أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابن جرير الرحماني - انتحار أصنام















المزيد.....



انتحار أصنام


ابن جرير الرحماني

الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


فيغشى تبعه حاله المستفحل بغطاء مما ورثوا من تراب هجين ، وشركاءه ينشدون النصر فاكهين ، إنما هو كسر لنكسة من أنفسهم تتخذ أوكارها ، يجلجل الرعب في قعور هم مدحرا قلوبهم غالى الخياشم ، يقبض عليها حتى الخنق انه الحق الذي قتلوه عمدا و واروا جثثه تحت أقدامهم مهانة ، يتوفاهم وهم أدلة في زنازن حضورهم ، هزيمة شنعاء تطرقها الألسن على طبل المدى ،خلاف ما يغتالون من أبرياء سرا في دهاليز سجونهم ، إن وجوههم تزداد مقتا و سخاما كلما فتحوا الأعياد أبوابها ، يضمدون بفرحها ما أصابهم من حروق نكسات لن تندمل أبدا ،يدخلونها زمرة بتمازج ألوانهم تحالفا ، هنداما لرمز الموروث حامل ، لا تمايز بينهم لا عارض و لا وافق، دمى مصنوعة من حلفاء تقدم وجبة لهو لمجتمع عجوز لا محطة لهم سوى مراحض يتفقدونها ترميما فيكون مكوثهم بها إغراقا، و لما نلقي عليهم ضوءا من مصباحنا كاشفين عن وجوههم المكتومة بحجاب دميس ، تم إنا لمخرجوهم من جحورهم إرغاما ، حتى يتراءوا للملأ أنهم سوى قطيع جرد يرعى في ضيعة الإنسان ، يلتهمون مناجم اليم و ما توفر الأرض من طعام على مهادها و في باطنها لفقراء تمسهم ضراوة بؤس شنيع ، فلم يجدوا معراجا ولا من يبني لهم سرحا لعلهم يبلغون من برجه هرتهم و ثأرهم للذين يكنسون كل متاع من الحقول خلسة أو غصبا ، يخزنوه في مزابل بطونهم خوفا أن يأتي يوم يتم فيه نقصانهم ، نكنسهم من الوجود و نسيرهم من الغابرين ، يغورون في جبهم كي تجبهم طلسمة عن الأعين الجاحظة ، يغزلون للعمي في قاعة الأعياد وجبة خطبة جائعة ، فينشر الضحى ناصعتها ، فترى السرور يطير من وجوه بلاطها مقتا ، مقزمة ، فتتقزم أكثر من شدة ما يهطل عليها من المسخ الغزير ، رؤوسهم خفيض و كأنها تغورانسلالا إلى الأقفاص ، خوفا من ضربة يراع لها القاتل في مدسها ، إن حرثنا خلافا ما يسطرون من مكاييد ، نحن نحرت حقولا في الكون لا الأعين مبصرتها ، نخرج منها فاكهة لا نظير لجمالها في زروعهم ، يشتهيها البؤساء فنخرج لهم من أكمامها طعاما مسبلا ، نشق قميصها فيصعد من فؤادها مزن نسلكه جداولا ، نطهر بخريرها الجاري عقولا نسخوا على ألوحها الكذب حرفة باءت تقاليدها بالقدم ، لا وظيفة يشغلونها إلا الجزارة يتخذونها ركوبهم الأسمى ،
لقد تعفنت الأرض بجثث جرائمهم ،نبخس أعمالهم و تستهزئ تغور الأزقة من خلقهم ، و الصدى فاضح ما يسرون من جرائم أرادوا بها بطح الهامات ، مرادهم صنع جنة بخيراتها ينفردون ، فاقعين الأعين بمشهاب العمى ، أن لا يبصر الملأ رغدهم ،فيصدرون من مرتع جناتهم لاغية ، يلغوا في العبث ببكارة الشوارع المقيدة بأصفاد العقم، يستبقون إلى المرايا ، يضعون عليها نسخ وجوههم ، ظنهم أنها تعجب الناظر ، بذور الغرور فتحت على الجباه أفنانها، أنها نواصي لا يشيبها شيب و أن السرور عليها يستوي زرعه ، ومن صرحها ثرى أنها أدنى السافلين ، مفحمة كقدر مسجور، من ندوبها تتمجج قيح لزج ، دول المراتب المفخمة قد صدئت ناعورتها واهترت حبالها و هوت قعورا ، تستنجد بكبائر الظلم ، تستعير منه جناحا علها ترفرف به شموخا كاذبا ، نزلهم حاضر دنس به يمكثون دواجن، لا نقيقا و لو خجولا إلى العدو يصدر ، يبدون الشجاعة مرهبين بها أزقة الرعية ، و السوط من فرو الماضي يبرم ، ليبطل صيحة هزيمها طبل لا مسكت لصداهم ، لقد سئم الحاضر مما يسكبون على الألواح من زيف يغلون به المواليد على التشبث بعبادة مجد مكتوب بمآثر من طين ، إن الزمان كشاف عن لثامها الرث، أنها كذبة لا تغني ركاب النعوش ارثها ، لقد أثثوا بها البلاد ،و جعلوها كسوة مدقع رجاؤه منها عطاء ملء معدته بغيت وقاية من رجة الجوع ، مخولين له الجري وراءها كركض الظمي خلف السراب ، لا السراب يسكن ركودا ، يتبعه الذي يخشى أن يقبض العطش على حلقه فيموت عراءا، فيهلك في شيخوخة دون أن يغرف منه جرعة ، فالفصل في الأمر رسول علينا بعته ، و القوم جاحظة عيونهم ساكنها العمى ، و كأن الليل فيها مولوج والج لا مخرج لدجنتها منه ،ينشئ له هودجا من كفرنا يقله إلى مدن ظلماء ، يوقد مصابيحها و يظللها بشمس كاشف ضحاها عن كل كهف مندس بأرض ساعتها القمر ، فهو لجام لها و كابح لخللها ، النابش بأنمل العقل بطنها ، لا يجد به إلا جثث قادرة طالها بلع أحزاب في مطاعم الوهم تستوي ، و إذا جاؤوها و لم يجدوا بها ما يختلسون ، رحلوا إلى أخرى يتشممون ماعونها فيشرحون لها صدورهم إن أخبرتهم أنوفهم الشمامة ، أن ما يرشح من مأدبة هو طهي من يد طباخة ، على سماهم مسطر طعمهم الخفي و المعلن السطو على الأزقة و اختلاس متاع الفقراء ، جناة يحملون رزم جرائمهم ضاربين عليها سد الكثمان ، فنبسط المهد لولد أقمنا فيه عزتنا ، يقيد في الأسفار ما أنزلوا على الناس من عقاب مشين ، قدوا غصبا و خيانة امتلاك كراسي عليها قابضين ، قابعين يهب عليهم الدهر بوابل من السنين ، و لا هم يوما كانوا من الغابرين و لا هم يبدون و لو مرة صوابا ، خجلا من حاضر حضروا إليه مقذورين ، و لهم انصرفوا ملثمين بعرض منا عليه نغدق ، لا صدأ التخمة قد بطونهم المرهلة فتصرف بالوعة أمعائهم ما بلعت من جثث يوم الكشور ، يوم تشتري لها الأحزاب لصلاة من السماء بثمن بخس ، مضغة رغيف تسد بها ما تخرج أفواه من عويل ، اعتقاد منهم أن البدو لا قوت لهم إلا من مطر ،إذا انحبس يعقلون أبصارهم المصابة بالرمد إلى عقم السماء ، ثم يظهرون على الفناطيس و الأمر قد صدر ، بلملمة الغيوم و حشوها في الأكياس طعاما غثا ، مصدره حلفاء لبقائهم يؤمنون ، مدير الوزيعة يجعلها صدقة هزيلة على جبل من الأيادي الجائعة ، أكف مبسوطة مقعدها الأرصفة ، تستنجد بمطر قدر لعله يمسح على راحتها تسولا تآلفا وتدرج عمرها ، وجوه ترتدي الخنوع و الكآبة و صمت يعقد حناجرها بأقفال رعب كابح فيها الفوضى ، فإذا اقتحمت رحاب الصدى ، انك للجنانيين مزعجهم في غرفهم الأسطورية ، نحض على مكانتنا أشداء ، لا قوة تمسنا قهرا ، فلا يجديهم ما صنعوا لحذفنا من سلاح تفشى في زقاق المكلومين بؤسا و جهلا ، إنا لهم الصاعقون يوم الحفل ،و الأرض تسخر رافضة أن تمدهم قبورا بعوراتهم سترة ، فنسوقهم زمرا إلى قاعة الإنسان يتقيئون ما سرقوا من جمال كنا به المؤثثون غرفهم فنحضر آثارهم و نطلي وجوههم ببلاط السخام ، أما المطرفون الذين ألبسهم ولاتهم جنبا عليها يتكئون ،مرعاهم سراب يقتاتون من لهبه ، كانوا غروبا عن الأبصار فسلخنا عنهم حصنهم فقعدوا مغرقين فيما صففنا لهم من نعوش ، يسمع صريخهم أضداد أضناء يسعون في المجاعة حتى يلاقون لحودهم ، عراة من الإنصاف و الأقدام بلدغ الأصفاد تقرحت ، غلل عدل غلظ اتخذ من بيوتهم زنازن تأويهم ، فيها يسجرون قهرا و فيها يقبرون سرا ، قضاة ينيبون الزغب جلادا يقض سوطه أبدال هزل حتى تصير عضامها بارزة من جرابها المغضن ، إن نور الإصباح من ظلامهم يفلق ، فمهما طالت دجنة الليل ، نبني شفقا يكون مطلع شمس شامخ سراجها ، لا مطفئ لضيائه ، أرادوا تعطيلها عنوة حين ألقوا بي في سعير الاستقلال ، مدن لحافها حالك من ظلمات عتيقة ، تقيم حفل ولاء لمخزن كاثم فضائح مآثرها ، تكاد تتفجر من زحمة قبور رجال تم خطفهم غصبا من مساجد كانوا يعدون نشأتها لقدومي ، فنأت العواصم الأثرية استقبالي ، داركة أن صيحة مني ، همس ريحها يدمر ما تبقى من أطلالها ، لباس صلاة تتخذه أئمتها سائقين البلاد إلى صقر ، من بواطننا نصدر إليها أجنة بواسلا ، من وحينا ينعوا إليكم تاريخها و كل أدواته القديمة ، فيعكف نجلي على نهش مآثرها بلا هوادة ، حتى تخرج من تضمر من قتلى رميم أسمائهم حفظ في ذاكرة الطين ، تركة لا وارت لها إلا الذي يشتهي الموت متخذا نعش الفقراء محرابا يقيم فيه صلاة الردة عن المألوف ، مؤذنا في العبيد بالكفر و الصدى لصوته هزيم ، فنسلكه طريقا غير ذي عوج ، على مناكبه معالق مصفوفة عليها نضع ضحى كاشفة على النفوس ، فنطهرها مما علق بها من فجور ، نصرف عنها كبرد الصقيع ، عين باصرة جاحظة لا يغمض لها جفن ، تكنس كل بيت يخبط في شع البؤس ،نزوده غداءا سمينا يدحض به غيوم الهيم ، نحيط بكل شيء و لو في دجنة النفس يكون خفيا ، نرصد كل ذنب و لو في غفوة عن صاحبه كان نسله ، نلحق بأثره و نقضي بالحق إصلاحا و شفاء،و نجتث الأمراض من أوصالها ، و لا نترك جنبا عليه ينقلب مشاكس يؤدي الأرض من عليها عللا ، إنما يوقد محرقة يكون لها حطبا ، و إن استوى إلى إصلاحها يكون مفاضلا فضله خلق جنة فيها يرتع و يرعى ، ومن حضن أزهارها يغرف الإنسان شرابه و يروي بعطرها حدائقه ، لكن الإنسان خصيم نفسه جانح إلى الشر ، يشن العداوة و يغزوا بضراوة جنسه ، فهو راغب عن الخير حتى نأى عنه ليحيى كظيما ، محبسه ثرات مبعثر نساج منه بائخ نزواته ، قابضة عليه شرذمة أنذال إذا جاءوك هبوبا يحافون مناكبيك ، آخدينك لبصبصة من ذيولهم ، و لما يقضون أشياءهم ينفضون من زقاقك مجحدين بما أتاهم الفقراء من قوت ، إن لساني جاري و لا أضيع هزيم زئيري على قطيع جردان مأواها المزابل ، لست بقرية أو مدينة ساجن نفسي ، فان مقامي يكمن في -كون الإنسان ، و لا يخفى علينا ما يبدعون من مكاييد لحرفهم ، تجعل من كوني البسيط مقعد شاهد صادق على حاضر ولدت فيه ليلد مني ولدا متمردا على حاضر ينشئ من مآثر يحملها المجتمع على ظهره ضررا ، و لا أنتهي إلى التدخل في وضع زيف يؤمن بأكادييه الأحفاد
