|
الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
كمال الجزولي
الحوار المتمدن-العدد: 1113 - 2005 / 2 / 18 - 20:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أكد العقيد د. جون قرنق ، زعيم الحركة الشعبيَّة التى أبرمت مؤخراً مع نظام (الانقاذ) فى السودان اتفاق سلام تصبح بموجبه شريكة فى السلطة على مدى السنوات الستِّ القادمة ، شدَّد فى أخر تصريحاته ، خلال الأيام الماضية ، على أن الحكومة الجديدة "ستعمل على إيجاد حلٍّ لمشكلة دارفور لتجنيب البلاد .. عقوبات من مجلس الأمن" (الصحافة ، 12/2/2005م) ، فى إشارة إلى تقرير لجنة التحقيق الدوليَّة ، برئاسة القاضى الايطالى أنطونيو كاسيس ، التى كان السكرتير العام للأمم المتحدة قد شكلها بطلب من المجلس ، وخلصت إلى أن ثمة انتهاكات قد وقعت ضد القانون الدولى الانسانى والشرعة الدوليَّة لحقوق الانسان ، وحصرت قائمة بأسماء رسميين وغير رسميين أوصت بتقديمهم لمحاكم دوليَّة .. وكفى بذلك كابوساً للنظام ، قائماً كان أم قادماً! أهميَّة هذا التصريح تأتى ، بلا شك ، من كونه يصدر عن قائد الحركة بالذات ، وفى هذا الوقت بالتحديد ، حيث تتهيَّأ ، وفق اتفاق السلام ، لاعتلاء دست الحكم الذى لا يفصل بينها وبينه سوى أسابيع قلائل ، وحيث تنشط الآن فى افتتاح مراكزها السياسيَّة فى أنحاء متفرِّقة من الشمال. فهو ، إذن ، تصريح (رجل دولة) يخطو فى مدارج القصر الرئاسى ، على كامل أهبته ، ما لم تطرأ حسابات أخرى غير مستبعدة! لكن (العقوبات) ، على أيَّة حال ، محض عنوان فرعى (للتدويل). و(التدويل) قد يأتى بألف ذريعة ، ومن ألف طريق. وحلُّ (مشكلة دارفور) وحدها ، على خطرها وأثرها ، لن يكون كافياً لحل مشاكل السودان كلها ، فى الغد ، مثلما قد استبان القاصى والدانى ، اليوم ، ولا بُدَّ ، أن حلَّ (مشكلة الجنوب) ، بالأمس ، لم يكن كافياً ، وحده أيضاً ، لإصابة هذا الهدف الغالى! وطالما بقى سقفنا الوطنىُّ مكتظاً بثقوب الذرائع من كلِّ صنف ولون ، فسوف يواصل (التدويل) تسرُّبه منها ، تماماً كما المطر من الغرابيل! مع ذلك فرؤية الحركة التى عبَّر عنها د. قرنق فى تصريحه قد لا تكون بعيدة كلَّ البعد عن الامساك بوعل الأزمة من قرونه ، فقط فى ما لو اتسعت شيئاً لجهة الاحاطة بمحدِّدات أزمتنا الوطنيَّة من جميع وجوهها ، والتناقضات الداخليَّة والخارجيَّة التى تغذيها وترفدها ، والمصالح الاجتماعيَّة التى يدور الصراع حولها ، والقوى التاريخيَّة التى لا يمكن حلُّ الأزمة بغير حسم الصراع لصالحها. فالمشكلة التى نجابهها هى (مشكلة السودان كله) ، وينبغى علينا التصدى لمجابهتها حزمة واحدة ، بدلاً من الاقتصار ، فحسب ، على حراكات الهامش الجهوى أو الاثنى ، فى دارفور أو غيرها ، والتى لا تمثل ، على أهميَّتها ومشروعيَّتها ، سوى وجه واحد من وجوه تجليات هذه الأزمة! وربما يلزمنا ، ابتداءً ، أن ننوِّه بأن اهتمام الحركة الخاص بمطالب هذا الهامش ، وإيلاء جُلَّ عنايتها لحراكاته ، ليس وليد اللحظة ، فى الحقيقة ، بقدر ما ظلَّ يشكل عنصراً شديد الأهميَّة فى قلب استراتيجيَّتها المعتمدة. فعلاوة على استيعابها العضوى لطاقة الاحتجاج الرئيسة من جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق ، طوال سنوات الحرب وحتى الآن ، حدَّ الذوبان التام فى بنيتها الداخليَّة عسكرياً وسياسياً ، ومنافحتها عنهما وعن منطقة أبيى ، خلال مفاوضات السلام الطويلة الشاقة ، وإلى ذلك تحالفاتها المعلنة مع تنظيمات الهامش الأخرى فى الغرب والشرق، سواء فى إطار التجمُّع الوطنى أم خارجه ، بادر زعيم الحركة ، حتى قبل التوقيع النهائى على اتفاق السلام ، لإعلان استعداده ، للمساهمة ، ضمن هذا السياق ، فى حل مشكلة دارفور ، وللتوسط بين الحكومة وحاملى السلاح فى الاقليم ، قائلاً بحق: "نحن عنصر مهم فى السياسة السودانيَّة ولا يمكن تجاوزنا!" (الحياة اللندنية ، 28/4/04). وكان سلفاكير ، القائد الثانى فى الحركة ، قد نبَّه ، قبل ذلك ، إلى خطأ "الاعتقاد بأن الحركة .. نسيت قضية دارفور" (سودانايل ، 14/11/03) ، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتحريضه جميع أهل الهامش على ".. حمل السلاح ، حتى ناس أقصى الشماليَّة" ، على حدِّ تعبيره ، ".. لأن المشكله ليست فى الجنوب وإنما فى السودان كله" (المصدر).
