فئة أصحاب السلطة في موضوع حقوق الإنسان المسلم وغير المسلم؟" إن مثقف الشيخ راشد هو أولا العالم و بالأخص "علماء الدين" ومن بعدهم يأتي البقية بمن فيهم علماء الطبيعة و سائر العلوم العقلية و غيرهم و كلهم نشأوا " في رحاب الدين بل حتى لخدمته…" و هذا نصفه حقيقي و نصفه مجانب للحقيقة. إن الشعراء و اللغويين و الأدباء و علماء الطبيعة و سائر العلوم العقلية" بعضهم موجود قبل الدين الإسلامي و بعضهم نشط بعد ظهوره و لكن ليس بالضرورة "في رحابه" و هؤلاء لم يشتغلوا "لخدمة الدين" مثل "علماء الدين" الذين يحترفون ذلك الدور، بل لخدمة الإنسان بقطع النظر عن دينه فعالم الطبيعة و الطبيب وحتى الشاعر و الأديب – إلا ما ندر في الثقافة العربية الإسلامية- كان إنساني الهموم و الوجهة بامتياز و لم يسخر هؤلاء مجهوداتهم لخدمة الدين و لكنهم لم يسخروا ها ضده بالضرورة أيضا. لكن تسخير المثقفين- و العلماء خاصة- عملهم لخدمة الإنسان لا يجب أن ينسينا من سخروا أعمالهم لخدمة السلطان تحديدا كما لا يجب أن ينسينا أن تصور المثقفين عن الإنسان و عن خدمته هو تصور تاريخي بامتياز حتى نتجنب خطأين محتملين: الأول هو أن نكتفي بتصورهم القديم عن الإنسان و حقه و نؤبده في أذهاننا و ممارساتنا فنبخس حق الإنسان الحديث. و الثاني أن ندعي إنهم كانوا معادين لحق الإنسان بالعام فنبخسهم حقهم فنحكم عليهم خارج تاريخهم الخاص بإسقاط تصوراتنا الحديثة عن علماء و مثقفين عاشوا منذ قرون إلى الوراء. أن الشيخ راشد و الإسلاميون عموما يسقطون في الخطأ الأول. يقول الشيخ: " - ونحن مفترضون أن الإسلام لم يتضمن تصورات لحقوق الإنسان، مسلما كان أم غير مسلم، وحسب،بل إنه جاء من أجل ذلك أساسا، فالقرآن افتتح بالحديث عن الإنسان (…) واختتم بالحديث عن الإنسان (…) والقيمة المفتاح في موضوع حقوق الإنسان في التصور الإسلامي هي قيمة العدل وإقامتها الغاية القصوى لإرسال الرسل.(…) والعدل ليس قيمة طبقية أو وطنية بل هو قيمة إنسانية مطلقة. (…) ولأن الإنسان ـ أي جنس الإنسان ـ مكرم من الله وأن الناس جميعا من أصل واحد فقد استحق بصفته تلك حقوقا لا يستطيع أحد أن ينتقص منها كحق الحياة.(…) كما تجب له ضمانات العيش والتربية والصحة وإقامة الأسرة والحماية من الجور والمشاركة في الشؤون العامة.(…) .ومن ذلك حقه في اختيار عقديته والتعبير عنها والدعوة لها والانتقال في الأرض بحرية وإقامة الاجتماعات السلمية ومقاومة المظالم والشرور فردا أو جماعة دون حاجة إلى إذن.. وهي كلها منضبطة بأحكام تفصيلية أو بأصول ومقاصد، كالعدل والمساواة والمصلحة، يمكن أن تتأسس عليها صور لا متناهية من الاجتهادات والمجتمعات، وهي بالنسبة للمسلم دين وثقافة وبالنسبة لغير المسلم، من مواطني الدولة الإسلامية، ثقافة يتمتع في إطارها بالعدل والمساواة وسائر حقوق المواطنة. وحتى ما اصطلح عليه الفقهاء في العصور القديمة بـ "أهل الذمة" من تمييز بين المسلم وغير المسلم هو تمييز اقتضته أوضاع ظرفية غير ملزمة للأمة مصطلحا ومضمونا لا سيما مع حصول الاندماج في عصر الدولة الحديثة كما نص على ذلك فقهاء محدثون ." إذن، ففي إطار المرجعية الإسلامية والإرث الثقافي العربي يمكن أن نستنبت ونطور ثقافة عربية لحقوق الإنسان قد لا تفترق عن مثيلاتها المعبر عنها في الثقافة الغربية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا في المرجع والسياق التاريخي، والتقاء فروع الأشجار لا ينفي اختلاف منابتها وأصولها." ان المشكلة الأساسية هنا هي التالية: هل يمكن "استنبات و تطوير" ثقافة حقوق الإنسان الحديثة " في إطار المرجعية الإسلامية" القديمة مع إننا نعرف مسبقا أنها تفترق عنها " في المرجع و السياق التاريخي"؟ هل يمكن "استنبات" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 في برنامج سياسي مرجعيته تعود إلى بداية القرن السابع الميلادي؟ و هل نضمن فعلا عندها تحقيق العدل " والعدل ليس قيمة طبقية أو وطنية بل هو قيمة إنسانية مطلقة." بما في ذلك بين " المسلم و غير المسلم " و بين المرأة و الرجل و بين المتمذهبين بمذاهب إسلامية مختلفة حتى لو رفضنا مصطلح "أهل الذمة" ؟ إن الخطاب الذي يقدمه الشيخ راشد يبدو متقدما على الصورة النمطية التي اعتدنا عليها عند السلفيين الإسلاميين و لكننا نشك في قدرته على الذهاب بعيدا و فعليا في ذلك بسب"المرجعية" بالذات. في الغرب تطورت ثقافة حقوق الإنسان استنادا على مرجعية قديمة و لكن بالقطع الحداثي معها لأنه تم التعامل مع تلك المرجعية نقديا أما عندنا فان الإسلاميين بإصرارهم على سلفيتهم لا يجرؤون على فهم محدودية السياق التاريخي الذي وردت ضمنه تصورات المسلمين الأوائل عن الإنسان و حقوقه و لا على تجاوزها. في الغرب تجاوزت المجتمعات قراءاتها السلفية للتراث اليهودي- المسيحي حول الإنسان و مكانته و حقوقه و حرياته و أبدعت حقوق المواطن و الإنسان الحديثة دون أن تتخلى بالضرورة عن دينها بينما عندنا نحن يتهم كل من يدعو لذلك بمعاداة ثقافة الأمة و هويتها. في الغرب تجاوز المجتمع التشريع التقليدي بالاستفادة من الشرائع المسيحية و القوانين الرومانية التي تخدم الحداثة بينما عندنا نحن يتهم الإسلاميون القانون الوضعي، الذي يفترض أن تتواضع حوله الشعوب ديمقراطيا، بأنه يريد تدمير القانون السماوي المقدس. لنأخذ أمثلة على هذا و قد نعود للموضوع بالتفصيل في دراسات لاحقة : - جاء في الفصل الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن جميع الناس" يولدون أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق و قد وهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء." فهل يمكن استنبات هذا في المرجعية التي تقول إن الله فضل بعضنا على بعض بسبب الجنس( الرجال قوامون على النساء بما فصل الله بعضهم على بعض…) و في الرزق( و فضلنا بعضكم على بعض في الرزق…) و فضل بعض الأنبياء على بعض و خلق بعضنا ناقصي عقل و دين( النساء ناقصات عقل و دين) و جعل بعضنا فتنة لبعض( النساء و الأبناء) و عدوا له و جعل تدافعنا في الأرض قاعدة إلى يوم الدين و لولاه لفسد الكون؟ جاء في الفصل الخامس من نفس الإعلان العالمي أن " لا يعرض أي إنسان للتعذيب و لا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة" فهل يمكن استنبات هذا في مرجعية قائمة عل الرجم و الجلد و قطع الأطراف ( و بخلاف: يد يسرى مع ساق يمنى أو العكس…) و الإعدام - على مرأى من "طائفة من المؤمنين" - وهي "حدود الله "التي لا يجب تجاوزها لأنه لا يحق تحريم ما أحله الله و لا العكس). -جاء في المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي أنه " لكل شخص الحق في حرية التفكير و الضمير و الدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته و حرية الإعراب عنهما بالتعليم و الممارسة و إقامة الشعائر و مراعاتها سواء كان ذلك سرا أم جهرا منفردا أم مع جماعة" فهل يتطابق هذا مع حكم الردة في الإسلام الذي هو القتل و الذي يلطف منه البعض بالقول إن ذلك لا يحصل إلا عند تعمد المرتد نشر ذلك في صفوف غيره و هو بالضبط يدخل ضمن " حرية الإعراب " عن الدين الجديد الذي أصبح المرتد يؤمن به و له الحق في ذلك ليس فقط فرديا بل حتى مع جماعة مثله؟ و هل يتطابق هذا مع الحكم القائل عند بعض الإسلاميين أن تارك الصلاة يستتاب فان تاب أو يقتل؟ -جاء في المادة الواحدة و العشرين من الإعلان العالمي انه من حق كل فردالمشاركة في إدارة شؤون بلده العامة من خلال تقلد نفس الوظائف الإدارية و نفس المناصب السياسية على قدم المساواة بين الجميع أي دون تمييز في اللون أو الجنس أو الدين أو غيره . فهل يتطابق هذا مع رفض الإسلاميين تولي المرأة أ و المسيحي أو المؤمن غير المسلم( من أهل الذمة التي يدعي الشيخ إلى تجاوزه) عموما لمنصب الولاية الكبرى( الخلافة أو الرئاسة) و رفضهم تولي النساء لمناصب القضاء و الإمامة ؟ - وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مبادئ مثل "شخصية العقوبة " بحيث لا تطبق إلا على من قام بالجريمة دون غيره مهما كان جرمه فهل يتطابق هذا مع مبدأ القصاص الذي يقبل معاقبة من لم يقم بجرم بنفسه في إطار معاقبة شخص من قبيلته أو عائلته و هو مبدأ ثابت في المرجعية الإسلامية في القرآن و السنة و مثبت في دستور المدينة الذي يسمح بعقابالشخص و أهله في نفس الوقت بحيث إذا قتل شخص أفرادا من أهل شخص ثان فالعقاب قتل أفراد من أهل القاتل حتى يطبق القصاص وفقا لمبدأ السن بالسن و العين بالعين و الحر بالحر و العبد بالعبد…؟ - تعترف المبادئ العالمية لحقوق الإنسان بحرية الفكر و التعبير و البحث العلمي و الإبداع الفني و سواها فهل يتطابق هذا مع المرجعية التي تعارض أصنافا كاملة من العلوم و التصورات العلمية( التطورية في الفلك وفي الطبيعة) و أنواعا من الفنون ( التجسيد في الرسم و النحت) و الفلسفة و خاصة الفلسفات الوضعية و اللاأدرية و الإلحادية و الوجودية بل و تعارض بعض الفلسفات و المذاهب الإسلامية مثل الاعتزال و التصوف و التشيع و غيرها بحجة و جود فرقة واحدة ناجية هي "أهل السنة و الجماعة" ؟ قال الشيخ انه في " …إطار المرجعية الإسلامية والإرث الثقافي العربي يمكن أن نستنبت ونطور ثقافة عربية لحقوق الإنسان قد لا تفترق عن مثيلاتها المعبر عنها في الثقافة الغربية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا في المرجع والسياق التاريخي، والتقاء فروع الأشجار لا ينفي اختلاف منابتها وأصولها." ولكننا نشك في أن يتم ذلك على أيدي السلفيين الإسلاميين. انه ممكن فقط عندما تحاول القيام به قوى حداثية و لكن ديمقراطية فعليا و ليست حداثية مستبدة، قوى تعطي الحرية للجميع و لا تمارس الاضطهاد لا باسم العلم و الحداثة و لا باسم القداسة و الدين. إن المرجع و السياق التاريخي الذي ينطلق منه الشيخ راشد كانت به بوادر أنسنة قديمة و تقليدية مرهونة بإطارها التاريخي و المعرفي لبداية القرن السابع الميلادي و ما تلاه . و قد تطورت نزعات الأنسنة في المجتمع العربي الإسلامي لاحقا في العصر العباسي خاصة ثم بدأت تأخذ بعض مظاهر الحداثة مع حركات الإصلاح في القرنين التاسع عشر و بداية القرن العشرين و لكن التيار السلفي الأصولي الذي يأتي من صفوفه الشيخ راشد كان موازيا لهذه النزعة الإنسانية و عدوا لها و هو الآن يحاول الالتفاف عليها تحت ضغوط العصر و لكنه لم يكمل عملية التكيف بعد و لم تتخل الحركة الإسلامية عن سلفيتها لتتحول إلى حركة ديمقراطية إنسانية بعد و يا ليتها تفعل لأن ذلك سيكون في صالح العرب و المسلمين. إن الحركة الإسلامية لم ترتق بعد إلى حركة ديمقراطية حديثة لأن مرجعيتها ما قبل حداثية و ما قبل ديمقراطية. إنها وريثة ذلك الجزء من التاريخ القديم ومن التراث القديم- الذي يحتوي حتى على جانب يوناني أرسطي مثلا- الذي كانت فيه العبودية و التمييز الاجتماعي هي القوانين الطبيعية الإلهية و كان التمييز يعتبر قدرا إلهيا أو طبيعيا يعاقب من يحاول انتهاكه بحثا عن المساواة إلى درجة اعتبار "العبد الآبق" الهارب من سيده مرتكبا لكبيرة في الفقه الإسلامي. و هي لم تفهم إلى حد اليوم أن ظهور مبادئ حقوق الإنسان الحديثة إنما ارتبط بانقلاب اجتماعي و معرفي أصبحت بمقتضاه المساواة هي الحق الطبيعي الحديث الذي يتمأسس في النظم الديمقراطية و الإنسانية الحديثة. لقد ظهرت نزعات إنسانية قديمة في الثقافات الكبرى التي عرفتها الشعوب الكبرى فظهرت فكرة "المواطنة العالمية" في الفلسفة اليونانية القديمة .