،و لكن أؤمن لهذا الحاضر طريقا على القرطاس يرصص عل جدار الغد لوحات من رقص الثورة ، حينما تشب نارها في الطين و المحرقة جهل ، يبلغ نزع كرامة الضعفاء البلعمة ، تبرز الطبيعة مانحة إياهم إله التغيير يعيد للأقنان ما صادره الإقطاع من كرامتهم ، فان دنوت من رشدهم محاورا ، يبتون فيك روحا مرشدة إلى مخرج تجنح منه عن المألوف ،مانحة إليك بصرا تغير به عتمة كانت تفصلك عن الوجود ، صانعة منك كيف تخلق الموت في جسد الذي ينشئ في جسدك مشانق تعدد مشاهد صور الهلاك ، إنهم مجتمع من دمى موضوعة عن القرطاس ، تنتظر من ينفخ فيها الروح لتخرج إلى الحياة وتستوطن المدن و الأرياف ، ونبدع لها حياكة ثرات حتى إذا أعجب المتلقي نزوجه بها كي يبطل ما يحمل من تقاليد بائخة قد قدت جهالتها عقله ، منتظرين منه أن يثير صناعة مجتمع داخل المجتمع ، فان أجمل ما يقدمه الإنسان إلى نفسه ثائرة التمرد تجعل منه كشافا عن سوء غير ممسك على اللغو فيما تغرر به إلى الغنى ، أما ما يسطر له من جهل فإن الإغراق فيه يحلق درجة من ثقافة بؤس يتحدى النظام للإطاحة بالمقدس ، تركة إرث موروث يعيش عن الوراثة ، إنه مبحث الناس عن اكتشاف حياة غير مألوفة ، فيبعث بهم أحياء يستوطنون خيلات مانحة إليهم وضوء يمكنهم من تنظيف عقولهم بمشاهد من الجنة ، حتى يضعون اليد المخرسة تجلجل جلجلة أفعى الشر الكامنة بالنفس البشرية ، مدحضوها إلى أقصى القتل ، فيكون ممشاهم يفضي إلى يقظة كناسة دجنة جهالة كانت تجب عنهم رؤية الكون ، فيسرحون من سباتهم منشئين الرحيل بأدوات الموت إلى كون آخر من صنيع أنفسهم ،
يكون سيرهم مثل سير الأعمى الذي ينشئ من رميم الأجداث صنما يكون له عابد ، يرجئ البعث بعقارب الأحفاد قرونا ، يهوي في الانصرام هبوطا ، حتى إذا ضاجع الصنم صار له قربانا ، مكنسة من مصنعه لعل الإنسان يعقل صوابه و يدرج إلى عقل به يسموا سمق ما أنشد له في خلقه ، لكنه عنيد يغلوا في ضراوة البطش بنفسه ، كضراوة الكتابة لي ، فكنت المتمرد عليها لمرات و الصوت هزيم ، إن علمت أيتها الكتابة ما تلحقينه بي من ضراوة لفضلت أن أكون كناس شوارع ، و لكن هذا أمر مفروض و غلله تطوقني ، انه وحي منزل من عالم خارج عالم الإنسان عالم لبد بعتمات الغموض ، إنها لا تسمح لي بالدخول إلى روضتها إلا في مواقيت الكتابة و لا تقحمني في مجتمعها الموضوع على القرطاس ، انه مجتمع من دمى تنتظر من ينفخ فيها الروح لتخرج إلى الحياة ، و تستوطن ما أثث لها من كون ، انه كوني ، الرواية ، عالم أخلقه ليتمرد على عالم مخلوق ، نطهر جليا ما شابه في الخلق و حمله جبلا من الرعاة ، يخسفون به دار شعب يكدح للبقاء ، يخفضون رقبته لتكون السفلى تحت أقدامهم ، إن الذي يصادر أشياء الناس أبدا يكون لهم الرافد ، الجاهل من حياتهم روضة خضراء ، فالأنهر من خلق الروافد تسيل ، تبت من غمامها زروعا تكون للدواب قوتا ، فيخسر الخسارة الكبرى لما تحل به العاجفة ، تذيقه طعم زغب الجياع الحزانى ، فيصيب نفسه هولا و بما يعمر القنوط لأجل ليس كاشفه ، فثراه مكوكبا في صلاة يكشف بها عن ضعفه ، انه داخلها إرغاما لا ذغته ناب فاجعة الزغب ، و إن دام له الشبع يتخذ الضراوة شقا له ، متكبرا متبخنسا عند كل وجبة يلاطم براحة كفه بطنه المتخم مما لم تصنعه يديه ، فيغر أنه الحارث أكله ، فيغشاه النسيان في مشغل الأكل أن ما يفترس من ولائم ليس لها السقاء ، فيترك في لغوه منسيا ، حتى تحل به الصاعقة فتصعقه صعق الرحى للشعير مآله التلف في العدم ، حين تكون له الهوجاء مذراة ، فينقلب خانعا إلى الرجع متدرعا ، فيحمل إليه الماء من متاع الجمال ما يغني ناظره ، فينقلب إلى نفسه مسرورا يركب السوء يهد بمعول البطش لوحات من الجنة، له البديع مانحا ، فعند الاقتران بامرأة نكون قد أسأنا فهم الوجود ، إن في أكنتها وجود آخر ماسكة الكشف عنه و نحن المقدر علينا ولوجه بعماء يبطل لدينا العثور على أسراره ، و إذا مسكنا الوصل إليه تصير من الإصباح دار الكون خرب ، ساكن كل شيء على ظهرها ، انه المسر في نظمه أن لا يبرح رحم الرغد ، و ينأى أن يقيم الوزن ، و عن البؤساء أدبر محضرا لهم من ورشاته المحارق ، فلملمنا من الأجداث رميما و جعلنا لهم الأكواخ وزرة يلبسونها ، إن هي إلا مواقيت ينسجها المشي حتى يستوي ما تشق مصدعتهم الصدئة من شطور بها يعمر بها ظلل الجبال شططا ، أستبق الزمان و إني المقرب إليهم زلفا ، و المبعد يظن إن إقصائهم يدحضهم عن اليقظة أقصا الذيل ، و لا دراجة تدنيهم عما هو عنهم مبعد، لقد صفا السوق من أهل النهى ، و عمارته مشاكسين مضاربين و البضاعة قرى مبتاعها نخاس جلي الربح في المعارض ، نظراء اللسان و المسائل في اللغو يعجبهم كلامهم ، فبعج القول بمدية الجهل تهوى في واقعة جوفاء ، أماته في قعرها وحل سراب هبط في دنياه إغراقا ، نضع المعارج صرحها و العارج يؤسس للهجرة مقاما ، عرش دنا من ركوب صهوة كانت مرسى بحر لعبابه المدحض ، تجر الزمان إليها و عقب القرن من قبضتها لن ينفلت ، لن يساورني السهو أني المتعمد جعل سكان هذا الوجود في غائبة عن الذكر ، إنما المنيب عنهم في تبليغ أفكارهم ، منها ننشئ صرح هذا الحضور على كوكب الورق ، إني المقر للمنفذ إلى ما نبت من خبر ، الواجد في الصحف عقيم يعوق إجحادا فيما نرسل من قول جاحظ لا يشوبه لفاف ، إنا ارتأينا أن نأتي كرة قولنا تأكيدا سيحاجون في الخفيض بعضهم بعضا و يحضر في جمعهم الخصام ، لا مخرج لهم من سقيم يهوي بهم في أبار الضعف فيلزمون المكوث مغرقين ، و الصدى يصد عن صريخ نجواهم ، فتقعروا في الجثو محبسين ، لا ينفك عنهم عقاب المكلومين ، لأنهم لتعذيب الأبرياء كانوا مسرفين ، سدت من فوقهم و من خلفهم و كطل منكب بهم محيط ، طوق أغلاله مما كانوا بهم يعبثون ، يساورهم في المجيء دعر الموت و هم في قبضته مبخسين ، زعموا أن في نشأتهم إمساك عزة فدبوا في الدجى هدارا ، فأوقع بهم الإسراف في دلفة معتقد أنهم الأخيار و من نبع المقدس تفيض أرحامهم و سكوا وصاية أن ما صنعوا لأنفسهم من طغيان إنما هو إلا تكميم الناس بشطط يخدع الرعية عبيدا ، فالزمان يمطر بما لا يتوقعون حدوثه، مطر يهب ضحى وهم عنه العمي ، غمامه من جيل مكتوب على الزمان تآلف لبده ، صرح غمام من لحالكة يتكون هزيم رعده زلزلة مدمرة لكل المآثر القديمة ، تحت أطلالها لا تعجبهم ولادتنا بلا طفولة ، وهم في مواسم الفقر بارعون في نسيجها، فنتناثر كأوراق دوحة متكلسة من شرفة الخريف، فتتراكم أنقاض أجسامنا الرثة كلون الرماد على أرصفة يزعجها ثرثار يركب الصوامع كي يقتات من مبيعاتها ، و المشتري في ضلال نار موقد مغسله حطبها رفات جلبت من مقابر لم يتبق بها سوى أجداث الماضي ، طين عجوز بارز عوزه ، بكرتهم إخراج صبابة زيف من أكمامها ، زعموا بها إصلاحا ، فيدوي رعده عند الوشاة عاجف الغيم لا يرجى منه نفعا ، و إنما ضرر يعكس لهم علاجا ، يزلف قرى دامرة و ما حولها من أزقة عشواء زحفها إلى مرعى من سراب يخدع العيون كلأ ، ظنهم أن وهمه المحروث يسكن تمرد الجياع داخل زنازن الفقر ، بها تقيم الأجنة شيوخا حتى تفتح لهم اللحود بطونها ، نحرث الأرحام و المحراث مصدعته تسكب الغيث ريا لي زرع نباته إنسان نصطاف منه من نوكل إليه كنس أرض طالتها عهود البغاء ، كلما تصفد منها عرش ممسكه داوله إرث بين الأحفاد ، مقعدوه نظراء مرض و قودا لجحيم سويت محارقه في البلاد الممزقة تحيكه لغة و عقيدة لا يداولهما إلا الأوباش ، يدرون عليهم مئونة مطر يسبقون رياحها توقعا ، تسكنهم حولا و الأرض جاثية ، حتى إذا ما نفذ مخزونها أعدوا لهم من التسول طحينا ،إلى أن بيعت في الأقنان رسولا ، يؤجج في الناس ثورة تسحق ساحقتها عروشا أبت أن تركب نعوش الأوباش ، هم من تولى عن تسديد الخير نحن إلى المصاعد راكضون ، يوم نطلع من طلع القواد نشفي العيون من العمى ، و نشد الأبصار إلى شائبة إنساننا وما قذفت فيه ماطرتهم من دنس التجهيل، نهار لا مغرب لشمسه كظيم على أعيان اتخذوه من سلطتهم حصنا لفيفا ، فيه لا مصعد لهم عن طامة هالكة كل خبيث ، في موقع الرهان يكبر عليهم حذفنا فيسحبون إلى العدم و الأذقان إلى الأعناق خافضة خانعة ، نأتي بغتة نشقق الصخرة و تحت وقعنا يسير هشيما ، نجرس السماكة و الهوجاء ناسفة قبورا مقاعدها مخافر أوثان تزج بالمرخصين أدنى السفالة، مكشفين في العراء عن غطاء يضمر ضغينة يصرونها بأنفسهم لجالية من كدها قوتهم ، يطعمون الأرض بؤسا و طعامها من جثث البؤساء وفير ، و من أضداد البؤس تراسبت أمتها لبدا ، و ما دفنوا بها اعتقادا ، إن المقابر سجونا تعدم عنهم مزعجا رموا كونه لأمنهم منسكا ، و نشروا في المراقد السبات ظلالا ، و توهموا أن البطش و شقائقه لمنهم كفروا المردع ، وتناسوا في المنسية أن الأزقة فروجها جارية النجب ، لا تعرض عن الازدياد تكاثر منه التكاثر فيض يدود عن عرض ، إنما هو إلا كفر للذين لا يعقلون أنفسهم عقلا ، ويشترون الهبوط إلى الدنى بأسعار بخسة يكللون بها حضورهم ، فأنساهم حلم السلطة و ما ينهشون من مستعمرة الإنسان أنهم غير معقلين ، و مآلهم في العقب ضيق آخرة فيها حشرهم بغيض ، فتراهم مقعسين عليهم تضرب أكبال المذلة راكنتهم في جثو يسجرون ، و نحيطك بلاغ النعي عنهم موكلين لك نشره في صحف من الصدى لا رقيب عليها ، ما قرأت ، و مدارسهم يبتغون منها للأخر جهلا مسطرا، إنما أنت مقرأ ما نقرؤه و هو عن الإنس في أجنة ، به نفضلك عن الغير عسرا موقوتا ، و تكون النهر الحامل بفيض معرفة نلهمها الجم من زلالها ليكون لها الإنسان مصبا ، الفقير إلى التقاط همس تحاور المادة في فناء العدم ، حيت تنفض عنها زمانة زمن سئمت صيرورة عداده ، فنضرئ في الخروج من أكمامها ، تخلق في معركة زنا بسليب لها المدار ، مخلوق غير مخلق من قبل ، إنها النائمة قيلولة ترتب منازلها بهوى كوابسها ، ولما تكون الطالعة من عندها تسخر شدة من خوارقها ، هلا ك مشاكس ارتدى وجوده عصيانا، يأمره أن يكون لجبروتها عاقا ، و لا يجدي نطق المستقر السفلى ما كان عن هواه ناطق ، أغواره زيف طمع أنه الغالب ، فكان له من الطبيعة منذر ، و في التهور يخسر خسارة تزج به زنزانة العدم غير منسل منها أبدا ،إن المنفكين عن كوكبتنا مالهم من رجع إليها ، سائقهم هواهم يرتدي نزغا بهم يهوي دجنة لا سراج بها للأبصار ضياء ، قولنا كريم عنه الأذان تعرض ، يصدرون نخبا و يتخذون لها الجحور مخابئ ، منها ينفثون جلجلة ريح تسكن الجبناء و تقبرهم في قشعريرة حمام / نحن البارزون و الضحى إنا لها النبع و ليس لها غيرنا الماسك ، فالوغى مطيتنا صهوة بلقاء لا تستهويها اللجم ، ليس هناك من مستطاع يخرجنا من رهان به