*** وإذن ، فالحركة تعى ، من الناحية المبدئيَّة ، وبشكل صائب تماماً ، أن "المشكلة فى السودان كله". غير أنها ، فى ما يبدو من تحريض سلفاكير المُعلن ، ما تزال مسكونة بنموذجها (الجنوبى) الاستراتيجى ، والتكتيكى بالتبعيَّة ، الذى ظلَّ قائماً منذ تكوينها قبل أكثر من عشرين سنة ، حيث عززته النتائج التى أفضى إليها بآليَّة (الايقاد) الاقليميَّة ، وبالضغط الدءوب الذى عكفت عليه ، تحت مُسمَّى (الوسطاء) ، جهات دوليَّة مختلفة. فما أن أبرم بروتوكول (مشاكوس) الأول ، حتى انفجر الدم فى دارفور ، ثم سرعان ما زحفت ألسنة الحريق صوب الشرق ، بل وصوب أقصى الشمال النوبى! هكذا شكل نموذج الحركة ، خلال العامين الماضيين ، مثلما سيظلُّ يشكل ، يقيناً ، ولفترة طويلة قادمة ، إغواءً خاصاً ، بكلِّ المقاييس ، لحركة (الهامش الاثنى) الذى ربما لم يعُد لديه ما يفقده سوى عذاباته ، فى كلِّ أصقاع السودان! إن أحد أهمِّ الاشكالات الشاخصة فى أفق الفكر السياسى للحركة ، على امتداد مرحلة نضالها العسكرى التى انقضت ، نظرياً على الأقل ، ولم يتبق من ذيولها سوى ما اتفق عليه فى بروتوكول (الترتيبات الأمنيَّة) ، إنما يكمن ، برأينا المتواضع ، فى مراوحتها بين خيار الاستناد إلى دور (القوى الحديثة) تارة ، والتعويل على حراكات (الهامش الاثنى) تارة أخرى، بالتبادل وعلى التوالى ، دون أن ترفع عينها ، مع ذلك ، عن ميزة الاندياح الأفقى لنفوذ (أحزاب المعارضة الشماليَّة). غير أنها ، بين هذا وذاك ، لم تستبصرَ يوماً ، بعمق ، جدوى الاعتبار الاستراتيجىِّ لهذه الطاقات السياسيَّة مجتمعة فى تلازم مرموق. وللدقة ، فقد شكل ذلك أيضاً ، على نحو أو آخر ، علة غالب الذهن السياسى المعارض طيلة الفترة الماضية. وبصرف النظر عمَّا إن كان سبب ذلك ، أم لم يكن ، ما تعانيه هذه القوى ، بما فيها الحركة نفسها ، من عدم الكفاية فى الوعى بالذات والآخر ، وقلة الاستبصار ، بالتالى ، لحتميَّة أشراط تضافرها الجمعى ، كمَّاً وكيفاً ، ولما توفره الاستجابة لهذه الاشراط من قيمة تاريخيَّة مضافة وحاسمة تحت الظرف الموضوعىِّ المحدَّد خلال العقدين الماضيين ، فمن المؤكد أن ترحُّل خيارات الحركة بين كتلة وأخرى ، مع احتفاظها ، فى النهاية ، بالحق الطليق فى تقرير ما تراه هى مناسباً لها ، هو ما وَسَمَ طابع تحالفاتها ، طوال تلك المرحلة ، سواء بأطروحات معلنة أم مضمرة ، أيديولوجيَّة كانت أم براغماتيَّة. ولكى نوطن هذا القول فى سياق منطقى ، لا محض افتراض متعمَّل ، نسارع للتذكير بأن الحركة انشغلت حثيثاً ، أول أمرها ، بالتعويل على (القوى الحديثة) فى خلق المحيط الاستراتيجى لمشروعها ، فكرياً وسياسياً ، حتى لقد كادت تنكر ، تحت ظلال (المانفستو) ، حقيقة (التعدُّد) و(التنوُّع) ، أصلاً ، وتحيلهما إلى محض تمظهُر سطحىٍّ لمخلفات الخطة الاستعماريَّة الشهيرة (فرق تسُد Divide and Rule). لكنها ما لبثت أن انقلبت ، بعد انقضاء تجربة (لواء السودان الجديد) ، ترحِّل هذا الخيار ، ربما بسبب خيبة الأمل فى (النخبة) التى (أدمنت الفشل!) ، لتركزه على حراكات (الهامش الاثنى) ، واحتجاجاته الهويويَّة خصوصاً ، وحفز تعبيراته المسلحة بالأخص ، علاوة على ما ظلت تبديه ، فى نفس الوقت ، من حرص على تقارب محسوب مع (أحزاب الشمال) ، داخل التجمُّع وخارجه! ولئن لم تفقد الحركة بسبب تلك المراوحة ، حتى الأمس ، ولأسباب معلومة ، قدراً مؤثراً من بريق (شعاراتها الثوريَّة) ، وخصوصاً شعار (السودان الجديد) ، فإنها سوف تجابه ، من الآن فصاعداً ، وقد صارت شريكة أصيلة ، بنسبة عالية وشروط مغرية ، فى سلطة مضمونة برقابة دولية وإقليميَّة ، ولفترة ليست بالقصيرة تمتد إلى ست سنوات ، ظرفاً مغايراً تماماً ، فى مرحلة مغايرة تماماً ، من حيث همومها ، وقضاياها ، ومشكلاتها ، وطبيعة علاقاتها ، وحراكات تحالفاتها ، وخصائص أسئلتها ، وتركيبة سلطتها ، وما إلى ذلك ، الأمر الذى لن تكفى ، بالقطع ، للاحاطة به أجمعه مجرَّد (الشعارات الثوريَّة) المختزلة ، ما لم تتفصَّل فى برامج مفصحة ، بل وحتى هذه البرامج ، التى قد تصمَّم بعناية على الورق ، لن تكفى لهذا الغرض ما لم تتنزل فى عمل تحويلىٍّ دءوب يشعر المواطن بمردوده الايجابىِّ المباشر على حياته اليوميَّة ، فى جبهة المعايش والعدالة الانتقاليَّة والتغيير الديموقراطى بالأخص ، ومنذ الوهلة الأولى. التحدِّى المطروح ، إذن ، أمام الحركة الآن ، وبإلحاح ، هو الكيفيَّة التى ستفلح بها فى العبور من مرحلة (الثورة) التى تتسم ، عادة ، بطلاقة (الشعار) وبهائه الملهم .. إلى مرحلة (الدولة) التى لا يتطلع الناس خلالها إلا لرؤية الوعود متحققة ، والثمار ملء الأكف!
