|
حركات الاسلام السياسي واهمية التغيير
محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3811 - 2012 / 8 / 6 - 14:24
المحور:
القضية الفلسطينية
حركات الإسلام السياسي وأهمية التغيير
هناك صورة نمطية عن حركات الإسلام السياسي في البلدان العربية وفي المقدمة منها حركة الإخوان المسلمين وتفرعاتها وامتداداتها القطرية والمناطقية بوصفها الحركة الأقوى والأكثر بلورة وتنظيماً ولديها رؤيتها ومشروعها تجاه المجتمع وآليات الحكم . والصورة النمطية تشير إلى رغبة هذه الحركة بالانفراد والتفرد بخصوصية العمل دون الشراكة مع الآخرين . وقد برز ذلك بالحالة المصرية بعد ثورة 25/يناير، و من خلال الرغبة بالاستحواذ على السلطة ابتدأت من انتخابات مجلس الشعب ومرت في الصراع الدائر حول لجنة صياغة الدستور واستمرت بمؤشرات من ضمنها عدم تعيين نائب لرئيس الوزراء من القوى الديمقراطية المنافسة بالانتخابات الرئاسية ، والهيمنة على بنية وتركيبة الوزارة الجديدة دون إشراك اياً من ممثلي شباب الثورة او من القوى الديمقراطية والليبرالية الجديدة الموجودة بالمجتمع . وإذا كانت تجربة حزب النهضة التونسي متميزة في الأداء والتكتيك ومن ضمنها المصادقة على تعيين رئيس للدولة من غير الحزب ومنح رئاسة مجلس الشعب لممثل عن واحدة من القوى الديمقراطية المنافسة بالانتخابات والاحتفاظ برئاسة الحكومة، إلا ان هذا التغير بالشكل والتكتيك لم يصاحبه تغيير بالجوهر، حيث تمتعت الحكومة بالصلاحيات الأوسع دون سواها من الهيئات الحكومية هذا رغم التمييز الذي يحظى به حزب النهضة من حيث الرؤية لطبيعة المجتمع واحترام الحريات العامة والشخصية والإبقاء على القوانين السابقة التي تحمي حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة دون محاولة تغييرها ،حيث يتمتع الشعب التونسي تاريخياً بالرؤية المنفتحة ثقافياً بعيداً عن الانغلاق والتعصب وربما كان القرب الجغرافي من أوروبا أحد العوامل بهذا الاتجاه إلى جانب القيادات العلمانية التي قادت الدولة رغم الطابع الدكتاتوري والشمولي والفاسد لتلك القيادات والتي أسقطها الشعب مؤخراً في ثورة البوعزيزي . الصورة الثانية تكمن في محاولة الاسلمة التدريجية للمجتمع من خلال سن تشريعات وقوانين تتناسب مع الرؤية العقائدية للحركة وبما يشمل تعديل الدستور والبدء بالتطبيق التدريجي للثقافة التي تتبناها الحركة دون مراعاة لمبدأ المواطنة المتساوية والمتكافئة خاصة في ظل مجتمعات تتسم بالتنوع الطائفي والعرقي والديني والأثني والتي تتطلب فهماً ديمقراطياً وحدايثا يحقق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والجنس واللغة والعرق والأصل الاجتماعي كما ورد بالشرعة الدولية لحقوق الانسان، كما أبرزت التجربة بأنها كانت أي " المواطنة" القاعدة التي خلقت حالة من التناغم في وحدة النسيج الاجتماعي الداخلي وجنبته العديد من مظاهر التفتت والتشرذم والتشظي . وتتعزز هذه الصورة باتجاه يشير إلى عدم رغبة الاخوان بالسير وفق مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الدورية، حيث يعتقد البعض بان الانتخابات لديهم هي لمرة واحدة من اجل الاستحواذ والسيطرة على السلطة وبعدها سيتم اختلاق المبررات العديدة والكثيرة للابقاء على السلطة دون العودة إلى الشعب مرة كل أربعة سنوات أو وفق مقتضيات الدستور