رسسنا به مجدا ، يافع، لم يبلغ الحلم يلاقي أعداء فطواهم جثث في براثين المعارك ، إن أشد العقاب عقاب الدهر، إن يلاقيه فقيرا على جماله وشم أطلال التغضن ، وجبة استقباح و هجو تلاقيها من أدنى الأقارب ، نزلف إليك عطاء و آخر نبهج به الآخر المتواري عن الآخر ، و لا مخرس يسكن صوتنا المتأجج من مداخن الأزقة ، و المنصرمات في الدهر رجعة ، يخللن بحاضر يتقوقع في مرساه دون إقلاع ، إن الموروثات الطافحات على أرائك البطش ، يتباهى السلاطين بما ورثوا من رفات ماض كانت نشأه عن سوء تقاليد مقالده ، فتميزوا الآن محضرين بما حاكوا من سجون للشعوب تكون لباسا ، نحضر فيها خصاما يشق في الخصام طبقات منها السحيق يستتر في حضننا حتى بكرة صحوه ، فانه منا لمذيقهم أسوء خصام من مشاجة الاهتراء ، نستخفهم يوم فيه حشرنا تقيل ، لا تاقية لهم من هولنا و العشي عندهم بعيد ، يصلون نكسة و الحميم بالغ الحناجر ، حتى إذا نادوا جثثهم من الأرض استساغوا أهلها مهينا ، فيخفض غروبهم بمحترسيهم انقلابا ، تبصبص ألسنهم لوم أنفسهم و دارهم شحت أبوابها ممدودة لغيث قذر ترجوا منه قوتا، مذلة فطوح ناقعة بخنسة كانوا بها مارحون ، فكنسنا بهم بطحا و صاروا في أعيننا قبورا ، نحيط بهم سخرية و الفوج على ركب الزمان شهود ، إنا نبت الكلام ظاهر البينة ، فيستخفونه ثرثرة لا تستهوي أطماعهم ، فنحق الصعق و نضرأ في العقاب فيكبر عليهم لقاءنا ، ويصح قولنا و نضرب عليهم الختمة ، فترى بعين جاحظة كوكبتهم على قارعة الزمان تندب خسارتها ، و أعناقهم جاثية يتفجر منها النواح ، سوء ما كانوا ينزلونه جهلا على زقاق إنسان ، في صلواتهم الموقوتة كانوا يتخذونه لعبة ، متوهمين أن إعدامه لخلدهم حفيظ ، نستصغرهم و نلقي بهم في كباب ، نكشف و الضحى كاشف عن سوءاتهم ، و جبة سخرية يعانقها الأوباش ، يؤلفون منها بخيسا للذين يشترون مقتا لأنفسهم و الكيل زهيد ، خلق منا أن نلبس المآثر حدادا ، و لا نبقي وجهها لنجل تمطر عليه من دموعها أكاذيبا ، توهم غفله في حاضنتا أنه يبني بحصى عبراتها حضيرة ، و ليمة تكون مستساغة البلع في مقبرة التاريخ ، انا المبلغين لهم من كوة أكواخنا ، أن جحيمنا أبوابه مكشرة عن أنيابها ، قدها جبال أما الطواحن لا رحى تضاهي حجمها ، هم علينا غلف فلا مرأى لنا لجمال الوجود إلا أن سيرناهم من الغابرين ، حتولى هواهم الإغراق في الدنس ، حتى لهاث شهواتهم في المدن المومس ، مدن عتيقة أثاثها من زي ماض تنفق في ترهله ، كأنها من الأرض اكترت لحودا ، فارض في الزمان أسوارها و لا حجيج من الأوباش إليها يروم ، أو كسر عقدة المألوف و فاض كالإعصار من خمه ، يدك صعقا و سحقا أدوات من طين بها تم تدجينه ، إن العبد عقدته قيده ، و إن سعى إلى فكها يكون النخاس المدحض ، و الشجرة إن هزها النسيم و الأوراق اليانعات تنادي أزيرها ، فما عليك من حرج أن تلتقط ثمارها ، فالليل مدس لغة الإنسان ، المجوف و الممدود لعبة تتسلى بها الأجسام في المضاجع ، فعند الانزلاق و حتى تعمه الغشية يتقطع الزمان عن الزمان العاقل ، و يدلف الفخار في غبرة مؤقتة إلى البدء ، فاضح لك المكتوم الذي يتستر عنه الزوجين ، إلا دواب تسعى طلقا تؤمن بالمفضوح عماد البقاء ، ركن حياة مقدس على دربه تتناسل لتمدد في الوجود سلالتها ، إني الراغب عن البقاء كائنات لن تقدس الوجود ، أبتغي لها انقراضا ، فماهي إلا زبل بشري يدنس جمال الكون بجرائمه ، الذي لست كالذي يمتطي ذكورته ليقذف بها عبر فروج أهراها دكا و إيغالا إلى أن تنبض و تتوهج و يعلوا لهاثها ، كفاطم التي آنست بغاءها ، حتى شب في المحرقة انصهار الكذب ، و أرخت في النزهة سمع رغباتها ، يمتص قدرها الحوين من مصباح عينه عوراء ، ولما ارتخى كنخلة آهلة للترهل ، كمشت عليه بضياء عينها ، و مسحت قبته بقبلة من شفتيها ، و الأنامل تداعبه كسكران مدلل ، ترجوا استفاقته و ضخ المزيد من زخات مطره ، رضاها أن تجفف ما بغيمتي من ماء لا يسقي الأرض إلا أطفالا نهب ، يسعون سعينا ، و لا يجنحن عن صورنا الفظائع ، كناسوا الجمل من راحة النفس ، واهمون أن ما يرونه حقيقة ، و إنما الوهم صنعتهم ، تراودهم زينة الوجود عن أنفسهم وهم عنها راغبون ، ينسجون بدواخلهم أعشاشا بها الأشرار عالقة ، تملئ حضنها ببراز لازب مكونا في العقيدة بحيرة المستنقع القومي ، فإنهم مقعدون في جحر الجبن ، تراهم لقطاء يتخذونه للزمان قيدا ، و يصدون عن كل كوة منها نبذر نورا ، يفترشون بركة نسيجها بؤسا يستحبون البقاء عليها أمواتا ، إنما الغد شيخ هرم ، و اني العنيد و لا وقف لمركبي على قارعة الطريق ، و لا الليل يخيفني بأسماله الرثة و ملامحه الرمادية الكئيبة ، ولن أنبطح للمذلة عند أول صدمة أو للمكررات منها و الزوائد ، فأسكن مقعد أرصفة جنباتها المتهرئة في انتظار هطول الخريف ، من السجن المركب من سجون الأوطان ، أبتاع جسدها برغبات لا تؤخذ منهم إلا درعا ، فأضرم النار في حطب أنوثتها ، فتشب حرائق الشهوة و تتأجج في موقدها ، و الليل مضجع ينشطر منه النهار ، فيقع الاصطدام بالاصطدام ، فيصعق في أرجه حفرة قد قذفت فيها الفائض من أشلاء الإنسان ، بكهفها تلملم و من مهلبها يتم المرور حاملا تذكار العودة الى النبع ، يمارس ما لم أمارسه في معبد حضوري داخل الحضور ، و يستقبح في القبح صلوات كنت المقيم لها ناهية التبع من دخول المعابد، و يجني ما لم أكن له جان على الكون من شرر ، و حينذاك يسقط زر الليل ، فاضح أماكن الشهوة داخل الفروج ، فتقوم مطرودة بهبوب ضياء النهار ، و ما تلك الحرف السخيفة التي يباشرها الإنسان داخل ورشة يدير فيها جرائمه للكون ، ما هي إلا لحظات زائفة مطلعها نتاج فقر مدقع ، يتخلص منه الإنسان برميه من الخصيتين في مبيض إنسان، بناءون له مركبا من الوهم ، يمخر به موج سراب مراسيه العدم ، من أجور الجهل و بلاط الغيوم المستوردة من السماء ، يقيمون له من الطين صوامع و يؤثثوها بمؤذنين توائم تدود عن نجلائهم و المتبقيات من الأحفاد ، فإذا مسها البغي من قطيع أقنان ، كشرت عن العقاب و سعرت محارق الشوارع ، و الرعية خانعة قفاها تتلقى أزير السوط من الصدى ، و لا تظهر في المجلدة شارة تعقيب ، كالمريض المنبطح لموت جائع ينهش فصوله ، و اللحد مهيأ الانتظار للانقضاض على جثث تخفى في أحشائه الجريمة ، و قشرتهم ما هي إلا غطاء زيف جوفه يركم فيه خوفا كذرات الضباب ، إن حضورنا ذامر لما يخالونه أهرامات غير راحلات عن تاريخ على لباسه نرغم ، و الدجى جدار هش هين الهدم ، و المبتلون العتيق تبع على وجوههم سمة معابد الارتزاق من العقيدة ، و من خيرات أرض مدنها تفور فقرا، و اليم عريض لولا الرياح لما تشاهد الأمواج أدراجا عجابا ، كأنها حجابا لزروع تأوي بطنا مضمرا فواكه مختلف مذاق لحومها ، تصادرها بالمجان شرذمة لاهية عابثة برزق أرياف أوباش ، تهالكت جوعا فأعدوا لها من الشقاوة قبورا ، أمة موءودة و كل الرسل تبتغي رغدا ، يقدمون على نعش التعاسة أنفسهم قربانا لآلهة تمدهم لسان نجواهم ، إن اللاحقين كالسابقين و الخلف لهم أمداد ، يصيغون من أطلال النواح مركبة تخرق في مخرها جثث شوارع ، ليحط نزلهم نعاجا في مزارب الأوثبة ،و مما صنعوا من الكرى يسطعون كأنهم أسياد بزمامهم سقي الفقراء مطرا محسوبا من مزابل غمامهم ، قوت على الزنجية عصي مضغه ، فتتسنه و الإفصاح من الطواحن رعد يصدر هزيمه ، يكللها التجهم فتندلع فيها الحرائق و لا من يضرم في حطب الأزقة حتى تتأجج و تأتي على أغراس جناتهم ، وهم نواقض لحالها يبنون مستقر من كدب يغلفونها به ترميما ، و لا طيف يمدها رحى تسحق بها المتآلفين على خيانتها ، فاتخذت لها من ساحتي مسجدا ، تمارس فيه مشاهد أغلال كبت أثقلت فرجها ، فأعير لها هرتي ومخالبي و أنيابا يخالها الخصم مهندا مسلولا من غمده ، تمزق به ألبسة استعاروها من السماء ، و دساتير مدادها من نبيذ غرفته أقلام الفقهاء ، لا يراعون مكرمة من هم في الحضيض وفرة ، يضربون عليهم حبسا و الخارج عنه يلاقي عقابا ، حبس أصناف أحباس ، يندرج في طبقات بؤسه كل موضوع مآله اليتم ، و الغروب لحد فيه يكب جثمانه حقيرا ، فالماسكون أفعى من ذيلها منتظر منها لدغهم ، و لا تميمة توقيهم شر موت إنهم شربوا سمها ، و اليوم حصل محصول من أكمامنا تفيض سيول النبذ أفواجا ، تغمر مجاري كانت على العبيد محظورة ، تجرف و تتلف كل أثاث وضعوه حصنا لأساساتهم وقاية ، و هم على علم بها فزينوا جدرانها بحلي مزيفة ، تعجب ضيفا إن أتى المجلس ناقدا و لحافه غلظ سلطة ، فيهيبهم المزيد من الأصفاد إن يكونوا له سجدا، ومما تطعم الأرض أهلها يكون له مصادرا ، بطنه حاوية لا تشبع من الشحن ، كالجراد لا تبقي للخلق إلا جلدا مغضنا كلون السخام يلف عظاما ترهل فشابها الانحناء ، أقطار عوانس و لا زير منهن اقترب ، و لا هن مغازلات فحلا ، صواب منهن أن الذكور صيرت اناتا بخصي الفروج ، جثم عليها اليأس فقعدت جمودا ، يأس أنهك الأجيال فتقوقعوا ملثمين سباتا و المراقد جحور ، إن الكرب يليه فرجا حمالته العقول ضحى ، و الحرب على مشارف الأبواب تستعد نقرها ، و يقتحم العريس مكة و أمثالها شاهرا قضيبه ، يفض بكارة شعوب اشتعل على حوضها شعر العنى شيبا ، كمامها سوط به وقعوا على الدواب كتابه ، إن عهد الرسل قد انقرض ،نعرض عن قبح قواديهم ،أحزاب كيل دناستها وفير، مسخرة هراوة رعب في قبضة الوارثين الطغيان من عقيدة هي بارئة منهم ، نضخ البعث مما أوتينا ب بالحضور إقلاع ، نهى نلبسه الأرض الطهور بلغة الله ، صارت تجزئة بين آثمين عاقوا لسانه ، محدثين فيما بينها الخصومة و التفكك ، و أنزلوا بها الدنى و الأغراض بخيسة ، يعرضونها في سوق النخاسة ضامرة و لا ترتد وجوهم خانعة ، ولا هم في الجوامع مخجلون من حضورهم ، فألقيت لها من وجودي ضاحية ، عليها وضعت مقعد مرصد ، فاتكأت طليقة من غير عناد ، فولجتها وولجت ما وجلت فيها ، و سعينا ضائعين فيما كنا عنه باحثين ، و خرجت إلى الناس من غير شائبة ، أشبه بزهرة في مزهرية تشد إليها و على الأيادي يستعصي قطفها ، حضنها فواح طيب و طيب الرند مني اتخذ أريجه ، طبلي دوى صوته