|
من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر انقلاب 8 شباط 1963: (2-4)
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 13:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر : انقلاب 8 شباط 1963: (2-4) 7 - حدد البيان لنفسه هدفين أرأسين هما: - تحقيق الوحدة الوطنية؛ - مشاركة الجماهير في توجيه وإدارة الحكم. لكن من خلال استقراء الواقع الأجتصادي/السياسي الذي أعقب الانقلاب، فإن هذين الهدفين: ارتدا إلى الوراء بمسافة زمنية وفكرية شاسعتين؛ وانكفئا على نفسيهما وتعرقلت صيرورة الوحدة الوطنية التي منحتها ثورة تموز زخماً قوياً؛ وعادة الطائفية السياسية، والحق العرفي والعرقي في الحكم وفي سلم الأفضليات الاجتماعية؛ وأُعيد الاعتبار للانتماءات الولائية المؤسسة على رابطة الدم (العشائرية والأسرية) والانتماء الجهوي، إلى صدارة السياسة الداخلية بكل أبعاد تحققها. ومما عمق هذه التوجهات النظرة العصبوية والحزبية الضيقة للحكم، المنطلقة من عقدة (الصفوة المختارة) غير المؤمنة لا بالديمقراطية وآلياتها ولا بموقع الآخر المختلف، الذي عامل المناطق والقوى التي ناهضته والتي كانت مستهدفة أساساً من قبله، كما لو أنهم أعداء خارجيين. ومن منطلقات طائفية بحتة مغلفة بتبريرات أيديولوجية، تم تهجير العديد من أبناء الوطن (العرب الشيعة) بحجج واهية. كما قمعت الحركة الكردية ومطاليبها الشعبية بعنف لم يسبق له مثيل.. والأخطر من ذلك أنهم أعادوا إرساء السلطة على أسس خاطئة وظهر [الانعطاف الحاد باتجاه تشكيل السلطة وفقاً للاعتبار الطائفي والعشائري والإقليمي وظهور الحق العرقي للسلطة والسيادة الطائفية... ] وجرى العمل علنياً بهذه الهويات. أدت سياستهم هذه في نهاية المطاف، إلى تدمير الأسس المادية للوحدة الوطنية وتفكيك عرى تلاحمها، وكبح تبلور وتطور الطبقات والفئات الاجتماعية الجديدة، وبخاصة الطبقة الوسطى والأنتلجنسيا منها، وبالأخص الفاعلة عضوياً، حيث هربت أعداد كبيرة منهما إلى الخارج، وحُرم على بعضها الأخر ممارسة حقوقها المدنية والسياسية. لقد نفذ الانقلاب أوسع عملية إرهاب ضد المثقفين باعتبارهم حوامل التغيير والمؤثرين الاجتماعيين، عندما أرسوا لأول مرة فكرة إدماجهم القسري بالدولة ومؤسساتها بصورة شمولية. " ومع أن واجهة المؤامرة كانت بعثية، فقد كانت في الواقع،من عمل الضباط المصممين على استمرار الطبيعية العسكرية للحكم وتعزيزها برغم النزعات الايديولوجية التي حاول البعث تغليف ذلك التوجه بها ..." ، كما يشخصها محمد حديد في مذكراته. لقد عبرت تركيبة وزارة الانقلاب الأولى أفضل تعبير عن لا موضوعية البيان بصدد الوحدة الوطنية، إذ لم ينعكس هذا المفهوم المتسم بغنى وتعدد تركيباته الاجتماعية المكونة، لكون الأغلبية المطلقة من الوزراء كانوا من لون سياسي واحد (12 وزيراً بعثياً من أصل 20). ويُكمل الصورة الأحادية للتيار القومي العربي، حيث 5 وزراء من القوميين