|
متى
عبد الرزاق عوده الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 10:21
المحور:
الادب والفن
كان المجون همه و مبتغاه ،لا يكترث لكل شيء الا راحته وزاده اليومي من العصيان والتردي، مع ذلك فالحياة فتحت له ذراعيها بشكل واسع وكاد يقودها بشعرة ، فهو يملك وكالات عديدة لمحطات تعبئة المنتجات النفطية في محافظة ذي قار والعمارة والبصرة ويملك أسطولا من سيارات نقل المنتجات النفطية ومعرض لبيع وشراء السيارات وعندما يريد أجراء عملية الحسابات مع وكلاءه في نهاية كل شهر يسكن فندق الشيراتون في البصرة بين الزجاجات المعتقة والاصوات الناعمة ....وهذا الذي نعرف .... اما ما نعرف فيعلمه الله. والنقيض من ذلك انه يمتاز بصفات رائعة منها أن ما يملك ليس له، كريم النفس واليد الى أقصى الدرجات ، يده تمتد وتخرج من جيبه كثيرا في اليوم الواحد وكان جيبه مثقوب من كثرة العطاء، يهتم في عماله الفقراء كثيرا حتى يقال انه بنى بيوت للكثير منهم،يهتم بالمناسبات الدينية كثيرا وينحر الذبائح عند مناسبة لوفاة أمام من الأئمة الاطهار عليهم السلام ويقيم مراسيم العزاء في محرم ويوزع الطعام في اليوم السابع واليوم العاشر ..........!!! نداعبه أحيانا: "يا أخي :انك تملك صفات المؤمن الحقيقي لكنك تقطع الوصل بينك وبين الله عز وجل فلا يحسب لك ما تعطي وما تفعل من خير..لماذا ؟!" "لماذا لا تصلي وتصوم وتقوم بواجباتك الدينية..!؟" فتكون أجابته دائما أبتسامة عريضة فقط ولا يقول شيئا..! نلتقي كل يوم عصرا في كازينو واحدة ، وقبل صلاة المغرب يفصلنا عنه الطريق فقط ,فطريقنا الى المساجد وطريقه الى المواخير وشتان ما بين الطريقين... فكل منا يذهب لطريقه المعهود وهكذا استمرت حياتنا حتى جاء يوم وغاب صديقنا (السيد علي) عدة أيام وانقطعت اخباره وسألنا عنه وتسائلنا ولم نحصل على اي اخبار عنه.ومر اسبوع على هذا الحال ولم يظهر شيء منه او عنه . قررنا ان نذهب الى بيته في اليوم التالي . وفعلا ذهبنا ووجدناه في اتم الصحة والعافية وبعد التحيات والمداعبات والمجاملات بدأ سيل من الاسئلة ينهال عليه دون انقطاع وهو صامت لا يجيب عن اي سؤال . ومرت الايام و الاشهر وهو على هذه الحال منقطع عن العالم والناس و لا يذهب حتى الى عمله، وترك كل شيء وراء ظهره حتى انحسرت كل اعماله وباع حتى سيارته الخاصة ليفي الديون والالتزامات المتراكمة عليه. وبعد شهرين تقريبا مررنا على بيته لزيارته والسؤال عنه وطرقنا الباب فخرج لنا رجل غريب واخبرنا ان السيد علي قد باع تلك الدار وانتقل الى بغداد...للعمل هناك.....!! مرت عدة سنوات ونسينا صاحبنا السيد علي.......!! يوم من الايام نفاجأ وهو مقبل علينا في الكازينو وبعد التحيات الحارة والاشواق والسؤال عن الاحوال وتجاذب اطراف الحديث انفكت عقدته وبدأ الحديث عن الماضي والحاضر وقال: " يا اخوان ، ما حدث لي لا يصدق وهو السبب في تغيير منهج حياتي.وٍسأسرد لكم كل الحكاية وبالتفصيل الممل : قبل أربع سنوات تقريبا كنت جالسا في البيت ، طرق الباب وخرجت وأذا برجل متوسط العمر طويل القامة عليه أثار الوقار وسمة الايمان تعلو جبهته، يرتدي عقال وشماغ نظيفين جدا ودشداشة ليس بالجديدة لكنها ناصعة البياض ولحية بيضاء منبتة بالشعر الاسود مرتبة الجوانب ..له هيبة وشخصية قوية و مؤثرة جدا...بادرني السلام وقال:"يا سيد علي وددت ان ابات الليلة في بيتك واتعشى معك...! وبدون تردد ,أجبت:"أهلا وسهلا..هذا بيتك..! ودخل الرجل الغريب البيت واجلسته غرفة الضيوف وطلب الوضوء لصلاة المغرب والعشاء .وقام ليصلي وكأن صلاته عديمة النهاية...!! وبعد العشاء تجاذبنا أطراف الحديث وكان حديثه ممتعا يريح النفس ويطمئن القلب ...! كنت اتمنى ان لا ينتهي ...سحرتني كلمات حديثة ومواضيعها الانسانية حتى اني نسيت التزاماتي ومعاقرتي المنكر في تلك الليلة ...! وانتصف الليل وقبل ان يستأذن ضيفي بالذهاب للنوم سألني سؤال غريب لا يزال يرن في أذني...!" وسكت السيد علي ثم اشعل سيكارة واخذ منها نفس طويل ونحن ننتظر بشغف أكمال حديثه.....