و الرياح لها ناقلة ، يعزفه الصدى زئيرا ، و إني الأعلم أن الوخز على القرح يؤلم الذي بنفسه محرقة مدخنتها للدخان كاتمة ، لباس القوم جبن فينساقون إلى الهزيمة حبوا ، و لا يتجرأ أحدهم لتصدي هجائي ، فالبيد ركوبي و بها بارز ، فمن يخال أني في الحضور مجرد ظل هوى في ضلالة ، إنني بالوغى أبدي ضراوة ، لقد قهرت الزمان حتى أرخى عناده ، حتى يلاقي أن عديما أبهر الناس بخرق المألوف ، فان مطلعي شمس لا ممسك لسراجها ، و عند الغروب بدر كاشف دجنة الليل ، أرتب المنازل أبوابا و أقفالا ، أنتشل الخطأ من الكتب و محل محلها صوابا ، معالق بها المولود علقة تخطأ الحساب في الحساب إن لم تأخذ في الحساب إحصاء يوم الإقحام ، مغيرا بذلك هزة لوجه الأبراج بتحريفها ميلا زاوية البدء ، و يصدق القول لإشعاع الحقائق على سلم دارج ، فمن أفواه الناس ما يعد كتبا فلا تجعل لها بأذنيك وقر ، عندما أكون الأقرب منهم أقرأ فيهم ما لا يقرؤون ، و لا أتخذ لي من وصف المرآة غرورا ، إن أصدق قول الناس حين تلمس البراءة عيونهم و عيني ملبس لهندام بؤسهم ، أغور في كهف و كأني أرج قمر يرج مجدافه الدجى ، مسلكه الاستغوار ، و لا يهدأ في الامخار حتى ينبض في كفه ضياء النهار ، فعند الشروق ينفلق لون الزمان و على المهد يتعاقب الضياء و الدجى ، فيغمر حاشية الفج حجيج يأتونك مبصبصين بأيديهم سلامة ، فقابلهم بكيد ما مكروا لك ، و ألحقهم بدجنة ليل استبقوا بها لحافك ، و أغرقهم حتى الأذقان في دهشة تصب عليهم كالعباب ، و ما كانوا لعصفها مجندين ، إني أشبه بالنخلة الباسقة لا تؤتي ثمارها إلا منت ركب مخاطر تسلق جذعها ، فمن استوى إلى ذروتها يكون الكشاف عما حشوا عقولنا من بلادة ، تجلسنا كسالى على مقاعد لا قاطرة لها ، إن مؤخرة أطفالنا قد اهترت و ترهلت جلوسا على الحجر ، و النعي بباب الحجرة ينعي لهم غدا يرصف لحضورهم نعوشا عليها يكون ركوبهم ، فأشرد عن لحظتي فيسرح من العين بحر من دمع عجاج ، تسبح على أدمته أجسام ، مراكب موت و لحود مبثوثة و أشباح تشبه الإنسان تؤدي على القفار صلاة الجنازة ، مرتعهم وطن من جثث الأزقة ، يروضونها على تراث قبة هم عليها قيام ، محرقة يوردون حطبها رجاء بقاء يقيدها بالحليف ، النار المدججة بالتأجج لا تبقي جيلا إن لج في السؤال ، تخمده لحودا و لا إصباح لسباته ، خم فيه يتم تدجين الرعية ، والزمان خريف يناثر أيام العمر ، و الكل ناكر لشيخوخة إليها السعي سريعا ، تمحي من المجلة آثارا تسخر من الأطفال الحزانى و الموتى الجياع و تجفف سرا الدم المراق على أرصفة مدن الأتربة ، و تنام في دفء الظلام غابات النخيل ، فتغدوا الجداول تنأى عن الخرير ، ووشاح الزلال الرقراق المنهمر من عيون الجبال ، المغشى بلهجات تراقص نبعها أضواء القمر و النجوم المنشطرات من عيون العذارى ، شربه حتى النضب تراث أرض جاء غازيا ليكون بساط أرض استغاثت بالغروب ففجرنا ذيلها يما ، و نشرنا في الغيوم وزنا ، و ما تختزنه من رعد إن انهمر ، فقرابه لن يطفئ عطش الضمي ، نخزن فيه البرق و الرياح الكوانس لرمام الأضرحة ، إني أسمع اللحود تئن ، و المعوزين في أكواخ المآثر ، يصارعون بالأعين الخجولة قلعا و أسوارا اعترى أجسادها جوع إلى طعام أجسامهم الغثة ، إني أكاد أسمع هدير دم العبيد يهطل على أرصفة الضاد بلون البحر ، و لون السماء و لون الفلاة ، و سمرة الأرض التي اتخذت مني لونها ، ألوانا تصبها عيني مطرا في مجلة من تراب ، لن أسند قعودي إلى أريكة ، و من يتخذ كلامي هزءا ، تنقلب عليه الألوان ، ونسلخه عن نطفة الإنسان في بيت مآله الضياع ، فيه يتهالك و لا يجد لجثته في الأرض مبيتا ، حينذاك أسطع كالشمس أضيئ المهاد ، و أتمرد على الغيوم و ما يتنزل منها ، و ما تحدت من رعد زقلمته إلا أضغاط أحلام ، لوجوه يلثمها الفقر كالغمام ، مصعدها معطل و الأرجاء كئيبة ، وظل السياط يطارد الطريدة أينما حلت و ارتحلت ، و العابر مكدود أثقاله كبت وشجون ، و نهار البغايا الشنوف لا ترضى رؤيته العقيدة ، ففرخت في عش الطور عقائدا شذوذا ، أجسام تنهش أجساما و لم تترك للمنايا سوى فتات جيف و بقايا طعام كأجداث صخور ، يتصارع قولها كلاب تترنح على أنيابها القهقهات ، تريد من هذه القمامة الآدمية متاعا بيعه زهيد ، و إن ثقل بها بطن الوطن ، استغاث غاصبها بوارد أعد لها مطاردة على يد فقيه متخما برغد الجريمة في الماخور ، فتلفظها الدساتير و توزع الغنيمة بين الأحزاب ، و البغايا القاصرات دلفن من شق الكوخ ، يصطفن متعبات و الدمع في أحداقهن يرف كأوراق غصن في مهب لفح الريح ، يتركن أغوار الأرصفة اللا متناهية ، و قشعريرة الخوف تنتابهن من حراس المدينة ، وهن عارضات ابتسامات ظلالها حزن ينهمر من الأعين الثكلى بالعذابات ، و الزبائن ذئاب و الليل وجر موحش فيه تتلقفن أياري المشردين الشواذ ، لقد مصوا من أجسادهن المنهكات كل الشهوات ، و الطعام انتهك عرضهن فصغن فروجهن تسولا ، فيدحض الليل خاويات الكفوف ، و عندما ينقر الصباح باب الأكواخ ، تضاء المدينة بأعمدة صدئة عليها مصابيح ، تخفي الدم النازف من الطعام تضرج به جبين الأكواخ و وجه الأرصفة المكلومة فيا ناضجات المراكب مدي لي جدعك فلكا يوم يلتقي الجمعان ، و تسكب الصيحة مياها تغمر السماء غمامها أجساد الفقراء الجوعى ، تشق المهد جامعة نهود البغايا المرهلات ، و أراحا اهترت في أجساد شاخت كمآثر مطرحها عفن الأمس ، ترسم بشهواتها خريطة الحاضر المخروس ، تأبى أن تركب ما صاغ لها من قوارب اللحود ، لا انقطاع في تيار النسل يحدث ، الأريكة واحدة لها نظراء وارثون ، ة الطريدة متكلسة الصدر يابسة الفخذين ، انتظارها بكاء تنسج من ملحه حزنا ، و المركب عالق في جوف السماء كالقمر المخروق ، لا يرى إلا على سراب الضياع ، يمضي وهما و تمضي وراءه العيون الغائرات الحجر ، تتلقفها خناجر العثمة ، و هي تكاد ترف إلى الأقدام بحث عن صيحة الركود ، و الطريق موحش الرحيل يتقمص شكله القديم ، موحل بالمكاء و التصدية و مآتم المآسي ، عند كل نكسة تفتح قمة و الدواب المصنفات في الربض تنهق مولدة في الفصل نكبة ، لمقابر ظلماء حشودها الذل و الرياء ، بها النفوس مغتالة و كأنها قبور متناثرة تقطعت أوصالها ، تعيش أبد الدهر قنوعة لما ينفثون لها من براز الشتاء ، من ماخور القمم لا تشم إلا حموزة جوار ب الأحلام ، تقصي دخولها الجنة و هم أغلال الطريق ، و الجريمة تسقى بقراب الكذب ، ما نبت في مطرحه زهرة على فرو بلدة فارض نواقض صلاتها شيعا ترضع رغدا من طغي لها خالق ، لقد خرقوا الفلك و أغرقوه فيما أعدوا له من مراسي الوحل ، فيا أيتها الأمة المسخومة بالاغتصاب منذ عهود الوأد ، تساقين بالسلاسل إلى المخافر ليسألونك عما ببطنك من أجنة ، تجهمي فالخطو على حافة الإعراج ، و احرقي بالصراخ كل التمائم القديمة ، و انبذي عقد الزواج و كل تراث صداقك المهين ، وحلي تقاليد المسخ المبرمجة ، أخرجي بجسدك المستملح عار إلى حارة نحتت على قارعتها جسدي من زبد الحر ، و بنيت لك هامتي هودج صبح عليها تكونين شمس عند بزوغي ، إني الضحى المبيد ماخورهم دكا ، و معتقل غرف بائخة أعدت سجونا لإغتصاب مرقدك الشجي ، فيتنسج رحمك إن انهمرت فيه زخات مطري ، و أنت تقرئين ما صببت فيك من موج يمي عبابا ، فتنهضين كالطفل الجاري إلى لعبة حاكها من خيوط الكبت ، تقذفين بحذائي كل دين ، فتتراءى لك مئذنة إنسان جاء يخط على جسدك الجميل أواني المجد المسروقة منك درعا لحظة الاغتصاب ، يغر بهم غرامهم سطوا على خلائق الله و ما بت لهم من رزق نباته الرجع ، وذخائر في جوفها و مائها ، ليحرثوا بينهم نفعا ، فانقلبوا عن لك ممسكين البطش مدخلهم خلودا ، و إنما هم للفناء يعيشون ، توهمهم أنهم في الحياة يمارسون طقوس البقاء ، وما هم في ذلك إلا زيف و إنا لمجثثون الصخرة التي تشبث بها قعودهم ، و ركن الحضور طيف من زوجين روح وطين مكتوب عليهما الزوال ، أما الروح بارئة مما لبسوا من شطط قاهرون به إخوانا لهم ، فترف إلى الخلود و مأواها ضرب عليه الدجى و لا مبصر لمكانها ، و لا هي تاركة على الطين تذكارا يآلف رجعة منها يكون انبثاق الحياة ، بانفصالها تراكم الطين على الطين ، انه بغيض حين يقف على حافة العدم ، مزبلة فيها يوارى إنما يوارى فيها عفنه ، عنيد تنبت أضداده من حقول الأجداث فائضا من الفخار ، لا يهدئ له بال إلا أن يكون دامرة بيت آوى إليه مجانا ، يقلع صدفة الجمال المؤثثة لجدار الكون ، يريد بعناده الجاهل أن يسيره خربة تزكم الأنوف بما يضع عليها من برازه الكريه ، لقد أكله الإنسان غداء مما أخرج صلصاله ، انه لليسرى يتولى و يساره خرق الصواب ، شيمة يشان بها ، على الجبين يرسخ الأخطاء لينشئ على ركام الكوارث راسب الأقراح ، و أنتم لن تفرحوا في جناة أحلامكم ، و أنفسكم لباسها جور ، تظلمون عبدا جاء يرشد ألبابكم إصلاحا ، فيكون العناد إصراركم ، نشر حالك مما يتأجج في صدوركم من دنس ، يكون على الأرض أثقال ريح في إعصارها خراب ، ظواهر لن يستغور باطنها انس ، نبقي كشفها كامنا ، موعظة نضمرها في غرف الزمان ، و نصطاف لها لنفكك ألغازها ، نقرنا بابكم حين أتاكم حديث اليم ، و أنتم في غفلة عما تعملون ، و ما تعلمون من سلطان يقوقعكم في درجات دنى و لستم بمعجزين ، مؤكد عجزكم في ما تعلمون ، في اليم ناصب مدخنة ورد إليكم الخبير صور مشاهد تلف ما تركبون ، تتلقفها مصاعد من النواة فتسيرها من الغابرين ، لا تبقي و لا تدر أشلاء ما صنعتم ، لوحات عينها للعقل ، و العقل غير ممسك أبدا مما تنفث من خوارق يعدم الخلق خلقها ، شواظها بارد كالصقيع سمه ،تبارك الله الذي يذيب بسرعة بارد خارق البرق ، يذيب النار و ما تذيبه و من النار المسعرة لهبه ، سترته معجزة ،في الماء و الثرى و منهما سوى نفعا ، و هم عن النفع جانحون ، يشترون خراب الناس برغد زائل ، متاعه لا يغني و جودهم من نكسة ملاقوها فيستصغرون ضعفا ، نضرب نقر الجوع على أوثار أمعائهم ، حين نكشط صحن الأرض من غداء كان لهم موعودا ، و نكسوا ظهرها أدمة عجفاء ، فنسوي صوما بالذين صدر منهم الحق في العيش ، و مكثوا