*** معطيات الظرف الذاتى الابتدائيَّة للشريكين اللذين ما يزالان ، بعدُ ، على أعتاب هذه المرحلة سوف تلقى ، يقيناً ، بظلالها على خياراتهما المستقبليَّة فى المدى القريب ، قبل المتوسِّط أو البعيد. ولعل أهمَّ هذه المؤثرات هى: (1) بروز قدر ما من الخلاف داخل الحركة إلى السطح ، مِمَّا انعكس مؤخراً عبر أطروحات سلفاكير وجستن ياك وغيرهما فى مؤتمر رمبيك ، على سبيل المثال ، ومِمَّا لا يصلح فى علاجه محض التهوين من شأنه أو التقليل من أهميَّته! (2) تبلور جبهة جنوبيَّة معارضة للحركة ، من أهمِّ رموزها بونا ملوال وجوزيف لاقو ، وعلاقاتها الباطنيَّة مع الشريك الآخر تكاد لا تخفى ، سياسياً وعسكرياً! (3) تفاقمُ مرارات الصدام بين الشريك الآخر (نخبة الانقاذ) وبين إخوة أمسه الذين استحالوا إلى خصوم ألداء فى (المؤتمر الشعبى) المرتبط ، فى ذات الوقت ، بمذكرات تفاهم سياسيَّة مع الحركة ، وأوضح مظاهره الاستمرار فى اعتقال الترابى وتواصل المحاكمات السياسيَّة فى أجواء احتفالات السلام ومفاوضات أبوجا والقاهرة! (4) تناسل شقاق جديد داخل (نخبة الانقاذ) نفسها ، والتى ظلت تقود هجين السلطة الحاكمة طوال السنوات الماضية ، وقد عبرت عنه أنباء تناثرت ، قبل قرابة العام ، عن مذكرة (جديدة) يعتزم بعض الاسلاميين تقديمها للنظام ، مِمَّا أكده د. قطبى المهدى للصحفيين ، على نحو ما ، فى إجابته على الصحفيين الذين استوضحوه الأمر ، بقوله: "هناك شعور عام بالقلق داخل الانقاذ والاسلاميين عموماً .. الناس يجدون انفسهم يوماً بعد يوم أمام حقائق يحاولون الهرب منها ، ولكن الاحداث .. تجبرهم على تذكرها. هذا القلق المكبوت .. الآن شبيه بحالة تكتنفنا فى منعطفات معينة .. من خلال الاحساس لدى كل منا بأن أمورنا غير مرتبة جيداً ، وأننا فقدنا زمام السيطرة عليها أو حتى تكوين رؤية واضحة حول مستقبلنا ومصيرنا وتبعثر جهودنا .. كل ذلك قاد الى هذه الحالة من القلق والخوف على المصير ، وكان من الطبيعى ان تترتب عليها ردود فعل .. عن مذكرة تطالب بالاصلاح .. المرحلة جدُّ خطيرة لأننا .. لا نعرف الى أين تسير بنا الامور .. كل ذلك حدا ببعض الاسلاميين .. لأن يشعروا بقلق زائد لأن الذى يحدث يحدث وهم في السلطة" (الصحافة ، 18/9/04). (5) صعوبة ردم الهوَّة الفاغرة فى علاقات الشريكين ، إذ من غير المتصوَّر ، عقلاً ، أن يتجاوزا ، فى ليلة وضحاها ، التركة المثقلة من عدم الثقة بينهما والتى امتدت لما يربو على العقدين من الزمن. وربما يكفى ، للتدليل على ذلك ، أن نشير إلى أنه ، وعلى حين كان الأستاذ على عثمان ، نائب