وعندما طال الصمت بدأنا نلح .........أكمل حديثك ......أكمل حديثك يا سيد...!!" ثم اخذ السيد علي نفس طويل وهز راسه بالايجاب ثم قال:"كم تملك من نقود...؟اجلب لي ما تملك يا سيد وبسرعة نفذت طلبه....!؟" ولم أناقش او اسأل ذهبت في الحال الى قاصتي الحديدية واخرجت منها كل ما املك من النقود ووضعتها امام الرجل بصمت ودهشة..!! فوضع يده في الوسط وقطعها الى النصفين وقال:" هذا النصف لك يا سيد علي خذه واجلب لي بعض الظروف او الاكياس الورقية..!" فأسرعت بجلب عدد من الظروف وضعتها امامه...!! فقام بكتابة عنوان على كل ظرف ولم يذكر اي اسم ثم وضع كمية من النقود في كل واحد منها حتى أصبحت كومة كبيرة من الظروف ثم أمرني بأيصال هذه الظروف الى تلك العناوين دون السؤال او التكلم ...!!؟؟ وذهبنا للنوم وفي الصباح نزلت للاطمئنان على ضيفي فلم اجده في فراشه فقمت بجمع الظروف ووضعتها في حقيبتي وذهبت لتوزيعها على تلك العناوين...!!؟ الغريب في الامر ان كل بيت اطرق بابه تخرج لي يد فقط أضع الظرف فيها دون السؤال او الكلام مني او من الشخص المقابل واستمر هذا الحال حتى انتهت جميع الظروف وأنا في اشد الدهشة من هذا الامر.....!؟ سكت السيد علي ثم أطلق حسرة طويلة تنم عن الم دفين وحمل ثقيل تنوء عنه الجبال والجمال وطرق قليلا ثم قال : "يا اخوان لقد تعبت وجعت ..فقلنا بصوت واحد :" لنذهب الى البيت". اجاب السيد علي:"لا..لنذهب الى المطعم لاني لا اريد ان اكلفكم او ازعجكم ، جئت لمدينة الناصرية في زيارة سريعة لمدة يومين فقط و سوف أسافر غدا ، واني الان اسكن في الفندق..!" الح كل واحد منا عليه للذهاب معه الى منزله فلم يقبل بالذهاب مع اي احد. فقلنا له بصوت واحد: " لنذهب الى المطعم لنتعشى بشرط أن تكمل لنا الحكاية في الطريق..!؟" وافق السيد على اقتراحنا ونهضنا من الكازينو بأتجاه المطعم بخطوات بطيئة لاننا نريد ان نسمع بقية القصة وعندما فهم المقصود من ذلك ٌقال: " لقد نسيت حكاية الرجل الغريب بعد اشهر وغابت كل أحداثها عن ذهني وفي السنة التالية طرق الباب وذهبت لفتحه وأذا بالرجل ذاته ، دخل بيتي و فعل نفس الاشياء التي فعلها في السنة الماضية ورحل دون ان ادري ايضا ....!!؟ لا اطيل عليكم لقد جاء ذات الرجل السنة الثالثة وفعل نفس الاشياء التي فعلها في السنتين السابقتين لكن الغريب في الامر هذه المرة ان ما حدث في هذه المرة كان يختلف قليلا عن ما حدث في السنتين الماضيتين...!! عندما استيقظت في الصباح وجدت الرجل ينتظرني في غرفة الضيوف وفطرنا معا ثم طلب مني توصيله الى كراج الجبايش ففعلت وعندما نزل من سيارتي في الكراج ....كان الكراج خاليا الا من سيارة واحدة لاندكروز بيضاء. نزل الرجل قربها وعندما ركبت سيارتي للخروج من الكراج نظرت في المرآة العاكسة فلم اجد الرجل فشككت في الامر ونزلت من سيارتي للبحث عنه فلم اجد له اي اثر .......وأدهشني هذا الامر كثيرا انتظرت ايام وشهور وسنوات ولن يطرق باب داري هذا الرجل مرة اخرى." "علمت حينها ان ذلك ما هو الا اختبار من رب العالمين لي، فودعت كل حرام والتجأت لله عز وجل فقط وتركت كل ما املك لانه يذكرني بكينونتي الدنيوية والباقي من الحكاية انتم تعرفونه." "انا الان امام لجامع في مدينة الكاظمية والحمد والشكر لله على كل شيء.....لا اترك او أأجل اي فرض صلاة او صوم . اني اصوم معظم اشهر السنة استغفارا لرب العالمين .......فهل يغفر لي......!!؟؟" قلنا بصوت واحد: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين، ان الله يهدي من يشاء بغير حساب....!!؟؟"
#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضوء
-
ليوم واحد فقط
-
متى ينبلج الصباح
-
الهارب
-
امنية خجلى
-
تعويذة العمر....!!
-
حتى جفاءها رقيق..!!
-
البحث عن ذات ضائعة
-
الكابوس موقف وطني
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|