في الدجى عابدين من خالوا أنهم أشداء و هم منسلون مثلهم من الفخار ، فاتخذوا من ذاكرة أسلاف لهم عروشا ، و رصفوا غرفا فوق غرف أطباقا ، بابها وصل الماضي باللسان ، يفيض أشلاء الناس كقناة صرف عادمة ، فقفينا أثارهم لما جاءهم البغي أسراغا ، و أحصيناهم في الماخور بأعداد حبات السبحة و حصرنا مكانة المكتنزوا المؤخرات و البطون ، قصارى العقول ، في المحراب ينكحون و كأنهم زوجات زير يدنسهن جنابة ليقمن الصلاة على سجادة الشعوب ، فيتضاحك أطباق الأزقة مما يمنحن صداقا تعاويذ و تمائم بها تطمئن أوثبتهم ، وتغور سباتا آمنة من مدن الأوباش العاقرة ، فأسدل ستارة السراب ، و ينهمر نشيش نظرات من عين قمر فقئت فانشطر دمعه نجوما ، تحت و مضي الثريا كنت أسمع خلق ظلي ، و وقع أقدام ذك الفتى المنبوذ ، و هو يمتطي الطريق بحث عن هوية ، فدلف في عتمة ظله الواسع كالبيد ، و أردف الشرود إلى المشي كعصفور شرد عن السرب ، و حط على أطلال دوحة نأت عن حطبها أكواخ الصقيع ، ورثا ساكنا حنجرته الخرساء ، و لما جفت مقلته من برد كانت تتقاذفه كآبة ، و غيومها بينت بدواخله رواسبا لبدا حتى بلغت البلعوم، و كانت له قبضة خنق قاتلة ، فاستعار من الصدى لساني ، فتمزقت أحجبة السماء و انهارت مآذن الحراسة ، و تعرى المستنقع الهالك ، العيش في قبره أشق من الحمام ، حظ الكادحين فيه جوع وسجون و قبور يفور طينها قطعان دود ، و الأرض المنكوبة بين ضفتي الماء ، رفعت ذراعها جبالا راسيات تشير إلى الأشرار ، و إلى الجلاد الفاتك عرضها ، أضحت عجوزا معوزة لا تخشى العقاب ، و لا تخر لزناة أن صباها انطفئ كفحمة غارقة في الرماد ، سجروا جلدك بالأصفاد ، يذكرك الأحفاد بأمس الزنوج عابد الأوثان ، صنفوك بالسلع القديمة تسترخص عند الاستهلاك ، مستضعفون نضمهم إلى الحضن و منهم نسلي الصدى لعلعة كفري الغضوب ، المنتشل صبحا من جوف ليل ظلوم أغار عنك و الفتى مقوقع ، مغض على السخط ، يصرم نكسات الزمان ، و يرضى بما شاءوا له من لباس و يمضي كالجثمان إلى اللحد ، رداءه جيف عقيدة و لغة و هوية ، نبدع النور على النهار حتى يكتمل ضياءه ، و الشمس نأت عن البزوغ إنا المرجى ما زال أسير الليول ، عند انفصاله عن طقوس البهائم و يعي أن الإنسان من صنفه ، حينذاك يركب التمرد للبحت عن معاني وجوده ، فان الكفر سرور الحرية على ربا الكادحين ، الراضي أن يكون خادمها داخل الأكواخ ، فعند تجاوز البدو مآثر القانون و تكاد تنفض أطلاله ، تلوح تشققات الوجوه مما شاد عليها الظلم من سجون ، يستدرك النظام فداحة أخطاءه ، فيناور لمواراتها تحت غطاء النسيان المدجن ، و يستحب الترميم بدل الإصلاح ، فيتصنع قمرا زائفا على الوجوه الكدرة يتم وضعه ، لتراه عين الغير قمرا صحا يغازل أطماعها ، فيكون بلاطه مغشوشا حين تقحم أقلاما سكارى بنبيذ التخمة ، حضور عقد تحول ليكون فيه أحد العرسان قاصرا ، فزواج توأمين متنافرين ، الدين و السياسة لا ينجبان إلا الإعاقة ، فالدين سياسة إلهية مفتوحة لمبلغ موقوت رحيله ، أو يهتك جمالها المهدى إليه ، وإن عرض عن ذلك و خل بها خرقا ، يسرح في الحياة طليقا دون عقاب و المنية جامعتهم إلى يوم خزي ، و السياسة دين أحزاب مكتوب عليها الفناء ، تفرض الخنوع و المذلة على الرعية، و كل عارض تصدى لها تعاقبه على التو عقابا شططا ، جاعلة من البلد مجزرة و المدن سجونا ، و المقابر مزابل تلقي بها المشانق قمامة الإنسان ، أما ولاة البيعة تشاد لهم جنات من رزق الفقراء ، و كراسي عليها قعود إلى أن يصيروا مقعدين ، و لما تجثثهم المنية درعا يتخذونها نعوشا حمالتهم إلى قرية الجحيم ، إن الآثمين إذا عرى بصرك عن وجوههم ترى عليها البراز ركاما ، انهمار سيله يروق ناظرا متجهما ، و الفقر مرغم الناس على انتفاضة ، فينفضوا من حول مآذن تلف القصور بحصانتها ، فتنضج في المدى نجلا يفكه في مرعى الجهر ، مدحضا عنه كتابا كان الدخول إليه محظورا و الخوف على اللسان كان رقيبا ، فحوى المستضعفين في حفنة ثقوبا ، فتساقطوا في هاوية قعرها كان منصوبا ، ظنهم تاقية من شر عيش على لوح الأحزاب كان عليهم كتابا مختوما ، نسمع نجواهم و الصوت سجي ، على وجنة المدى يذرف دمعا كبرد تنظمه الريح على هيئة سبحة يلهوا بها عقرب الإنسان عبثا يحصي شيخوخة الدهر ، دون أن يقرب كهف المنية نقرا ، و الأجراس عالقة على جداره تنتظر جاذب حبالها ، في محرابها يعكف أهل النكبة رثاء نكستهم ، و لسنهم محررة النطق في مناجاتها ׃ يا رب ٳن كنت عبدك حقا فارفع عنا ضراوة فاتك ، فان العمر تهالك و كاد ينقض ، إني غدوت راغبا عن الوجود ، إني أرمي بقولي إلى أهل السفه في السلطة ، أن يهيئوا لي محرقة أو مشنقة من أذيال ثوبي يكون إبرامها ، أو مقصلة حفظ ورث من خلفهم أو ما ملك إبداعهم من أدوات الإعدام ، و في حارة سلطتكم نفذوا شنقي أمام الله لتعيد منيتي إليه بسمة خطفها منه الطين لما صنع منه دمية تسرح مذللة في ما أعد لها من مرتع ، فأتته من اللهو كافرة ، تدمرما بنى لها من غرف الكون ، و تهد مصباح الصبح و الليل تبقيه طاولة تأكل عليها رغيف الجياع ، و أحلام من الغيوم تدلي أوراقها على امتداد قرميد الطريق ، فنخرج من اللحود أشباحا نبني من جثة الأرض نبيا آخر ، يحرض الموتى على الموت ، و يحضر الذعر فتفر المدن من أسمائها القديمة ، و تلقي في المطرح كل مآثرها العتيقة ، زيف مجد قد تهالك سترته أسمال جلد شارد ، يهتريه العقاب إن لاطمه و لو بنظرة خاطفة ، في مأواه تعيش الرعية كسادا مدقعا ، و الناس ألسنتهم بالحزن فياضة وجوه نواظر تختزن في التغضن البكاء ، و لا مفصح عن بكائهم في جريدة ، لقد شيدوهم كما شاءوا لهم أطلالا ترى لعين زائر كخرب مآثرهم ، فالصبح مصباحه في يدنا و لا مطفئ لنوره ، و في يوم يكون من إنجابي ، يرد الغمام مطرا أحمر ، يصدر أقدام الشوارع الظنأى فقاعة ، و عند العشي يضاجع النبي الشمس في حجرة الغروب ، فتتعرى السماء من ثيابها و توقد بين نهديها بدرا و نجوما يطفن أزقة التاريخ احتفالا بولادتي ، فيكسوا الجبال لوني الأبلج ، فتذكرني مرة أخرى أني المولود من فرج مومس عاقر ، اخترقت الفقر حبوا ، و وصلي بحر أقدامي له المنكب ، يصلى ضجيج تضاحكي ، و هو يرثي بهديره الهزيمة لما يتلطى موجه الصخرة فيندثر ، فأصب في صداه صيحة عاتية ، إني المدحضه جزرا لما يتلقى زقلمة لساني ، إن عبابي لما يهيج على المناكب لا صخر يكسره ، لقد مزقوا على حافة قمامتهم قرطاسي بظلام جهالتهم،و ما يحمل على وجهه من لساني و كوني دنسوه في قعر دار هم ليسوا لها أهلا ، يأتون في كل عيد ينشدون أغاني الموت على سرير صباح اقتلعوا على جداره شمسا سناها ينهمر من عيوني ، يضيء كهفا نصبوه في الزمان ركن كل ضرير ، يرقع بالنواح قهره الأزلي ، يابسة الكلمات في فمه المرهل ، تخزن في نظرات وجهه انقراضة من سلالة الإنسان ، فأكتب بما همس ، على الأرض و على البحر و على كل شظية من هذا الكون ، كما كتبت غموض جسدي من مداد الثرى ، و عجيج الضباب الغامر السماء ، ما هو إلا دخان طفل وجدته في أحلامي يحترق كما احترقت في الصبا لما كنت أحلام طفل ينتعل القهر و يمضي على الرصيف ،كالزمان بلا ضفاف ، كأنثى تغازل بكارتها في مأدبة كآبة ، فتلملم حطامها في الشيخوخة ، وتمسح محيضها بسحابة ، و تغرق في نوم تبلل بالموت عطشها ، وما ما كانت يقظتها سوى خراف ، و الدهر حاصد بمنجل الحمام كل نبتة طل رأسها من نافدة التراب ، فهذا الفخار صنعنا منه ما لا نستطيع صنعه ، فالعالم الذي نراه مخالف لما نعتقد أننا كشفنا عنه ، فنحن على سطح العيش غرباء فيما نألف ، و لا نتآلف على وجه الأرض ،وجهتنا خصام عنيد و فتك باحت عن انقراض الطين من الطين ، فيتقطع حبل الزمان و تغبر الفصول عن أمكنتها ، فتنشطر اليابسة إلى جزر كما سطر عليها الإنسان دويلاته ، فيغمرها الماء المتجمد فتصير جبالها قعور يم عائم ، و عند الشتاء تبدأ رحلة الإنسان في الإختفاء ، لما يهطل المطر كملح الدمع على أزقتي التي تغص أرامل و كأنهن شواهد قديمة ، تلبس الخوف من رجل أتى من غير ولادة ، زمهريره كالعاصفة ، يؤرخ الهزيمة بأوطان لم يتبقى منها إلا البياب ، و بقايا رماد و عظام ، و جثث مدن مفحمة يسمونها أوطان ، ألمحها هناك على آخر الرصيف تتوسل الرهبان في غشاء الليل ، صمت الدهر ، فجئت إليه من امرأة وضعتني على المهد ، فوجدتني قد نحتت من صبايا رجلا لا يشابه خلق الإنسان ، ومني خلقت ذاك الصبي و خالق فيه الإبداع ، و إني لمانحه اليراع سيفا ، في أجساد الطغاة ينغمس بسرعة لا تدركها الأبصار ، أفتت ما يكنزون من فواجع لأقنان تكون عليهم صعقا منظورا ، و أنى نستلذ تمزيق الألواح التي دونت عليها آثارهم ، مفتريها مالق كذاب محابره مدادها براز يسطره على أوراق من سراب مشدودة على جدع مئذنة طينها عقيم ، فأنشدنا في اللقاء قولا به تكلمت السواقي خريرا ، و البحر هديرا ، و العواصف سفيرا، و السعير زمهريرا ، لن ننصرف من هذا الكون طواعية حتى نشيد به تذكارا، شئنا ركوب العناد ، نسكن في الموت ، جحافيل الغزاة إن أظهرت خصاما ، مسكننا وغى ، دار بها نكرم الفقير إن صاح نجدة ، في ضيافتنا يجد الملاذ الطيب ، نكسوا جلده زهرا و عطر رند و نؤثث له ما شاء ربيعا ، و من عباد الشمس هودجا يركبه و المكارم من حوله ظلال ، عطاء سابل من أمير الفقراء ، يجود به حتى يشفى خصاصهم إغداقا ، نحاكي صنع الله جنة ، و الآثمون للجحيم صناع ، فتبا لهذه الشعوب المتقوقعة في أوطان عجاف ، تستمتع بقهرها و تمضي مثبقة الأفواه ، تتدمس في مراقدها و تستبدل الدجى بدجى أكثر منه حلكة ، و حجرة السماء انطفئ فيها آخر قنديل ، ففاض على الأرض سيل من ظلام بهيم ، فكبر على سعتها استعاب ازدياد النهب ، والدهر من الفواجع أردفها عجوزا ، تشرد في سيارتها بحثا عن أللا مكان الذي فضت فيه بكارتها ، و حمل رحمها منذ ذاك الحين مضجع الزنا ، منه خرج الذي رضع دماء نهدها ، وقر عند الافطام هدره ، لما لاذ الاحتماء بالعقائد ، فنشر الشر على حبل الزمان، و طغى يتجول مغتصبا معاشا عليه فطر ، تلقته من سقفها ماء فأعدته له طعاما ، عقد نسل به دام حضوره ، و إن تشاء السماء لحبست في بطنها سقوط محيضها ، حتى تتيبس الأرض و يعدم فوقها جوعا ، و بذلك الإنسان يهلك هيجانه ، و بهلاكه تتمتع الطبيعة سرورا ، فتغتسل من جنابة ألحق بها و هي الطهور ، فأبني لها من جسدي عرشا ، و أكسوها لها روحي حفظا من كل أتيم سفاك ، إن امتطها استصغر جبلا منها في عينيه ، و آخرين يسويهم تماثل من وحل السراب ، و يبني بالسياط مقدساته يدخل أضرحتها الهوام خانعين
