عقبة بن سعد
الحوار المتمدن-العدد: 3811 - 2012 / 8 / 6 - 15:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لقد عرفت بعض فترات التاريخ غيابا لكتاب يأخذون على عاتقهم تدوين الأحداث التي عاشوها مما جعل هذه المهمة عرضتا لأناس ليسوا من تلك الأزمنة ولا تلك الأمكنة، جعلوا منها مادة نافعة يكسبون بها ود حكام أو تأييد نضم سياسية أو تفعيل أقلام تدر عليهم بالمال و الجاه، فهذا ما أنتج لنا و لأجيال عدة كتابات نقرؤها ثم نتردد في استساغتها و تصديقها، لكن ما هو ملفت للبصر هو الكتابات و المؤلفات التي طغت و تكاثرت في عصرنا هذا و التي ترمي بكل ثقلها و تبذل كل مهجتها في الإساءة لشخوص عظام، نعم عظماء بتغييرهم لمجريات التاريخ، باحتلالهم الرمزية و الأسوة الحسنة في عوالم مختلفة، رجل مثل الفاتح عقبة بن نافع الفهري (رض) كان مثالا في الدين لكونه من صحابة رسول الله (ص) و مرجعا في فنون الحرب لأنه قائد عسكري فذ و صاحب مشروع مجتمع فكيف و هو من بني القيروان التي أضحت ذخرا للبشرية و عزا للإسلام إلى آخر الدهر.
انك لو أردت أن تكرس كل مجهودك لمحاولة تصديقهم و مسايرتهم لما استطعت ابدأ، فما يلبث بحثك وعقلك السوي إلا أن يكتشف في كتاباتهم شتى صفات الأحادية و الإمعان و التفنن في ازدراء قوم ذنبهم أنهم عرب, مندفعون بأحقادهم على هذه الأمة، رغم أن أمة العرب هي كسائر الأمم عرفت بايجابياتها و بسلبياتها فلماذا هذا التحامل الذي ترفضه كل الأديان والأعراف !! ولعلهم بهذا يسيئون لقضيتهم الامازيغية و يخلقون لها أعداء مجا نيون بل و ينتجون لها أسباب الضعف و الاندثار.
هؤلاء الكتاب ركزوا أعمالهم في تفسير المراجع التاريخية بطريقة خاطئة و مضللة, لا منفعة فيها إلا دق الأسافين بين العرب و الامازيغ, إن مؤلفي هذه المراجع من أمثال ابن عذارى كما يبدو جليا للقارئ سردوا أعمال القتل و السبي التي قام بها سيدنا عقبة بن نافع (رض) وسائر الفاتحين في حق الامازيغ بدون أن يذكروا دعواهم لهم لاعتناق الإسلام, حيث كانت هذه طريقتهم في وصف الأحداث لان في ذلك الزمان لم يكن معقولا عند الناس أن الفاتحين يثخنون في أمم كافرة بدون أن يعرضوا عليها الإسلام أولا, فمرحلة الدعوة بالإقناع و الحكمة قبل الغزو كانت أمرا بديهيا و لا يحتاج للذكر , والدليل على ذلك أن كل الفقرات الذاكرة لأعمال القتل و السبي و الغزو ختمها المؤرخون بعبارات الإعجاب و الثناء (و مضى مجاهدا, و هو يطلب الشهادة, شجاعا,....), إذن الكاتب لا يصف أعمالا قبيحة أو ظالمة, و القوة التي استعملها عقبة بن نافع (رض) كانت في حق الامازيغ الذين رفضوا الإسلام و رفضوا دفع الجزية و كذلك الامازيغ الذين ارتدوا, فقد ذكرت المراجع قبائل امازيغية كثيرة ارتدت لمجرد أن غادرها المسلمون, سيدنا عقبة بن نافع (رض) لم يفعل إلا كما فعل الرسول (ص) فقد قاتل كفار العرب بعد رفضهم الإسلام ولم يفعل إلا كما فعل أبو بكر الصديق (رض) حين قاتل أهل الردة من العرب, فلا يحق لنا أن نأسف لا على كفار العرب و لا على كفار الامازيغ إن كنا حقا مسلمين.