المستقلين، يضاف إليهم وزيرين كرديين لوزارات هامشية. والصورة تزداد قتامة بصدد المجلس الوطني، التي هي هيئة عينت نفسها بنفسها، واستمدت شرعيتها من الفعل الانقلابي الذي قامت به ومن سلطة ضباط مؤسسة العنف المنظم. كذلك الحال بالنسبة إلى هدف مشاركة الجماهير في إدارة الدولة ومؤسساتها. إذ كان شعاراً تجريدياً خالياً من مقومات التحقق المادي، ومن المضامين العملية والنظرية. فعلى صعيد إدارة الحكم تسلطت القوى العسكرية ذات النزعة البونبارتية، التي كانت السلطة والحكم هما الغاية المنشودة لها، إذ كانت نسبتهم في مركز اتخاذ القرار (المجلس الوطني لقيادة الثورة) هي 60% (12 من أصل 20)، ناهيك عن دورهم في المؤسسات المؤثرة في الحياة السياسية/الاجتماعية العامة. لقد أجهضت السياسة العملية للحكم الانقلابي نمو التكوينات الجنينية لمنظمات المجتمع المدني التي كانت ظهرت بقوة في أعقاب ثورة 14 تموز إذ زاد عددها عن 700 منظمة مركزية إضافة إلى كم كبير من الفروع، والتي اتسمت بالتمثيل المتنوع للفئات الاجتماعية، وذلك عندما استبدلوها بالقوة المادية بعناصر وأنساق فكرة الحزب الواحد المهيمن على المنظمات الاجتماعية، مما منع تداول أدواتها بين مختلف القوى والتيارات السياسية. كما ألغوا كل الأحزاب السياسية العلنية التي كانت قائمة آنذاك والتي تشكلت بعد عام 1960. حتى أن الانقلاب ألغى، بموجب البيان رقم 14، كل الفرق المسرحية التي كانت مجازة، وكل الصحف والمجلات والقوانين الوضعية المنظمة للواقع الاجتماعي ذات المضامين التقدمية: كقانون الأحوال المدنية وتعديل قوانين العمل والضمان الاجتماعي وغيرها . وتأسيساً على ذلك، يمكن القول إن هذين الهدفين (تحقيق الوطنية ومشاركة الجماهير في الحكم) كانا مجرد شعارين كبيرين من تلك الشعارات والمشاريع الفضفاضة التي كانت أذهانهم تضج بها [دون التفكير بآليات تحققها، ورغم ذلك عقدنا العزم واندفعنا، فإصطدمنا برجل مثل عبد الكريم قاسم الذي كان وطنياً ولا يخرج في أفكاره عن نطاق تصوراتنا. فقضينا على بعضنا وخرجنا جميعاً خاسرين... ] حسب اعترافات طالب شبيب المتأخرة و (بعد خراب البصرة) كما يقال. وتستكمل أبعاد الاعتراف ذاتها بلسان القيادة القومية لحزب البعث التي تقول في تقييمها للانقلاب: [إن من أسباب نكسة الحزب على الصعيد الشعبي هوعدم تحقيق أي إنجاز يُشعر الجماهير بأن الحكم جاء ليمثل مصالحها. لقد انحصرت الإنجازات في طيلة الأشهر التسعة من الحكم الحزبي، على الخطابات والتصريحات التي تستفز...] الذات الإنسانية، الجمعية والفردية. 8 - يستطرد البيان الأول للانقلاب إلى أنه: [لابد لإنجاز هذين الهدفين الاثنين من إطلاق الحريات وتعزيز مبدأ سيادة القانون]. ترى كيف تصرف الحكم إزاء ذلك؟ وما هو حدود التجاوز على القانون من عدمه؟ وما هو مدى سعة الحرية التي أُطلقت؟! ممكن تلمس الإجابة من خلال الموقف النظري والسياسة العملية لإدارة السلطة. فمفهوم الشعب، من الناحية النظرية، لدى حزب البعث: [لا ينصرف إلى معنى مجموع السكان بحيث يكون مطلقاً وغير دقيق، لأن هناك فئات وشرائح اجتماعية معادية لأهداف الأمة ورسالتها، يجب أن تحرم من حق ممارسة السلطة ومراقبتها، فالسلطة التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي، لم تأتِ لمصلحة جميع طبقات الأمة وإنما لمصلحة الطبقات التي ترتبط بالثورة التي تعبر عن إرادتها وتمثل مصالحها. الطبقات التي تمثل مفهوم الشعب صاحب السيادة والتي تمثل العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين (عسكريين ومدنيين) والبرجوازية الصغيرة من (مهنيين وأصحاب حرف)... ]. بمعنى أن الحرمان من الحقوق المدنية لبعض الفئات الاجتماعية يكمن في صلب الموقف النظري لدى حزب البعث العراقي، وقد تم التوسع في عملية الحرمان ليطال فئات اجتماعية أكثر مما ذُكر أعلاه. كذلك الحال بالنسبة للممارسة العملية، إذ اعترف الحزب ذاته في العديد من أدبياته وكذلك على لسان الكثيرين من قادته، التي سنستشهد بها دون غيرها، حول هاتين المسألتين، الحرية وسيادة القانون، ومدى كيفية التعامل إزاءهما؟. لقد دللت الممارسة العملية على أنهما الأكثر انتهاكاً، إلى حدٍّ طالتا أغلب مكونات الشخصية العراقية الفردية منها والجمعية، وبلغت درجة من العمق بحيث تجسدت في مختلف نواحي الخطاب السياسي اليومي لقوى الانقلاب. ولإيضاح ذلك نسوق بعض الأمثلة: - يذكر كتاب (نضال البعث) ومن باب المقارنة أنه: [إذا قيست كتابات الحزب في سوريا بالذي كتب في العراق... فتصريحات بعض المسؤولين في القطر العراقي تدور حول ((السحق حتى العظام)) و((إعدام الخونة)) و((محو الرجعية من الوجود)) إلى ما هناك من تعابير عنفية. أما مقارنة إنجازات الحزب على صعيد الوقائع لا الكلام... فلم يصدر في تسعة أشهر تشريع واحد له صفة عميقة... ]. أما بصدد خرق القانون، فيشير ذات المصدر، إلى واحدة من تلك الخروقات فيقول: [إن مكتب التحقيق الخاص الذي شُكل للأشراف على عمليات التحقيق قد تحول إلى جهاز بوليسي إرهابي جشع، أصبح الأرهاب والتعذيب بالنسبة إليه حرفة ولذة، كما تحول إلى عصابة من المستفيدين، وأن عمليات هذا المكتب أصبحت حرفة وتجارة يستفيد منها الأفراد المتنفذون فيه... ووجد بين هؤلاء من ذوي المستوى الأخلاقي المنحط الذي يستهويه حمل السلاح وحب السيطرة والنفوذ . - ويكمل الصورة ميشيل عفلق في كتابه نقطة البداية بالقول: [ولم يكتفِ هؤلاء القادة بهذا المظهر من مظاهر الترف اللاأخلاقي.. فشاؤوا أن ينقلوا عقليتهم الاستفزازية إلى كل الأماكن العامة... ]. - ويوضح ماهيات صورة الانتهاكات أمين سر القيادة القطرية آنذاك علي صالح السعدي، بالقول: [أنا أعتقد أن الإرهاب الحقيقي لم يكن بالسحل ولا بالقتل، بقدر ما هو إرهاب الأعصاب التي أرهبت كل عائلة يومياً وباستمرار، والذي أدى إلى حالات الانهيار العصبي في العراق. الآن تظهر بعد حالات الهدوء وتظهر بشكل حالات