|
المربع قبل الأول
مجدي مهني أمين
الحوار المتمدن-العدد: 3822 - 2012 / 8 / 17 - 22:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا نجد عنواناً يصف ما نحن فيه الآن إلا "المربع قبل الأول"، فكان يمكننا أن نصف ما نحن عليه بالعودة للـ"المربع الأول" لو كنا أمام حكومة تتصرف بمنطق عصر مبارك، في الواقع نحن أمام حكومة تتصرف في بعض خياراتها – مع الفارق- بمنطق عصر عبد الناصر..
- ما الفرق الجوهري بين عصري مبارك وعبد الناصر؟
عصر مبارك كان بلا مشروع كبير،أو فلنقل عصر بلا مشروع، وبهامش من الحرية يسمح بالتظاهرات والنقد في الصحافة والقنوات الفضائية ببعض الخطوط الحمراء، والمحافظة على السلام مع إسرائيل، وفوق هذا وذاك كان عصر فساد، ولعل الخطوط الحمراء كانت لرعاية هذا الفساد المتفشي في كافة أجهزة الدولة من كبيرها لصغيرها.
أما عصر عبد الناصر فكان عصر المشروع السياسي الكبير، مشروع القومية العربية، وعصر المشروع التنموي الكبير؛ عصر السد العالي والنهضة الصناعية والزراعية، كما كان أيضا عصر قمع الحريات وتكميم الأفواه تكميما تاما، لا خطوط حمراء ولا بيضاء، وكان عصر الصدام مع إسرائيل، تلك التي جرتنا لحرب قضت على مشروعي عبد الناصر: قضت النكسة على القومية العربية وعلى مشروع النهضة الصناعية والزراعية.
وفي زمن الإخوان نحن مقبلون على عصر أقرب لعبد الناصر منه لمبارك، نحن مقبلون على قمع للحريات وتكميم الأفواه، والعمل على غلق القنوات المعارضة للرئيس، كما أننا أمام مشروع سياسي كبير: مشروع الدولة الإسلامية التي تتخطى حدود البلاد، والذي يلزم له بالضرورة أن يدخل، آجلا أم عاجلا، في الصدام مع إسرائي؛ العائق الجغرافي والثقافي أمام المشروع.
هذا مع حديث لدولة الإخوان عن مشروع للنهضة، وكلا المشروعين: ناصر والإخوان، دار حول قناة السويس، ناصر أممها كي يبني من مواردها اقتصاد بلاده، والإخوان يفكرون في بيعها كي يبنوا من ريعها مشروع النهضة الخاص بهم، الأول استردها والثاني يبيعها، هذا مع العلم أن الإخوان لا يملكون حق هذا البيع، أو الانتفاع، لأي دولة أخرى دون العودة للشعب، لأنهم حكومة الشعب.. وهنا التشابه بين دولة الإخوان وناصر والسادات ومبارك في أنهم جميعا رأوا أن الشعب ملك لهم ؛ أكثر من أنهم حكومات في خدمة الشعب، فالقاسم المشترك بينهم جميعا أنهم رأوا في أنفسهم حكومات أبدية، تبيع وتشتري وتنتخب وتبقى دون معارضة ودون تداول للسلطة، سلاحهم القهر والقمع وتكميم الأفواه وباقي الوصفة لممارسات الدولة المستبدة.
نحن نعود لممارسات عصر عبد الناصر، الفارق، أن أهداف عبد الناصر كانت وطنية، وأهداف الإخوان إخوانية، عصر يعطى كافة المناصب لذوي الثقة على حساب الكفاءة؛ ثقة الجماعة هذه المرة، ستتراجع الشفافية حتى تختفي، وتشتد قبضة الدولة على مقدرات الناس، وتُفتح المعتقلات للمثقفين والمعارضين سياسيا، بل حتى للمشتبه فيهم كنوع من الخطوات الاستباقية، ومع تراجع الشفافية وظهور المعتقلات، يتراجع القانون، ألم يحاول الرئيس مرسي ان يعيد مجلس الشعب المنحل بقرار مخالف لحكم المحكمة الدستورية، والآن يسعون للنيل من بعض رموز السلطة القضائية كالمستشارة تهاني الجبالي.. نفس الصدام بين عبد الناصر ومجلس الدولة بسبب دعوة عبد الرازق السنهوري بعودة الحياة البرلمانية وعودة الجيش لثكناته.
