أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - عذابات نورس














المزيد.....

عذابات نورس


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 10:49
المحور: الادب والفن
    


بين التكتم والبوح
قصيدة للدكتورة : مها النجار
قراءة نقدية بقلم : د . محمد لأيوب
أطلت علينا د . مها النجار بعدة خواطر وقصائد تحمل في ثناياها هموم الإنسان العربي ، وخصوصاً هموم المرأة العربية في وطننا الكبير ، ومنها " عذابات نورس " تبدأ الشاعرة قصيدتها أو خاطرتها كما تحب أن تصنف أعمالها بالنهي عن الاقتراب من نارها ، تنهى من يريد الاقتراب من نارها عن الاقتراب منها حتى لا يكتوي بلظاها ، ولعل الزيت الذي تعنيه الشاعرة هنا ليس زيت البترول بأي حال من الأحوال ، فالمرأة العربية تشوى كل يوم بزيت التقاليد البالية التي هي أقرب إلى العادات الجاهلية التي كانت ترى في المرأة رجساً وعاراً يجب التخلص منه ، ومن هنا كان العرب في الجاهلية يئدون بناتهن خوفا من أن يجلبن لهن العار ، واليوم يمارس الرجال دفن المرأة العربية في حفرة من التقاليد البالية التي تقتل المرأة معنويا ، وهذا النوع من القتل أبشع من القتل المادي ، لقد كرم الإسلام المرأة وأوصى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بها خيرا " رفقاً بالقوارير " ، و" ما أكرمهن إلا كريم " .
وقد جردت الشاعرة من نفسها أنثى أخرى تتوجه إليها بالخطاب تنصحها وتنهاها عن الاقتراب من نارها أو من أنفاسها ؛ لأنها تخاف عليها من العدوى بآه النورس ، تلك الآه التي تعبر عن الشعور بالمرارة والألم وخيبة الأمل بهذا المجتمع الذكوري المتسلط ، والخوف يتجسد لدى الشاعرة كائناً حياً يدب على الأسفلت متثاقلا ، لقد أخرجت الشاعرة الحوت من البحر الذي يحيا فيه ليسير متثاقلا ، وكأنها تشير بذلك إلى مدى ثقل الشعور بالخوف وبطء ابتعاد شبحه عنها ، هذا الخوف يلهث ويشهق من أول تنهيدة تنقر في قفصها الصدري ، وكأن التنهيدة أو الآهة طائر جارح ينهش ضلوع الشاعرة من داخلها ، وكأن هذا الطائر الجارح ينهش محتويات صدرها ، وخصوصا قلبها الذي ينبض بالحياة ، وهي لذلك تحاول أن تقنع هذه النورسة التي تنقر صدرها بالخروج منه لتعانق أشجار العالم بما توحي به من هدوء وسكينة ، تؤكد الشاعرة ذلك حين تقول لهذه النورسة :
دونك أشجار العالم
شيدي عشك حيث شئت
ولا تقربي قلبي
ولكن النورسة عنيدة تأبى أن ترحل ، وبدلا من الرحيل تختار البقاء في صدرها الذي يتلظى ، ترفض أن تتركها فتغلق بوابة خوفها فكيها لتظل أسيرة هذا الخوف الظالم ، ومن خلال ظلام الخوف يبرق الأمل ، تقول الشاعرة :
أو تنسج أهدابي بالآتي
هل للآتي أن يلبس ثوب الدهشة
بعد لقاء المقبرة المزدانة
بالأحياء الموتورين
إن المرأة العربية القديمة ما زالت هاجسا يقلق أحفادها ، فالمقبرة هي المقبرة وإن اختلفت طريقة الدفن ، إنها تجعل من الآتي نسيجا لأهدابها التي تقي عيونها أملا في أن ترى هذا الآتي ممتزجا بالدهشة ، دهشة الفرح بالانعتاق المأمول والمرتقب ، وتتساءل الشاعرة :
هل للنورس أن يتقافز
بين الموت ورؤيا التحليق ؟!