، فننقض عهدا يلقي عليه مسيطر أغلاله ، أقسام لجامها في يد ولاة من نظراءه ، اشتروا تبخسيها من غزاة فسطروا على جبينها بدعة الميراث فريضة ، فذقنا درعا صنيعهم لإنسان غدا في عيون الغير مطرف يحاكي الوحش عيشه ، مضياع خلف كيله فأبان عن خسرانه دعائمه ، يهبط خفيض المكانة قبلته الهاوية ، فخلا لطيفي سمرة الخمر على طاولة الشتاء ، و خليلة لزبد البغاء في عينيها الغائرتين ، تنتظر نزول الثلوج لتحتل جسدي في سفر لحافه الليل ، فخرجت منها كالحلم لما سمعت ملكوت الجوع تنشد بكاء يغرق في الصمت ، فانصرفت مقداما من غشاء الفقر أركب مهر الموت ، ملبي نداء ألسنة يعج بعويلها الصدى ، فقدمت من أقصا التوارد إلى بطن أمي ، وضعتني يما خالق الأعاصير ، أنسف كل عاصمة خرقت إنساني و عطلت نشود ما أصدرت له من حضارة إلى خيالاته المتخلى عنها ، أناولها نهد طفولتي المغداقة ، ساقية أحلام تروي حلمتها فلاة لبدها كآبة جارف سيلها ما أثثنا من جمال على الوجوه ، فتحاور الطبيعة بلساننا الإنسان ، فيتغاضى عن فهم خطابها ، فهو للحضيض أدمة ، يبني واه صرح التعالي متبضعا البلادة بزاد طغيانه ، فيكون من الخاسرين حين يتلقى صفعة غضب مدمرة من التي أوتيت حراستها ، إن مقامنا لا يخول لنا الرضا أن تكون الأرض زوجة طوائف ناعمة نخبها برغد خيراتها ، فتعدم العروش و الأثيم يدري رماده خارج قرية شققنا على فراشها ثورة ، فتذكروا أرذل العمر مما سلف من السالفين ، في رحبتنا يحضركم الرعب منا بل تسقطوا في الأجداث كما سقط نظراءكم تجلل وجوههم دماء كتلك التي هدروها على الأرض من مصب الوريد ، فتعشوشب الحقول سرورا ، و من الماء شرابهم و مأكلهم و ملبسهم ، و هم لذلك مسرفون ، إنا ننذرهم أن إعصارا قادم لا مرجعه عنهم إلا إذا عاد عقربها إلى البدء ، و نآخذ الإنسان عن ضراوته ، و نحذره بساعة ختم قاصية ، فنتلو إليه تواتر قول عله يسعف نفسه و بها يفعل معروفا ، إن هو قطع وصال الزمان و أغرق الكون في العدم ، بانصرافه من الحياة طواعية من غير رجعة ، انه المحدث بها فوضى النهب ، مدنس بهمجية لوحات خارقة الجمال ، من الجنة جلبت لتكون له إعجازا في الخلق ، كان لها لصا رهيبا ، يزهق باطلا روحا مسلمة للطين ، إنه مسفك للدماء في إراقتها يغلوا أعمى ، تم يضع عينه جاثية على ما اقترف ، و يجحظ في الرثاء و النواح و المأتم زائف ، تم ينسى فيخل ركبه و يعصى ، يبني على أنقاض الجريمة جرائم أبشع مما ارتكب ، و السبق لحاق إلى أن يوصد الدهر أبوابه ، و الأكرة في يدنا و القفل ، حتى إذا أتم العدة ، نطرده بموت نحق عليه إنصافا و عدلا ، تم إنا لناقلوه على نعوش مرهلات اهتراء رميمه ، و نلقي به في اللامكان من مكان يدعى قبورا ، فمقابره مزابل ترد إليها قمامة التراب إلى التراب ، فنأتي الطبيعة ولدا منا ، يكون قد أرج رحمها ، يرتع على نشيد بكارتها ، و لا تصرفه عنها إلا بإذن منها ،فيكون مرجعه أنثى قد أباحت لنفسها ما قد حرمت شواذ القوانين على فرجها ، فيه يضع ذريته مطلعها الإصلاح، كافرة ، لا خاضعة و لا خانعة للسان أئمة يحرثون الفساد جميعا ، و لا يتصدعون عنه و لو هاج نشره حقول أمة ، خافضة الهامة حتى الإغراق موتا في السبات ، فإنا لهم عند القارعة محاربون حتى نصدهم عن قرية الإنسان ، إنسان هوى طينا و إغراقا فيما هو فيه من تكاثر يلهمه الخصام على ما تلده الأرض من كلأ ، فينحبس ضريرا في مقعدته ، تغشاه دجنة دامسها كالليل ، ينعم فيها كفيفا ، رافع لجهله عماد الشقاوة حتى يستوي إلى خراب نفسه ، إنه الفقير إلى الصواب ، و مقامه قعرت منها يصدر الحرب لشراء هلاك كان على نفسه مكتوبا ، و كلما أطفأ مصباح النهى كنا له واقدين ، سواء كانت قبضة بطش حديد ، إنا لمبتليه ضعفا حتى يصير هشيما ، تكبه ساقيتنا مدرارا في جب عميق ، ليكون في دماسته عديما ، اليوم أنزلناك على البسيطة ، وسخرنا لك المهاد تمشي أقدامك خارقة و عورها ، إنا مددنا عتبتها سهلا و مساليك ضلالا تركبها إلى ربوة في أعينهم غشية ، من فوقها نسدد بصرك ، و نطلق طلقة زنادها رعد تصدر منه نارا أشد من الحميم ، لا تدر جمعهم ، و لا تبقي وجه مجلس كانوا المصلون فيه ، و هم السكارى بتخمة الإختلاس ، يقربون صلاة الجنازة على أمة محيطها الماء و الجوامع المالقة ، إنا لملاقيهم هلاكا مبينا ، لا نرجئه إلى يوم بعيد ، فنبقي ركامهم خبيثا ، سخرية يستبخسه في الحضور حضور ، تم نستأنف نشأة الخلق من جديد ، زمان أحصيناه و كانت ساعته عقاربها الإنسان ، لا شائبة تشوب مواقيتنا ، مدقق حسابها و مرافقها منير ليلها و عداد لعمرها ، و حافظ على توازن الموت و الحياة يمدها كما نمده التوازن في سيارة الحياة ، إلى أن يستبقها إلى خلل موضوع ، و لا سماء فوق سماءنا يهبط منها نزيل غليظ يخرق بديع الصنع فيما نوفي كيل موازين الضوابط ، نمطر صدقا على حرثنا ليهيج كل منا و يتلألأ شمسا لا مغش لسراجها في أدمة الكون ، و لا تسوقك ثرثرة مجادل نطقه هواه ، مركبه ألف الإمخار في ظلمات الجهالة ، انه ظن المقوقعين المقعرين في الدجنة ارتأوا الإنسان هدرا، ولكن الإنسان مقياسه من الحبو إلى أرذل العقب ، باتر نفسه مما مددناه من جمال رصعنا به مسكنه ، انه المغل بصره و المنشق عن السمو إلى الدنى ، تركة قائم فيها ينسج لذاته لباسا قماشه خبيث ، يمضي كسلانا إلى الختم و كأنه في المضي عجوز يحمل إملاقا ، أثقال من الفجور بها رؤاه مشبعة ، و إن جاءه من أقصا خيالاتها طفل يكون إليه الوارد ،وظيفته إمساك الضرر عن نغيثه ، يتلقاه عارضا بدجج غزاة تبع ، عمي لا بريق نور صب من أبصارها و الضحى ناشر سناه ، نهارهم كليلهم عاتم ، يفصلون له لباس ضرر مما ينشئون لأنفسهم من طمي و طغي سووا بهما قميص الفؤاد حتى سار ضريرا ، بنوا قوائما خللا بجهالة سلطة تشبثوا ، فالأرض ليست ظلماء ، من حولها شمس و قمر و ثريا النجوم اللوامع إن كانوا يبصرون ، لكنهم ضربوا العمى على عيونهم و راحوا لسعيهم معوقين ، جب يكبهم في جباب أعماق إلى أن يستفيقوا مستضعفين ، ينهش الموت أجسادهم التقلى و هم في الفراش مرقدين ، تتصفد أجسامهم حميما من لطمات خوف رهيب ، تملأ أشباحه سعة مقل نشيش نظرها عتيم ، يؤسسون لذاكرتهم وهما عديما ، مساجد أقاموا بناءها على الأرض خداعا ، متخذين طينها و حجارتها من رعية بثوا فيها تقاليد رائدها البطش ، مطوقا أعناقهم بأغلال إملاق سلاسله تمتد إلى أذقان أحفاد أحكموا عليهم مغلقة الحياة ، فنحن الماكثون غير مزحزحين مقاعدنا جبال ، منها نصب عليهم صنابير سائلها حميم لا ينحبس و لا هو نابض النبع حتى نسويهم أديما ، فليسألوا العواصم الأثرية التي يتخذونها أنسابا ، فإنا لن نخالف المواقيت فان نبع القول منا سبق ، فكم من القرون مضت و لن نصرف عنها الوعيد ، فان كانوا حضير فنحن نقرؤهم كم سطرنا على الأدمة من قبور ، لحودها تحضن نخبا مما ألقي فيها من هليك عل الخلق مدرك الرحيل لكنه عنيد يزيغ عن طريق المستقيم ، نبين للطبيعة في الكتاب عجزهم فلا مصدا له و لا دفين ، إنا نلقي في قلوب من يسيء إلينا شهابا و مسجورا ، و لن نبقيه على الأريكة غاصبا ، لقد زج بي الملوك زنزانة الفقر الانفرادي فخرجت بعد التأمل بأسفار تنزع منهم جنة البؤساء ، و كانوا يشتهوا اغتصابنا يوم تزور الأعياد القرى ، و من زقاقنا كنا نتوخى منه مهرا نركبه ، موعده رهان وغى فيه نصدر الرقاب تناثرا ، كأوراق كرمة بها الريح نازعة ، و إن حضر النزال راقب تفزع قلبه و خال أن في الأرج نقع زوبعة جب الضحى ، فتتهالك عروشهم و لن يصنع منها الطين نظيرا ، و ينفض الإنسان ما أقاموا عليه من مآثر ، كانت لجاما تشده من الأذقان ليكون خفيضا ، من فروه تلبس أقدامهم خفا لعرش تملك الوراثة تداوله ، معونتها في ذلك مسخرات بدع تقاليد تكون له حفظا ،إن الإنسان ناهب و مسرف فيما ينهب ، لا خلاص منها و لا إنقاذ ، إلا إذا أرخى الإنسان السمع و انساب إنساطا ، مشرحا صدره لما تلقي به الطبيعة من ألحان فلو آمن بموسيقاها ، نزع عنه كل العقائد المخلة بوجوده، و تبصر رؤاه ما تنجب له من فردوس ، يضاجع على أسرته عذرية الحرية ، و يفك أسره من عقال أحزاب تتخذ مسجد الأمة ماخور تسن به قوانين الدعارة ، تجب وجهها البخيس بغطاء أعياد كنفقة تنفقها على جيل غده يلبس أسمال ولادته ، نكشف عن خلقها و صرختنا فضاحة نبعها ، إنا لوضعها شاهدون ، من الزنا تفرخت لتكون مغالق لأثقاب محدثات على الأتربة صدع حادت ، و دمع الأزقة من سيل الضحى يذرف ، ولسان الأحزاب الظامئة في القيظ له لاعقة ، فسنأتي بولادة لما يشتد العقم ، و يعقد القمر ضوءا كان من سراجنا موقودا ، نضيء به شطرا كان في كل قبلة مطلسما ، و العيون المحجبات بأسوار الرعد ، نحفرها جبابا و نكب فيها ظلاما سعته الليل ، فيركن أهل السماء قعودا لا مسلك نجاة لهم من العمى ،تم يمكثون أمواتا ، حتى إذا جاءهم العقابي كرة تجنبوا النور إسرارا ، إنهم دروا الضرر و به لاطمو الناس جميعا ، نعد لهم مقابر فسحتها جحيم و عند الصب نكون لهم بارزين ، يشترون الجبن مدبرين ، لقاؤهم منية ، فتسخر منهم اللحود لما يتخذونها مخابئ ، و فيها يكون سيرهم أضدادا ، و الذي يزعم أنه الأعلى تراه يركب في الواضحة الذلة فرارا ، فيتجلى أنه الأدنى ، فنمطره تبخيسا من عيون غور تشبعت منه ظلما ، حتى فاضت منها حمم البؤس ، و دلفت تراسب سخام القهر على جدار الأحفاد ، فالأرض ولادة من يخل بنظمهم ، منها يصعد و إليها يرد و تذيقهم ما لا تشتهيه أنفسهم الفاجرة ، يتخبطون في الدنس هالكين رعية بريئة ، و هم جميعا من رحم التراب كان خروجهم ، ناشئين فيما بينهم الشتات و