بين الشباب والاطفال والنساء وفي كل عائلة... ]. - تشير وثائق المؤتمر الثامن لحزب البعث في العراق، إلى المقارنة بين البيان الأول لانقلاب 30 تموز 1968 وبين بيان انقلاب 1963 بالقول: [لذلك فإن قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي كانت ترى أن تسلم الحزب للسلطة، هذه المرة، يجب أن لا ترافقه صراعات دموية يمكن أن تشوه وجه الثورة، وتعيد إلى الأذهان أحداث 1963 الدامية... ]. - ويشير هاني الفكيكي إلى واقعة أكثر دلالة في الاستهانة بالقوانين والحقوق وحرية الناس وحقهم في الحياة، فيقول: [إن عبد السلام طلب إلى عبد الغني الراوي، عند مغادرتنا القاعة التحضير لإعدام 150 ضابطاً شيوعياً، الأمر الذي رفضه الراوي بسبب قلة العدد وتواضعه... ]. - وحول ذات الواقعة أو شبيهاً لها، يشير طالب شبيب إلى أن: [ما أعرفه أن أحمد حسن البكر استدعى عبد الغني الراوي (عضو مجلس قيادة الثورة، قومي) وطلب منه أن يذهب إلى نقرة السلمان وهناك يجري تنفيذ إعدام بعض الضباط بعيدأ عن بغداد... وأن عصبية عبد الغني الراوي، الذي رفض التنفيذ، لأن العدد المطلوب قتلهم قليل جداً بالنسبة له، وطالب بإعدام المئات، في حين أُبلغ بتنفيذ الإعدام بحق ثلاثين فقط. وبعد جدال طويل أقنعنا أحمد حسن البكر أن لا ينفذ حكم الإعدام سوى بثلاثين اسماً يتحددون بالاسم ويتم التنفيذ في نقرة السلمان... ] . - في حين يشير عبد الغني الراوي إلى هذه الواقعة بالقول: [خابرني طاهر يحيى /رئيس أركان الجيش، طالباً مني النزول إلى بغداد لمقابلته، وعند المواجهة أخبرني أن مجلس قيادة الثورة قرر تطبيق الشريعة الاسلامية في حق الشيوعيين بالقتل. وأن هناك في نقرة السلمان 9 آلاف شيوعي سجين، وهناك حوالي 2600 (ألفين وستمائة) شيوعياً موقوفين في مخافر الشرطة في جميع أنحاء العراق، وفي الوحدات العسكرية، وبما أنك رئيس المحكمة العسكرية التي حاكمت عبد الكريم قاسم (حسب إدعائه - الناصري)، إذن فأنت تكون رئيساً لهذه المحكمة أيضاً وأنت بعد غد تذهب بالطائرة إلى نقرة السلمان بينما غداً تتحرك جماعة تنفيذ الرمي بالسيارات وأنت بالطائرة. وحسب ما تراه فالبريء يطلق سراحه مع منحه نقوداً عن الأيام التي قضاها بالتوقيف والشيوعي ينفذ به الإعدام فوراً ويدفنون في مقابر جماعية وسترسل بلدوزر لهذا الغرض مع جماعة التنفيذ أيضاً مع نقود ومخصصات كثيرة توزع حسب ما تراه. فقلت له: أن هذا يتطلب تعيين حكام قضاة اثنين من علماء الشيعة حسب تنسيب السيد محسن الحكيم واثنين من علماء السنة واثنين من الحكام المدنيين، وهذا يتطلب منحي الفتوى (القاضية بتحريم الانتماء للحزب الشيوعي - الناصري) من الشيخ مهدي الخالصي رحمه الله والسيد محسن الحكيم رحمه الله ثم من علماء السنة... وطلبت الفتوى من الخالصي وبأني مخول بنشرها وأمر ولده (الشيخ محمد مهدي الخالصي)... بالكتابة [الشيوعيون مرتدون وحكم المرتد القتل وإن تاب، وبين أن كان متزوجاً وحكم