و تطورت نزعة الأنسنة في الفكر العربي الإسلامي القديم خاصة منذ العهد العباسي، كما بين ذلك محمد أركون مع التوحيدي و مسكويه مثلا، و لكن ذلك ظل هامشيا في الفكر و السياسة و كانت الغلبة للفكرة القائلة ان العبودية و انعدام المساواة أمران طبيعيان و إلهيان و لم يخل أعظم الشعر و الأدب والتفلسف من ذم للعبيد و للنساء و غيرهم. إن الأنسنة الحديثة وحدها قطعت حبل السرة مع التراث القديم إيجابا و حولت المساواة إلى حق طبيعي و جرمت التمييز و العبودية على الأقل في المستوى النظري و القانوني و لكن الحركة الإسلامية تفعل العكس تماما. فعوض الاستئناس بالماضي العقلاني و الإنساني النير لخدمة الأنسنة و الحداثة الديمقراطية نراها تقلب العملية نظريا و تاريخيا وتريد تطويع الديمقراطية و الأنسنة الحديثتين لخدمة الماضي و "لاستعادة الماضي" و "لعودة الأمة تستصرخ مخزونها التاريخي" على هدى "السلف" ووفق "الأصول الثابتة" وهي لهذا حركة ماضوية محافظة و تقليدية إلى حد الرجعية في كل تصوراتها الفكرية و السياسية. نكتفي بهذا الآن و نعود مع الشيخ إلى سؤاله حول علاقة المثقف بالسلطة و حقوق الإنسان حيث تساءل: "نعود إلى سؤالنا في إطار الثقافة العربية الإسلامية. ما دور العلماء بإطلاق وسائر الفئات المنتجة للفكر كالأدباء، في قيام ميزان العدل ( أساس العمران) في المجتمع، أي حقوق الإنسان بالتعبير الحديث؟" -5- يجيب الشيخ قائلا: " تبدو السلطة، في معظم تاريخنا ولا سيما في مرحلة ما بعد الاستعمار بشكل لم يسبق له مثيل، مصدر التهديد الأكبر للعدل، أي لحقوق الإنسان. الدولة اليوم هي العقبة الأكبر في طريق أي تقدم لإقرار حقوق الإنسان في الواقع العيني وذلك بعد أن نجح التحديث الأهوج في تفكيك دفاعات المجتمع, بما جعل الدولة في البلاد الأكثر تحديثا مثل تونس ومصر والجزائر الأشد مركزية وقمعا لاسيما الدولة لم تعد كيانا محليا كما كانت في تاريخنا فكانت مفاسدها ومظالمها تسرع بها إلى انهيارها, وإنما غدت جزء من نظام دولي محكوم من طرف قوى معادية لامتنا وحضارتنا وتبذل أقصى الوسع لعرقلة نهضتنا. ومن ذلك عرقلتها لكل تحول ديمقراطي من شأنه أن يطلق إرادة الأمة المكبلة بالديكتاتورية" يبدأ الشيخ بالمرحلة الحديثة و المعاصرة في التاريخ و يصب جام غضبه على "التحديث الأهوج" الذي نجح في تفكيك "دفاعات المجتمع" و هذا التحديث قامت به دولة "ما بعد الاستعمار" التي هي "جزء من نظام دولي" معاد لدمقرطة الأمة و لحضارتها و مصالحها.. إن حكم الشيخ به جزء من الحقيقة فالتحديث العربي لم يكن دائما متزنا و كان مستبدا في غالبه و لكن هذا هو نصف الحقيقة فقط لأن النصف الآخر هو "دفاعات المجتمع" التقليدية أيضا لأن التحديث العربي لم يكن تحديثا جذريا في أي مرحلة مثلما لم يكن ديمقراطيا أيضا. إن القوى المحافظة التقليدية و منها الحركة الإسلامية التي كانت ترفع شعارات الجهاد المقدس لعبت دورا في جر التحديث باتجاه الاستبداد و منعته من أن يكون تحديثا عميقا و ديمقراطيا في نفس الوقت. ان الشيخ راشد يصب غضبه على تونس ومصر و الجزائر بالتحديد و ينسى السعودية و قطر مثلا و نحن لا نستغرب أن يرى الشيخ الاستبداد "نصف الحداثي" –على رأي الدكتور برهان غليون- في تونس و لا يفتح عينيه تماما على الاستبداد ماقبل الحداثيفي ممالك النفط التي تموله هو و الحركات الإسلامية في العالم. من أخطر على حقوق الإنسان العربي يا ترى؟ عبد الناصر و بن بلة و بومدين و بورقيبة أم آل سعود و آل خليفة و آل الصباح و من لف لفهم؟ نعتقد ان المواطن العربي البسيط يهتدي بحسه إلى الإجابة و يعرف "أخف الأضرار" بين الاستبداديين. من ناحية أخرى إن عبارة "دفاعات المجتمع" لها معنى مضاد ليس فقط للاستعمار بل لكل ما هو من ثقافات و حضارات الدول المتقدمة لأن الحركة الإسلامية و كما هو معروف تكتفي بالاقتباس في" العلم و الفنون العملية" من الخارج و ترفض كل ما تبقى و هي بذلك ترى كل دول "ما بعد الاستعمار" في العالم العربي دولا حداثية هوجاء و عميلة للغرب الرأسمالي أو الشيوعي ،الخ. إن الحركة الإسلامية لا تكاد تعترف بوطنية أحد غيرها و السبب هو أن مفهومها للوطن يختلف عن المفاهيم الوطنية و القومية الحديثة و يرتبط بمفهوم "الأمة الإسلامية " و "الوطن الإسلامي" و كل ما سواهما شعوبية وجب رفضها و عمالة و تغريب و تحديث أهوج. بعد التاريخ الحديث و المعاصر يعود بنا الشيخ إلى التاريخ القديم و هنا نكتشف الأعاجيب السلفية في التحليل التاريخي. يقول: "ويمكن في تاريخنا تمييز مراحل بارزة في تطور العلاقة بين العلماء والحكام: ففي صدر الإسلام، أي العصر الذهبي، لم يكن هناك تمايز بين العلماء والحكام. لقد ابتدأ الحكم بقائد الدعوة ذاته ـ عليه السلام ـ الذي خلفه وزراؤه وهم أصحابه الأقربون الأئمة المجتهدون الذين تحققت في عهدهم أول تجربة في التاريخ المعروف لتداول سلمي على السلطة بعيدا عن سوءة كل شكل للتوريث." عجبا في "العصر الذهبي" لم يكن هناك تمايز بين "العلماء و الحكام" و هذا يعني أنه لو نجح الإسلاميون في الوصول إلى الحكم و إعادتنا إلى العصر الذهبي عندهم لمحق كل تمايز بين العلماء و الحكام من جديد. فهنيئا لنا بهذا الوعد الديمقراطي العظيم. في عهد الصحابة – يقول الشيخ- " تحققت أول تجربة في التاريخ المعروف لتداول سلمي على السلطة بعيدا عن سوءة كل شكل للتوريث" و عجبا كيف ينسى الشيخ أن ثلاثة من الصحابة ماتوا قتلا من قبل المسلمين ؟ و كيف ينسى أن عمر هو الذي فرض أبا بكر خليفة على المسلمين بالقوة و أن أبا بكر أوصى شخصيا بالخلافة لعمر بن الخطاب و أن عمر عين مجلسا صغيرا من الصحابة لتعيين الخليفة من صفوفه بعيدا عن رأي عموم المسلمين فوصل عثمان إلي الحكم بتحالف ضد الإمام علي ثم وصل علي بن أبي طالب بعد مقتل عثمان بطلب من العامة المنتفضة و ضد رأي الأمويين و عائشة مما أدى إلى مقتله لاحقا؟ إن الشيخ الذي يتوجه في محاضرة إلى المثقفين و يدعوهم إلى حقوق الإنسان و الديمقراطية و يقترح عليهم مفاهيم عن الثقافة و المثقف و المجتمع المدني يتجاهل أبسط المعلومات التاريخية تمنعه سلفيته السنية من الإقرار بما يعرفه تلامذة الصفوف الأولى من التعليم الثانوي ناهيك عن "العلماء و المثقفين" الذين يتوجه إليهم. و تتواصل الأعاجيب التأريخية السلفية فيقول الشيخ راشد: "غير أنه بالانقلاب الأموي الذي مثل على نحو ما عودة للنظام القديم وانسجاما مع الروح الإمبراطوري الثيوقراطي الاستبدادي الذي كان سائدا في العالم يومئذ بدأت زاوية الانفراج تتسع بين العلماء والحكام. وبعد صراع مرير دام لم تخمد جذوره قط، حصل نوع من الوفاق على تقاسم السلطة، فاستقل الحكام بسلطة التنفيذ يتوارثونها كالمتاع تاركين للعلماء سلطة التشريع أي الفقه والفتوى والقضاء والتربية والتعليم وإنشاء المؤسسات الشعبية من خلال الصدقات (الوقف)، فتكون بذلك مجتمع مدني إسلامي ثري جدا يتمتع بقدر كبير من الاستقلال عن السلطة." هكذا إذن ، في عهد الرسول و الخلفاء الأربع الأول "لم يكن هنالك تمايز بين الحكام و العلماء" ( و يمكن القول انه لم يكن هنالك "علماء" أصلا سوى رجال الدين) و بالتالي لم يكن هنالك "مجتمع مدني" و مع ذلك هذا هو "العصر الذهبي "الذي يعدنا بتقليده . بينما في العهدين الأموي و العباسي حيث انقلب الحكم "من الخلافة إلى الملك العضوض" و كان هذا الملك في انسجام مع " الروح الإمبراطوري الثيوقراطي الاستبدادي" كانت قد " بدأتزاوية الانفراج تتسع بين الماء و الحكام"… و بعد صراع (…) تكون بذلك مجتمع مدني إسلامي ثري جدا يتمتع بقدر كبير من الاستقلال عن السلطة" . عجبا للشيخ حقا : كيف نحرم من "المجتمع المدني " في "العصر الذهبي " و ننعم به في "العصر الإمبراطوري الثيوقراطي الاستبدادي" ؟ و اذا كان ظهور التمايز بين العلماء و الحكام و ظهور المجتمع المدني قد تما بعد الانقلاب الأموي و في العصر الإمبراطوري الثيوقراطي و الاستبدادي على اثر "الوفاق في تقاسم السلطة" فكيف يمدح الشيخ راشد " الشيخ و المثقف الديمقراطي" العلماء الذين تقاسموا السلطة مع الأباطرة الثيوقراطيين المستبدين فهل هذا هو دور العلماء و المثقفين الذي يعدنا به ؟ و إذا كان الأمويون و العباسيون ثيوقراطيين - و لذلك ينقدهم الشيخ - فكيف كان حكم الرسول و الخلفاء الأربع علما و أن الحكم الثيوقراطي في أبسط تعريفاته هو الحكم الإلهي الذي ينفذه الحكام الذين يحكمون باسم الله و إن الحكم الثيوقراطي هو بالتحديد "إلغاء المجتمع المدني "؟ (معجم علم الاجتماع ، بودون ، الشرقاوي و آخرون ، بالفرنسية ،لاروس، باريس 1998، مادة ثيوقراطية ،ص 234.) من كان أكثر ثيوقراطية بهذا المعنى : الرسول و الخلفاء الأربع أم أبو جعفر المنصور وهو أكثر حكام بني أمية و بني العباس " ثيوقراطية" ؟ أم ان الرسول و الخلفاء الأربع مارسوا ثيوقراطية شورية بينما الأمويون و العباسيون مارسوا الثيوقراطية المستبدة؟ و لكن في هذه الحالة لماذا لم يتمايز العلماء عن الحكام و لم يسمح بظهور "المجتمع المدني "الإسلامي إلا بعد الانقلاب الأموي؟ أليس من المفروض أن يتطور "المجتمع المدني الإسلامي" حيث الحاكم أكثر حرية و عدلا؟ و ماذا حصل بعد ذلك؟ يقول الشيخ راشد: " ومع تدهور المستوى العلمي وحتى الخلقي للأمة وللعلماء بأثر طول أمد الاستبداد وجري الكثير منهم وراء الأطماع وانحيازهم إلى مكاسبهم الشخصية، ضعفت مكانتهم لدى الأمة فاستضعفهم الحكام وأخذوا يسخرونهم لدعم عروشهم. وهكذا تيتمت الأمة أو كادت، فلا يكاد لسان ينطق باسمها، وأسلمت أمرها للدروشة باسم التصوف، وهو ذاته ثقافة إسلامية منحرفة عن الأصل، اشتد الطلب عليها لتعويض الفراغ الذي تركه العلماء الحقيقيون ولا سيما بعد سقوط بغداد وأفول نجم الخلافة العربية ثم حلول أنظمةالمماليك والعثمانيين الذين حملوا سيف الأمة دون الاقتدار على استيعاب ثقافته فسقطوا في حضن الثقافات الحلولية وأفشوها في الأمة.. وهكذا تحول الإسلام من ثقافة تغيير وحركة وثورة إلى ثقافة جمود وتشريع له واستبداد. فأصبح العلم ليس بالتعلم والتفكر في الكون لفقه سننه، وإنما بالمواجيد والكرامات والشطحات والانصراف عن الجهاد والاجتهاد، إلى المجاهدات الروحية الخيالية " غريب أمر الشيخ راشد، منذ قليل كان يعتبر الحكم الأموي- ثم العباسي- انقلابا على العصر الذهبي و هو الآن يمتدح العصر العباسي الذي من بعده ساءت الأمور و" تدهور المستوى العلمي و حتى الخلقي " اذن بعد سقوط الدولة العباسية – سقوط بغداد- تغير الأمر فسيطر التصوف الذي هو "ثقافة إسلامية منحرفة عن الأصل" و المتصوفة هم حسب الشيخ " خفافيش ا لليل" ( العنوشي، مقالات ، ص 60.) الذين انصرفوا عن "الجهاد و الاجتهاد" – هكذا بتعميم و دون أية إشارة إلى الفرق بين التصوف العالم و التصوف الطرقي- و لا عجب أن يعلن الشيخ الاجتهاد بل و الجهادضدهم ( و كذلك ضد التشيع) و هو في هذا سليل "الفرقة الناجية" من "أهل السنة و الجماعة" التي قتلت وقد تدعو إلى قتل العلماء و الشعراء و الفلاسفة و المفكرين العرب و المسلمين حديثا. كما إن الأمر غيب لأن ما تلا العهد العباسي ليس كله شر بهذه القتامة فهنالك أعلام و إبداعات فكرية عظيمة ظهرت بعد ذلك و لا يجب التعامل مع التاريخ العربي الإسلامي بهذا التبسيط المجحف و العدمي من الناحية الثقافية. لكن السؤال الأهم الذي يبقى مطروحا هو التالي: كيف لم تتطور العلوم العربية و الإسلامية سوى في الدولة العباسية التي هي ملك عضوض تنكر للخلافة؟ ألم يكن من المفترض أن يتقهقر الإنتاج العلمي و الأدبي و الفلسفي بسبب ابتعاد العرب المسلمين عن "المنهاج الديني و السياسي القويم " في الدولة العباسية؟ و بأية أحقية ينسب الإسلاميون إلى أنفسهم تلك النهضة الثقافية الأولى في حين أنهم يكادون يكفرون الحكام و العلماء و الفلاسفة و المبدعين الذين قاموا بها ؟ ألا يعود الفضل إلى تطور العلمنة القديمة بانفصال أولي بين الدين و السياسة في العهد العباسي بعد تطور و تنوع النسيج الاجتماعي المتشكل من شعوب مختلفة و مذاهب مختلفة قبلت بالتعايش في دولة لها نظام سياسي فصل نسبيا بين وظائف السياسة و القضاء و الإفتاء و العلم و الفن و الحرب و غيرها من الجوانب؟ ألم تنهض الثقافة العربية الإسلامية فقط يوم "تمايز العلماء عن الحكام" و ظهر "المجتمع المدني الإسلامي"؟ فلماذا تريدون إرجاعنا إلى "عصر ذهبي" لا يتمايز فيه العالم و المثقف و رجل الدين عن الحاكم و تدعون أن ذلك سيكون "العصر الذهبي" لنا؟ ما هو نموذجكم يا شيخ راشد في الإصلاح الذي سيقودنا إلى المجتمع المدني و حقوق الإنسان؟ يجيب الشيخ: " … حتى إذا أصاب الأمة قدر من اليقظة وارتفعت فيها في قلب الجزيرة العربية وفي الهند الإسلامية في القرن الثامن عشر أصوات تشجب الجمود وتدعو إلى الحركة والاجتهاد عودا إلى الأصول. كان الغرب قد استكمل نهضته وشحذ أسلحته وانطلق في حملات عسكرية واقتصادية وثقافية شاملة لفرض هيمنته على العالم وتدمير أساسيات الحضارات الأخرى وخاصة حضارة الإسلام. لقد أمكن للحملات الغربية أن تجهض مشروع النهوض الإسلامي المتحفز وتفرض عليه ثقافات وتصورات ونخبة متغربة بديلة عن نخبة العلماء.. غير أن ذلك كان محفزا للعلماء لتجديد بضاعتهم وشحذ أسلحتهم, حتى تحرر لهم من الإسلام قدر من الطاقة ولد قوة المقاومة والاقتباس من بعض ما رأوه من علومه وفنونه صالحا لتجديد الإسلام, لكن هذه المرحلة الاستعمارية المرة لم تكن بدون آثار لا تزال تطبع حياتنا، منها أنه لأول مرة في تاريخنا بلغالتمزق بين فئة مثقفيها حد التحارب والتقاتل وكذلك الأمر بين حكامنا وشعوبنا لسبب رئيس هو تباين المرجعيات، بما أنتجته المدرسة الحديثة التي أرساها المستعمر وتواصلت في عهد الاستقلال من نخبة مثقفة تباينت مع خريجي المدرسة التقليدية. وزاد الأمر حدة بوصول هذه الفئة إلى سدة الحكم واستخدامهم لقوة نفوذ الدولة الحديثة في بسط هيمنتهم على الشعب وعلى علمائه التقليديين والمحدثين مستفيدين من الدعم الأجنبي لمواجهة أبناء قومهم ولم يعدموا أنصارا ليس فقط بين فئة المثقفين الحديثين بل أيضا بين فئة المثقفين التقليديين "فقهاء السلطان" فتغولت الدولة وانسحق المجتمع المدني وضاع العدل أي حقوق الإنسان." هكذا اذن ، الأصولية الوهابية هي – عربيا – نموذج الشيخ في "الاجتهاد عودا إلى الأصول" و ما يجب اقتباسه عن الغرب الاستعماري هو فقط "بعض ما رأوه من علومه و فنونه ( يقصد الفنون العملية من تقنية و صنائع ) صالحا لتجديد الإسلام" أما ما دخل في المدرسة الحديثة من فلسفة و قوانين و آداب و فنون جميلة و علوم حديثة عدة …فهي كلها من التغريب الهادف إلى " تدمير أساسيات الحضارات الأخرى و خاصة حضارة الإسلام" و بالتالي فان النخب الثقافية و السياسية الحديثة و الحداثية مرفوضة هي و فئة من "المثقفين التقليديين فقهاء السلطان". لا مكان على ما يبدو لأحد سوى الإسلاميين على الطريقة الوهابية السعودية حيث لا دستور و لا أحزاب و لا جمعيات و لا انتخابات و لا حرية مرأة و لا صحافة حرة و لا فصل سلط و لا هم يحزنون لكن الشيخ يتناسى أن الاستعمار لم يدخل السعودية "لتفكيك دفاعاتها" لأن تحالف الوهابية وآل سعود أعفاهم أصلا من المخاطرة و الدخول إلى الأراضي الإسلامية المقدسة . هكذا يكون الشيخ راشد حفيدا للخط الإحيائي التقليدي و السلفي و خصما للخط الإصلاحي التحديثي ، انه حفيد محمد بن عبد الوهاب و من بعده الرشيد رضا ثم حسن البنا و هو ليس سليل خط الإصلاح التحديثي الذي كان محمد عبده من رواده ثم جاء من بعده أعلام مثل علي عبد الرازق و الطاهر الحداد و غيرهما. وهكذا هو الآن في خط السعودية (باحتشام) وقطر وتركيا في مواجهة ما تبقى من خط عبدا لناصر و بورقيبة و كل الخط الحداثي الوطني و القومي و اليساري. -6- وبعد كل هذا يتساءل الشيخ راشد قائلا: "أين الخلل؟" و يجيب: "واضح أن الانحراف في مسيرتنا قديم يوم أن تنازل العلماء أي المثقفون بلغة العصر عن الموقع القيادي الأول في الدولة مبررين ذلك باتقاء الفتنة، وتلك كانت بحد ذاتها الفتنة. وكان قبولهم الاكتفاء بأدوار ثانوية بداية الخلل الذي أفضى إلى أن اعتلى ـ ولا يزال ـ أمتنا ملوك ورؤساء جهلة بل أحيانا أو غالبا شياطين لا علم لهم ولا خلق ولا دين. ولم يسلم خريجو مدارس الحداثة والثورات وأيديولوجيات التحرير من التردي في مهاوي العلماء التقليديين. تلذذوا الأكل على موائد الحكام الظلمة وكثيرا ما تفوقوا على أسلافهم التقليديين في تزيين عروش الطغاة بشعارات الثقافة المعاصرة كالديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عن المجتمع المدني ضد الأصولية. وبعضهم لبس هذه لتوه بعد أن ألقى جانبا بأردية كانت بالأمس صالحة للأكل على موائد حكام الأمس كالعروبة والوحدة والتقدم والثورية. وتحرير فلسطين وخدمة الطبقة العاملة. فالخلل في المثقف، تقليديا كان أو تحديثيا. المثقفون هم الذين أخصوا المقاومة في شعوبنا، هم سحرة فرعون, هم الداء والدواء. المثقفون