جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 21:07
المحور:
كتابات ساخرة
كل شيء في هذا الكون قابل للزيادة وللنقصان, فتجد الحب قابل للنقصان وللزيادة وتجد كذلك الكراهية قابلة للزيادة وللنقصان ،والجهل قابلٌ للزيادة وللنقصان بمقابل المعرفة القابلة أيضاً للزيادة وللنقصان,والمصيبة الكبرى أن الجهل عندنا غير قابل إلا للزيادة ونحن كشعوب عربية إسلامية حظنا من الجهل في كل الأمور كبير جدا,والجهل في مجتمعاتنا نظاما أخلاقيا نمشي عليه ونكاد نعتبر الجاهل مؤدبا جدا بل وكثير الأدب وترتفع قيمة الفرد عندنا بمقدار ما يحصل عليه من جهل ومن اللامبالاة التي يبديها أمام كل الملاحظات والمشاهدات التي تصادفه في طريقه العام الذي يسلكه كل يوم من البيت إلى العمل ومن البيت إلى السوق والشارع العام, والجهل سيدنا بل منازع,وحاكمنا,وجلادنا,وقاضينا الذي يقضي بيننا بالجهل, وعليه الأمر وعلينا الطاعة,وكل شعوب العالم تزداد علما ومعرفة وثقافة في كل الميادين إلا نحن نزداد جهلا وتخلفا وتعمقا في وسائل الجهل التي تفضي بنا جميعا إلى مزبلة التاريخ, فهنيئا للجهل فينا وهنيئا لنا به, والجهل عندنا هو سيد الأحكام فكلما اختلفنا على موضوعٍ مُعينٍ نعود إلى الجهل ليحكم بيننا بما أنزل الله,وإن عصينا الجهل فهذا معناه أننا نعصي الله ورسوله والمؤمنين وإذا أطعنا الجهل فهذا معناه أننا نطيع الله ورسوله والمؤمنين, وكلما اختلفنا على قراءة الواقع أو المستقبل نعود إلى الجهل لأنه مرجعنا الوحيد لمعرفة الماضي والحاضر والمستقبل فليس لنا مرجعا إلا هو وليس لنا تبعا إلا هو,ولا يوجد حاكم مطاعٌ بيننا مثل الجهل نفسه فهو يفسد علينا المعرفة والعلم ويوهمنا بأننا أفضل الشعوب في هذا العالم وبأننا متقدمون أكثر من كل الحضارات المتقدمة علينا ويعود كل الفضل إلى الجهل الذي يزين لنا أعمالنا فنحن أمة لا تعصي للجهل أمرا ولا تخالف قواعد الجهل وأصوله ومنابته فهو الذي يرعانا وهو الذي يتكفلُ فينا وهو الذي يرشدنا إلى الطريق المستقيم الواجب علينا إتباعه,والذي لا يوجد في بيته جاهلٌ واحد نعتبره شاذاً عن القاعدة ونقول عن هذا البيت بأن الله سبحانه وتعالى قد نزع من هذا البيت بركته لأن البيت الذي لا يوجد فيها جهلاء لا تدخله الملائكة على الإطلاق والبيت الذي توجد فيه المعرفة نعتبره بيتا للشياطين من أمثال الإنس والجان, وأحيانا نجدُ في البيت الواحد على الأغلب جاهلين أو ثلاثة جهلاء فمن المستحيل أن تجد بيتا ليس فيه جاهلا فهذه بحد ذاتها معضلة كبيرة وتكون بحاجة إلى دراسة معمقة لمعرفة أسباب خلو هذا البيت من الجهلاء,والحكمة فينا شيء مقرف تقرفها الناس فأبغض شيء في مجتمعنا العربي الإسلامي أن تجد مثقفا يتكلم بالعلم وبالمنطق وهذا مكروه شرعا وغير جائز،فالعقل مرفوض لأنه مخالف لقواعد السنة والمنطق مرفوض لأنه مخالف لقواعد الشرع وكل شيء غير مطابق للجهل فهو مرفوض مبدئيا وبدون أي نقاش, نحن الوحيدون الذين يزداد عندنا الجهل يوما بعد يوم والجهلُ عندنا غير قابل للذبذبة بل هو في تصاعد مستمر من الجنوب وإلى الشمال ومن الشمال وإلى الجنوب ومن الشرق وإلى الغرب ومن الغرب وإلى الشرق ومن فوق وإلى تحت ومن تحت وإلى فوق، ونحن الوحيدون الذين نتطلع للوراء ولا نتطلع للأمام والمشكلة أن الجهل شيء مقدس وكائنٌ نوراني يحملُ رخصة قيادة الشعوب العربية من السماء السابعة, فممنوع عليّ أنا شخصيا أن أمس الجهل ولو بكلمة واحدة أو أن أتفوه أمام الجهلاء بشيءٍ عن سيدهم الذي يطيعونه ويقدمون له كل ساعة وكل دقيقة الطاعة والولاء فالجهل كائن مقدس بنظر الناس وأنا كائنٌ نجس بنظر الناس, وستحدث مصيبة كبرى إذا حاولتُ عابثاً أن أنتقد الجهل بالإشارة من بعيد أو بالتلويح له من قريب وسأدفع الثمن غاليا إذا حاولت يوما أن أغسل عاري من الجهل بيدي أو بقلبي أو بعقلي ولساني وكم هي المرات التي أحسستُ فيها أنني سأفقد روحي وأنا أحاول الاقتراب من الجهل بشيء من النقد البناء, فالجهل خط أحمر ممنوع الاقتراب منه أو التصوير ,فهو يشبه منطقة عسكرية مغلقة وعليها حواجز وأسوار شائكة ,وإذا أردت أن تراه بعينك فما عليك إلا أن تقف