الزوجة والأولاد وإن كان لديه أموال منقولة وغير منقولة وحصة الإمام]... وكان الأمر مع السيد محسن الحكيم الذي [أمر ولده بالكتابة وهو يملي عليه: الشيوعيون مرتدون وحكم المرتد هو القتل وإن تاب... والشيوعيون نوعان الأول من آمن بها وحمد بها ولم يرجع عنها، فحكمه كما جاء أعلاه، والنوع الثاني من اعتبرها تقدمية ومعاونة المحتاجين، وهؤلاء يحجزون ويفهمون ويعلمون الصح من الخطأ، فإن تابوا يطلق سراحهم وإن أصروا عليها فحكمهم كما جاء أعلاه...]. وفي اليوم التالي وقبل الساعة 11 صباحاً زرت طاهر يحيى في وزارة الدفاع وأخبرته، إذا طبق البعثيون الشريعة الإسلامية بكاملها وتركوا العلمانية والاشتراكية المؤدية للشيوعية والقومية، حينذاك الإسلام هو الذي يحكم... فنزل طاهر يحيى بالفشار والمسبة على كل من عبد الكريم مصطفى نصرت وخالد مكي الهاشمي. وقال لي أنت ارجع واعتبر القضية منتهية وأني أعرف أشلون راح أسلكَهم... ]. - كما أشار إلى حادثة مماثلة لهذه الانتهاكات العضو القيادي لحزب البعث في المؤتمر القطري السوري المنعقد في 17 أذار 1964 محمد عمران بالقول: [حين زرنا العراق أثرنا موضوع القسوة في قتل الشيوعيين، فكان الرأي أن المنفذين هم الحزبيون - البعثيون.. وحادثة جرت ذات مرة أن كلف ضابط بعثي بإعدام 12 شيوعياً، فقال أمام الكثيرين أنا لا أذهب إلا لإعدام خمسمائة على الأقل ولا أذهب لإعدام 12...]. - في الوقت نفسه يعترف القيادي البعثي السابق صلاح عمر العلي بالقول:"...أن أخطاءً (؟؟!!) وقعت لدى وصول الحزب إلى السلطة في 8 شباط 1963، ويقر بأن الحرس القومي ذهب بعيداً في ممارسة العنف ضد الشيوعيين وكان مطاردة الشيوعيين تحولت هدفاً في حد ذاته. ويشير إلى لجنتين للتحقيق تسببت في إعدام كثيرين خصوصاً اللجنة التي كانت تضم هاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي... " - هذه الخروقات لكل القيم والشرائع الإنسانية، أجبرت الرئيس عبد الناصر، أثناء مباحثات الوحدة الثلاثية، على وصف ممارسات حزب البعث، بكونه: [... كان يهدف أول ما يهدف إلى إقامة حكم فاشستي متسلط ينفرد فيه بالحكم، ولم يكن حزب البعث يفكر في الحرية. لقد نادى حزب البعث دائماً بحرية الصحافة ولكن أول ما عمله هو إلغاء الصحف كلها عدا صحف الحزب الفاشستي. وكم نادى حزب البعث بالحرية وكان أول ما عمله أن حرم الشعب كله من الحرية. وأصبحت الحرية وقفاً على أعضاء الحزب والحرس البعثي فقط. ماهو شعار الحرية بالنسبة للبعثيين؟ شعار الحرية بالنسبة للبعثيين، هو السجون والقتل والمحاكمة بدون دفاع والإعدام. وشعار الحرية بالنسبة للبعثيين، هو أن يحرم حزبهم الشعب كله من الحرية، لتترك الحرية لحزب الأقلية فقط. شعار الحرية لحزب البعثيين هو أن تكون المغانم للبعثيين وتكون الفرص للبعثيين وتكون المساواة للبعثيين، أما باقي الشعب فيحرم من المساواة ويحرم من حقه في الحياة ويحرم من حقه في العيش ويحرم من حقه في العمل... ]. وهكذا تعكس هذه العينة من الأمثلة على مدى الخروقات التي أصابت واقع الحياة المدنية وتكرارها اليومي وبزخم عال، حتى وصل الأمر إلى أنه: [...