هم طاقة القلاع والدفع والتوجيه لتحريك قاطرة أمتنا. وهم بقدر ما ينحازون للأمة بقدر ما تحميهم وتحول مغلوبهم إلى شهيد وتعلن غالبهم، وبقدر ما ينحازون إلى الطاغية بقدر ما يحتقرهم ويستفرد بهم لتخلي الشعب عنهم.. أما العقبة الكؤود فهي الدولة التي أضافت إلى الطغيان الموروث التغرب والاستظهار على الأمة ومثقفيها بالأجنبي. الأمر الذي يقتضي:" كأننا به يقول : - لا تتقوا الفتنة فتلك هي الفتنة. - على العلماء ( أي أساسا رجال الدين) ألا يتنازلوا عن الموقع القيادي الأول في الدولة و ألا يكتفوا بأدوار ثانوية و يبدو أن النموذج هو إما غير قابل للتحقيق تماما كنموذج قيادة الرسول و الخلفاء الذين كانوا علماء – حكام في نفس الوقت وإما كنموذج آل سعود-علماء الوهابية أو الشيخ القرضاوي وآل خليفة حيث الممالك التي لا دستور ولا حقوق إنسان و لا حرية مثقفين معاصرين لا مجتمع مدني. - الرؤساء و الملوك ليسوا فقط جهلة بل "أحيانا أو غالبا شياطين لا علم لهم و لاخلق و لادين"… - خريجوا المدارس التقليدية و الحداثيين خدم للحكام… - مناضلو العروبة و الوحدة و التقدم و الثورية و خدمة الطبقة العاملة و كل المثقفين التقليديين و الحداثيين هم "سحرة فرعون ، هم الداء و الدواء"… - الدول الحداثية متغربة و هي "العقبة الكؤود"… من بقي صالحا في هذه الأمة يا ترى؟ وحدهم الإسلاميون على ما يبدو. و بعد ذلك يتحدث الشيخ عن الديمقراطية و المجتمع المدني. فمع من سيقيمهما؟ مع "الشياطين" و "سحرة فرعون"و "فقهاء السلطان". الأرجح أنه سيعلن ضدهم جميعا "الاجتهاد و الجهاد" لتحقيق مجتمع "لا تمايز فيه بين العالم و الحاكم". و بعد كل هذا نقرأ ما يريد الشيخ: "مصالحة تاريخية بين فئات المثقفين على أساس أ) القبول بالإسلام والثقافة العربية مرجعا أعلى لثقافتنا المعاصرة مع ضمان حق الاجتهاد، فلا كنيسة في الإسلام ولا ناطق رسميا باسم الأمة.. ب) نصرة المظلوم بقطع النظر عن جنسه أو مذهبه وقد كان ذلك جوهر حلف الفضول بين القبائل العربية قبل الإسلام، مطلوب اليوم وبكل صدق وحسم القيام في وجه الظالم أيا كانت أيديولوجيته، إسلامية أو علمانية.. ج) الإقرار للجميع بحقوق متساوية تضمن حق التعبير والاعتقاد والتجمع والمشاركة في السلطة والتداول عليها عبر صناديق الاقتراع.. د) الدفاع عما تبقى من مؤسسات المجتمع المدني والتظاهر الشامل على كل نيل من استقلالها أيا كان مذهب المعتدي.. هـ) الامتناع المطلق عن استصراخ الأجنبي والاستعانة به على ظالم محلي ومقابل ذلك دعم الوحدة الوطنية وتحريم تعريضها للخطر مهما كانت السلطة الحاكمة ورفض الانجرار إلى حمأة التقاتل داخل أوطاننا وفيما بينها مهما كانت الدواعي.. 2 -التداعي والتعاون والمشاركة في تنشئة وترسيخ وإشاعة ثقافة عربية إسلامية معاصرة تؤسس للتسامح وللتعددية وتوقير إرادة الأمة وصناديق الاقتراع والتداول السلمي على السلطة وتنبذ حكم الفرد والأسرة والحزب الواحد وكل ضروب الإقصاء والعدوان على حقوق الإنسان. . 3- التعاون على تأسيس نواتات لمجتمعات عربية ديمقراطية حقيقية فوق مستوى الأحزاب والإيديولوجيات حتى يتدرب عليها المثقفون من مشارب مختلفة على التسامح والتعددية والتداول على قيادتها عبر صناديق الاقتراع كالنقابات واتحادات الكتاب والمحامين والجمعيات الطوعية وذلك على طرقجبهات ديمقراطية حقيقية لمواجهة الطغيان والتمهيد لديمقراطيات وطنية على طريق نظام عربي "إسلامي" ديمقراطي. (…)" ( انتهى ) كلام جميل جدا و يمكن تلخيصه في عبارتين "حلف الفضول بين القبائل العربية قبل الإسلام" و لكن – و يا للغرابة- مع " القبول بالإسلام والثقافة العربية مرجعا أعلى لثقافتنا المعاصرة مع ضمان حق الاجتهاد، فلا كنيسة في الإسلام ولا ناطق رسميا باسم الأمة." ولكن الشيخ نسي أن كامل مقاله لم يحتو سوى على اعتبار الإسلام لوحده مرجعية عليافلماذا أضاف الآن عبارة " و الثقافة العربية"؟. أنها الوسيلة عينها التي يستعملها الإسلاميون منذ بداية التسعينات في محاولة جر التيار القومي إلى صفوفهم و قيادتهم و فصلهم عن اليسار العربي منذ تأسيس "المؤتمر القومي الإسلامي". مصطلح "الثقافة العربية" هو فقط من باب تكتيك الشيخ السلفي لتدجين المثقف و المناضل السياسي القومي العربي. -7- أما عن حديثه عن العلمانيين و عن المجتمع المدني و عن الجبهة الديمقراطية و غيرها فكلها أوراق توت خانها قلمه، وزلات القلم ليست كزلات اللسان فهي أشد و أخطر- إذ كرر الشيخ في الجملة قبل الأخيرة من نصه عبارة كتبها في فقرة سابقة داخل النص. قال في حديث عن التاريخ : …" وأقرب فئة في تاريخنا العربي "الإسلامي" لهذه الفئة المعروفة في عصرنا بفئة المثقفين هي فئة العلماء وبالأخص علماء الدين …" و كتب في آخر مقاله : " التعاون على تأسيس نواتات لمجتمعات عربية ديمقراطية حقيقية (…) وذلك على طرق جبهات ديمقراطية حقيقية لمواجهة الطغيان والتمهيد لديمقراطيات وطنية على طريق نظام عربي "إسلامي" ديمقراطي." و لكن عبارة إسلامي و للمرة الثانية في النص عندما تلحق بالتاريخ العربي أو عندما تلحق بالمستقبل الديمقراطي في المجتمع العربي ترد بين مزدوجين.( - في الموقع الالكتروني للشيخ توجد "المقاربة " مصورة و لا يمكن تحوير النص فيها بسهولة. ) و هكذا فالتاريخ العربي منذ مقتل علي و ظهور "المجتمع المدني" العربي الإسلامي لم يكن إسلاميا الا بين مزدوجين. وكذلك النظام العربي الإسلامي الديمقراطي ليس هدف الشيخ المستقبلي. إن الشيخ راشد ، مثل حركة النهضة التونسية التي يتزعمها ، سلفي و ليس ديمقراطيا كما حاولنا توضيح ذلك ان هدفه الحقيقي النهائي هو "نظام اسلامي" دون يافطات المدنية و الديمقراطية.
