|
أحداث الفتنة الطائفية فى دهشور تضع: دولة الاضطهاد الدينى وترسيخ الفقر والأستغلال.. فى مواجهة دولة المواطنة العدالة الأجتماعية
أشرف إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 16:24
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
قاتلت ميليشيات المعارضة الشيعية والكردية فى العراق مع القوات الأمريكية ضد النظام الأستبدادى خلال غزوها للعراق، وقاتلت الميليشيات الأفغانية مع الأمريكيين ضد حكم طالبان، لكن ذلك لم يجعل المسلمين متهمين بالخيانة وبنزع صفة المواطنة عنهم والتحفز ضدهم كلما حدث ادنى خلاف مع المختلفين فى الدين. يحدث ذلك فى مصر ويتكرر كلما نشبت مشاجرة احد طرفيها قبطى، فتتحول فى لحظات إلى صراع دينى ينتهى دائما بتحطيم وحرق ممتلكات الطرف الأضعف وهو هنا الأقباط، مع كيل الأتهامات بالعمالة وعدم الوطنية، والغريب ان من يفعل ذلك هو من يصرخ طالما مساندة العالم للأقليات الأسلامية حينما تنتهك حقوقها فى بلدانها بنفس الطريقة أو حتى اقل. مشاجرة بين مكوجى قبطى وشاب مسلم فى دهشور انتهت بحرق بيوت ومحلات الأقباط ومحاولة الأعتداء على كنيستهم، مع تهجيرهم قسراً من منازلهم بالقرية، وقتل خلال الأشتباكات شاب مار بالصدفة لم يكن حتى طرفاً فى الحدث، وبالتالى تكَون ثأراً يهدد باستمرار اشتعال الحريق، ما لم يتحرك المجتمع وليس الدولة فقط نحو حل جذرى لقضية حقوق الأقباط كجزء من حقوق المواطنة فى الدولة الحديثة. لقرون طويلة عاش الأقباط فى مصر مواطنين ثانويين يدفعون الجزية وممنوعين من المناصب القيادية فى الجيش والدولة، وتلاعبت الدولة بالقضية من خلال تكفلها بتقديم تمثيل رمزى احيانا فى الوزارة او البرلمان من خلال التعيين، لتجميل الصورة وابراز حياديتها. ورغم ذلك ينتشر بين المسلمين اعتقاد تغذيه التيارات الأسلامية، بأن الاقباط يسيطرون على الدولة، وأن الكنيسة هى من يحكم مصر، وانهم مدعومون من القوة العظمى الأمريكية والغرب للسيطرة على ما تبقى من مصر. خدم هذا الأعتقاد مصالح الدولة الاستبدادية الرأسمالية فى مصر لسنوات طويلة عبر توجيه غضب المقهورين بعضهم تجاه بعض بدلا من توحدهم فى مواجهة عدوهم المشترك وهو دولة رأس المال التى تستغلهم وتفقرهم معا، وتضطهد حقوقهم الأقتصادية والأجتماعية بل والأنسانية فى العيش بكرامة. كما يخدم هذا الأعتقاد مصالح الحركات الأسلامية المدعومة، لتبرير تطرفهم بانه تصدى للهجمة الصليبية المدعومة بعملاء الداخل، والساعية للسيطرة على بلادهم ونزع صفة الأسلام عنها. ويُرضى هذا الوهابيين فى السعودية الساعين لتقديم انفسهم حامى حمى الاسلام ورأس حربة الدفاع عنه فى مواجهة الشيعة أحيانا، والصليبية أحيانا أخرى، على الرغم من ان بلادهم هى من أدخل الأمريكان لأراضى اسلامية بجيوش وتسليح غير مسبوق للعدوان على بلد "اسلامى" أخر وهو العراق. على الجانب الأخر، تخدم الفتنة أحياناً مصالح الكنيسة، الساعية لتقديم نفسها حصن الأقباط، والحضن الأمن الوحيد الذى يجب عليهم السكون اليه، والخضوع له دائماً لمواجهة العداء المتصاعد تجاههم، وعدم الأندماج فى المجتمع، أى تقديم أنفسهم كاقباط وليس كمصريين. بينما الأمريكان يرضيهم هذا السياق الذى يسمح لهم بالتدخل أحيانا ليس لصالح الأقباط كما ينتشر فى الوعى العام، بل للمتاجرة بهم لنيل تنازلات من الحكومات المصرية المتتالية فى قضايا أخرى، على رأسها مصالح إسرائيل، والسياسات الاقتصادية والعسكرية والنفوذ الأقليمى. ميراث عصر مبارك: لعب تشديد الأستغلال وسياسات الأفقار فى مصر خلال العقود الأخيرة، دوراً كبيرا فى اشعال جذور الفتنة على أساس دينى، فهبوط مستوى المعيشة بشكل متواصل، وزيادة معدلات البطالة والفقر، مع أنحطاط أحساس المواطن المصرى بكرامته المهانة دائما فى المصالح الحكومية واقسام الشرطة بل وحتى وهو يخدم بلده فى الجيش، زادت معدلات الأحباط وفقدان الأنتماء الوطنى، مع غضب غير واعى بجذور واسباب هذا التدهور، لغياب التيارات السياسية القادرة على التعبير السياسى عن هؤلاء الفقراء بشكل ايجابى وطرح سياسات ونظام بديل للدولة المستغلة المستبدة. ملأ هذا الفراغ تيارات دعمتها الدولة فى