لم يكن هناك داخل القيادة في تلك الأيام الحاسمة، أي ميل لاعتبار مثل هذه الأعمال غير قانونية أو جرمية، فقد كان هناك أشياء من هذا أو رضاً من ذلك، ولكننا لم نختلف إطلاقاً على مثل هذه الأمور] كما يعترف طالب شبيب. ويؤكد أن [حوادث الإعدام الفوضوية وبشكل خاص مجزرة معسكر الرشيد ضد ضباط لم تكن سمعتهم سيئة، قد تمت بأمر من صالح مهدي عماش وبحضور السعدي، إذ جيء بهؤلاء في الليلة الثانية للثورة وجرى ضربهم وإهانتهم وإدانتهم بأعمال مختلفة ثم قتلهم... وعندما سمعنا بما حصل لم نعلق ولم نعترض...] وانخلق آنذاك ضمن الحزب وضع [... انتعش واختبأ بداخله أشخاص مجرمون لا ينتمون لأي من اتجاهي الحزب، أشخاص كثيرون غريبوا الأطوار ساعدتهم الخلافات وتعدد مراكز النفوذ على نشر الفساد والجريمة... ]. وهكذا [أصبح البعثيون بلا بعث والبعث بلا بعثيين، أيديهم مصبوغة بالدم والعار، يتسابقون إلى القتل والظلم والركوع أمام مهماز الجزمة... ]. وبممارستهم القوة عبر النخبة وعدم مشاركة ((الجماهير الواسعة))، قد عبروا عن جوهر المدرسة الميكيافلية التي [تعتبر أن الدولة (والنظام السياسي) تقوم على الفصل الكامل بين الحكام والمحكوميين. وتركز على أهمية القهر في علاقات القوة، وتعتبر سيطرة القلة أوالنخبة (المكونة من الأقوى أو الأفضل) أمراً مسلماً به مهما كان نوع النظام السياسي (ما يسمى القانون الحديدي للأوليغاركي)... ]. وأصبحوا يعيشون حالة من الركود في حركتهم اليومية، إذ كان الفكر غارقاً في الكثير من الهوامش الذهنية الضبابية، والتفاصيل تأكل حيويتهم، إن وجدت، لأنهم كانوا يتحركون في ذهنية الانتقام والثأر لا في ذهنية حركة الواقع المستقبلي.. مما أدى بالحياة إلى أن تطردهم من مواقع اخضرارها. الهوامــــــــــــش - الموضوع مبحث مستل من الكتاب الثالث، من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم: عبد الكريم قاسم في يومه الأخير – الانقلاب التاسع والثلاثون، والمعد للطبع في طبعته الثانية المنقحة . 2 - حسن العلوي، رؤية بعد العشرين، مصدر سابق /ص. 163. 3- لقد "... أطلق الانقلابيون النار على نصب الحرية لجواد سليم في الباب الشرقي وهرع السام فائق حسن فقتل حمامات السلام البيض المحلقة في جداريته المعلقة في ساحة الطيران، دافناً جثثها وراء طبقة كثيفة من الصبغ ، مثلما كان القتلة الساكنون في الشوارع يقتلون الضحايا .. كان هذا أخطر ما يمكن أن يمر به مجتمع من المجتمعات المعاصرة باعتباره الشكل السياسي للحرب ألأهلية في ظل انعدام البنية الديمقراطية للحياة..." فاضل العزاوي، الروح الحية، ص. 53. 4- مراجعات، مصدر سابق، ص 207.، وكان الأحرى بشبيب القول: قضينا عليه وليس قضينا على بعضنا، حيث يساوي بينه (م) كجلاد (ين) وبين الضحية التي إغتالوها.