إن النورس يحاول الإفلات من واقعه، إلا أنه يظل مشدوداً بين قطبين ، قطب الموت، وقطب الانعتاق والتحليق للتخلص من القبور المعنوية التي يحاول البعض دفن المرأة فيها وشل قدراتها عن العطاء والمشاركة في بناء المجتمع جنباً إلى جنب مع الرجل ، فهي أم الرجال ، إن صلحت صلح الرجل ، والعالم في نظر الشاعرة صحراء تكتظ بأشجار وهمية أشبه بالسراب الذي يحسبه العطشان ماء ، هذه الأشجار الوهمية تسكنها أحلام عناق الأنجم والرغبة في الانعتاق والتحرر من القيود البالية التي ليست من الدين في شيء ، ولكن سماءها ترفض احتضان ذلك الغصن المجنون ، وكأن الشاعرة تريد أن تبوح لنا بقناعتها بعدم جدوى هذه الأحلام والطموحات ، لا أمل إذن في أن تتحرر المرأة العربية ، فقد تعبت النساء العربيات من أحلامهن التي لا تتحقق كما ترى الشاعرة ، أصبحت النساء :
نوارس
أتعبها الريح
أتعبها البوح
فطلقت الأزرق
طلقها الموج
تزوجها
خوف
وسكوت
نهاية فاجعة بلا شك فالأزرق هو البحر برحابته ، وهو رمز للتحرر والانطلاق ، ولكن الشاعرة جعلت العصمة في يد النوارس هذه المرة ، جعلتها تطلق البحر ليطلقها الموج بدوره بدلاً من أن يدفعها إلى شاطئ الأمان ، يتزوجها الخوف والسكوت ، وكأنه كتب على المرأة العربية أن تظل رهينة سجنين ، سجن الخوف من المستقبل ومن المجهول وسجن السكوت والحرمان من حرية التعبير .
نهاية مفزعة وفاجعة تمحو ما أشرق في ثنايا القصيدة من أمل وتفاؤل بأن يلبس الآتي ثوب الدهشة ، القصيدة تجمع بين متناقضات عديدة ، فقد جمعت الشاعرة بين الصحراء والأشجار مما يؤكد أنها أشجار وهمية ؛ اللهم إلا إذا كانت هذه الأشجار هي أشجار الصبار "التين الشوكي " التي تدمي أشواكها أصابع اليد ، وقد تؤلم أشواكها الصغيرة التي تكسو ثمارها حبات العيون ، وهناك تقابل بين الأرض والسماء باعتبارهما قطبين لا يلتقيان.
والقصيدة مليئة بالصور الجميلة مثل :
بوابة خوفي تغلق فكيها
فقد أصبح للخوف بوابة ، أي أن الخوف اتسع ليصبح بحجم مدينة أو دولة كاملة ، وأصبحت هذه البوابة الرمزية حيوانا مفترسا له فكين يطبقهما على فريسته حتى لا تستطيع الفكاك منه ، والمقبرة تزدان بالرجال الموتورين ، هؤلاء الرجال الذين يرون في المرأة كائنا أدنى منهم درجة وقيمة ؛ مع أنه لا قيمة للبشر دون تكامل هذين الشقين " الرجل والمرأة " اللذين ينسجان ثوب الحياة معا .
وأخيراً فقد عبرت د . مها النجار عما يعتصرها من شعور بالمرارة ، حتى أصبحت المرأة كالسمكة التي تشوى بالزيت على نار الظلم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والمعنوي، قليلات هن النساء اللاتي أخذن دورهن الحقيقي في مجتمع يسيطر عليه الرجل والرجل فقط ، هذا الرجل الذي يرى في المرأة فريسة ولا يرى فيها شريكا له في صنع الحياة المشتركة وتمتين نسيج المجتمع.



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وانتصر الحب
- شجرة الزيتون
- الموت المجاني
- حركة فتح على مفترق طرق
- أين وزارة المالية الفسطينية مما جرى في حي الأمل
- نعم لسيادة القانون في فلسطين
- القراءة في المجتمع الفلسطيني بين العوائق وعوامل التشجيع
- أمنيات مواطن فلسطيني غلبان
- الزمان والمكان في القصة القصيرة
- البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة بين التشابه والاختلاف
- من دفتر الاجتياح
- جدار السلام هو الضمانة الأكيدة للسلام
- قراءة نقدية في ديوان - تأملات الولد الصعلوك - للشاعر : باسم ...
- العناصر الفنية في القصة القصيرة
- ملاحظات حول القانون رقم 5 / 96الخاص بانتخابات المجالس المحلي ...
- الذاكرة المثقوبة
- انتخابات الرئاسة في فلسطين والحملة الانتخابية
- الصعوبات التي تواجه المثقف الفلسطيني
- ورقة عمل حول الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي
- الأزمات الداخلية في التنظيمات الفلسطينية


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - عذابات نورس