البداية قبل أن تنقلب عليها، قدمت الهوية والأنتماء الدينى بديلاً للهوية الوطنية، وهو اتجاه ارضى الدولة المستبدة، لكونه يبتعد عن المطالب الأجتماعية والحقوق الأقتصادية، ولكون أغلب هذه التيارات ظل يحرم مواجهة الدولة، بل وحتى منها من كان يعلن لفظياً معارضته كجماعة الأخوان، لم يكن طرفاً فى أى نضالات مجتمعية تتعلق بالحقوق الأجتماعية والأقتصادية. نشاط الأخوان طول تاريخهم تركز على الدعوة الدينية واصلاح المجتمع من داخله، وخلال عصرى السادات ومبارك، اقتصرت أنشطتهم الجماهيرية على القضايا السياسية والاقليمية التى قدموها كإسلامية، وتوافق تام مع السياسات المتبعة من النظام الحاكم اقتصادياً واجتماعياً. أحتاجت هذه الجماعات "الأسلامية" فى انتشارها وتبرير وجودها فى مجتمع "مسلم"، لوجود عدو، تمت صياغة هذا العدو بدمج "الفساد الأخلاقى" مع ""الابتعاد عن الدين" و المؤامرة الصليبية من أعداء الاسلام، وممثليهم الداخليين "الأقباط"، فلو أنحصرت هوية الشخص فى أنتمائه الدينى، يصبح الأخر المخالف فى الدين، عدواً لخروجة بالضرورة من دائرة الهوية والأنتماء التى تجمع هذا الشخص مع الأخرين. مع مرحلة السبعينات بدأت تتجسد هذه الافكار فى اعتداءات دورية على الاقباط وممتلكاتهم، بل حتى عندما خاضت بعض هذه التيارات مواجهة مسلحة مع الدولة، وجهت نشاطها لأستهداف الأقباط وممتلكاتهم و"استحلتها". استمرت هذه الأحداث فى التكرار دورياً، ومع سيطرة تيارات الأسلام السياسى على الحكم بدأت فى التصاعد من جديد، فى أتساق مع الصورة التى يقدمها هؤلاء بأن الأسلام قد عاد للحكم، ويجب تصحيح ما انتجته الفترة السابقة التى سيطر فيها "غير المسلمين" على الدولة. لكن الحقيقة التى تفرض نفسها، هو توقف الأعتداءات تماما فى فترة الثورة رغم غياب الأمن تماما بعد أنكساره أمام حركة الجماهير، وهو ما يؤكد عدم اصاله هذه الفتنة، فعندما تحرر المصريين من النظام المستبد، عندما أحسوا بانتمائهم لهذا البلد، وان تقرير مصيره قد اصبح فى ايديهم، وانتموا اليه وشاركوا فى تغييره، اختفت الحاجة لوجود عدو دينى، وتوحد الجميع فى مواجهة العدو الذى قهرهم وأفقرهم معاً لسنوات طويلة. ولم تتجدد المشكلة من جديد إلا بعد أن بدات العملية السياسية، وتقدم التيارات الدينية لقيادة مرحلة التغيير وأعادة صياغة النظام السياسى، وكانت خلال مشاركتها فى الثورة، لا تقدم هويتها الدينية، بل تماهت مع حالة الأرتقاء والتسامح التى ميزت حركة الشعب فى نضاله المشترك لأسقاط دولة الاستبداد. دولة المواطنة هى الحل: أن سياسة تجاهل المشكلة والأدعاء بعدم وجودها لن يؤدى إلا الى تفاقهمها، واستمرار تفجر الوضع دورياً، وهى سياسة يبدو أن نظام حكم الجماعة وممثلها الرئيس تتفق فيها مع النظام السابق، فالرئيس فى تعقيبه على أحداث دهشور أكد أن الأقباط لم يهجروا من القرية قسرأ، بل تركوها خوفاً، وكأن الخوف وعدم الشعور بالأمان هو شعور "اختيارى" جعلهم راغبين "أختياريا" فى ترك بيوتهم وكل ما يملكون، والهرب منها. يجب علينا النضال من اجل دستور يقر حق المواطنة والمساواة التامة وعدم التفرقة على اساس الدين أو الجنس او اللون. كما يجب تجريم الحض على كراهية الأخر، وهو نص كان موجود دائما فى القوانين، لكن يتم استثناء الهجوم على الأقباط بل والشيعة من تطبيقة، بأعتبار أن من يقولونه يقدمونه باعتباره رؤية اسلامية وتفسير للدين. فنحن نقبل الهجوم على المخالف دينيا بنصوص دينية، لكن لا نقبل رؤية الأخر المخالف فى الدين لو عرض رؤيته الدينية للأسلام، نطالب بحق الدعوة الأسلامية فى البلدان غير الأسلامية، ونصرخ بالشكوى والأحتجاج لو تم التضييق عليها، لكننا نجرم التبشير المسيحى وحتى الأسلامى الشيعى بالقانون. هذا التناقض فى الوعى العام مسئوليه القوى الثورية التى تحتاج لدمج قضايا كل المقهورين ضمن نضالها من أجل مجتمع حر خال من الأستغلال والقهر. كما يجب على القوى الثورية النضال مع الجماهير من أجل المصالح المشتركة، ضد الفقر والاستغلال، وهو نضال يشترك فيه الجميع بغض النظر عن ديانتهم أو كيفيه صلاتهم لربهم.
#أشرف_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|