انه من الغرابة بمكان أن نصدق هذا التطاول على عدالة أناس يفترض أنهم أسيادنا حيث رسم هؤلاء المتطرفون للفاتحين صورتا رهيبة, بأنهم لم يعملوا على شرح الإسلام للاما زيغ بالحكمة و الموعظة الحسنة و المعلوم أن جيش عقبة بن نافع (رض) كانت فيه أعداد ضخمة من الصحابة و التابعين(رض), والصحابة و التابعون هم من يرجع الفضل الأول لهم في نقل الإسلام عبر الأزمنة و الأمكنة, فلقد نوه علمائنا عبر التاريخ بفضلهم على سائر امة سيدنا محمد (ص).
قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران:110).
عن بن مسعود (رض) قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) (متفق عليه).
فهل يعقل أنهم يحطون في بلاد و لا يدعون أهلها كما أوصاهم الرسول (ص), وهو الذي توفى راضي عنهم, إنني قرأت المراجع التي كتبها ابن عذارى و ابن خلدون فوجدتها حافلة و مليئة بأخبار المدح و تبيان نقاط الخير و الإيمان في تصرفات عقبة بن نافع (رض) و سائر الفاتحين, لكن تعمد الحاقدون عدم ذكرها و تجاهلها في حين أنهم ركزوا على الفقرات التي تتحدث عن أعمال القتل و الغزو بدون أي محاولة لفهم ظروفها و سوابقها, أخذوها منقطعة و مبتورة عن سياقها وصنعوا منها كتب شوهت الفاتحين كثيرا, لو كانوا حقا موضوعيين و أمناء لذكروا للناس ما كتبه ابن عذارى حول تقوى و ورع سيدنا عقبة بن نافع (رض) و الفاتح زهير بن قيس البلوي و حسان بن النعمان و سائر الفاتحين, إليك باليسير منها:
- ثم عزم عقبة (رض) على الغزو في سبيل الله, و ترك بها جندا من المسلمين, واستخلف عليها زهير بن قيس البلوي و كان رجلا صالحا.....(البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب-ابن عذارى-ج1-ص23).
- ثم إن زهير رأى بافريقية ملكا عظيما, فأبى أن يقيم بها, وقال إني ما قدمت إلا للجهاد, وأخاف أن تميل بي إلى الدنيا فاهلك, فكان من رؤساء العابدين و كبراء الزاهدين فترك القيروان آمنة و انصرف عنها......(البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب-ابن عذارى-ج1-ص32 و 33).
- ثم رحل (يقصد عقبة بن نافع (رض)) إلى بلاد دكالة, فوجد فيها قوما فدعاهم للإسلام, فامتنعوا, فقاتلهم, فقتلوا جملة من أصحابه فسمي ذلك الموضع بمقبرة الشهداء إلى الآن.....(البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب-ابن عذارى-ج1-ص28).
- نظر الروم إليهم, فطمعوا فيهم, فأغلقوا باب حصنهم, فجعلوا يشتمونه و يرمونه بالحجارة و النبل, و هو يدعوهم الى الله عز و جل(يقصد عقبة بن نافع (رض)), فلما توسط البلاد بعث الروم الى كسيلة.....(البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب-ابن عذارى-ج1-ص28).
- و يروى أن النبي انذر بقتل عقبة (رض) و أصحابه (رض) و انه عليه الصلاة و السلام نهى عن سكنى تهودا و قال:( سوف يقتل عليها رجال من أمتي مجاهدون في سبيل الله ثوابهم كثواب أهل بدر ما بدلوا و ما غيروا, يأتون يوم القيامة و سيوفهم على عواتقهم.....) (البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب-ابن عذارى-ج1-ص30).
إن هذه مقتطفات يسيرة تثبت أن أمهات المراجع لم تقدم تلك الصورة السيئة للفاتحين بل بالعكس أشادت بهم و بأخلاقهم, وهذا ببيان مواطن الحسنات في شخصيتهم مما يثبت و يؤكد عدم موضوعية الكتاب الذين شوهوا الفاتحين, وذلك باقتباسهم ألا الفقرات المبهمة و القابلة لان تصبح مطية لإلحاق الإجرام بالفاتحين.
لقد اختار هؤلاء الكتاب أن يتبوؤا زاوية مظلمة من التاريخ سوف لن تشفق عليهم الأجيال القادمة و سوف يوبخهم التاريخ.
#عقبة_بن_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