|
معيار الأخلاق بين الثابت و المتحول (الدين و المجتمع)
سليمان سمير غانم
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 01:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأخلاق في الثقافة العربية كما في كل المجتمعات هي: عبارة عن منظومة أو جملة من القواعد والأسس التي يعرف الإنسان بواسطتها معيار الخير و الشر في سلوك ما. في مجتمعات اليوم، و على الرغم من تشعب مصطلح الأخلاق و التعاريف و الشروحات، إلا أن مايسمى بمصطلح أو مفهوم الأخلاق يأخذ منحيين مختلفين، لناحية المنشأ أو المصدر الذي يدعم هذه الأخلاق؛ المنحى الأول: أخلاق تعتمد على الدين الذي رسخ قواعد معينة في التعاطي مع مواقف الحياة و ظروفها، ناسبا هذه القيم الأخلاقية إلى مصدر إلهي يدعمها، بذلك يكون الغيب هو المصدر الذي يعتمد عليه في ترسيخ هذه القيم في المجتمع. المنحى الثاني: هو منحي إنساني إجتماعي أو علماني، صاغته ضرورات المجتمع و ظروفه في جميع مراحل تطورها من المراحل البدائية، عبر وسائل الإنتاج البدائيةإلى مصافي التقدم و التطوراالصناعي، هنا نلاحظ أن المجتمعات الصناعية قد سمت وارتقت مع أنها لم تنسب شروطها الأخلاقية على الرغم من ضبابية النوقف منها إلى الدين أو الله. الخلاف حول الموضوع، أو أهمية الموضوع بين الديني و الإنساني، تأتي من مشكلة تقييم حالة إنسانية بكونها أخلاقية أم لا، فما هو المعيار؟ و من هو الذي يقيم أو يحكم وما مستواه أو توجهاته؟ بالرغم من تعقيد الموضوع وعدم بساطته، لكن بالتأكيد نستطيع القول أن الحكم الأول و الأخير في صياغة الأخلاق يعود للمجتمع و ليس للغيب كما تدعي الأديان. ماديا و بعيدا عن عالم الآلهة والعدم، تلعب عدة مؤثرات أدوارا كبيرة في موضوع ما يسمى بالأخلاق و التي تختلف من مجتمع الى آخر، منها مستوى العلم، الاقتصاد، المناخ، الدين. إلا أننا لا نستطيع فهم، أو وضع تصور للأخلاق بمعزل عن ظروف المجتمع، فما نراه أخلاقيا في مجتمع ما، يمكن أن يكون قمة ثقافة العيب في مجتمع آخر. أيضا الكثير من الظواهر اللاأخلاقية في مجتمع ما، من الممكن أن تكون أمرا عاديا عند مجتمع آخر. لا تغيب هنا فكرة العقل الجمعي و العقل الفردي، فالفرد عندما يتخلى عن عقله لصالح المجتمع أو ثقافة القطيع، تختلف آلية قياس عقله لمعايير الخير والشر و يتصرف وفقا لمصالح العقل الجمعي، التي تكون في كثير من الأحيان مخالفة لتصرف الفرد لوحده إن وضع في نفس الموقف، فمن الممكن أن يتصرف بما تمليه عليه فرديته، لكن العقل الجمعي يتصرف بطريقة مخالفة، مبرمجة على أدلوجة، لها نقاط رسختها مصالح الجماعة، ليس من السهل على أحد تجاوزها، لذلك يبقى العقل الجمعي عقل ركود و تدهور، بينما العقل الفردي المخالف، دوما يصنع التغيير و الإبداع إنطلاقا من احترام الذات الفردية. أمثلة كثيرة تؤخذ من التاريخ عن اختلاف منظومة ما يسمى بالأخلاق من مجتمع إلى آخر، نبدأ مع مثال من إسبارطة المدينة اليونانية صاحبة الصيت الذائع في التاريخ لناحية حياتها العسكرية المتقشفة و الأمور المفروضة على الفرد منذ ولادته و طيلة حياته. في موضوع الأخلاق، كان المجتمع الإسبارطي دوما يتفاخر بالتفوق الأخلاقي على مدن اليونان، متبجحا بانعدام البغاء و الدعارة في إسبارطة كما في بقية مدن اليونان. لكن و بالعودة إلى داخل