على طرف الشارع المقابل له وأن تنظر إليه من بعيد دون أن تضع عليه لمسة من يدك ودون أن تشتم رائحته فهو كائن مقدس بين الناس، وعظمته وسلطانه يفوقان عظمة أي إمبراطورية في العالم,فلا توجد إمبراطورية في العالم تضاهي إمبراطورية الجهل التي نعيش فيها ولا توجد ولا في أي دولة بالعالم للجهل سلاحٌ ومدفعية ومطار عسكري وجهاز مخابرات كما يوجد للجهل عندنا فهو يقتني أحدث الأسلحة المتطورة في العالم وهو محصن ضد الخدش وضد التيارات الأخرى المعارضة له ويستطيع أن يمتلك سلاحا ذريا في سبيل الدفاع عن نفسه إذا قضت الضرورة إلى ذلك ,والغريب في الموضوع أن للجهل عندنا جامعات تقوم بتدريسه ومؤتمرات علمية تبحث في كيفية التعمق به ومؤسسات نشر تعمل على نشر ثقافة الجهل ومحطات فضائية مرئية ومسموعة ومقروءة,والجهلاء يحملون شهادات عليا في الطب وفي الهندسة وفي شتى التخصصات المختلفة, وللجهل مدارس تقوم بتعليمه للصبية ومعلمون متخصصون وإذا شعرنا بالنقص العام في الجهلاء فإننا نقوم باستيراد جهلاء من دول عربية مختلفة ونقوم بالتبادل بيننا وبين تلك الدول فنرسل إليهم بوفودنا ويرسلون إلينا بوفودهم ونعمل احتفالات عالمية في سياسة الجهل وفي تعليمه وتعلمه,ولدينا وزراء جهلاء ومدراء مؤسسات جهلاء وصحافة جل إدارتها من الجهلاء وكل يوم نسمع ونقرأ نفس الاسطوانة على مسمع من سيد الجهلاء تبارك أسمه وقُدّس سره, وعندنا مطربين يغنون بأجمل الأصوات لكي يعيش الجهل فينا ونحن نردد وراءهم(آمين) ولم أقرأ عن دولةٍ في العالم يحترمُ فيها المواطنون الجهل والظلم والاستبداد كما نقوم نحن باحترامه وبالانحناء أمامه مبدين له الخجل منه أولا ومن ثم الطاعة والولاء, فأحسن شيء في مجتمعاتنا هو الجهل وهو أفضل مشروع ناجح لمن أراد أن ينشأ مشروعا تجاريا, فهو تجارة رابحة ومأمونة جدا وهو المشروع الوحيد الذي لا يمكن أن يتكلل بالخسارة أبدا, وللجهل قاعدة عريضة تزداد في كل يومٍ اتساعا أكثر من أي وقتٍ مضى,ومن أراد في مجتمعاتنا أن يدرس الجهل وأسبابه وطرق الوقاية منه تُدرس روحه أولا وتخرج منه قبل أن يعرف أي شيءٍ عن الجهل, ومن أراد أن يعرف عن الجهل شيئا تتابعه مراصد الدولة المنتشرة هنا وهناك ويلاحقه الغوغاء بتهمة الخيانة العظمى للدولة ويتهمونه بالتجسس لصالح دولة أجنبية ويرجمونه بالحجارة بتهمة الزنا مع المعرفة أو بتهمة التقرب من دوائر صهيونية، وكل شيء عندنا مسموح له أن يصغر حجمه إلا الجهل فهو الشيء الوحيد الذي لا نسمح له إلا بالزيادة, وممنوع منعا باتا الظهور أمام الجهل بمظهر المتحدي أو المستميت في سبيل إظهاره للناس, إنها حقا مسئولية عظيمة ملقاة على عاتق الكتاب وحدهم القابعون في الأسر والظلام الحالك، والمعرفة مكروهة تكرهها أغلبية الناس فأكثر شيء مزعج يزعج الناس في مجتمعاتنا أن تجد إنسانا يعرف الحقيقة أو يقوم بتعريفك في نفسك وحقيقة نفسك التي تجهلها أنت ،أو من المصيبة بمكان أن تجد شخصا يعرف دينك ونبيك وصلاتك أكثر منك,وثقافتك أكثر منك,وهذه المصيبة نحن واقعون فيها وغارقون فيها إلى أذنينا فالفرنسيون والبريطانيون وكل الأوروبيون يعرفون ديننا أكثر منا ونبينا أكثر منا وقرآننا أكثر منا بل أيضا يعرفون صلاتنا أكثر منا وفي النهاية عندما يقولون الحقيقة نتهمهم بالعداء لنا وبالتحريف وكل هذا بسبب جهلنا بأنفسنا وبواقعنا وبماضينا, وإنها فعلا لمصيبة كبرى أن يعرف غيرك أمك وأبوك اللذان أنجباكَ أكثر منك,أو أن يقدم لك تقريرا مفصلا عن أصلك وفصلك,وكلما ازددت جهلا في مجتمعاتنا العربية كلما زاد رزقك وعظم سلطانك وتكاثروا أتباعك ونهضوا بك بل أنهم كل يوم يدخلون في دينك أفواجا بالمئات لا بل بالألوف وعندها فقط تؤمن أنت أيمانا قاطعا بأنه لن يبقى عليك سوى الصعود على المنبر لتلقي خطبة دينية عصماء تدعو فيها إلى ممارسة الجهل وإلى الإعلاء من شأنه وأن تدعو أيضاً إلى رئيس الجمهورية بالصحة وبالعافية وبطول العمر وبالروح المديد علما أنه لا توجد ولا آية قرآنية واحدة توجب الخطيب الذي يخطب على المنبر بأن يدعو لسيده بطول العمر له ولنظامه الحاكم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