خصاما غليظا يحولهم إلى أجدات ، إن حصاد زرعهم مهين ، و متاعنا من غيث مقرب منهم لا يخص جهة عن أخرى ، فانعرجت فرق عن الخير و فضلت نفسها عن الغير تفضيلا ، فهبت النفس اللوامة تلطفت العداوة سرورا ، فتفشى الضرر و كان لمسكن الإنسان خرابا ،نحن عددناك في الرباط و أنت جنين ، و مددناك الجمال سلاحا ، نأمل فيك نقل قولنا جهرا ، تفك عقدة الأرض و نلبس وجهها سرورا ، لتروق رائقتها سكونا ، إن الإنسان كان بها مخلا ، فنخليه منها كشطا ، فهو خصيم و ذهابه إلى الخسارة كان إصرارا ، فنبرمك عن هواه و نحفك حجابا واقيا ، تم نرسلك إلى الأشداء ، و هم زيف مثل السراب ، فنلقي فيهم و حلفاء لهم غلظ مكر ، هزيمة شنعاء تجعل منهم في الانبطاح كالمسد الهشيم تأكله الريح نقعا ، نحن الأقوى و الأشد بطشا يوم نعلن مغربهم ، فنحول القصور أطلالا و ناسفتنا لا تدر من عواصمهم تذكارا ، نحن نسيرها لصفعة منا غبرا ، و نأتي بضديدهم غير مخرج من نسل حوين كان إفرازه طعامه ما يأكلون ، نعجز في الجدال مآذن باءت قوائمها لما ولدت منا رجة عاتية ، نعارض فقهاء و حين نبرز لهم يكون بروزنا كبزوغ الشمس من محل سطوعها ، واضحون غير محجبين ، لا نقاب نتخذه غطاء وجهنا ، من سنائها ينبثق البدر و يذري ضوءنا على الأرض مصباحا ، مبعثين بكرة لا كسالى مغرقين نوما ، عند الفلق نحد فيما ساقهم هواهم ، و مما شن تهورهم من خرق أصابوا به البلد كرها ، لقد خرقوا الإنسانية و أحدثوا بها شرخا ، فهبت تمشي على الحضيض خفيضا ، في أكواخها المشيدة من دساتير ضيزا ، تركنها مقعدة كالجلمود يلازم بركته ، عليها طوق من عوائق تقاليد ، تقل تراكمها كلحاف ليل منه البدر مفتقد ، لا منفذ تعرج منه الأنفاس تليقة ، فالسماء انكدرت و صار أرجها يطبخ كالبركان المنفوش ، خلت لهم سقطت الكتاب فتكالبوا ،وصاروا لأرباب السجون لحافا ، ويوم عيد كتبوا مواقيته على ألواحهم ، في مربضه يكون جمعهم ، إن نزولهم من العتمة كان على قارعة الوطن مسطرا ،كاتمين التحالف ، يلبسون من قمامة الطغاة اللواط يغتصبون به على أسرة الزمان كرامة الأزقة ، تم تراهم في البهيم يفرون شواذا إلى المقاعد ، ضريحا يدخلونه سكارى ملطخة وجوههم بسخام الخذلان ، صرح اختلاس و مقابر من البؤس تأوي كسيبة من الأحفاد ، تجثم عليها سلالة تزعم أنها للسماء ربيب ، تستعبد الرعية و تمارس عليها شططها ، إننا لا نرضى و لا نقبل التفاوت في جلال الإنسان ، فمن نبع واحد داع فيضه ، و من يخل بوضعه ويقيم التراتب في خلقه درجات أصناف نبطل وجوده ، و نسوقه بلهبنا حتى يكون مندثرا ، فإن ساقيتنا جارية ، و نباتها حنظل من يدنا يأكلوه أكل الملهوف ، فلا ندر سالفا و لا لاحقا في سكون ، إن مقعدنا في الكون أن نكص عليهم في الحضور حضورهم ، إن نشأت البدء زائلة ، و لو أسروا مشاكسين في الإنجاب ، عليهم يضرب الختم فيولوا إلى السفلى مستضعفين ، لا يجديهم ناكبهم و لا جدل ساقوا به انحرافا ، لقد برموا حباله من جلد غضنه الفقر و ألقى به فراء ، فاتخذوه مجدا يرصع أثارهم كواسطة العقد ، فيكبر عليهم في الشوارع مجابهتنا ، و يضيق بهم فناء ساعة أعددنا لهم زمانها كبحا و حسرا في الازدياد ، فيأتوا إلى الموت خاضعين خانعين الرؤوس إلى الأقدام ، إن يوم النكسة محل بهم ، فنكنس من الطين ما أثثوا عليه من مآثر كانوا لطغيانهم يتخذونها رمزا ، فعلينا مكتوب أن لا نبقي آثارهم على لوح الدنيا و لو رميم ، مثلهم مثل أصنام اتخذوا لها من البيوت محارب ، و هم لأمثالها نظير ، عليها نصب وارد ، كساؤه من شر منعوت ، كان لهم لباس صم و بكم و عيون يغشاها العمى ، عند فسيح الكرى ظنهم الوصل ، فانغمسوا في دجنة حليكها ليس بطائر ، و لا مبدده ضوء و لو اهترت أفرانه ، يكون لهم رداء لبدا ، أطباقا بطانا كلفاف الليل البهيم ، و لما نكشف عنهم العمى فجأة بوخز مشهاب من صهير نار، هجيجها يلقي على أطرافه إعصارا فنسلكه إلى ديارهم ثورة مدمرة ،من يقربها جحودا، نصب في جراب نفسه مقتا صائرتها حمم ، أرقا يركب دائمته شقيا ، حتى إذا عتب عند الوصل ، تكون جوارحه قد ذاقت في الانبطاح عسير الرحيل ، مقصدها الذي لن تتزحزح عنه ، فواجع تجعل أجداثا تم تصيرهم من الغابرين لا محل لهم يقام ، وبذلك نفكك طوق أسرى كانوا لعقائد ضررا خانعين ، إن مضيهم غير مكتوب على السجيل ، و لا طريق يحملهم على ظهره مغيرا لمصابه ، حزمة طرق من الوهم تكون للضريح أهليه و أقرباء في رغده ترفل ، متاعه منها أن تأتيه مخبرة في كل دورة تعقد ، و لسانهم ناعت بغلظة أن القائمون بالدنيا أمانيهم آخرة ، قولهم أننا من فروج الأزقة الدنسة نسقط مواليد ، مالها شيخوخة مبكرة ، نقالتهم إلى الموت بؤس مقنن ،فان شجرتهم لا تظلل ولا تفكه و لا جدعها ولا عروشها لما يصيبها اليبس لا توقد منها حرائق نار تأتي على ما اغتصبوا للسماء من جنة ، هائمون في الكرى ظنهم أن في البهجاء خلد ، مقام اتخذوا أرائكه من غلو سلطة عليها استووا انبساطا ، لغوا في الخطاب و تبجحوا ، متبخنسين غرورا ، مدججين بفيالق دجيجها غاصب اقتراع ، نشئوها كنشأة الديدان في جثة شاه
فارض نفقت في أعياد عجاف، يستبقون الاختلاس و صرتهم بخل والصدى ناقل أنكر أصواتهم ،
نصبوا على مطلع الشمس نهى ادعاؤهم ، و إنما تحمل جماجمهم إلى دجنة بها تعلق أعشاش عنكبوت مثقلة بدنائس الجيف ، أعراسهم ولائم يأكلون فيها الفقراء ألذ شواء ، لقد أعدوا لهم أفرانا سعيرها جهالة ، ذهب بهم عملاق الطغيان أن اساؤوا الصرف لأقوات ارض و البحار منهن كانت مسخرة ، نزعوا لقمته من خليقة فدبت في جوع مشاهد شنيعة ، فذهبوا إلى الدنيا مغرقين ، لا نهضة تسمق بهم ، و في الخصام العنيد لهم فيه حرب جحيم ليسوا منها منقذين ، يغضون الطرف ماسكين الهوان ، عن جمال خارق أعد لهم سكنا فرموه خرابا ، يومئذ يلاقون أنفسهم حطاما لا ينفعهم بكاء و لا سلوان ، فيتكوكبون و بخوارجهم فزع رهيب ، سائقهم لهب شواظه من ريح عاتية تصرفهم عديم ، و ما لهم بعدها من رجيع ، إن يوم الخروج من خلف الحجاب رهيب ، فنوصد كل أبواب الكون و نغلق كل منفذ عن الفرير ، و نسير كالتبن المدرور كل عاصمة اهترت ملامحها و مخرت عباب الزمان مثقلة بتراث قديم ، تقدمه أسمالا لمساكين يستوطنون الحاضر جحورا ، و على أنقاضها أمر منا يطاع ، يكنس كل طين كان للأثيم أثارا ، و يخرج من بين طرائفه كل سجين ، أبكروا الباطل في حقه ، وألقوا حول عنقه طوق الموت يجره غلظ البطش بطيحا ، لا تنفك عنه عقدة عقائد بسوطها سنوا له عقابا ، و أردفوا إلى قتله معالم تسيء إلى الأرض مقامها ، كان قد أعدوها معابد ، غلل مناسكها لفقراء حياكتها سذاجة للبدو تليق ، و أرخوا على نظارته ستارة أقطارها بيداء يكون لحمه عليها مرأى سراب ، فننجي حواري النهى ،حارث مصدعته قلم من يمنا الحبر دافق ، طلقاء أرجاء خيالاتنا ، نخصها لهم ، منها ننزل وحينا و هم لنشره وكيل ، صلاتهم صدق تفند ما تفتري مآذن من كدب على الأوباش ، صيرت في قعر أعيادها حتالى، فالإنسان قابل الحرث إن انتقد الزارع زرع ظواهر الأفكار ، و أنقاها ، يكلل نباتها البستان فيهيج نضارة ، حفيد أرض يسبل العطاء لأرض فيجود ثديها عطاء ، و لا ثمن ذلك على أحد فرازا ، فيتآنس الناس و مرتعهم زينة سلام ، أخلاق سمو بها يشيدون العلا ، فيعجب الطبيعة سديمية الحلم ، فتأتيه إغراقا من جمال إغراقها جنة في ملك الجميع نعمة ، كان بناء سرحها عليهم عزيزا ، فيتحلى بحللها ذات وقت ، تم يتولى أن جاءه الأعمى ، فيكون له تبعا ، ينقر أياديهم خصاما التي حملتهم كرها ، فسيرت لهم يوم الوضع مهدا غزيرا ، فأتاها منهم شيعة كفرا ، يدعون إلى وقبها عجلا ، بدعهم ملة اعتنقوها ، و رصصوا لها بنود الختم خرابا ، ساسويون يشترون الذمم بقول منثور لا يزيدهم إلا تبخيسا ، يركنوها في معبد من الواردات ترتيبا ، كي ينالوا عنها الصدقات و القرابين ليحملون على قطعانهم بؤسا فظيعا، و تكون لهم الوحدانية امتطاء عرش رغد ركبت قوائمه من جثث رعية ، عليه إله نصب نفسه حف شارعهم قتلها مفاده أن بقاؤهم مقرون بهلاكها ، يرغبون عنه وشاة غرضهم لغو في خلاء الجهالة ، تنفث وجوههم مداخن آثار سلف هم منه النسل ، دخانها يسخم حقولها مرجعها عجفاء تحصد منها العيون الكاظمة إملاقا ، و صبيب سخامها مصب أصوار بنوها نهبا من رفات كانت الأرض مقلعها ، تبدوا حزينة إن أمعنت النضر ، كساءها من كآبة قتلى ألبسوهم ظلما فكان كبابهم هاوية ، حيطان بها المدائن عامرة ، تبقيك سجينا في لاهوتها ، و لا مفر لك من طقوس عقابها القديم ، متخمة بأجيال من السجناء حتى صار رميمهم أدمة رواسبها طباقا ، عليها يصدرون مشيا مختالا ، وغرورا دانيته البطش تحت ظلاله يفكهون سرورا و وجه العبيد على ضفة الجحيم كظيم ، محيط ببيداء خصي الحياة ، آكلهم النسيان في قفره ، و من جيفه ينسلون إلى عهد انتقفى عهدا لن يتقفى قرأنه الذي عدى الناس و أسكنهم خما ندخل الزلزلة في قلبه رعبا ، ضجع يبقيهم كالرفات معدمين و كان لذلك سطر منظوم ، على ناكبه الإملاق حنيفا ، حلف له كلفاف السوار على المعصم ، يصهر صرخة الأفواه الزغب ، يخل بالألسن خرقا يجعلها خرساء منها يفتقد المدى ، لجامها أضرحة لتكون على الحاضر جلوازا ، و السائق ربيب دين يبسط لها عمامة وصل تقضي نزله على أعراب و إخوانا لهم بالتبني ، جامع و أشقاؤه جوامع جوعا عدل و تسيب شارع ، لاحس لسانها الذميم و القذر ، فتات جنة يسقط من ثغر فاجر اتخذها له زوجا ، اشترى منها فرجها بعقد من الزوائف ليفض بكارتها جاعلا منها بغية ، يقيم لها بين الناس ماخورا ، يصدر منه تمائم الفتوى حصنا له من يقظة المغفلين ، أمانيهم إنصاف عند الأخرى ، من الذين هجروهم درعا من حياة عدتها طيف ، و أنكروا بهم أشد نكد لما أتيناهم من حلم النعيم ، فنبقي كيدهم صميم إلى أن نحييه وهلة فيكون عليهم منقلبها فديح ، ثقل الخسارة يسويهم جيفا باللحود ، إن الذين يحتمون بسوار السراب ، مثلهم مثل كلب ذهب به النعاس على عتبة ترعة فارغة بيوتها ، فتتخطف الهائجة من جنب منفوش ، و ليس لها الهب عارض أو مستكشف كأسماء أرواح لم نقرؤها ، إذا نزلت