محمود جلال خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 11:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جاء في تفسير قوله تعالى (... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ) , قال ابن كثير: المراد بالشجرة الملعونة بنو أمية , وفي لسان الميزان : أنه لا اختلاف بين أحد أن هذه الآية نزلت في بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن , وفي تفسير الطبري والقرطبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راى بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات , فأنزل الله عز وجل ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ... الآية ً ) , وتشبيههم بالقردة اشارة الى انهم مسخ كهؤلاء الذين وصفهم الله في كتابه العزيز بقوله ( فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) , وقوله تعالى ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ )
وهي القبيلة التي أنهت فترة الخلافة الراشدة بعد ان خرج كبيرها معاوية بن ابي سفيان على الامام علي وقاتله في موقعة صفين ثم دس السم لابنه الامام الحسن فقتله , وأوصى بالخلافة لابنه يزيد المخمور الذي استهل حكمه بذبح سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن رسول الله (ص) لتؤول الخلافة بعد ذلك الى الطلقاء وابناء الطلقاء الذين عفا رسول الله (ص) عنهم يوم فتح مكه , وتبدأ في الاسلام دولة الملك العضوض الذي حذر منه رسول الله (ص) وهي الدولة التي شهدت التدوين الاول لما اسموه السنة النبوية الشريفة بأمر ملوك بني أمية لتكون بديلا لهم عما استودعه رسول الله (ص) أهل بيته وأوصى بهم أمته قائلا : يوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا , الثقلين , كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما , وقد تواتر عن رسول الله (ص) انه أودع الامام علي بن ابي طالب صحيفة بها علم ما كان وما يكون وكل ما قد يحتاجه المسلم الى قيام الساعة , كما روى البخاري ومسلم وغيرهما في صحيحيهما :عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها ( المدينة حرم ما بين حائر إلى كذا من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل , وقال ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل , ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل) , ولم يعمل بهذه الصحيفة طيلة فترة الخلفاء الثلاثة الأول كما بينا من قبل في كتابات بعنوان ( الصحيفة الغائبة ) وكما بين البخاري في صحيحه قال : عن محمد بن الحنفية : لو كان علي ذاكراً عثمان ذكره يوم جاء اناس فشكوا سعاة عثمان ، فقال لي علي : اذهب الى عثمان فاخبره انّها (اي الصحيفة المشتملة على أحكام الصدقات) صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون فيها , فأتيته بها ، فقال : اغنها عنّا ، فاتيت بها علياً فاخبرته ، فقال : ضعها حيث أخذتها , وفي نقل آخر : أرسلني أبي وقال : هذا الكتاب فاذهب به الى عثمان ، فان فيه أمر النبي في الصدقة
وهي الصحيفة التي استودعها الامام علي ابنه الامام الحسن ووصفها بقوله : إنّ العلم فينا ونحن أهله ، وإنّه لا يحدث شيءٌ إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلاّ هو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله وخطّ عليّ , وقد كان هذا الكتاب عند الاِمام الحسين حتى مات ، ثمّ عند ابنه الامام عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ ابنه الامام الباقر، ثمّ ابنه الامام جعفر الصادق وهكذا أبا عن جد محفوظة عند الائمة الطاهرين من آل بيت رسول الله (ص)... كما يبدو واضحاً اهتمام أولاد الإمام عليّ اهتماماً لا نظير له بهذه الصحيفة حتّى أنّ الحسين لم يشغله ما هو فيه يوم كربلاء أن يودعها ابنته السيدة فاطمة عليها السلام لتسلّمها إلى ابنه الاِمام عليّ بن الحسين من بعده – وقيل استودعها السيدة زينب وقيل السيدة أم سلمه- لكون تلك الصحيفة كنزاً من كنوز آل محمّد ووديعة الرسول (ص) عندهم , وقد وصفت السيدة فاطمة الزهراء هذه الصحيفة ( بإنّها تعدل حسناً وحسينا ً).
