|
الْعَزفُ الْمَكْسُورُ
عبدالرحيم داودي
الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 14:15
المحور:
الادب والفن
دَوْزنَ أوثار الغْمْبْريِ الذي وَرِثَهُ عن جَدِهِ الأَكْبَرِ سيدي عبد الرحمان الْمْجْذُوبْ ،ثُمَّ أحكَم شدَّ الأَوْثَارِ في المقبض الدائر،مُلَمْلِمًا أشلاءَ ذاكرته المتعبة، ونَادَى على كلبه : ـــــــــ تعال يارفيقي قَطَمِيرْ اليوم سنزور دروب المدينة القديمة ،علَّنا نستجدي "طرف خبز "معجون بدموع المساكين و الفقراء نتوقى به جوع الزمن القادم.!! لَوى قطمير ذيله المنتوفَ، وطفق ينطُّ على جلباب سيده الصوفي ،الذي كان قد اشتراه مِنِ صَانِعٍ تقليديٍّ بقريةِ " أولاد أزام "يدعى السي عبدالسلام الطيب صاحب البركات العديدة . ويقول الرُّواة و القوالون أن قطميرهذا ،هو الكلب الذي صَاحَبَ أهل الكهفِ في محنتهم وهربهم من بطش الملك ديقيانوس . على إيقاعِ أشواقِ الماضي الذيبح وحلم المستقبل المجهول ،أَخَذَ يدندن على أوثار الغْمْبْرِي وهو يلوك أغنية "فِينْ غَادِي بِيَّا خُويَّا "لناس الغيوان بأطراف لسانه المتآكل، المقدد : فِينْ غَادِي بيَّا خُويَّا فِينْ غَادِي بِيَّا فِينْ غَادِي بيَّا خُويَّا فِينْ غَادِي بِيَّا دَقَةْ تَابْعَة دَقَةْ شْكُونْ يْحْدْ اْلبَاسْ لاَ تْلُومُنَا فْ الْغُرْبَة يَاهَادْ النَّاسْ لاَتْكْذْبُوا عْلْ الرُّومِيَّةْ مَاهِيَّ نْشْبَةْ انْهَارت صور الواقع المادي بين يديه المتجعدتين ،واستحالت حَبَاتٍ رمليةٍ جافة تنسرب كحلم هَاجَسَ النفس في ليل مقمر ثُمَّ امَّحى ،وردَّدَ في نفسه: تَعيسٌ هو الإِنسانُ الذي يحاولُ رَأْب هذا الصَّدْعِ المهول المُوغلِ في أعماقنا !!.وتتالت انكسارات الأمواج السوداء في ذهنه المشروخ ،وهو يحثُّ خطاه باتجاه المدينة القديمة ، وفي كل مرةٍ يجتاز فيها شارعاً من الشوارعِ يَرشقُ بصره نحو المارين، و يمحصهم زِراَ زِرا من الحذاء حتى الشعر . ـــــــــ نَدَهَ بصوت مبحوح : أولاد القحاب لْعْبُو فْ دْمَاغْ البشر وْرْدُوهْ بُونْجَة يابسة!!! تفوووو على ربكم يا العطَّيا رْدِّتُو هَادْ المدينة بورديل ،..! انظر يا خُويَّا قطمير جعلوا منها عاهرة تبيع فرجها و حليبها الحُلْوَّ للغادي و البادي. استمرئتْ لحوم نسائها وَغَدَتْ بضاعة تعرض على أرصفة الشوارع علنية ،بينما رجالتها غَارِقُونَ في مجالس اللهو والقمار ،أدمغتهم في زُبُوبِهِمْ ، وشبقهم الحيواني هو ربهم المعبود !!!.تفووووووووووو على الفروج ليحطتكم . فْ نْهار ثقات و مؤمنين وباليل زوامل و عطَّيا . خليها تخرب وتحترق ما كتشوفش اخويا قطمير أننا نعيش خارج التحقيب الزمني وخارج التاريخ. أَوْغَلَ يده اليمنى في قُبِّ جلبابه ،انتشل لفافته و قارورة نبيده الإسباني المعتق ،ارتشف ثلاث رشفات ،أعاد القارورة الى قُبِّهِ، ثم أشعل سيجارته وجعل يتأمل تموجات دخان سيجارته المتعالي في طبقات الهواء متحولا إلى أشكال هلامية عصية على القبض ،وحين أحس أن فراغ دنيا كله يملأه ،يدميه ،ويعريه من غلالة اصطلاماته واستيهاماته عاد ليستأنف أغنيته المنسية: أَنَا مَانْسِيتْ الْبْنْدِيرْ أَنَا مَانْسِيتْ القْصْبَة أَنَا مَانْسِيتْ المْوسْمْ والخيل سربة سربة أَنَا مَانْسِيتْ الكَورْ ولاَ مَجْمْعْ الطَلْبَة ْ أَنَا مَانْسِيتْ دْوَارِي يَا بْلاَد الْقْصْبَةْ أَنَا مَانْسِيتْ لْعْشِيرَة و لاَ قَمْحْ الرَحْبَة أَنَا مَانْسِيتْ حياتي يَا نَاسْ المْحْبَّة أَنَا مَانْسِيتْ نَاسِي خَايْتْ هَدِي نْكْبَة. من بعيد تتراءى أسوار المدينة القديمة عالية شاهقة ،بقرونها التي تشبه قرني الثور الأسطوري الذي صرعه جلجامش وإنكيدو في عملية تصفيتهما لأعداء المدينة السومرية" أوروك" وإحلال الإستقرار فيها .و تتبدى دروبها في تخطيط هندسي أخطبوطي معقد : ممرات داخل ممرات بعضها مفتوح و بعضها الآخر مغلق ،وعلى مناكب هذه الممرات تنتصب بنايات طينة تتوزع مابين رياضٍ و ضريحِ و مسجدِ و منازلَ للسكن ...