خاتمة: و إذا الرئاسة لم تعن بسياسة عقلية خطئ الصواب السائس من البيان التأسيسي الواضح المعالم السلفية إلى القانون الأساسي الذي تحلت فيه حركة النهضة ببعض الحلي و الحلل الديمقراطية الى تنظيرات الشيخ راشد الملتبسة نتبين ليس فقط ازدواج الخطاب بل خطورة المشروع النهضوي على الثورة التونسية التي هي ثورة سياسية ديمقراطية بالأساس. إن حركة النهضة تنتمي إلى طيف الحركات الإسلامية التي و صفناها بأنها حركات وطنية محافظة و إن النضال ضدها يتطلب التعبير قولا و فعلا عن وطنية أشد منها و عن ديمقراطية مدنية حداثية و ليس عن مجرد "تكيف "ديمقراطي من صنف آخر. إن الوطنية الحداثية لا بد لها من الحسم في مسألة التبعية و إلا فإنها سوف تتحول إلى مساعد على التطور السياسي للسلفية. كما ان هذه الوطنية الحديثة لا بد أن تكون وطنية جديدة تفصل مع الوطنيات المستبدة القديمة و النزعات القومية المستبدة و الشوفينية دفاعا عن عروبة جديدة ديمقراطية خاصة مع الأقليات غيرالعربية. كما ان الديمقراطية المدنية الحداثية عليها أن تقطع خاصة مع أي شكل من أشكال الاضطهاد الديني و مع الاضطهاد الجنسي و تصبح ديمقراطية إنسانية فعلية في القانون و تحاول أن ترتقي إلى ذلك في مستوى التطبيق. إن هذا يقتضي من تنظيمات الحركات السياسية الديمقراطية و القومية و اليسارية أن تراجع هي نفسها مفاهيمها و ممارساتها و تجاربها و الا فان الذي سيميزها عن الحركة الإسلامية هو تميز الاستبداد الحداثي عن الاستبداد المحافظ. لكن سؤالا مهما يطرح: ألا توجد أية إمكانية لتحول حركة النهضة إلى حزب ديمقراطي حديث على طريقة المحافظين الأنقليز مثلا؟ هنالك محافظون و محافظون و ان الفرق بينهما كبير جدا إذ في انقلترا الحزب المحافظ علماني و ليبيرالي في أقدم دولة ديمقراطية حديثة في العالم أما في تونس- و في العالم الإسلامي عموما- فالنزعة المحافظة لا تزال تنجذب إلى الوراء و لا تقبل الجمهورية الا تكيفا مع "الجمهورية الاسلامية" و لا الديمقراطية إلا تكيفا مع الشورى و لا المواطنة إلا تكيفا مع التابعية و لا دور الشعب إلا تكيفا مع مفهوم الرعية التي تسيطر عليها الجماعة الدينية و "الفرقة الناجية"…الخ. إن الطابع الديني لهذه الحركة هو الذي يصعب انتقالها إلى حركة محافظة على الطريقة الانقليزية لأن السلفية العقائدية تمثل قطب الرحى في منظومة التفكير السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي . لكن الصعب لا يعني الاستحالة فلا نعتقد في قدرة أية حركة سياسية على مواجهة التحولات التاريخية. ان التحول ليس فقط أمر ممكن و لكنه حتمي لكن بعض التحولات ممكنة على المدى الطويل فقط . داخل الحركة الإسلامية" الوسطية المعتدلة" توجد إمكانيات التحول أسهل نسبيا من الحركات الإسلامية الإرهابية أو "الجذرية المسلحة" – كحزب الله- على الأقل في مستوى الأشخاص داخلها إذا كانت لديهم مواصفات شخصية قوية نفسيا و معرفيا . إن لدينا في تونس تجربة مهمة تمثلت في انفصال "الإسلاميين التقدميين" عن "الاتجاه الإسلامي" و تكوينهم مجموعة فكرية –سياسية مستقلة بتأثير أعمال حسن حنفي و علي شريعتي …و قد تطورت هذه المجموعة بعد ثورة 14 جانفي و أسس بعض رموزها "حزب العدالة و التنمية" الذي يقوده أحد مؤلفي الأرضية الفكرية الأولى للإسلاميين التقدميين. ان هذا المؤشر يعطينا فكرة حول إمكانيات التحول و لكن حجم التحول و نوعه يبقى رهن نضج النضال السياسي و الفكري الذي يمارس ضد الحركة الإسلامية في الإطار الديمقراطي و لا إطار غيره. ان البعض – أمام صعوبة المسألة- يتمنون تحول النهضة إلى حزب ديمقراطي حديث و لكن المسألة ليست بالسهولة هاته فحتى داخل هذه الحركة يحسب المعتدلون فيها كل كلماتهم خوفا من المتشددين من إخوتهم ؛ ناهيك عن الخوف من المتشددين من حزب التحرير أو السلفية الجديدة الوهابية. لكن عندما يناقش نفس هؤلاء المعتدلون مع القوميين و اليساريين و الديمقراطيين يتراجع اعتدالهم و تتراجع وسطيتهم و يشعرون بالاقتراب من الإسلاميين المتشددين أكثر من الحداثيين لأن المقدس الديني لا يزال يلتهم السياسي الدنيوي ضمن المنظور السلفي التقليدي و لأن التيارات الديمقراطية و القومية و اليسارية لم تتحول هي نفسها بعد إلى حركات ديمقراطية ناضجة رغم الفارق الكبير بينها و بين الحركة الإسلامية. لهذا السبب فان مهمة الديمقراطيين الحداثيين هي النضال الديمقراطي – و الديمقراطي لا غير- و لكن الحازم ضد حركة النهضة و غيرها من تنظيمات الحركة الإسلامية مع التفريق الفعلي و المرن بين درجات التطرف و السلفية عندهم . ان حركة النهضة حركة قانونية معترف بها – من حسن حظ المجتمع التونسي أن ذلك تم بعد ثورة ديمقراطية - و هي بالتالي لم تعد ضحية و لا يجب ان تصبح كذلك في أي يوم من الأيام لأن النضال ضدها عساها تتحول إلى حركة ديمقراطية حداثية ( و هو أمر صعب على حركة تتبنى بيانا تأسيسيا و قانونا أساسيا كالذين رأينا) لا بد ان يكون نضالا ديمقراطيا. أما اذا لم تتحول فان الأرجح انها هي التي سوف ترفض النضال الديمقراطي و تتحول الى العنف كما فعلت في الماضي و لكن بمساعدة مخالفيها السلطويين الذين كانوا لا ديمقراطيين هم أيضا و أحيانا بمساعدة نسبية من بعض العلمانيين المتطرفين كما كان يحصل في الجامعة التونسية في الثمانينات من القرن الماضي خاصة. *** في الأخير نود أن نذكر ان النضال السياسي و الفكري نضال أخلاقي قيمي أيضا وان قيمة القيم فيه هي النضال من أجل الآخرين شعبا و أمة و إنسانية . و إذا كانت الثورة التونسية ثورة ديمقراطية فان هدفها الأساسي يفترض أن يكون تحقيق جمهورية ديمقراطية إنسانية تعتمد المبادئ العالمية لحقوق الإنسان مرجعا حقوقيا دوليا وتعمل على تبيئتها في تربة تونس العربية الحداثية و المدنية والتي يسكنها شعب مسلم في غالبيته الساحقة من خلال تغذيتها برصيد العرب و المسلمين العقلاني و الإنساني العريق و العظيم. و إن هذا الهدف إنساني بامتياز يعتمد قيمة المواطنة و يعلو على الانتماءات الجنسية و الدينية و الجهوية و القبلية و غيرها . يروى عن الإمام علي بن أبي طالب- في نهج البلاغة- و عن رابعة العدوية قولهما ما معناه " ان من يعبد الله رغبة و طمعا فعبادته عبادة التجار و من يعبد الله خوفا و رهبة فعبادته عبادة العبيد وأما من يعبد الله عشقا و شكرا فتلك عبادة الأحرار وهي خير العبادة"( انظر "نهج البلاغة، ص 579) و ان من يعشقون الله يفترض أن لا يسيؤوا للإنسان أيا كان وان إيمان هؤلاء غنى روحي للإنسانية جمعاء. فهل يتذكر الإسلاميون هذا حتى لا يأتي يوم يقول فيه التونسيون المسلمون كما قال الإمام علي "…فيا لله و للشورى"؟ وهل يعتبرون حتى لا يأتي يوم يردد فيه التونسيون مع المعري:
" توهمت يا مغرور أنك دين علي يمين الله ما لك دين تسير إلى البيت الحرام تنسكا ويشكوك جار بائس و خدين"
إلى أن يصل الأمر بهم إلى القول:
" أذا رام كيدا بالصلاة مقيمها فتاركها عمدا إلى الله أقرب" كما يروى عن قصة "مفاتيح المملكة" ان قسا مسيحيا كان يعمل في الصين إذ داهم البلاد وباء و كان له صديق طبيب ملحد فطلب منه أن يأتي من أروبا إلى الصين لمساعدته في علاج الموبوئين فوافق الطبيب و لكنه أصيب بالوباء و أشرف على الموت و أراد القس تذكيره بالله فرفض الطبيب الملحد ذلك و طلب أن لا يتم إزعاجه بذلك لحظات موته. و لما مات احتجت إحدى الراهبات على القس كيف يترك صاحبه يموت ملحدا فأجاب القس " ان مكان هذا الرجل محفوظ في النعيم الأبدي و إن لم يؤمن به. إن رجلا ترك بلاده و فارق أهله ليلبي نداء الإنسانية لهو أولى الناس بالخلود". ( عن يوسف شلحت: نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني) . وهل يعتبر الليبراليون الديمقراطيون و القوميون و اليساريون و الاسلاميون التقدميون بهذا حتى لا يأتي يوم يقول فيه التونسيون الحداثيون العقلانيون كما قال المعري: يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم و يقال ساسة فأف من الحياة وأف مني و من زمن رئاسته خساسة."؟
و هل يعتبر الحداثيون فيدافعون عن حرية المعتقد - بل و الحرية بشكل عام- أكثر مما يدافع عنها الإسلاميون؟ و يتجنبون أصولياتهم و سلفياتهم الخاصة بهم و ينادون بإخلاص إنساني و عن قناعة تامة بإسلام ديمقراطي و بليبرالية ديمقراطية و قومية ديمقراطية و اشتراكية ديمقراطية لا تحيد تماما عن "الديمقراطية و الأنسنة" – كما ينادي بذلك المفكر ادوارد سعيد -حتى لا يأتي يوم يصح فيهم قول المعري مرة أخرى :
"وجدت الفتى يرمي سواه بدائه و يشكو إليك الظلم وهو ظلوم فان كان شيطان لم يستفزه فأيهما عند القياس تلوم "؟
عسى الذكرى أن تنفع الجميع من مؤمنين و لا أدريين و ملحدين و من إسلاميين و حداثيين حتى لا يحولوا تونس إلى "غرفة من خزف تتعارك داخلها الفيلة" وحتى يهتدون إلى الحل و هو :"…إنقاذ العلم و السياسة، لا من الدين، إذ المفهوم يتطلب كل مرة مزيد تدقيق، بل من التأويل الذي فرضته السنة، والسنة مؤسسة بشرية، رسمية كانت أم لا، منظمة كانت أم لا، والواجب عام و دائم إذ لا نهاية للصراع. "( عبدالله العروي، السنة و الإصلاح ، ص210.) ولكن السنة – بمعنى الأرثودوكسا- لا توجد فقط عند الإسلاميين بل عند الجميع تقريبا فهل يصلح كل منا سنته الخاصة في إطار الأفق الديمقراطي الذي فتحته ثورة 14 جانفي؟
أهم المصادر و المراجع: 1-القرآن.
2-موسوعة الحديث الشريف الالكترونية (الكتب التسع).
3-البيان التأسيسي لحركة النهضة – الاتجاه الإسلامي". 4- القانون الأساسي لحركة النهضة.
5- "الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي للاتجاه الإسلامي.
6- صلاح الدين الجورشي و محمد القوماني و عبدالعزيز التميمي .المقدمات النظرية للإسلاميين التقدميين:لماذا الإسلام؟ كيف نفهمه؟ ، دار البراق للنشر،تونس.1989.
7- راشد العنوشي ، مقالات، الطبعة الثانية، مطبعة تونس قرطاج 1988.
8- الإمام علي بن أبي طالب ، نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي و شرح الإمام محمد عبده ، دار الفجر للتراث، القاهرة،2005.
9- د.يوسف شلحت، نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني…، دار الفارابي، بيروت، 2003.
10-مجلة "المعرفة" ،تونس، فيفري 1979.
11- أبو العلاء المعري، اللزوميات.
12- هشام جعيط، الفتنة، دار الطليعة ، بيروت،1991.
13-عبدالله العروي، السنة والإصلاح، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء-بيروت،2008.
14- عبد الرحمان ابن خلدون ، المقدمة ، دار الجيل ،بيروت ، دت.
15- جريدة "الفجر"،الجريدة الرسمية لحركة النهضة، العدد05، الجمعة 06 ماي 2011. 16- Dictionnaire de sociologie, R. Boudon , P. Besnard , M. Cherkaoui , B-P Lécuyer , Larousse - France loisirs, Paris ,1988. 17- موقع "ويكيبيديا الإخوان المسلمون". http://www.ikhwanwiki.com
18- موقع الشيخ راشد الغنوشي. ghannoushi.net
19-صفحة "حركة النهضة" التونسية على الفايسبوك :الصفحة الرسمية.
20- صفحة جريدة " الفجر-حركة النهضة" على الفايسبوك. 21- مقاربات في العلمانية و المجتمع المدني ، المقاربة السابعة في الموقع الخاص بالشيخ ghannoushi.net. -22- ابن تيمية، الوصية الكبرى ، دار الجيل بيروت 1991. -23- محمد السويدي ، مفاهيم علم الاجتماع الثقافي و مصطلحاته ، الدار الوطنية للكتاب بالجزائر- الدار التونسية للنشر، 1991. -24- راجع غي روشيه ، مدخل إلى علم الاجتماع ، 1: الفعل الاجتماعي، تعريب مصطفى دندشلي ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت ،1983، ص ص136/1143. -25- البيان الختامي للمؤتمر التاسع لحركة النهضة. -26- النظام الأساسي لحركة النهضة بعد تنقيحه في المؤتمر التاسع.
#بيرم_ناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
-
الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن
...
المزيد.....
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|