بحجة منع المؤامرة وعدم السماح بالانقاض على مكتسبات الثورة او محاربة اعداء الأمة... إلخ . ويستدل أصحاب هذه الصورة من تجربة حماس في غزة وتجربة البشير بالسودان إلى جانب تجربة الجزائر حيث كان قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ قد صرحوا ، بأن الانتخابات هي منصة للوصول إلى السلطة وبعدها لن يتم الاستناد إلى الدستور "الوضعي" أو المدني إلى جانب العديد من التجارب التي تمت بها الانتخابات كوسيلة لصعود التيار الاسلامي للسلطة مثل باكستان والسودان وغيرهما. الصورة الثالثة تكمن بالاهتمام بلغة المصالح والذهاب وفق آليات برغماتية إلى مسافات طويلة تقود إلى التفاهم مع أعداء الشعوب العربية وفي المقدمة منها القوى الرأسمالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة والتي تضغط باتجاه ضمان مصالحها الحيوية والإستراتيجية بالمنطقة وفي نفس الدرجة من الاهتمام ضمان امن اسرائيل ، حيث برزت اشارات عدة من الرئيس مرسي وقيادة الإخوان باحترام المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها مصر مع بلدان العالم بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد . ومن ضمنها الاستعداد للدخول في تفاهات مع الولايات المتحدة حول المنطقة بما في ذلك الاصطفاف بالمحور " السني" الذي يتكون من " السعودية ، قطر ، وتركيا" في مواجهة المحور " الشيعي " الذي تقوده ايران ، وتسعير الصراع على قاعدة طائفية ومذهبية بدلاً من ان يكون صراعاً في مواجهة الولايات المتحدة واسرائيل بوصفهم القوتين الرئيسيتين اللتان تستهدفان الوطن العربي والمنطقة برمتها ضمن مقولة الشرق الأوسط الجديد المبنى على التشظي والتشرذم وفي اطار محاولة ابراز اسرائيل كقوة رئيسية لديها الحق في شعار " الدولة اليهودية " ضمن الصراعات الطائفية والدينية والعرقية بالمنطقة وفي سياق يسمح باستمرارية السيطرة على الثروات والموارد النفطية العربية وغيرها . من هنا تبرز الخطورة عبر مقايضة الحكم بالمصالح وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني الذي يريد التخلص من الاحتلال ويعزز عمق العلاقة الفلسطينية العربية في مواجهة الاستعمار الصهيوني الاحلالي والاستيطاني والعنصري الأمر الذي سيعكس استمرارية المعادلة السابقة بما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي علماً بأن الشعب الفلسطيني لا يرى ان هناك ربيعاً عربياً دون ان يصب لصالح مقاومة الاحتلال وضمان تحقيق أهدافه بالتحرر والانعتاق ، كما أن لغة المصالح ربما تدفع باتجاه الموافقة على المشاركة بأحلاف على حساب مستقبل المنطقة ومنهجية الصراع في مواجهة الاستعمار والصهيونية. إن استمرار حزب الحرية والعدالة التركي بالعضوية في حلف الناتو وهو حزب اسلامي " معتدل" يدفع الكثير من المراقبين إلى عدم الارتياح من تكرار مقولة التمسك باتفاقات كامبد ديفيد رغم ما يبرره قادة الإخوان بأن ذلك لأسباب تكتيكية وبأنه لا يمكن مواجهة العالم وخاصة الولايات المتحدة بالظروف الراهنة بعد الخروج حديثاً من الثورة وتسلم الحكم . إذن الصورة النمطية تكمن بالتعصب وعدم الانفتاح الثقافي و بالاستحواذ والتفرد وعدم السماح بإشراك الآخرين وبالاهتمام بالمصالح والبرغماتية الواسعة ، وبعدم الإيمان بالديمقراطية واستخدام الانتخابات لمرة واحدة كوسيلة للتربع