الا ان ملوك بني امية راحوا يجمعون ما سموه سنة رسول الله (ص) وسلكوا في سبيل ذلك كل السبل وطرقوا كل الابواب إلا باب علي بن ابي طالب وذريته واتباعهم , وكان لهم رجالهم وثقاتهم ممن هم على رأيهم ونهجهم , واستعملوا لذلك رجالا عدوهم من العلماء والفقهاء انتقوهم من بين الناس وقربوهم وأدنوهم من مجالسهم وأسكنوهم القصور وألبسوهم الحرير والكتان المشيق وزوجوهم الأميرات بنات الملوك , بعد أن كان أحدهم يمشي ذليلا حافيا يرى القمل يدب في نمرته ويسقط مغشيا عليه من الجوع كأن به صرع , فكان الرواة والمحدثون عن رسول الله (ص) ينتمون في غالبيتهم الى النهج الاموي ويتاسون بالسياسة القبلية التي أعادتها بنو أمية , وبنظرة عابرة الى الصحاح التسعة تجد أن أكثر من روى وحدث عن رسول الله (ص) وكتب سنته واقواله وافعاله (ص) ليس من الخلفاء الراشدين الأربعة الذين كانوا اقرب الناس برسول الله (ص) وألصقهم به , وليس من العشرة المبشرين بالجنة ولا من المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا وليس من الأنصار الذين آووا ونصروا ولم تزد صحبته لرسول الله (ص) اكثر من ثمانية عشرة شهرا لا غير , حيث أسلم بعد غزوة خيبر عندما وصل الى المدينة قادما من اليمن , فاذا كان جملة ما رواة علي بن ابي طالب مثلا من حديث مائة وثمانية وخمسون حديثا وما رواه ابو بكر مائة وثمانية وأربعون حديثا فان جملة ما رواه هو 5374 حديثا , وفي صحيح البخاري مثلا تجد ان عدد الاحاديث المسندة اليه 446 حديثا من أصل أربعة آلاف حديث هي جملة ما في البخاري , في حين ما روي عن أبي بكر (رض) 22 حديثا , وعن عثمان 9 أحاديث , والإمام علي كان 19 حديثا لا غير , وجملة ما رواه الخلفاء الراشدين الأربعة لا يتعدى 27% مما رواه هو بمفرده , هذا رغم ما ورد عن نهي الخليفة عمر بن الخطاب (رض) له عن الرواية عن رسول الله (ص) قائلا : لتتركن الحديث عن رسول الله (ص) أو لألحقنك بأرض دوس أو أرض القردة , وقال له مرة أخرى : لقد أكثرت من الرواية عن رسول الله (ص) وأحرى بك أن تكون كاذبا , وكانت لأم المؤمنين عائشة (رض) معه أكثر من موقف في غير موضع مثل قولها له : ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي (ص) ؟ هل سمعت إلا ما سمعنا ورأيت إلا ما رأينا ؟ وهذا لكثرة ما روى من أحاديث زعم أنه حضرها وسمعها من رسول الله (ص) مثل قوله: دخلت على رقية بنت رسول الله (ص) زوجة عثمان وبيدها مشط فقالت : خرج رسول الله من عندي آنفا رجلت له شعره , وكما هو معروف أن رقية بنت رسول الله (ص) ماتت سنة ثلاثة بعد فتح بدر وأسلم هو سنة سبع هجرية بعد غزوة خيبر قادما من موطنه " اليمن " , وكذلك قوله : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك ، فأنزل الله تعالى: (إنك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء)
وقال في مقام آخر: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه عند الموت : قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فأبى، قال: فانزل الله تعالى الآية 167, والمعلوم أن أبا طالب توفى في مكة في السنة العاشرة للبعثة النبوية الشريفة , أي قبل الهجرة بثلاث سنين؛ وقيل سنة تسع , وقيل سنة ثمان قبل قدوم المحَدِّث إلى الحجاز بعشر سنين في أقل ما يفرض فأين كان هو من النبي (ص) وعمه وهما يتبادلان الكلام الذي ارسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمعهما بأذنيه؟
أما الروايات التي دونت في هذه الكتب فلم يتحرج هؤلاء من الكذب على الله ورسوله (ص) ووضع الأحاديث التي تتصادم مع شريعة السماء لكنها تتمشى مع سياسات وتوجهات ملوك بني امية مثل : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله , ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني " فحسب نص الحديث - وهو لايحتاج إلى شرح – أن طاعة الأمير من طاعة الله ورسوله (ص) ومعصيته من معصية الله ورسوله (ص) فمن أطاع يزيد أو معاوية فقد أطاع الله ورسوله (ص) ومن عصاه فقد عصى الله ورسوله (ص) !!!