حدق حفيظ المجذوب السابع وصرخ بكل ما تختزن حباله الصوتية من قوة : ــــــــواهبلتكم أمهاتكم ،بعتم أرضكم و تراثكم لليهود والإفرنج وجلستم على قوارير البيرة المفزورة . أخرج مديته الحادة المخبوءة تحت كم جلبابه الأيسر ،واتجه صوب جدران المباني الطينة المبطنة بصخور جبال الاطلس الصلدة، استبد به جنون الضياع المحموم ,عبثا حاول هدَّ حيطان المباني على طريقة الحلم الدون كيخوتي اللامتحقق ، ونده : ـــــــــ هذه الدنيا قحبة ،قحبة ،قحبة .!! مشى عْلِينَا الكَارْ و الدنيا هْزَاتْ حْويجْهَا ورَاحتْ بْحَالْهَا .وَ خَا تْبْغِي تْرجع مَاغَديْش تْرْجْعْ .قَالْهَا السي واسيني :"هي ذي الدنيا نفسها تعود إلى عكازها القديم،تريد أن تعطي معنى لنفسها ، ولكن لا شئ يسعفها.ضع رأسك بين يديك وأصرخ ، و أصرخ حتى تُهد الجبال ،حتى تخرج الأرض أثقالها ، وحين يقول الإنسان مالها ؟،لا تلتفت نحوه ،وإذا أصرّ،أردم فمه بالأتربة .زمه.قلها له علانية : تسألني الآن؟ تسألني مالها وهي تتحرك من تحتك يوميا ألاف المرات؟ إلى الجحيم...إلى الجحيم." وبينما المجذوب الصغير منغمس في اصطلاماته يحاول رأب العجز الهاجع في تجاويف روحه ليخرج من دائرة التهويمات والطيوف التي تغلفه، سمع نباح كلبه الهزيل قطمير ،استدار ليستطلع الحدث الطارئ الذي نغص عليه خلوته المشتهاة ،ففوجئ بشرطيين يركضان وراءه وكلبه ينبح ويطرقع ذيله على الزليج الْبْلْدِي المزخرف ،وصلا الشرطيان إلى حفيظ المجذوب وباغته أحدهما قائلا: ـــــــــ يَالْقْوَادْ وْلْدْ اْلقْوَادَ اش كدير هنا نتا وهاد الكلب المقمل !!؟واش ماعرفتيش بأنك فمكان محترم؟؟؟ ،ياله قاااااود من هنا قبل ما تْجْبْدْنَا المشاكل مع "الكومسير" .ولاَ جِيتْ المْرَة ْالجَايَّة أُلقيتك هنا غادي ْنهْبْطْ القحبة دمك لسونترل نربيك. طأطأ المجذوب رأسه ، ولكز كلبه وَهَمَّ بالانطلاق ،لكن الشرطي المرافق أوقفه وأخذَ يفتشه شِبْراً شِبْراً . وفجأة وجد قارورة النبيذ المتوارية في عمق القُبِّ بصحبة عُلْبَةِ سجائرٍ من نوع كَازَا وقهقه الشرطي مستهزئا : ــــــــــ هههه أُوزَيّْدْهَا بْشْرَابْ يالموسخ تَتْزْبْبْ قْبْلْ مَا تْعْنْبْ ،بقاليك غير شراب .!!!الله ينعل طبون مك يا الله غْلِي تقاوووووووود.!!!!؟ وسط سواد الفراغ الراكد،وظلمة الأزمنة البائدة ،راح يمضغ إهانة الشرطيين ويلوكها جيدا، ثم يقلبها بلحمة لسانه الجاف. لكن عبثا حاول ابتلاعها ,حاول وحاول و حاول وفي الأخير ابتلعها ولكن على مضض .أدخل يده في جيب جلبابه و أخرج ورقةً كان قد احتفظ بها عند اشترائه للحمصْ المَقْليِّ وبدأ يقرأ ما وَرَدَ في الورقة : ـــــــــــ:"كل كائن يتخفى بقذارته ،ويخرج منها مشيرا لقذارة الآخرين!" هذا هو حالنا نحن........!!! طوى ورقته جيدا، أعادها إلى جيبه ،نظر إلى الطريق التي جاء منها وحث خطاه وهو يكمل أغنيته المنسية: ما هْمْنِي وْلاَ رَشَّانـِي غِيرْ فْرَاقْ الصْحْبـــَـة مَا هْمَنِي ولاَ رَشَانـِي لاَ مــــــَالْ لَتُرْبـــــَــة مَا هْمْني ولاَ رْشَانـِي لاَ صَابـــَة لا غـُمْـــرَة ما همني ولا رشانـي شمسنا ضَوْهَا جمـرة ما همني ولا رشانـي لا نجوم لا گمــــــــرة ما همني ولا رشانـي وَيَا لِيعْةْ القـُــــــــدْرَة ما همني ولا رشانـي فيـــن غـــادي بيــــا بين قـَلبِي الوَگـــَــــاد بين حيرة وُ عـْنـَـــادْ بين قرب ولبعــــــــاد يــــا كيـــة لَخـْـــلاَگ بين نار و لرمــــــــاد واالكيــــة وُلْـفـْنـَـاگ وتنكاد الضميــــــــــر ضْمِيــــِري بَالْوَلْفـَــة وعذاب الولفــــــــــة خَايْـــةْ هَـــذِي تَـلْفـَـة فين غادي بيا خويــا فيــــن غــَـادِي بـِيـَّــا
#عبدالرحيم_داودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|