|
هل أخون وطني..!!
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 10:30
المحور:
الادب والفن
أثار دهشتي عنوان كتاب الأديب العربي السوري محمد الماغوط " سأخون وطني " ولكني عندما أبحرت معه في صفحاته وجدته يضعني وجهاً لوجه أمام ( كوكتيل ) فريد من الانتهازيين الذين يبيعون كل شئ وأي شئ وبأي شئ … يبيعون الوطن بالجملة والقطاعي … في مزاد ( الضحك على الذقون ) عندها زالت عني الدهشة.. وحل محلها ( سخام ) الواقع القذر ، ووحل الاحداث على مدار العام والاحباط المتراكم الكفيل بقتل الأمل في اللحظة القادمة ..!! نفس الصورة الماغوطيه وبأبعاد اشد عمقا وبشاعة تنشب مخالبها في حلوقنا لحظة بلحظة..وتجعلنا نعيش احتلالا فوق احتلال..!! فالانتهازيون .. قتلة الحلم الذي سقيناه قطرة قطرة بدمنا ودموعنا ... يختبئون في كل زاويةٍ وشارع.. في كل مكان يستطيعون فيه قضم وجه الوطن كفئران المزبلة .. الانتهازيون ... الذين هربوا واختبأوا بعيداً عن معاناة الدم والقيد والحجر وناموا في أسرتهم نوماً عميقاً كي لا يتذوقوا طعم ضيافة الاحتلال في منتجع ( النقب ) !! الانتهازيون ... الذين كانوا الصفوة المتنفذة والمنتفعة في عهد الاحتلال ... ولا زالوا كما هم في عهد ما بعده ... هؤلاء مستعدون دوماً لبيع أقدس المبادئ وأشرفها مقابل عشرة دولارات فقط وربما أقل ... هؤلاء يقتسمون الوطن فيما بينهم بصمت بينما يقف المواطن العادي الذي ضحى وناضل كالأبله ... أو كالصعيدي الذي اشترى الهرم !! لقد سرقوا حتى رمل الوطن شاحنة شاحنة أمام اعيننا واخفوه ليبيعوه كلما سنحت لهم الفرصة..!! واحتكروا زيادة في الوطنيه "الحصمة" و"السجائر"..وعلقونا من لقمة عيشنا بألاعيب الغاز..ونحن على ذمة الصحف سنقايض اسرائيل مرغمين ب 5،3بليون دولار من غاز بحرنا مقابل الماء والكهرباء..!! المواطن المطحون يدفع فاتورة تليفون ما أنزل الله بها من سلطان وما أن يتنفس حتى تصيبه فاتورة الكهرباء بجلطة..!! وفاتورة المياه بمرض عضال..!! لقد أصبحت الأمور واضحة .. وواضحة جداً وأصبح من السهل على من يجيد لعبة " من أين تؤكل الكتف" أن يرفع الراية المناسبة في الوقت المناسب ومن ثم يحصد لنفسه ولمعارفه حرث الغلابه وزرعهم الذي رووه بالدم والعرق ولحظات الألم ،ومن لا يصدق هذه الحقيقة فليسأل جموع العاطلين والمزارعين والصيادين..!! لم أعد أستغرب .. عندما أسمع أن فلانا ذو الرائحة التي تشبه رائحة البيض الفاسد قد نال الوظيفة أو المنصب الرفيع ... وأن عِلاَّنا الذي تسبقه فضائحهُ قد رصعت أكتافه النجوم . لقد أصبحنا نعيش ( كوميديا ) وطنية مبكية تزيدنا قهراً على قهر ... وقمة هذه الكوميديا أن الحكومات تتوالى والاسماء تتغير ولكن الفساد هو الفساد ورغم ذلك يكاد يفلقني متزلف يمسخ تاريخنا بانحناءة ... أو رقصة ... أو قصيدة مدح ويجني بجشعه منصبا أو منحة دون وجه حق ... ويموء طلبا للمزيد كقطةٍ سمينة !! بالأمس أوجعني موقف بسيط ... علمني أن من يحمل المبادئ فقط ويخلص لها ويرقد تحت عرشها القديم منتظراً ( ليلة القدر ) سيصبح بأوهامه نسياً منسياً وسيقدم بغبائه خدمة مجانية لسارقي دمه ومعاناته . لابد للمبادئ العظيمة من إدارة قوية مناضلة شرسة تحمي الإيمان بها وإلا فإن