|
قراءة في ديوان - صرخة الوطن العربي - للشاعر المغربي مصطفى الوراد من إنجاز الإعلامي عبدالعاطي الخازن
عبدالعاطي الخازن
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 00:11
المحور:
الادب والفن
قراءة في ديوان " صرخة الوطن العربي " للشاعر المغربي مصطفى الوراد
بقلم : الإعلامي عبدالعاطي الخازن
على ضوء شحيح لأبجورة قديمة ، وعلى مسافة غير بعيدة من حزن وعويل الشعوب العربية .. بل وفي قلب ذلك الأنين الذي ينحو نحو الكتمان وتقطـُع الأنفاس .. ظلت تراودني لفترات متلاحقة فكرة قراءة في ديوان صرخة الوطن العربي للشاعرمصطفى الوراد . هذه القراءة التي تنطلق من ذات ممزقة تمزُّق هذا الوطن العربي الذي حمَّلنا جينات القهر والهزيمة و التجزء .. فكم تنمحي المسافة فعلا في أوطاننا ليصبح الموضوع ذاتـاً والذات موضوعاً ولتصبح السياسة شيء ملموساً ومحسوساً بل وتجربة ذاتية فريدة تبدأ من كسرة خبز جافة لمواطن كادح إلى دمٍ يتلاشى في التراب بلا وخْزِ ضمير .. هكذا بالفعل يُحاصر الإنسان العربي حينما يعشق وردة / إمرأة أو يريد أن يـُشكل ماءً أو شجرة على لوحة تشكيلية .. يُحاصر بزلزلة الصرخة المُدوية التي تهزه من أعماقه : " توقف أيها العربي .. الدم القهر العبث المهانة تحاصر حلمكَ وردتكَ وامرأتكَ الفاتنة ".
بالفعل هذا حال شاعر زماننا إن كان صادقا ومُلتصقاً بهموم وطنه فبعض همومه إلم نقل جُلها هي هموم كل هاته الجموع الوشومة بزمن الهزيمة الذي يؤرخ لمرحة ّ " مدن الملح " التي كل ما وَرِدتَ ماءها ازددت عطشا حدّ الموت . إذن ما يتبقى لشاعر منذور للجمال في مثل هكذا مدن ما إن يغرس وردة حتى تجف وتذوي لاشيء .. لاشيء في هذا الخلاء الشاسع سوى " الصرخة " . والصراخ هو أقصى تعبير إنساني عن الرفض ، وعن حالة بلوغ الضغط على هذا الإنسان إلى درجة لم تعد طاقاته الذاتية تحتمل أن يخزن شيء من الألم إضافياً .. والصراخ أشد حالات الغضب التي تصل حدّ الهستيريا نفسياً . وفكرة قراءتي ما هي إلا فكرة متواضعة حرضتني على أن أصادق هذا العمل المتميز الذي يحمل القضايا الرئيسية ويضعها في مكانها الصحيح .. وصحيح أن الشعر يملك هذه التيمة على قدر كبير من الأهمية ، بزيادة الوعي واستيعاب الأفكار وفهم صراع الإديولوجيات وتيمة الحصول على فسحة أفضل لمجاراة الحياة ..وقد يجد كل متتبـع لمسيرة الشعر هذه التيمة الإنسانية الخلاقة التي تؤسس النوروالحب وتهتك بالظلمة والكراهية ، و تـُناصر المظلوم وتقف بوجه الظالم وتُعلن الحرية والمُساواة في أي زمان ومكان .. فالشعر ثورة تحرك الشعورالإنساني كما تدفع بخبايا الدواخل لتتفجر بالخير والتفاؤل والأمل والجمال والفرح أمام هالة من الحزن المعيش . ومما أتار انتباهي أن صدور هذا العمل جاء بين فترتين مهمتين في تاريخ الوطن العربي أي قبل اشتعال الحراك العربي وبعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني القائم . كأننا أمام نبوءة عظيمة سيطرت على الشعر العربي طوال الفترة الممتدة منذ " وَعْد بالفورْ " حتى موت الشاعر " محمود درويش ".. وارتباطا بالشعر فإن أهمية الموضوعات المثارة في صرخة الوطن العربي تترك القارئ مبال ومتتبع شكل القصيدة ومضمونها ، أو بتعبير آخر إنها موهبة شاعر موفق لا يترك شرنقة اللغة تبرر الشعر . وعندما يستحق الموضوع كتاباً أو شعراً يكون المعطى الوحيد هو اللغة ، وللغة روابط بين الثقافة والتفكير والحقيقة والمجتمع .. وهذه الروابط هي التي تحرر الذاكرة والشعر معاً أو تقيدهما معاً . ومن هنا فإن لغة الشعر قضية أساس ، ذلك السهل الممتنع . شأنه في ذلك