رئيس الجمهوريَّة ، يؤكد أمام مجلس الوزراء "أن مرحلة انعدام الثقة بين الحكومة والحركة قد تمَّ تجاوزها تماماً" (الرأى العام ، 30/5/04) ، كان السيد إدوارد لينو ، الرجل الأول فى استخبارات الحركة ، يؤكد للصحفيين ، بالمقابل ، وقبل ما لا يزيد عن أسبوع واحد من حديث نائب الرئيس ، وأربعة أيام فقط من توقيع بروتوكولات السلام الثلاثة الأخيرة فى نيفاشا ، أنه ".. وحتى إذا تمَّ الاتفاق ، فستستمر محاولات النظام .. لتدريب بعض أبناء الجنوب فى أجهزة الأمن والجيش لاستيعابهم وتسريبهم إلى الجيش الشعبى" ، علاوة على أن الحكومة ، حسب السيد لينو ، تعمل على إعادة تمويل "150 تاجراً شمالياً .. فقدوا أموالهم خلال الحرب .. ليعودوا إلى الجنوب مرَّة أخرى" ، وخلوصه إلى أن "النظام ما زال يريد .. الاستمرار بذات الأساليب القديمة ، وليس بأساليب الصراحة والشفافيَّة والوضوح والتفاهم .. هذه الحيل ستؤدى إلى تفتيت البلاد وتمزيقها بصورة أوسع ، ولن تتوقف بانفصال الجنوب ، بل ستمتد إلى أبعد من ذلك!" (الشرق الأوسط ، 23/5/04). ضف إلى ذلك عودة الحركة ، بعد أكثر من خمسة أشهر من توقيع تلك البروتوكولات ، لاتهام "مروحيَّات حكوميَّة بنقل العتاد إلى ملكال استعداداً لعمليَّات تشنها الفصائل الجنوبيَّة (الأخرى) على مواقع الحركة فى بور!" (الصحافة ، 1/11/04). (6) إعلان قوى المعارضة الرئيسة ، داخل وخارج التجمُّع ، عن رفضها المشاركة فى الحكومة الانتقاليَّة وفق النسبة التى عرضت عليها بموجب اتفاق السلام (14%) ، والتى شاع قول الصادق المهدى عنها بأنها "قسمة النملة فى نصيب الفيل"! وقال على محمود حسنين إنه ما من كيان سياسى تهمه كرامته يمكن أن يقبل بها ، كما صدرت تعبيرات مماثلة من الشيوعيين وغيرهم ، مِمَّا يعنى أنهم ، فى الغالب ، سوف يلعبون دور المعارضة (لحكومة الشريكين) ، والمعارضة ، على أيَّة حال ، ليست (شرَّاً) ، فهى من أسس الممارسة الديموقراطيَّة! وقد يكون من الملائم التذكير هنا بانتقادات التجمُّع الباكرة لمقترحات الحكومة حول تلك القسمة واصفاً إيَّاها بأنها تعبِّر عن إصرار الانقاذ على "الاستمرار في إبقاء مقاليد الأمر في يديها ، ورفضها لأية مشاركة حقيقية .. مما يكشف نواياها .. فى الاصرار على عدم الانتقال من الشمولية الى الديمقراطية" (بيان التجمع ، 18 مارس 2004م). (7) مواصلة العامل (الخارجى) وضع يده الثقيلة على شئون البلاد (الداخليَّة) ، سواء من جهة تقرير لجنة أنطونيو كاسيس الدوليَّة وتداعياتها ، أم من جهة التحركات داخل الكونغرس والادارة الأمريكيَّة بشأن العقوبات!