الإيمان وحده قد يودي إلى الإحباط .. والقرف .. والانهيار النفسي .. صديق قدّم للوطن ما عليه وأكثر ... فقد أخاً شهيداً ... أصيب ثلاث مرات في الانتفاضة .. اعتقل خمس مرات .. ويحمل رغم ذلك شهادة علمية محترمة .. تقدم لوظيفة ما ... وكان منافسه لسوء الحظ ابن ( فلان الفلاني ) الذي يحتفظ بشبكة علاقات مؤثرة دشنها بمناسف مالذ وطاب .. فاجأت صديقي النتيجة .. ولم تفاجئني .. بكى من القهر وسألني بحسرة :ماذا أفعل ؟! شعرت بنظراته تصفع صمت الجميع وتذكرني بالمقولات المدرسية الغبية ( الوطن بخير ... وسينصفك يوماً ... المهم الصبر ) . صديق آخر ... لم يجد من يقدم له عوناً أو فرصة عمل ليعول أسرته الكبيرة ... تهرّب منه كل أولئك الذين يجيدون تسكين الجراح بمعسول الكلام . ساومه الاهل على تغيير لونه ... وساومه الإسرائيليون على التعاون . طلب منه الأهل أن يقدم ( ذاتية ) معينة للحصول على "كبونه" وطلب منه الجيران مقابلاً قذراً لتصريح العمل ..!! آخر تقاليع الفساد المغطى بشوكولاته وطنية زائفة . مناقصة رسمية لا يفوز بها أقل العروض سعراً وإنما يفوز بها أكثر العروض قرباً لجيب المسئول..!! لا أريد حقا الاساءة إلى أحد ... ولا أود أن أكون ( مدمن ) تشاؤم ... وفي نفس الوقت لا أقبل أن أزيف ولو بقليل من التجمل صور الواقع المؤلمة التي تلح علينا كذباب الصيف وهذه الصور نفسها نقدمها إلى كل مسئولٍ شريف .. ليقوم بواجبه الوطني نحوها ... نقطة أخرى ... تضحكني بدموعٍ ساخنة تلك الاعلانات التي تبشرنا وبتكرار ممل بفوز الكتلة الفلانية بجميع الأصوات في جامعة كذا .. وفي نادي كذا .. وفي مؤسسة كذا ... أو أن الكتلة العّلانية حققت نصراً ساحقاً في بلدية كذا ..... هذا في الحقيقة ليس ديمقراطية .. وليس انتخاباً وانما ارتهان أو شراء لذمة المواطن.. إنه اقتسام متفق عليه وغير مكتوب للمؤسسات الوطنية وتحديد لمناطق النفوذ بشكل مبتذل لـ ( سايكس بيكو ) … فالجامعة الفلانية تغلق على نفسها ولا تخدم إلا أنصار لونها الذي يتولى الصرف عليها .. والنادي العِلاّنى يرفض التعاون مع الفعاليات الاجتماعية والوطنية إذا كانت تخالف المزاج السياسي للمهيمنين عليه ... تصوروا..ندوة لتعميق الحوار الوطني والديمقراطية رفض هواة الرسم بالألوان ؟! استضافتها ... ونسوا أن لكل فلسطيني الحق في الاستفادة من مؤسسات وطنه دون شرط أو قيد طالما كان ملتزماً بالهم العام . ... يا وطني ... رغم ما فيك أحبك ... وكلما اقتسموك فيما بينهم ... أحبك أكثر ... ... ربما يهتف هاتف ما بداخلي أمام الواقع الكئيب .. " هل أخون الوطن " .. لكن إيماني بالضحايا والسنابل القادمة ... يصرخ في أعماقي ... لا ...
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أم سليمان..!!
-
ديمقراطية عرب لاند..!!
-
النفاق سيد الأخلاق..!!
-
انتحابات عراقية
-
نرفانا..!!
-
مرايا..!!
-
خروج الى سعدي يوسف
-
كيف الخروج من نزفنا..؟!!
-
فلوجة..!!
-
..!!قطرات في ربع جاف
-
كعكة التوقعات..!!
-
ظمأ..!!
-
عليه العوض
-
رغوة الظمأ
-
ألو...عنان..!!
-
قراءة بعيون مفتوحة
-
يوجا
-
أهزوجة..!!
-
قصيدة بث مباشر..!!
-
بوح..على وتر السأم..!!
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|