أسس عبد الناصر لنظام ديكتاتوي بقيادة الحزب الواحد- هيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكي، ولم يخرج السادات ولا مبارك عن فيادة الحزب الواحد، الحزب الوطني، وثار الشعب وخلع مبارك عندما تفاقم الحكم الديكتاتوري وأسفر عن فساد غير مسبوق.
الفساد استنفر الثورة أكثر من الديكتاتورية، حتى بعد النكسة، وبعد خطاب التنحية، خرجت الجماهير تطالب بعودة ناصر، الجماهير أحبت الديكتاتور، وطنيته وإخلاصه وطهارة يده وانحيازه للفقراء غفرت له ديكتاتوريته وانفراده بالحكم، ولكن الجماهير لم تكن تدري أن الديكتاتورية هي البيئة الصالحة للانتهازيين والوصوليين، بيئتهم على خجل في البداية ، ثم بلا خجل ووضوح وبكل تبحج في عصر مبارك.
وثار الناس على هذا الفساد المتبحج، وكأن الناس لم يثُروا لأنهم يُسرقون، بل لأن السارق لم يعد يأبه بهم، لم يعد يأبه إن كانوا يعرفون أو لا بعرفون أنه سارق، وأصبح الحديث عن التوريث حديث عادي، عيني عينك، وهنا ثار الناس من أجل عدم الإكتراث بهم، ثاروا من أجل كرامتهم وخلعوا مبارك. نحن أيضا في الـ "مربع قبل الأول" لأن الإخوان عازمون أن يعودوا بنا لما قبل عصر عبد الناصر، فإن كان مشروع عبد الناصر هو الحداثة، فالإخوان يتبون مشروعات في الحكم تعود للقرون الوسطى، اليوم يرسون قواعد الحكم الشمولي، وغدا ينبت الفساد ، فالحكم الشمولي وتكميم الإفواه وعدم الشفافية والتخويف هم البيئات الصالحة للفساد..
فهل سننتظر حتى يتفاقم الحكم الشمولي وينبت الفساد كي نثور وقتها ونخلع الإخوان، أم سنعدل اليوم مسار حكم الإخوان لنضمن الشفافية والديمقراطية وحرية التعبير والتداول الحقيقي للسلطة؟
ملحوظة 1: ما يحدث في إيران لا يمثل تداول للسلطة فهم ينتقلون من رئيس لرئيس آخر يأتي لهم من تحت عباءات حكم الملالي.. ملحوظة 2: يمكن ليوم 24 أغسطس، بتضافر الشباب والرموز، أن يقدم إجابة مفيدة لإنقاذ الثورة من مطب الحكم الشمولي المتربص بها.
#مجدي_مهني_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
-
الشعب يريد سقوط الهيمنة
-
الترتيب الشديد
-
من دهشور الأبنة إلى دهشور الأم عند الحدود
-
قميص دهشور الذي قسم ظهر البعير(2)
-
قميص دهشور، الذي قسم ظهر البعير
-
الديمقراطية هي الحل
-
طائرة ساويرس في مواجهة العداوة البادية من رموز الدولة الديني
...
-
يهدمون القبور، ويطاردون المارة، ويطالون القمم، ويحاولون القب
...
-
الرئيس الأول
-
الشعب يريد بناء النظام
-
المسافات الفاصلة بيننا وبين الرئيس المنتخب
-
التاريخ سيكتبه الثوار جيلا بعد جيل بعد جيل...
-
أخي الدكتور البرادعي
-
موتوا بغيظكم
-
بين رومانسية الثورة وغلظة المصلحة
-
ننتخب خصما لا رئيسا
-
المكاسب والخسائر حتى تاريخه
-
ثورة بالتفويض ورئيس بالتزوير
-
ننتخب الإخوان ونحتمي بالعسكر؟ أم ننتخب العسكر ونحتمي بالثورة
...
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|