*** برنامج (الانقاذ) واضح ، وعشرة الناس معه قديمة ، وهى لم تعِد ، أصلاً ، بغيره ، كما وأن طبيعة المصالح التى تمثلها والفكر السياسى الذى تتبناه ، وكلاهما بعض ظرفها الذاتى ، سوف يَحولان ، بالقطع ، دون أن تعمل على تغيير هذا البرنامج من تلقاء نفسها إلا بمعجزة إلهيَّة! ولئن صرَّح د. مصطفى عثمان ، وزير الخارجيَّة ، بأن تقرير لجنة الحقائق الدوليَّة "قد يمسُّ بعض الأفراد .. لكن هذا لن يغيِّر فى بنية النظام" ، فقد صدق! حيث الكلام هنا ليس ، فى حقيقته ، عن (التقرير) كسبب محتمل (لتغيير بنية النظام) ، بل عن (النفى) المؤكد لأدنى احتمال ، من الناحية المبدئيَّة ، (لتغيير هذه البنية) من الأصل ، ومهما كانت الأسباب! لذلك يتبقى على الحركة أن تنتبه جيِّداً لهذا الظرف الدقيق والمعقد الذى تلج تحت شروطه مرحلة (الدولة) ، حتى لا يتبدَّد هباءً ما وقع لها من كسب سياسىٍّ ، خلال مرحلة (الثورة) ، لجهة التعاطف ، على الأقل ، مع شعار (السودان الجديد) الذى لا يتوفر لدينا ما يحملنا على الاعتقاد بأن عُشر مِعشار من تزاحموا يطلبون عضويَّتها فى مراكزها الجديدة بالخرطوم يُدركون ما يعنيه بالتحديد ، لا لعيب فى أفهامهم ، وإنما لأنه ما يزال مطروحاً فى مستوى (التوتر الثورىِّ) ، فحسب! فيلزمها ، إذن ، قدر أكبر من الافصاح ، حيث لا يقوم الشعار ، اليوم ، مقام البرنامج ، ولن يقوم البرنامج ، غداً ، مقام العمل! وهكذا لا يكفى إعلان الحركة أن الحكومة الجديدة ستعمل على إيجاد حلٍّ (لمشكلة دارفور) لتفادى العقوبات الدوليَّة. فحتى لو افترضنا أن الحركة تعنى حلَّ (مشاكل السودان) ، وهو الصحيح ، فلا بُدَّ لها أن تقول ، وبوضوح وتفصيل: كيف؟!
#كمال_الجزولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
-
اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
-
للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ ..
...
-
مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا
...
-
القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
-
الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا
...
-
الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ
...
-
حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
-
مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)
-
(2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ
...
-
مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ
...
-
يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت
...
-
القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
-
مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!
-
مَطْلُوبٌ .. حَيَّاً!
-
جَنْجَوِيدُ العُرُوبَةْ!
-
الكَمَّاشَة!
-
فِى مَأْزَقُ الهُجْنَةِ والاسْتِعْرابْ!
-
فِى مَدْحِ -الجُّنونِ- بِمَا يُشْبِهُ ذَمَّهُ! مَنْ ترَاهُ ي
...
-
فَلْيُسْعِد النُّطْقُ .. إِنْ لَمْ يُسْعِدِ الحَالُ!
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|