المجتمع في هذا الموضوع نتابع ظاهرة غريبة لدى الإسبارطيين و مختلفة عن بقية مجتمعات اليونان و هي، أن الرجل الضعيف أو المسن في كثير من المرات كان يهب زوجته لرجل قوي و ذلك لتحسين النسل، و عندما كان اليونانيون يحاجون إسبارطة في ذلك، كان جواب المجتمع الإسبارطي، أنه من الطبيعي أن يقوم الرجل بتلقيح بقرته أو الحيوان لديه من حيوان آخر من نسل جيد لتحسن النوعية، فلماذا لا يفعل البشر ذلك، و هل تحسين النوع البشري و الإتيان بأشخاص معافين أقوياء إلى المجتمع و الحياة عار ؟! هنا، من يستطيع أن يحكم فالمجتمع راض مقتنع بالأحكام التي وضعها، بل يعتبرها أحكاما عادية، بينما لا يفهم حيرة أولئك الذين يسألون عنها. لكن القيمة هنا تبقي قيمة حكم إنسان أو قيمة حكم مجتمع، أخطأ أم أصاب، لا تنسب الى الله أو المقدس، فتنحصر تأثيراتها النفسية بالمجتمع الذي اجترحها من ظروفه الذاتية ، لذلك فمن السهل عليه عند تطوير أو محاولة تحسين ظروفه التخلص منها أو إعادة النظر فيها بكونها عادات إجتماعية بالية، لذلك تكون قدرة المجتمع على الخروج من أزماته أسهل، فلا يحتاج الإنسان إلى تدمير منظومته الدينية، إذا أراد التطور أو تغيير منظومته الأخلاقية، لذلك ترى المجتمعات الغير متدينة تنعم بحالة كبيرة من العقلانية،حرمت منها المجتمعات المتدينة صاحبة النعم المتخيلة ! مثلنا الأخرعلى الأخلاق بمصدرها الديني و تناقضاتها مع عيش المجتمعات سيكون من الثقافة الإسلامية المتناقضة في كل شئ ! في موضوع الأخلاق، تصف الرواية الإسلامية و تلح في بداياتها على مقولة أن نبي الإسلام محمد جاء ليتمم مكارم الأخلاق و دائما حسب قوله الشهير (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) في هذا الموضوع لا يسعنا الا أن نضرب المثل عن تناقض الثقافة الإسلامية فيما يخص موضوع خلط الأخلاق الإجتماعية بالدين، أو بالأحرى توريط الأخلاق في مستنقع الدين السياسي، فمثلا، عندما تقرأ هذا القول لنبي الإسلام عن الأخلاق في كتب المسلمين تعجب به و يلفت انتباهك، لكن عندما تقرأ في كتب المسلمين و مراجعهم الغبية ذائعة الصيت صحيح مسلم و البخاري، تستطيع أن تصل إلى خيوط في موضوع الأخلاق الإسلامية و دوما من وجهة نظر مرجعياتها الأشهر في صحيحي مسلم و البخاري مدمري الأجيال الاسلامية، نأخذ مثلا موضوع زيجات الرسول، و نحن نعرف ما مدى إرتباك أخلاقيات المجتمع الشرقي بمواضيع المرأة و الشرف و العرض و الزواج، تقرأ ما يلي في موضوع الزيجات أولا : كان الرسول قد قتل والد صفية اليهودية و في طريق العودة من قتال اليهود تزوجها لأنه رسول الرحمة ! في موضوع عائشة تقرأ ولأنها كانت صغيرة و لأنه رسول الرحمة فلم يدخل بها بل قام بمفاخذتها، طبعا الكلام دوما لمسلم و البخاري. من هو هذا الأخلاقي في المجتمع الشرقي و الذي يقوم بنكح إمرأة توفي والدها للتو كصفية و أين الأخلاق في ذلك ؟ من هو هذا الخلوق الذي يفاخذ فتاة قاصر كعائشة و يقال عنه رسول للرحمة لأنه لم يضاجعها ؟ و هل الإعتداء على القاصر جنسيا من دون الإيلاج أمر أخلاقي في المجتمع الشرقي الإسلامي ؟ يبدو أن هذه التناقضات ضريبة زج الدين في عادات المجتمع و تقاليده من القبلية و العشائرية ليصل الأمر أخيرا للخلط بين الأخلاقي و الديني بطريقة متناقضة ! لكن بكل الأحوال و حسب أخلاقيات المجتمع الشرقي فان من يقترف هذه الأفعال ليس بخلوق لكن علينا تحمل شر الأديان و تناقضاتها إلى ما نهاية و عدم المساس بنصوصها المقدسة التي كتبها على ما يبدو بعض المجانين المتصفين بالهذيان و التناقض ! عندما تحمل هذه التناقضات الدينيية لأخلاق مجتمع، كيف ستنجح في خلق مجتمع متوازن ؟! هنا ورط المتدينون المنظومة الأخلاقية بربطها بهلوسات الدين و بنسبها إلى الغيب أو الله، بذلك نسبت تصرفات المجتمع الشاذة إلى الدين و تصرفات الدين الشاذة إلى المجتمع و الأخلاق مما شكل صعوبة في الفصل بين الإثنين، أدت إلى ضياع المجتمع و غرقه السحيق، سنحتاج إلى مئات السنيين لإسقاط الإجتماعي البالي من الديني و الديني البالي من الإجتماعي لنصل الى الفصل بين الديني و السياسي الذي هو نتيجة للفصل الأول، الفضل دوما يعود في التناقض لعقول المسلمين و مراجعهم التي تخلط الدين في كل شئ ! طرح آخر يتعلق بأخلاق ما يخص علاقة الذكر و الأنثى، و ما تعنيه هذه العلاقة من أهمية في ذاكرة المجتمعات و أخلاقها، في الغرب يعاشر الرجل امرأة أو خليلة لسنين و من دون عقد أو أي شئ شرعي و ربما ينجبون الأولاد، بينما نلاحظ في الشرق أن الأمر ممنوع و هو في أحسن ظروفه زنى ! هنا من يحكم أن العقد أو الورقة قد شرعت العلاقة بين الطرفين. السؤال الملح أخلاقيا؛ هل يمنع العقد أحد الطرفين من الخيانة؟ لا أعتقد، أعتقد أن الحب هو من يستطيع أن يمنع أحد الطرفين من الخيانة. إذا تبقى قضية الأخلاق، قضية شروط تطور المجتمعات وليست أمور غيبية عدمية. و ستبقى قضية مناقشة موضوع الأخلاق و معاييرها قضية شائكة في أي مجتمع، لكن بالتأكيد لن تحيد بوصلتها عن ظروف المجتمع صعودا أو هبوطا، و ليس الدين هو المتحكم فيها، لكن المشكلة تكمن في أن حضور الله دوما يكون قويا في المجتمعات الجاهلة و الفوضوية، حتى أن مفهوم الجنة الأخلاقي هو مفهوم يعبر عن فشل المجتمعات في تنظيم أمورها الحياتية للوصول إلى السعادة و لذلك تمني النفس بالوصول إليها في الآخرة عبر مفهوم الجنة ! لن يستطيع الدين في أي زمن من إنتشال المجتمع المنهار أخلاقيا، لا بل سينحدر الدين و الإله إلى هاوية الإنهيار الأخلاقي لمجتمع ما، عندما عندما يفكر هذا المجتمع بكل منظوماته بطريقة دينية تقوم على ربط الدين بالأخلاق أو العكس، هنا المجرم بحق الدين هو من يزج الدين في كل شئ في هذه الحياة ! إنما الأخلاق بمراحلها المختلفة انعكاس للحيوان و الإنسان في الإنسان و ليست انعكاسا لله !
#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يحصل في الشرق
-
المنتصر في التاريخ هو المقدس ( بيزنطة مثلا)
-
أبو لهب، أبو جهل، أصوات العقل في قريش و المصير المأساوي للأم
...
-
ملاحظات بسيطة على العلمانية في العالم العربي
-
ميثرا و طقوس العبادة الميثرائية في الإمبراطورية الرومانية
-
بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري
-
عندما يصبح دين الشعب أهم من وجود الشعب (من نحن،عرب أم مسلمون
...
-
حنين إلى عقل القرن الثاني و الثالث الهجري (المعتزلة)
-
أدلجة المجتمع و عبثية الاسلام السياسي
-
الإله المتجسد بين الوسط الاغريقي الهيليني و الديانة المسيحية
-
الشرق الأدنى من عبادة المرأة الى استعبادها
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|