شأن كل الفنون النبيلة التي لا يُقدم عليها إلا ذوو الدربة والدراية .. فـيستلزم أن يتوفر الشـاعر على قوة ذهنية تمكنه من الابتكار والإبداع الخالص، فالشعر يستقيم بكلام بديع ولفظ رفيع تعجز أحياناً الخواطرعن إدراكه ، إلا من يعرف أسراره الدفينة بين الحروف والدلالات والصور. وبين الخيال والواقع يأتي الشعر بكل أسئلته واستفزازاته وإشاراته و رهاناته و صرخاته .. و صرخة الوطن العربي هي قضية و قرار أشهره شاعر أتعبه الصمت ، وبالفعل .. هذا الديوان يؤثت لكل هذا الألم العربي الذي طال واستطال وتشعب حتى صار يتلاحق مع الأنفاس ويُطوقك مع النسمات ومع أي فجوة تظن أنها كوة للأمل :
"ليس لي حقّ وليس لي أن أسأل لأني ما عدت أعرف ما أسأل عنه أو ما أريد فقد ماتت رجولتي وتحولت ندواتي إلى نُواح .. وسوط عقيد وطمست عيوننا بالكساح ولم أعد بشعري أغني عن العيون السود واليومِ السعيد "
وقد وفق شاعرنا أيما توفيق في اختيار اللون البني الذي كتب به العنوان والذي يرمز لعاصفة حملت غباراً أغارت به على العيون و الأمكنة .. انتقالا إلى لوحة الغلاف التي تمدنا بمحتوى العنوان ومضمون الديوان كتمهيد أولي ، وهي تعبر عن وجه ذو ملامح عربية يصرخ ملأ فمه حتى ارتجت الأمكنة والبنايات والوهاد و الصحاري وفرت الطيور واستحال الليل نهاراً والقمرُ شمساً أو - هكذا بدا لي - . وإزاء هذا كله يأتي الإهداء في الدرك الثاني من الديوان وإذا كان السلام العالمي غاية الإنسان حيثما يوجد فإنه بالنسبة للشاعر مدى روحه وآية حلمه الأبدي .. ويبدو من خلال الإهداء أن روح الشاعر مرتبطة بالحلم الذي يراوده في لحظات قلقه الوجودي والإبداعي ، مانحاً قلبه وقلمه إلى كل اليتامى والثكالى والصامدين والشهداء والأطفال والشرفاء الذين تحرقهم الدماء العربية . فكل شيء هنا مرئي عبر أحداث مثقلة بالحزن والأسى واختلاط الروائح المركزة التوّاقة إلى تشديد الخناق على قلب شاعر لا يوهمنا بالحب بقدرما نستلهم عشقه للحرية :
شعلة العشْـقِ مُوقـــدة وأبْـوابُ قلبي مُوصدة وحُنجرتي وأحْلامي وليَالي العشــــقِ مُـوقـعــةٌ بحروفٍ مرْصُوفة منْ ذهَبْ ومن هذا المقطع نلمس كيف استطاع شاعرنا مصطفى الوراد أن يـُشعل العواطف ويمزج العشق بحرية الحرف الذهبي الذي لا تنمحي ، بل يستحيل إلى حلم مفزع يتفجر في رأسه صرخة و تمرداً . تمرداً حتى على قلمه الذي هو الوسيلة المـُثلى التي يوقع بها ما تنبثـق عنه مشاعره و أحاسيسه وهمومه وهواجسه .. جاهداً أن تسعفه العبارة من الحلم إلى الواقع ، ومن الخيال إلى الحقيقة .. فكان لابد من الحقيقة وإعلانها ومزاولتها بمنظورجمالي وعقلاني تحكمُه الأفكار واللغة والصورة الشعرية التي لا تتركنا نكتفي بما يمنحه لنا الشكل الخارجي للقصيدة ، بل ننفذ عبرها إلى جوهرالنص ومضمونه . رغما أن شكل القصيدة الجديد يقف حجرًا صلبا أمام صيرورة الشعر، فكثيرون هم الذين لا تستهويهم قصيدة النثر ومعمارها الهندسي المُغاير. وبقدرهذا العناد ، بين الشاعر والمتلقي ، الحافل بالعتاب والصدام وغياب الطمأنينة والاستقرار.. فقد حصلنا على شعر و شعراء رائعين ، والعكس كذلك . وروعة هذا الديوان أنه يجمع بين الشعر والنثر وبين القافية وجرأة الموقف الذي قد يصل أحيانا إلى حدود الانتحار الإبداعي ، بالمزاوجة بين الفكرالسياسي وإدانة الصمت ورفض الهزيمة ، وهو ما أفصح عنه شاعرنا بقوله : قفْ بالأوطان قـد انْمَحَى بـها الشـرف واعتـلى الدُّلّ كواعباً فيهَا لا تـُعرفُ أبْـكى الهُــزازُ أمْ للرّدى قادتـهُ الحتوفُ فتــدَلـت رقــابٌ وهامـاتٌ لا تنصــفُ صَاح هذي جُيوشنا