على سدة الحكم . والسؤال هنا، هل يمكن إجراء تغيرات عن هذه الصورة النمطية، وهل هناك نية ورغبة بإجراء هذه التغييرات ، خاصة بعد ثورة 25/ يناير والتي و رفعت شعارات الخبز ، الحرية ، العدالة ، وأكدت على أهمية الكرامة، الأمر الذي أشار وعبر قوة الجماهير ونزولها المستمر إلى الشوارع بأنه لا يمكن تكرار نمط الحكم القديم ولا بد للقيادة الجديدة أن تأتي عبر الانتخابات ،وأن تحترم إرادة الشعب الذي ناضل و عبر الحراك الشعبي السلمي والديمقراطي الموسع باتجاه تحقيق قيم ومبادئ لا يمكن ان يسمح بالنكوص عنها . وعليه فلا بد من خوض حوار مع مفكري وقادة حركات الإسلام السياسي باتجاه المساهمة وعبر لغة الحوار الثقافي العقلاني بتغيير الصورة النمطية باتجاه يعمل على تقبل الآخر وتعزيز آليات المشاركة واحترام الديمقراطية والتعددية ، وتنفيذ مبدأ الانتخابات الدورية والسماح بآليات من المسائلة والمحاسبة عبر إعطاء مساحة واسعة لحركة المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، وعبر القدرة على إيجاد إجابات جمعية ومشتركة لآليات مواجهة القوى الاستعمارية والعالمية والاحتلال الإسرائيلي ، بما يضمن الحفاظ على ثروات الشعوب العربية ويفشل المشروع الصهيوني التوسعي تجاه الوطن العربي. إن منح حركة الإخوان المسلمين الفرصة الكافية لإدارة شؤون الحكم إذا وصلوا إليه عبر الوسائل الديمقراطية يعتبر حق من حقوقهم كما هي حق من حقوق إية قوة سياسية غيرهم ، ولقد بات مطلوباً موضعه هذا الحق في بنية مؤسساتية لنظام سياسي مبنى على الديمقراطية والتعددية والمشاركة ويرتكز على مبدأي سيادة القانون والانتخابات الدورية . حينها وعند التزام حركات الإسلام السياسي بذلك نستطيع القول اننا عبرنا مرحلة جديدة ناتجة عن الحراك الشعبي العربي مبنية على شعارات الجماهير بالخبز والحرية والعدالة، وحينها تتغير الصورة النمطية لحركات الإسلام السياسي باتجاه مفاهيم حداثية نهضوية جديدة ويختبرهم بها الجمهور عبر مراقبة تنفيذ برنامجهم الانتخابي سواءً على الصعد السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ويعيد الثقة بهم عبر الانتخابات الدورية أو يمنحها لمنافسيهم في إطار المنظومة الديمقراطية التي تضمن تماسك المجتمع والحفاظ على نسيجه الداخلي .
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاطعة المنتجات الاسرائيلية نقطة ضوء في مشهد قاتم
-
اوروبا حينما تصطدم المبادئ بسد اسرائيل
-
من أجل درء مخاطر النزعات الطائفية
-
لقاء موفاز وتجدد وهم المفاوضات
-
رؤية المجتمع المدني في خطابات الرئيس مرسي
-
اثر الاحتلال والانقسام على حالة سيادة القانون
-
المنظمات الأهلية الفلسطينية التحديات والفرص
-
الحراك الانتخابي المصري والتيار الديمقراطي
-
الأول من آيار والتيار الديمقراطي
-
وفاءً للمناضل سعدات ولكافة الأسرى
-
في شروط استمرار المقاومة الشعبية
-
الانتخابات وسيلة بناء ومقاومة
-
خضر عدنان انتصار الكرامة على القهر
-
السياسة الاقتصادية الفلسطينية
-
في زيارة بان كيمون
-
الربيع العربي بين تشاؤم اليسار وتفاؤل اللحظة
-
المصالحة بين الاجراءات والقرارات
-
ماذا بعد ايلول ؟؟
-
الربيع العربي واستحقاق التيار الديمقراطي
-
عن ايلول والدور الوظيفي للتمويل الخارجي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|