|
الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
مهدي بندق
الحوار المتمدن-العدد: 3821 - 2012 / 8 / 16 - 16:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإيمان لا يحتاج إلى إعلان مهدي بندق
من نافلة القول أن عصرنا هذا قد أرسى دعائم حقوق الإنسان ومن بينها حرية العقيدة ، حتى بات من ينكر هذه الحرية محض همجي، ملحقاً لا يزال بعصور الظلام . وما من شك في أن الأديان جميعا – قبل أن يستخدمها الطغاة لأغراض دنيوية بحتة – لا غرو طفقت تؤكد على حق الناس في اعتناق ما يشاءون من عقائد . بيد أنه ولدواعي التنظيم الاجتماعي كان ضرورياً على المرء أن يوضح للآخرين ماهية ديانته ( وليس إيمانه ) ولهذا حين قالت الأعراب آمنا قال الله لهم بل قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم . فالإيمان نبض في الأفئدة لا يسمعه غير رب القلوب . أردت بهذه المقدمة أن أراجع صديقي وزميلي في هذه الصفحة الكاتب المثقف أ. أحمد موفق الذي نشر مقالا بالعدد الماضي بعنوان " حوار مع صديقي المؤمن مهدي بندق " ومحل المراجعة هنا هو إشارته إلى الكراس الشهير للدكتور إسماعيل أدهم المعنون " لماذا أنا ملحد ؟ " وكان قد كتبه عام 1934 وقت أن كان التقدميون يحرصون على تقديم أوراق اعتمادهم مزينة بــ "شجاعة" رفض الأديان! وكان إعلان الإيمان وقتها يعني الإذعان للسلطة المجتمعية والثقافة السائدة . ولهذا كان منطقياً أن يرد عليه مفكر تقليدي هو أ. محمد فريد وجدي بمقال عنونه بــ " لماذا أنا مؤمن ؟ " وبهذا صار الإيمان سلعة يتبادلها المشترون والبائعون في سوق الحياة العامة ( كل حسب موقفه من السلطة ) بدلا من أن يكون علاقة خاصة بين المرء وخالقه . والحق أن قضية الإيمان إنما هي من قضايا تاريخ الأفكار أنجز فيها الفكر الصوفي اليهودي والمسيحي والإسلامي والهندوسي الكثير، بينما أراد مقالي( المنشور بهذه الصفحة 2/8ـ/2012 ) أن يسهم - على خلفية الفيزياء الحديثة - في توطين المعرفة على أرض الثقافة المصرية بغية تجديد الفكر الديني ( وأشدد على كلمة الفكر) في مواجهة الخطاب الديني الكلاسيكي الذي يرسخ خضوع العقل للنقل ، ويحجّم الإبحار الذهني إلى مياه الكون العميقة ، ويلزم الناس بالاستماع حسبُ لفقهاء السلطة وتوظيف الدولة للدين لأغراض محض سياسية . فهل أدرك هذا المنحى الزميلُ موفق وهو يباشر نقده لمقالي نقداً أعترف بموضوعيته وسمو مقصده؟ المهم أنه طالبني بشرح مفهومين وردا بالمقال هما : نظرية أبعاد الكون المنطوية ، ونظرية الأوتار الفائقة . وهاأنذا أفعل ولعلي أضيف إليهما مغزى " قطة شرودنجر" الميتة الحية في نفس الوقت . *** *** *** بداية ينبغي أن نقر بأن الفلسفة المادية لا تستطيع أن تبرهن على أنها صائبة ، ذلك إنها في التحليل الأخير مجرد آراء ، ولو كانت الآراء إنتاجاً " مادياً " للتفاعلات الكيميائية في الذهن لكانت محددة ً بالكيمياء لا بالمنطق، والكيمياء لا معيارية Non-normative فلا يمكنها الحكم بأن جزئ الماء الذي هو 2 يد أ صواب أو خطأ ، جل ما تقول: هذا هو واقعه. إذن فالفلسفة المادية لن تفيدنا حين ندخل عالم ما دون الذرة حيث يتعطل قانون السببية وتبطل المعايير ، فتبدو مظاهر الكون الصغير "الميكرو " في أغرب أشكال الازدواجية .. فالضوء يتصرف أحيانا باعتباره جسيمات تشغل حيزا من الفراغ ، وأحيانا يتصرف كموجات لا حدود لها. لماذا ؟ الجواب : هكذا بدون سبب . ومن هنا استبان الفيزيائي نيلز دي بور أن الجسيمات "الكمية " لا تتواجد على حالة واحدة معينة, لكن بحالات عدة محتملة في نفس الوقت، وإجمالي مجموع الحالات للشئ الكمىّ يسمى" دالة الموجة " wave function وحالة الشئ الموجود في كل حالاته الممكنة في نفس الوقت تسمى بالوضع الفائق superposition وعليه حين نقوم بملاحظة شئ كميّ فنحن نؤثر في سلوكه، إذ تقوم الملاحظةُ بكسر حالة الوضع الفائق للشئ وتجبره على اختيار حالة واحدة من دالة الموجة الخاصة به. وهو ما يفسر لماذا يحصل الفيزيائيون على قياسات متضاربة من نفس الشئ الكمى، فالشئ الكمى يختار حالة واحدة من حالات مختلفة أثناء عمليات القياس المتتالية، فأين ذهبت الحالات الأخرى ؟ أنها موجودة ولكن في أكوان موازية لكوننا . يرى الفيزيائي "ايفريت هيو" أن قياساتنا تسبب تفرعا حقيقيا في الكون[ اضرب بعصاك البحر ] فيتم نسخ الكون إلى كونين, كل منهما يمثل نتيجة محتملة للقياس. لنفترض أن دالة الموجة لشئ ما هي جسيم وموجة ، فحينما يقوم الفيزيائي بقياس هذا الشئ, فهناك نتيجتان محتملتان: إما أن يلاحظ هذا الشئ كجسيم أو يلاحظه كموجة ، وفي الحالتين ينقسم الكون إلى كونين تلبيةً لكلا الاحتمالين. وعلى ذلك فالملاحظ الفيزيائي في أحد الكونين وجد أن الشئ تم قياسه على أنه موجة، أما الملاحظ الفيزيائي التوأم في الكون الآخر فقد قاس الشئ على أنه جسيم. في هذا السياق تخيل الفيزيائي شرودنجر أن قطةً حُبست داخل صندوق مقفل تماما . و الحدث الكمى داخل هذا الصندوق هو تفعيل خلية كهروضوئية لتوصيل تيار كهربائي وهذا التيار يؤدى إلى سقوط زجاجة بها سم قاتل . ومعلوم أن الخلية الضوئية تطلق إليكترونات " توصيل تيار كهربي " إذا سقطت عليها فوتونات ضوئية معينة . هناك إذن داخل الصندوق مصدر ضوئي والضوء المنبعث منه ينعكس على نصف مرآة ( هي مرآة تعكس نصف الأشعة الساقطة عليها و تمرر نصفها الآخر) وحسب معطيات ميكانيكا الكم فإن أي فوتون يسقط على نصف المرآة فإن دالته الموجية سوف تنقسم إلى دالتين ، أحداهما تصف " الفوتون المنعكس" و الآخر " الفوتون المار " (الفوتون الحقيقي هو مجموع الاثنين ) ينتج عن هذا أن الفوتون المنعكس يجعل الخلية الضوئية تطلق سُمًّاً يقتل القطة ، والفوتون المار خلال المرآة لا يؤثر على الخلية الضوئية مما يبقي زجاجة السم في مكانها فلا تموت القطة. ولكن نظرا لأن الحالة الكمية للفوتون هي فوتون مار + فوتون منعكس فهذا يعني أن السم سوف يصيب القطة + لا يصيب القطة ، بمعنى آخر: القطة ميتة + حية ! ودون كشف الغطاء فأنت أمام كلا الاحتمالين. والحقيقة أنهما معا قائمان فالقطة حية وميتة في نفس الوقت ! هذه الغرائب وغيرها ترصدها المعادلات الرياضية التي برهنت على ما يسمى بمتعدد الأكوان أو الـ Multiversity وهو عبارة عن المجموعة الافتراضية المكونة من عدة أكوان بما فيها الكون الخاص بنا ، تشكل معاً الوجود بأكمله ، وهذا يعنى أنك لو تعرضت لموقف يكون فيه الموت نتيجة محتملة ولم تمت , ففي كون مواز لنا أنت ميت بينما أنت حي في كوننا أو العكس. أما نظرية الأوتار الفائقة String theory فتقول إن كتل البناء الأساسية لكل مادة وأيضاً لكل القوى الفيزيائية في الكون موجودةٌ في مستوى تحت الكم حيث تختفي السببية. وهذه الكتل البنائية تشبه أربطة مطاطية متناهية الصغر أشبه بالأوتار،هي التي تصنع الكواركات فالنيوترونات فالإلكترونات فالذرات فالخلايا وهكذا. وكل نوع من المادة يُنتج بواسطة تلك الأوتار حسب تذبذبها ومحددات سلوكها، وهو ما يؤدي إلى نشوء القوى المختلفة الحاكمة للكون، وبهذا النشوء تظهر السببية وتبدأ عملها . الوجود بأكمله إذن عبارة عن عزفٍ موسيقىّ.. عزفٌ يحدث عبر أحد عشر بُعداً وربما أكثر، فالوجود كيان مركّب، الزمان فيه أشبه بزمن المسرحية .. واقعيٌّ بالنسبة لشخوصها متخيل عند المتفرجين . لذا فوجودنا على الأرض يجعلنا في آنٍ واحد أحياء وموتى ، فنحن نيام في الليل والنهار، نعيش داخل حلم [ داخله أحلام ] ولكنه حلم يشير إلى حقيقةِ أننا خالدون بمقدار ما نمارس النضال لأجل الأنفع والأرقى والأجمل. فهل يحتاج "الإيمان" على خلفية هذا الوعي إلى إعلان أم إلى ممارسة Praxis جادة وفاعلة ؟
#مهدي_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
-
الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
-
مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
-
هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
-
أنور عبد الملك وتغيير العالم
-
لماذا تجنبت ثورة يناير كلمة الاشتراكية ؟
-
أيام البين السبعة
-
أشباح الميلشيات بين القاهرة وبيروت
-
الجذور المعرفية للفكر الفاشي
-
ديمقراطية بلا ديمقراطيين
-
إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
-
مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
-
المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية
-
احذروا النموذج الباكستاني في مصر
-
ازالة اسرائيل على الفيس بوك
-
رسيالة من البرزخ
-
قصيدة : المنام
-
مجتمع الاستعراض في عالم رأسمالية ما بعد الحداثة
-
من يكتب تاريخ مصر في قادم الأيام
-
موضع السر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|