كذلك قولهم " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإن من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية , وفي رواية فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " , فمن أنكر على أميره شيئا ورفض متابعته وخرج من إمرته فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه , فإن مات فميتته جاهلية !!! اي انه يجب على المسلم السمع والطاعة للامام او الخليفة ولو كان فاجرا ظالما مستحلا لما حرم الله , ومن ثم حكموا على الامام الحسين بالكفر والارتداد عن دين الله فقتلوه ومن معه ومثلوا بجثتهم , كذلك قولهم : سيكون خلفاء فيكثرون , قالوا فما تامرنا قال فو بيعة الاول فالأول وأعطوهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم , وهذا الحديث فقد كفى ملوك بني أمية ومن بعدهم مؤونة إضفاء الشرعية على الخليفة وولي عهده وولي ولي عهده حتى آخر حفيد تسند اليه الخلافة ولو كان صبيا بوال على عقبيه , وعندما كان الناس يضجون من ظلم الحكام وقسوتهم ونهبهم لأموالهم يقولون لهم : أسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك , و( إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) وكما ترى فكثير من أنظمة الحكم الشمولية لم تصل إلى هذه الدرجة من القهر والاستبداد بالرعية وأن الحياة في ظلها افضل بكثير منها تحت إمرة هؤلاء الادعياء , ولم يكن وضع االحاديث واسنادها لرسول الله (ص) كذبا وبهتانا هي وسيلتهم الوحيدة لإحكام السيطرة على جموع المسلمين ومن قد يتمرد عليهم , بل فظهرت بعد ذلك القواعد الشرعية التي أرساها فقهاء السلطان وأعوانه وما أسموه المعلوم من الدين بالضرورة مثل قولهم ( . . . ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية , وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة
كذلك " . . . وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى ان كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة من بر وفاجر لا يلزمهم الخروج عليه بالسيف جار أو عدل , وأن يغزوا معهم العدو ويحج معهم وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها , ويصلي خلفهم الجمع والأعياد
اما الاسرائيليات التي كان يطلقها كعب الاحبار بين المسلمين فقد عرفت طريقها الى هذه الكتب من خلال هؤلاء الرواة الذي اختلط عليه أمرهم , فمثلا روى البخاري ومسلم وغيرهما قال :( لولا حواء لم تخن أنثى زوجها) , فهو يرجع أصل خيانات كل النساء من بداية الخلق حتى آخر الدهر إلى أمنا حواء عليها السلام والعياذ بالله , كانها هي عليها السلام التي وسوست له ان يأكل من الشجرة فخرجا من الجنة , ولو انهم مروا على كتاب الله وقرأوه ولو مرة واحدة لوجدوا ان الخطاب الالهي كان لهما معا هما الاثنين , قال تعالى ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) , كذلك قوله فيما رواه الشيخان عن رسول الله (ص) : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً. وزاد أحمد من طريق سعد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً: في سبعة أذرع عرضاً ، وربما تلقى هذا الحديث من كعب الأحبار أو غيره ، فان مضمونه هو نفسه الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من أصحاحات التكوين من كتاب اليهود , وهذا نصها : قال: فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكراً وانثى خلقهم ! تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه. وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
أما الرواة الذين وصفوهم بالثقات العدول فتجد بينهم رجال مثل عمر بن سعد قائد الجيش الذي ذبح الإمام الحسين وذريته في كربلاء يروي له البخاري في كتاب الغسل : باب الغسل بالصاع ونحوه , وقالوا عنه أنه صدوق ولكن مقته الناس لكونه كان أميرا على الجيش الذي قتل الحسين بن علي , كأن قتله للامام الحسين بن رسول الله (ص) منقبة او من المم الذي عفا الله عنه , ومروان بن الحكم الذي قتل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة يوم الجمل , وأول من أشار على يزيد بن معاوية بقتل الحسين مخافة أن تؤول إليه الخلافة , وهو الذي باشر انتهاك مدينة رسول الله (ص) في واقعة الحرة , تجد رواياته منتشرة في الكتب التسعة بما فيها البخاري ومسلم , وبسر بن أرطأة سيف معاوية على شيعة علي بن أبي طالب وصاحب الأفاعيل المخجلة في اليمن والمدينة ومرج عذراء
وعمران بن حطان رأس رؤوس الخوارج وشاعرهم الذي امتدح ابن ملجم الملعون قاتل الإمام علي بأبيات من الشعر يقول فيها :
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
, وعكرمة والضحاك ومقاتل بن سليمان .. وغيرهم
وغير ذلك من مئات الاحاديث الملفقة والاخبار الموضوعة المكذوبة على رسول الله (ص) التي تسللت الى الكتب المعتمدة كمرجعيات للأحاديث والسنة النبوية الشريفة , والتي يبدو للناظر من الوهلة الاولى تضاربها ومعارضتها لآيات الذكر الحكيم , لكنهم تلقوها وتناقلوها بين مصدقين لكل ما بها على اعتبار ان من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة
أما الجانب المشرق من الأمة الاسلامية الذي تمثله الشجرة النبوية المباركة من ذرية رسول الله (ص) وأهل بيت النبوة وقائدهم الامام علي بن ابي طالب عليه وعليهم السلام فيوضح منهجه واسلوبه في تحقيق الخبر وجمع السنة النبوية الشريفة فيقول وقد سأله سائل عن أحاديث البدع ، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر , فقال (عليه السلام):
إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:
[المنافقون]
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِْيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالاِْسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ وَلاَ يَتَحَرَّجُ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ(عليه السلام)، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الاَْعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَْرْبَعَةِ.
[الخاطئون]
وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ لَرَفَضَهُ!
[أهل الشبهة]
وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَىُ عَنْ شَيْء، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.
[الصادقون الحافظون]
وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ، خَوْفاً لله، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ، وَلَمْ يَهِمْ ، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ ، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْء مَوْضِعَهُ، وَعَرفَ المُتَشَابِهَ وَمُحْكَمَهُ.
وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَة بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ أَوْ الطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ(عليه السلام)حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ.
فَهذِهِ وَجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.
(( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ))
#محمود_جلال_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