5- راجع محمد كاظم علي، العراق في عهد عبد الكريم قاسم، دراسة في القوى السياسية والصراع الآيديولوجي 1958 - 1963، ص 196 - 197 بغداد 1989 مكتبة اليقظة العربية. كذلك أنظر نضال البعث، الجزء الخامس ص 132، ط. الثالثة، دار الطليعة بيروت 1976
6 - نضال البعث ج. التاسع ص ص 44 - 77. 7- يقول شبيب في (مراجعات، ص 175 أنه: [في الاسبوع الأول للثورة قرر المجلس الوطني تشكيل لجنة عليا من مسؤولين من الحزب لديه معرفة تنظيمية وسياسية بتركيبة الحزب الشيوعي وأساليب العمل السري المعتمدة... وكان من بين المكلفين بهذه اللجنة أعضاء من قيادة فرع بغداد وشعبها، كنجاد الصافي وأبو طالب الهاشمي ومدحت إبراهيم جمعة وأحمد العزاوي وبهاء شبيب وعمار علوش، ثم إلتحق بهم ناظم كزار وصدام التكريتي وعبد الكريم الشيخلي...] وعلى أثر المجزرة التي إقترفها صالح مهدي عماش وأعدم الحياة لعشرين شيوعياً، يُكمل شبيب القول (ص. 176): [... بعد تنفيذ الاعدام ذهب إلى مجلس قيادة الثورة وحصل على قرار للمصادقة على قتلهم... ومنذ تلك الحادثة قررت القيادة القطرية ربط هيئة التحقيق كلها بمكتب جديد سمي بالمكتب الخاص ورئيسه عضو قيادة قطر العراق لحزب البعث وهو محسن الشيخ راضي، وتم بوجود المكتب الجديد قطع صلة هيئات التحقيق بوزارة الداخلية ووزيرها حازم جواد وبمدير الأمن العام جمبل صبري البياتي...] من هذا النص يتضح أن القيادة القطرية كانت تشرف على أعمال التعذيب. وما أورده نضال البعث أعلاه يُكذب إدعاءات شبيب الذي يحاول رفع المسؤولية الجنائية عنهم أوتخفيفها بحجة شل فعالية الجهاز العسكري للحزب الشيوعي. علماً أن المكتب الخاص إتخذ من قصر النهاية مقراً له حيث كان يداوم فيه يومياً السعدي والفكيكي وعماش والشيخ راضي وغيرهم من الخط الأول لحزب البعث العراقي.
8- ميشيل عفلق، نقطة البداية، ط. الخامسة، ص 266 9- مستل من حسن السعيد، نواطير الغرب، مصدر سابق، ص 139، راجع للمزيد كذلك محمد سعيد النجدي، حصيلة الانقلابات الثورية في بعض الاقطار العربية. 10 - حزب البعث العربي الاشتراكي، وثائق المؤتمر القطري الثامن، الفصل 3، الباب 2، ص 39 11- هاني الفكيكي، أوكار، مصدر سابق، ص 280. 12 - د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 280
3 -) راجع مذكرات عبد الغني الراوي المنشورة في جريدة الزمان بتاريخ 09/04/1999 لندن. 14- راجع جريدة الحياة في 5/2/2003. 5 - محاضر مباحثات الوحدة الثلاثية في القاهرة عام 1963، مستل من مطيع نونو، دولة البعث، مصدر سابق، ص 211. 6 - د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 193 7 راجع سامي الجندي، البعث، ص 12، دار النهار بيروت 1969، مستل من نواطير الغرب، مصدر سابق. علماً بأن حكومة عبد السلام عارف نشرت بعد انقلاب تشرين كتاباً عن خروقات الحرس القومي، وأطلق عليه اسم (المنحرفون)، وبعد المجيء الثاني للبعث العراقي للسلطة تم سحب الكتاب من التداول، لكن أُعيد طبعه في الآونة الأخيرة، 1995 في لندن وصدر عن دار الهلال. 8 - د. خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، دراسة بنائية مقارنة، ص 30، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 1991.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :
-
14 تموز والتيار الديمقراطي
-
حوار عن قاسم وتموز
-
(8-8) من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
-
(7-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
-
(6-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم
...
-
(5-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (الجمه
...
-
(4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان
...
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثا
...
-
رحيل آخر عمالقة رواد الفكر الديمقراطي في العراق المعاصر
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(5-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(4-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(3-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
-
الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|