أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج طرابيشي - صناعة الأوهام















المزيد.....


صناعة الأوهام


جورج طرابيشي

الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"دع الناس مطمئنين ،ايها الرئيس لا أعينهم ، إذا فتحت أعينهم ، فما الذي سيرون ؟ بؤسهم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ دعهم إذن مستمرين في أحلامهم ‍‍‍‍‍‍‍‍.

وصمت لحظة ، وحك رأسه، كان يكفر ، وأخيراً قال : إلا، إلا إذا . .

_ماذا ؟دعنا نرى قليلاً .

_ إلا إذا كان لديك ، عندما يفتحون أعينهم ، عالم أفضل من عالم الظلمات الذي يعيشون فيه الان . ألديك هذا العالم ؟

لم أكن أعرف . كنت أعلم جيداً ما سيتهدم ، لكنني لا أعرف ما الذي سيبنى فوق الأنقاص ".

نيكوس كازنتزاكي

رواية "زوربا"،

ترجمة جورج طرابيشي ، دار الطليعة ،

بيروت ،ط 4 ، 1979، ص 67



صناعة الأوهام


1

هل الأوهام ملاصقة للانسان ؟ وهل صناعة الأوهام ضرورة في حياة البشرية وفي أيامنا الراهنة ؟

وهل تفرح ،أميرِ المُؤمِنينَ تحزن ، إذا خسرت وهماً ؟

2

لا نستطيع الحديث عن الوهم ، دون الحديث عن الخيال والحلم . فإضافة إلى ما يطلقة المفكرون والفلاسفة على الانسان بأنه "الكائن الحي الأرقى" و"الحيوان الناطق " فإنهم يطلقون عليه صفات أخرى تميزه بأنه " الحيوان المفكر" و"الحيوان الذي يحلم ".

ضمن الفعالية الفكرية للانسان تأتى المخيلة . والخيال مطلق السراح ، ومع أنه يرتبط بالمحيط ومستوى التفكير ، إلا أنه يتصف بالتحليق والانفتاح والمرونة والذهاب الى الأجد الأبعد والأغرب . ولهذا ، فانه اذا كان بالامكان تقييد جسم الانسان حركياً ومكانياً ، فلا يمكن تقييد خياله ، بل لقد ثبت أنه كلما ضاق مكان الانسان كلما لجأ الى تعويض ذلك باطلاق الخيال ، كما يحدث مع السجناء على سبيل المثال ، مع التحذير من أن مناصرة هذه المسألة واتخاذها هدفاً هو نوع من التراجيكوميديا ، لأننا لا يمكن أنْتَ نشجع السجون ، بل الحدائق ، ولا نناصر العلب والزنازين ، بل نحن مع الفضاء والافق الحرب ، وروح تحتاج الى رحابة ، ويلا رحابة يتضاءل الخيال ويجف .



3

يرتبط الحلم ارتباطاً وثيقاً بالخيال . ويمكن تعريف الحلم بأنه خيال يسعى الى هدف ، أمنية يتلبسها طموح ، رغبة ما لتجاوز ما هو قائم الى شيء آخر .

ليس غريباً أن يعتبر الحلم دلالة من دلائل الحياة. بل ان الابداع يعتبر الانسان ميتاً دون حلم ، كما يقول أحد الأفلام :

Without dream you are dead

من لا يحلم يستكين ، والسكينة بهذا المعنى سكون ونقيض للحيوية ، ومبدأ الحيوية مرتبط بالحياة ، وثمة أناس يلجأون الى الانتحار ان كفوا عن الحلم .



4

يقول الناقد والروائي اللبناني الياس خوري :

" الشاعر هو اول من ينكسر اذا انكسر الحلم ، وهو أول من ينكسر حين يتحقق الحلم " .

الشطر الأول من عبارة خوري يمكن تقبله بسهولة . فالشاعر يتصف بشفافية عالية وهو يحب أحلامه لدرجة العشق ، ويحرص على تحقيقها ز الحلم بالنسبة له قضية " مبدأ " و " استراتيجية الاستراتيجيات " . لهذا ليس غريباً ان ينكسر الشاعر أذا انكسر حلمه . أما أنْتَ ينهض الشاعر بعدها أو لا ينهض ، فهذا موضوع ينتمي الى الامكان والاحتمال ولا ينتمي الى الضمانة الأكيدة ، ارتباطاً بالواقع ذاته وبذات الشاعر .

لكن لماذا وكيف ينكسر الشاعر اذا تحقق الحم ؟ ألا يناضل الشاعر لأجل تحقيق حلمه ؟ هنا يتمظهر مشكل الحلم ويتمظهر تناقضه .

الحلم غذاء ، طاقة ، مهما يدفعك الى الاستمرار ، الى الأمام والأعلى والأعمق ، الحلم شاغل يشغلك فما أنْتَ يتحقق حتى تشعر بشيء من الفراغ والافتقاد ، لكن ثمة حل لهذه المشكلة ، وهو أنْتَ الانسان بحاجة دوماً الى أحلام جديدة ، والحياة ان لجأنا اليها جيداً تزودنا بمزيد من الأحلام .

علاقة الشاعر بالحلم مسألة يمكن تعميمها على جميع المبدعين وعلى الانسان عامة ، بالمفرد والجمع ، بالجوهر الذي لا يلغي التطييف .



5

بين الحلم والوهم خيط رفيع ، ثمة أرجوحة تنقل الحلم الى مكان الوهم ، والوهم الى مكان الحلم .

