|
أزمة الضمير العربي
عادل بن زين
الحوار المتمدن-العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 06:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أزمـــــة الضــــمـــيــر الــعــربـــي عندما نتأمل وضعية العرب في المشهد الدولي، نحس بالخزي والعار، ونتمنى لو لم نكن ننتمي إلى هذا الوطن الموبوء. هناك اليوم في هذا الوطن المحزون، الكثير من المظاهر التي تشير إلى أننا نعيش في كوكب آخر، بعيدا عن قضايانا التي فوضناها للآخرين، ونحن في غفلة من أمرنا. إننا نعيش أزمة ضمير مزمنة، ولكي نحس بما يقع حولنا، نحتاج إلى صعقات كهربائية في أكثر المناطق حساسية في جسدنا. إن أقبح مظهر من مظاهر السبات العربي، وانطفاء جذوة النار في الضمير العربي، ما يقع في قطاع غزة. إن الحصار المفروض على المليون ونصف إنسان عربي، تحت أنظار العرب والعالم، في أكبر سجن مقيت في العالم، من قبل حفنة من اللصوص والقتلة والقراصنة، بمباركة الدول العظمى والتخاذل العربي، وصراع الإخوة _الأعداء(فتح وحماس)، خير دليل على أزمة الضمير العالمي قبل الضمير العربي. إن فشل الدول العربية في كسر هذا الحصار البغيض، وانسياقها وراء الإملاءات الصهيو- أمريكية، وترك الأبرياء العزل، في مواجهة العصابات الصهيونية، فوت على الأنظمة العربية فرصة التصالح مع شعوبها، في الوقت الذي أسهمت في توسيع الهوة بينهما. ولئن شكلت تركيا النموذج الجميل الذي ينبغي للعرب الاحتذاء به، وصفعهم في أكثر من مرة على القفا والخدين، من خلال المواقف الشجاعة التي أبان عنها طيب أردوغان، وبغض النظر عن بحثها الحثيث عن موطئ قدم لها في هذا التابوت العفن، فإن الأمر الذي يصعب تفسيره هو أن تساهم الأنظمة الديمقراطية، و حقوق الإنسان، والحرية، في المشاركة في إدارة هذا السجن. قد نتفهم مشاركة ألمانيا، وفرسا، وبريطانيا، وأمريكا، إلى جانب الصهيونية، باعتبارها ربيبتها، من جهة، وتكفيرا عن وصمة العار في جبينها، من خلال أفران الغاز، والمحرقة المزعومة، من جهة أخرى، لكن ما لا يمكن فهمه هو إقفال معبر رفح من لدن مصر، ومشاركة منظمة التحرير في ذلك. المظهر الثاني التي يندى له الجبين، الذي بدوره يكشف عن أزمة عميقة في الضمير العربي، محاولة حرق القرآن، التي يتبجح بها القس المهووس تيري جونز، أمام وسائل الإعلام الأمريكية. ولعل الغريب في الأمر، هو أن تخرج موجات من المحتجين على هذا السلوك المرضي، في أمريكا نفسها، وأوربا، ولا نسمع صوت مظاهرة واحدة، في هذا الوطن الموبوء. فأن تصدر تنديدات من زعماء الدول الغربية فهو ليس بعجيب، ولكن ألا يندد زعيم عربي بهذا الجرم الشنيع، في هذا الوطن المشلول، فذاك هو العجب العجاب، وكأن أنظمتنا فوضت قضايانا المصيرية، ورساميلنا الرمزية للآخرين. عجيب أمر هذا الوطن الجميل. فعلا، لا يمكن للأنظمة العربية أن تفعل شيئا، إذ هي بعيدة كل البعد عن قضايا الأمة. إنها مجرد طغمة حاكمة، نزلت بالمظلات من الأعلى، أو جاءت على صهوات الدبابات. انظر إلى رقعة الوطن العربي، وقل لي اسم الحاكم الذي يحكم وفق إرادة الشعب. كما لا يمكن للشعوب العربية أن تفعل شيئا، فهي ملقحة ضد الاحتجاج والتظاهر. إنها مشغولة بفتوحات السرير، والبحث عن لقمة الخبز، وترزح تحت قانون الطوارئ، أما نخبتها المثقفة فهي في برجها العاجي. إن تهديدات جونز(الذي لم يقرأ القرآن، ولا يفقه ما يوجد فيه، من قيم التسامح والأخوة والعدالة والمساواة....) بحرق القرآن، لا تخرج عن الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وهي تكشف عن باطن مسيحي حاقد على الإسلام والمسلمين. من القضايا الأخرى التي عرت الزيف العربي، وكشفت عن تخاذل الحكام العرب، المشاركة الفعالة في التدمير الممنهج لأرض العراق- جمجمة العرب- إذ لم يكن الغزو بسبب صدام حسين، أو أسلحة الدمار الشامل المزعومة، أو القاعدة، إنما الهدف الاستراتيجي هو القضاء على الحضارة، وتدمير تاريخ الإنسانية. ولعل حرق متحف الآثار ببغداد، وسرقة آثاره النادرة التي لا تقدر بثمن، إضافة إلى الجشع للنفط، خير دليل على ذلك. ألم يتم تدمير كل مؤسسات العراق السيادية والرمزية عدا وزارة النفط؟ كما أن غزو أفغانستان، وحرق لبنان وقطاع غزة، بآخر طرز الأسلحة الممنوعة دوليا، لا يختلف عن كارثة العراق، رغم مبررات الإرهاب ومحاربة القاعدة. إن هذه الحروب في نهاية المطاف حروب دينية، صليبية باعتراف بوش وبلير. إذا كانت الجيوش العربية النظامية، لا تستطيع أن تصمد أمام العدو ساعة، ولا تستطيع أن تطلق رصاصة في الهواء، وذلك أضعف الإيمان، إلا في وجه شعوبها حين تخرج إلى الشارع ضد الجوع والقهر النفسي، فإن رجال المقاومة في حزب الله، وأفغانستان، والعراق، وفلسطين، شكلت شوكة في خاصرة الجيوش الغازية، وفضيحة للأنظمة العربية المتواطئة معها، وحفظا لماء وجه هذه الأمة المنهكة. إن أزمة الضمير العربي في القرن الواحد والعشرين، تجلياتها كثيرة، وما أتيت على ذكره، ما هو إلا الظاهر منها. وما العجب العجاب في هذا الوطن المصاب بالرهاب، هو أن تسخر أنظمته الحاكمة كل مجهوداتها، ليس في سبيل حمايته، ولكن إمعانا في قهره وخنقه بالأمراض النفسية والعصبية. إن الله إذا ابتلى أمة سلط عليها مترفيها، وبلية هذه الأمة حكامها.
#عادل_بن_زين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن الرداءة
-
قصة قصيرة: نادية
-
سقط الليل
-
وطن الحبال
-
في مديح الخال
-
حالة إبداع
-
الشيخ والبحر
-
قصيدة
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
-
تونس تُطلق مبادرة لدعم دخول شركاتها إلى أسواق موريتانيا والس
...
-
مسؤولون أوكرانيون لـCNN: قوات كورية الشمالية انسحبت من الخطو
...
-
عاجل| نيويورك تايمز: إدارة ترامب تخطط لمراجعة دقيقة لعملاء ف
...
-
ماسك يبدأ تنفيذ تكليف ترامب.. وهذا ما فعله بموظفي الحكومة
-
ترامب يعاقب عناصر -إف بي آي- المشاركين في التحقيقات بشأنه
-
من بينهم مصريون.. محكمة تحدد مصير -المحتجزين في ألبانيا-
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|