بالعَاروالدل تزْحفُ وَهَامــة الطفل العربّي اليـومَ تـُـنزفُ صـبي رَمتـْهُ يَـدُ الرّدى فــهـلْ يـُـسْعفُ وَصَبي بدَم العرُوبة مَاتَ لا يُـعرفُ بَاتَ دمْعنا على الشّرف العربيّ يُدْرفُ ونخْبُ الهزيمة في النّوادي ليلاً يُرشفُ هي رشفة المهزوم الذي خذل قضيته ، هي قضية وطن لم يجد من يصون كرامته .. جدل تراجيدي موزع بالتساوي على الأوطان العربية حيث ترفرف عالية رايات الدل والهزيمة التي تبدأ من مواقف العهر العربي الرسمي الذي حول الإنسان إلى عاهرة في النوادي الليلية .. وبالإضافة إلى ما يُِـؤكده هذا المقطع من الناحية الإنسانية هو ما يُشعرنا بالإطمئنان والإلتزام بقضايا المقهورين والمضطهدين في الأرض ، ومن الناحية الإبداعية هو ذلك الإتقان الجمالي المباشرالمرتبط بالسياسة والمتلقي. خالصين إلى مغامرة تـُخاطب الإنسان والكون ، وهي مغامرة فردية لا جماعية تتأسس على التبعية والمُحاكاة . بل تؤسس الجرأة والحقيقة والعقلانية والمصداقية التي نفتقدها في كثير من الأحيان .. وإن اللبس والتناقض المطروح بين السياسة والشعر يحيل على عقلية المثقف العربي ومدى فهمه للواقع المحيط به والأزمة الفكرية التي يعيش داخلها ، ومدى طموحاته الواسعة في غياب حرية وحركية الإبداع . فكثيرون هم من كتبوا الشعر المباشرأو شعر القضية ولم يوفقوا ..فلا شعرفي غياب لغة الوعي والتحرر والتمرد والتساؤلات والشكوك . ولا أرى شعرا نجيعا في تحقيق هذه المطامح كالشعر المنبثق عن التجربة الحياتية .. لكن كل ما يؤجج هذه التجربة أمام هذا الدمار العظيم للأحلام الكبرى للشعوب التواقة للحرية والكرامة يتبخر أمام توالي الفجائع والنكبات .. فيبقى الشاعر العربي ذلك الرائي والشاهد الذي يحاكم المشهد ويُحاكمه المشهد ، نذيراً لدمار مشفوع بتوق للنجاة ، إنها " الصرخة " الشبيهة مزاجاً ب" ريح صرصر عاثية " أو بتلك الزلزلة التي تعقب " النفخ في الصور" فعلا إن المشاهد التي يقدمها الشاعر عبر ديوانه شبيهة بتلك المشاهد المُنذرة بقيامة مُرهبة " مشاهد القتل / التدمير / العنف .. عبر أرجاء هذا الوطن من الماء إلى الماء " ، فتختلط الصرخة ببكاء الروح في عالم الضمائر الخادرة : أنا لا أبكي لكن بلاد الرافدين تُبكيني وأعيش بالحزن على حزني وأدير وجهي وأرقع ما تبقى من كفني لكل الأحرار في وطني يتضاعف الحزن ويتشعب ليغدو حزناً مفرطا في الموقف المحتج أي حزنا دالاً متمفصلاً بموضوع عام " الوطن " أي حزنا جماعيا يستشعره الشاعر الرائي موقفا .. هذا قدر الشاعر العربي الذي لا مناص من اجتراحه ولا فكاك من التلبس به والاكتواء بغواياته وإغواءاته المُوغرة في مشاعر الضياع والخسران والانحسار والتلكك والتفكك أمام قيم الجمال التي تؤسس الروح .. لكن في عالم الخذلان والتبضيع والتشيئ للقيم والمبادئ . لهذا سيظل الشاعر العربي محاصرا إلى أمد معلوم بتيمة الاحتجاج والصراخ وهو موقف مشروع حين تـُطوقك حراب القبح والدعارة السياسية في المزاد العلني للأوطان .. وهكذا انتهت رحلة ممتعة مع هذا الديوان ، الذي منحني شرف قراءته والتعليق عليه صديقي الشاعر مصطفى الوراد ولا يسعني إلا أن أتمنى له ديمومة الإبداع وآمل منه المزيد من اقتراف الشعر بعيدا عن مرافئ المواجع ولتكن الفرحة مشرعة بين ضفاف قصائده : " فنحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا "
#عبدالعاطي_الخازن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصدقاء أمام العاصفة : شعر
-
حوار مع فنان أو مبدع
-
20 فبراير مراكش في الموعد
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|