الوهم حلم كاذب ، حب تكشف عن خيانة ،ومن يحمل الوهم لا يعرف أنه وهم ، بل يعتبره حلماً وطموحاً وسعياً مشروعاً ، وبعد ذلك يأتي الانكشاف والتثبت .

يغمرنا الفرح حين يتحقق الحلم ( حتى وان أصابنا شرود وأسى الافتقاد اللذان ينتجان ع تحقق حلم معين كان يشغلنا ) وتصفعنا الخيبة حين يتكشف الحلم عن وهم ( عدم علميته وصدقيته ) ، لا تربة تحتضنه وتنبته ، بصورة استبعادية وليست مؤجلة .



6

من علامات البؤس والبائسين اكتساء الأوهام ثوب الأحلام . الانسان لا يمكن أنْتَ يصنع ، عامداً متعمداً ، وهماً لنفسه ، لأن الوهم ضرر وهراء .

ثمة أوهام تنتج عن بعض الأمراض النفسية يصاب بها بعض الناس ، وثمة أوهام يحملها صاحبها نتيجة الشطط والمبالغة في التقدير والتفكير . لكننا لا نتكم عن هذا النوع من الأوهام ، ولا عن هذه المصادر للاوهام .

نتكلم عن انتاج الأوهام بصورة عامدة متعمدة ، حين يصنع الآخرون لك وهماً أوتصنع لهم وهماً .شباك ترمى ، ويكون الطعم وهماً ، والضحية ليست سمكة بل بشراً ينقصهم الوعي والسعادة .

ان انتاج وبيع وشراء الأوهام عملية رائجة في زماننا ، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ، في تريج نمط الحياة والافكار والصور والأخبار ، عملية تقوم بها أنظمة ودول ومؤسسات وافراد . وصناعة الأوهام ليست عملية بسطية ، أهنها أعقد من التجارب المخبرية ، وهي محصلة لعناصر عديدة تمثل شبكة ، والعمليات العقلية التي تقف وراءها وداخلها يملك أن نطلق عليها : منظومة فكرية .



7

نحن نحب أحلامنا ، ونحزن ان خسرنا حلماً لكن ثمة من ينهضون ويواصلون ويتجددون ، وثمة من ينسحبون ، ويتقوقعون ، ويجفون ز يقول الشاعر محمود درويش :

خسرت حلماً جميلا

خسرت لسع الزنابق

وكان ليلي طويلا

على سياج الحدائق

وما خسرت السبيلا



8

انتحر أدولف هتلر حين انقلب حلمه الى وهم . والصبية التي تحلم بشاب كامل الأوصاف . تضيف لها كل يوم شرطاً جديداً ، لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب ، وتنتظر فارسها بكبرياء وثقة ، تنتهي الىعانس دائمة وعذراء حتى القبر . الناس الذين ينتظرون النهر ليهبط عليهم بالمظلة من السماء ، دون توفير أسباب النصر ، سيظلون مسريلين بالخنوع والهزائم . والايديولوجيا ن اية ايديولوجيا ، التي تريد أنْتَ تسبح في كل زمان مكان ، وتحرز الميدالية الذهبية دائما ، دون مراعاة أي مكان ، واي شيء ، هي ايديولوجيا ستحرز قصب الخواء .



9

ثمة أناس يفرحون حيت تتكشف له أوهامهم ، يشعرون بأنهم قد ربحوا عندما خسروا وهماً .

وثمة أناس آخرون يصدمهم ما تكشف من أوهامهم ، كانوا يعلقون آمالا كبيرة يهدهدهم العزاء والسلوى ، ويتمنون لو بقي الوهم وهماً دون أنْتَ يدروا أنه وهم . آه يا وهمي العزيز !



#جورج_طرابيشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحزاب وحقوق الانسان
- كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في -تسيير المخاطر
- السجن الإيراني في عهد الخميني: تابوت واغتصاب
- إيديولوجيا حقوق الإنسان إذ تصبح تهديداً للديموقراطية
- شهادة نصير سابق للالتزام
- دور أفغانستان ، ومتطرفي الهندوس والإسلام ، في تأجيج كشمير
- كيف نصير كلنا أميركيين من دون علامات استفهام وتعجب ؟
- الديموقراطية وحدها تجعل الحق في السياسة مدخلاً الى الحق في ا ...
- العنوان: الاستغلال الرأسمالي لم يعد موضوع احتجاج الحركات الج ...
- الدولة القومية التي نشأت بالحروب، بالعولمة تتصدع وتفني
- سيغموند فرويد
- كيف تخلي الغرب عن دعوته الحداثية في الشرق الأوسط ؟


المزيد.....




- بيان من مجلس سوريا الديمقراطية بعد الإعلان الدستوري
- لأول مرة.. السعودية تتفوق على مصر وإسرائيل في المقاتلات العس ...
- اجتماع بين إيران وروسيا والصين في بكين لمناقشة البرنامج النو ...
- بي بي سي تدخل قاعدة حميميم في سوريا التي تؤوي عائلات علوية ...
- متى يعتبر نقص الحديد في الجسم مشكلة؟ وما أفضل طرق العلاج؟
- الصين وروسيا تدعمان إيران مع ضغط ترامب لإجراء محادثات نووية ...
- البرتغال تشكك في شرائها مقاتلات -إف-35- خشية من موقف ترامب
- اكتشاف ينهي جدلا علميا واسعا حول المومياء المصرية -الحامل-
- أوربان يعارض القرض المشترك للاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا وي ...
- لوكاشينكو: منظومة صواريخ -أوريشنيك- الروسية ستدخل في الخدمة ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج طرابيشي - صناعة الأوهام