زائر المعالم الزؤام ، حلقت فوق هامتك و الجناح نحن أهل لها نعير ، ترثي وقفتك و أنت عند الغروب للنعش راكب ، فأين ما شئت الذهاب فان المقابر أبوابها مفتوحة ، جبال من الأضداد تبدوا شاهقات ، و صحراء فراش كل مولود ، يكون فريسة مهداة من فروج تزاوجت في موسم الشريعة مط وق حلالها بالعقد ، فتنساب في مجرى نظام لها الهالك ، ينهش صغارها و لو كان شبعانا ، فيراكم عظامها على كهف العدم، موج سراب من دساتيرهم هاج فيضه ، و المار غير عابئ إن حدا أثارهم ماضغ منه لمحة بصر ، من دمعهم انهمر غزيرا على الحيطان الأرجاس ، حتى حفر عليها شروخا تبرز للناظر و كأنها الحكواتي يروي محظورا من الكتاب المحظور ، إنها أمة الزارعين الأحفاد في القبور ، غر بهم نسبهم فوسعت قلوبهم شرا ، وما للإنسان من نسب و لو كان ميز الألوان ، فسيله من فرج الأرض جارية دائمته إلى حين نبتليها عقما ، و نعقر فيها الزمان فنسكنها مقعدا تلزمها قبعا ، ولا محركا لدحرجتها ، غير سراج يصب قطير نوره في مصفاة باهرة الأعين ليلا ، تشق الأبصار و كان لبها متكأين ، صدر طاقتها زمهرير نار عاتية ،منه تحشى شحنة ضوء ضابط حلقتها ، من وقوده يتولد فارز الوقب ، إنهما ضديدين ملحقين بلولب مركب بلولب مرصوص يغور الصادر ، ضوء نعد من خفتاته عدة الأحياء ، فنعرج بهم إلى الحساب و الإحصاء ، و حصيدهم في الحساب أغلاط بها يقتنعون ، ساعة بين أيديهم ظاهر عدادها ، فانشطروا أقساما صانعين خارج الوقت وقتا يسكنوه سباتا ، ضلال يستبقون إليه فجارا و يملؤون صدر الأرض من جثث أوثان قد خلقها بطش هواهم ، و أقاموا لها في حارة الإنسان معابد يسرفون في نفقاتها ، ليكون سجن رعية يسكت ضوضاءها ، إن الإنسان مائل حتى الإدبار عما منح من فضل كان له فاضلا ، فخفض نفسه دليلا ، يشتري الخبائث مقرا أنها الأنقى، فلو كان على نفسه كشافا و اعتقد أنه الأفنى ، لسعى إلى الموت راضيا يخفف عبئ الازدياد ، متقي عظيم الجمال جلاله كان له المهدى ، لكنه مضطرب الأهوال ، و في اضطرابه يبتغي رسم الماسي على جداره ، ليظهر أنه الغالب و حق في الوجود وجوده ، و ما هو فيه إلا طير طيف يعجب النائم و لمحه وجيز ، مسلكته بالوعة منها يتفجر الجور، مازج ما تضخ النفس الأثيمة من فجور ، يمشي على الأضداد بأقدام باسرة ، و سيره إلى الخراب جرار ، لا وصل لركضه إلا إذا عمى الأرض عين نهارها ، و لبس ما ألبسها من غمامة سمكها حليك ليل ، فيصير الأرض طغيانه قفرا ظلماء لا مناكب تكون لها مرسى ، يبني الناس فقرا مرضخهم في ضلالة ، و يتخفى صالحا غير بارز ما نشأ من سجون يقبر فيها حيفا أقواما ، فاطمين عنهم العقم ، قاذفين
أرواحهم في الأرحام ،نابذين كل فرج تسنه بالعناسة و صار عاقرا عند عجوز تحمله أمشاج أنوتة، فنسويهم تكرارات أطوارا طباقا ، لعلهم يجتثون قاتلهم من مكانته إعداما ، يغورون في التابعة تحت نخاس خسيس ، كأنهم دخان منفوث من شواظ محرقة ، تبدد أكوامه ريح هوج تجعله تلف المساق ، فرواهم الشاهد ثكلى طالهم التجويف و الاهتراء ، كأنهم حبات سبحة في عقد منظوم ، يفركها العاكف دورا مستديما ، حتى إذا قضى منها وطره و صار عيدا للأوباش لباسا ، لا تصليهم خزي عند كل صلاة يتخذ سجادتها من فرو عبيد بلغ بهم الخصي حتى بلغ النضب فيهم لوح الرأس ، فاعتادوا الانبطاح سواء أو أمواتا ، لا تنبت بذرتهم ثورة و لا ضجة فازع صداها جان أتخن المدائن براز أثره ، جاعله لجاما تجر خليقة أظناها التعبد في مساجد النخاسة ، لتكون على مائدة الغد وليمة ، فريسة شهية لنجل ينهش جثثها فاضع الافتراس ، وشواذ عقائده في أكنة ما تؤثث في البؤساء من مصلحة كنائس واردة و صوامع ، خمد في تجاويفه تنسد عليهم الأبواب
انبثاقا ، و لا هم منه ينسلون أفواجا خارقين سكوت الشوارع بصيحة عاتية ، علائق صداها تبقى رسخ الأذهان كأنها نجوم طارقة ، لا يخفي وميضها غمام و لا ليل داكن سمك ، نحف من حول برقها حاجبا يكسي الناس نهى ، فتزهر ألوانه و يغذى ما جز فاكهته مطرف لأهل الحضيض خصيم ، عله يتولى إلى الرشد كظيم ، عما يبت من شتات أقسامه ضعفا ، تقعر البلد قاع السفلى ، فيسقى مهين فقر من أكواب دقا سحقا فخارها و خال أنه درى رميمها نقعا و انتهى ، تم انبسط على الجنة أعمى و أوى إلى نفسه هجيس الطغى أنه المستوى ، مرد فاته المسخرات في الدود عنه ، لفحات خارقة من شرذمة أحزاب ماردة ، سارقات ناهبات غاصبات من الأرض طفولتها ، و بكارة كل بكر أبكرت به لأولادها قوتا ، حميتها لوح مسطر محظور وضع الإفتاء ، تتخذه نعشا يوم الحرج ، حمالة عليه قهر الأزقة يوم فتح قبة النخاسة أبوابها لدوي القلوب البطش ، مآبهم الاستواء إلى عرش يفرز ذريتهم عن نبع الإنسان ، نكرر القول و نأتي بأشده رشدا و بيانا ، لعل الصخرة تتهشم حصاة يرمي بها منتفض وجه الآثمين ، الذين يمشون إلى الهدم سراعا ، و على ذلك نعد لهم عقابا ، إن خطوهم حددناه موتا و ما كانوا في الزائلة إلا أطيافا ، معادهم مرصى زمان فيه يمكثون بطئا ، و عقارب الأعمار التي اعتادوها نفصلها عنهم سلخا ، يومئذ نخلعهم خف آن الأرض ، فيخرجون من غمدهم ضعفاء حفاة عراة نسلهم موقوف ، لا لهو لهم و لا هوى ، و لا ألسنتهم تنطق لهوا ، و نسكت أنفسهم و ما يتفجر منها من مهانة و تبخيس أشياءنا ، مخلسين حناجرهم مما فترت عليه من لهجات أصنافا كثرى ، كانت لهم إرثا فشقتهم إلى قبائل و فرقا مخصمين ، و أعدت لهم معابد مشاربها مختلفات ، تكبهم ضلالة جاعلة منهم بدع تقاليد فظة ، تنشأ فيهم الحرب فيهبون إليها حجيجا ، و غنائمهم من القتلى رهيم ، فيقتعدون في المآتم أسرى ، من حول نصب الذكرى يحلقون عميا ، يذرفون من عيون النواح سبل دموعا عادمة ، و ما بكاؤهم في عشية الراجفة إلا مكاء يخادلون به كل باصر يجب عيونه بلاط أوهامهم ، عجاف لا يكثرتون بهول الناقمة ، و لا يبرون بعطيتنا ، فيخلون بها إسرافا و ما هم على خلقها قادرين ، حتى إذا نضجت و تزببت و حضر نفعها و جمالها في العيون ، شب الخصام فتهالكوا بضر أشد ضراوة ، على خيرات لسنا لشجرتها مجتثون ، فنعظهم بما أوحت إليهم الطبيعة من جمالنا و هم عنه في غظاظة ينزفون ، مطيتهم دهر هالك ، فنسرع عجلة إيابهم إلى المنتظرة ، راجفة أبدانهم مقشعرة لائمة ما أسدتها الإمارة من طغوا، تقول يا ليتها في البادية كانت تلبس ضعفا ، و تطعم الزغب من صحن الأرض قوتا ، و تحض المأوى و لا تركب القصور إرثا ، حصيدها اليوم من الفانية سجونا ، عليها ما ابتاعوا من مقاعد شهودا ، بما كانوا من فتاوى ضيزا يلبسونها لعروش رعاة أساؤوا إلى ديننا حرفا ، فانساقوا تبعا يهيمون في الغوا ، ينغمسون سكارى في رغد مائدته من سراب ، فارتدت قلوبهم قفز الخيانة و تعالوا غرورا ، ونزحوا علنا عن طاعة الرعية خوارج ، يمخرون في المذلة و مركبهم حطيط سفيل ، شواذ إلى الفجور ، منفوش الأنفس كبتا حتى أضحوا نفث المألوف ، كسيرهم لا يلتئم و لا جبر يقوم اعوجاجهم ، مطرحهم المطارح ، من عفن جثثهم ترغب عن إيوائهم القبور، نخمر لهم في أرحام على الغير حظر لمسها ، طينا نبلله من حوين جحودنا ، يوم يتيفع في مرتعنا نسوقه أسرابا و حشودا ، و سائقته إلى السوق ريح غضب صر صرير ، و لما ننزل ماشيتنا من فخامة مزننا ، تهطل عل قببهم بنكسة تنكسهم من المناصب ، و إنا لقاعدون لهم على قارعة الوغى ، يوم صيدهم نجعلهم أجتاتا ، ونفك الأرض بما عقلوها من أغلال سووها عقائد يلبسها الإنسان أطواقا ، مخضعته في الغافلة قنا كساؤه من فقر و جهالة بهما ينعم شقيا ، و من بغاياهم و هي أطراف عدة نكح الأرض ووقيت مباشرتها محيض ، من محبرتها القدرة يسطرون لأنفسهم الآثمة كذبا يسمونه مجد تاريخ ، و التاريخ بارئ منهم ، و مما ينسجون من ذنب فحيم ، فنآخذهم عنه و نجعل قلوبهم في أسر سواده بهيم ، و نضع على أعينهم المغالق ، و على الوجوه نكب صبيب زيت السعير، حتى إذا شابها التفحم سقطوا كاظمين حتى الأذقان وهمهم أن أبصارهم تنغمس في قعر مآثر خاوية لعلها تدر عليهم لباسا من فردق ، إننا بأمرهم قضاة ، نحصي سجونهم و كم نشروا على الأرض من مقابر اتخذوها ارتا محفوظا ، زكوها عن الأسلاف بأثاث صوامع للفقراء تكون مرتعا فيه ينفقون ، فلقد هلوا منذ البدء أن يضعوا ذاكرتي في تابوت الطين ، أشرب ماء غيمة داخل حجرات الشتاء ، كي يرمموا بلازبي أضرحتهم المتآكلة ، يتخذونها لي مآثرا أغرق في مقابرها عاشقا حتى الوفاة ، فرمموا لي بالخطايا، صلاة أبيت دخولها ، حيت نصبوا أنفسهم لها قبلة ، وكبيرهم يتجلس كل صباح على شرفة البحر يعانق جريدته محتسيا أكواب الدمع المقطر من جبين الأقنان ، تم يثور في غاره و يصنع جنازة نعشها رحم أنتاه ، تم يتخذ رؤوس الأجنة شمعدانا ، واضعا الشموع في حجر جماجمها ، مشاعيل يزين بها حفل لواط ، يضيف طالحه تراثا يلبسه حضور يتولد منه حضور من الورثة ، يجعل منه مقاعد شيخوخة يقتعدونه عاجزين أمام عتبة عقيدته عن الكلام ، ملتقطون أشلاء غيمة شردتها أعين الكادحين ، نفرتها السماء رغيفا يشوبه داكن السواد ، و طابور الفقراء في مشهد فظيع لا متناهي المد على سجون العقيدة ، لباسهم أقمشة من تراب داخل عواصم تعاند رحيلها بالكبرياء ، و لا باعت يغور الأكواخ مستخرجا منها ثورة قالبة الأقصر إلى أطلال ، إنه زمان انقراض الأنبياء ،فتسيبت المدائن القديمة جاهرة من مآذن ماخورها تناسل معابدها في محراب المدينة العتيقة ، خالقة دقاق أجراس النخاسة في معتقلات الإنسان ، فنشأت من غضبي رحما سويت فيه طفلة قد نحتها من جسدي الذي شابه العقم ، فحولتني أفكاري إلى جنين يبحث عن بطن امرأة يستقر هاربا من ملاقاة اللحود ، توقفت مركبتي و كان مرساها شيخوخة أتعلم في أرجاءها كيف أصنع لنفسي صلاة ، من نوافذها أبصر تلك الصبية تمد يدها إلى البدر ، راسمة على لوحه ما سمته لحظة المتعة بأجساد الأحلام ، تم ابتسمت و الأسى طير يشذوا بلحن السجى في قطوف حورها ، و هي تخطط على وجنتي مشهد مغرب القمر، و آونة كنا فيها نتمازج لنكون منا الآخر ، فأضعنا بعضنا في أرج الطيف ، وصار كلانا وهما يبحث عن الوهم الآخر، ليمده ما ترك عنده من ذكريات تتساءل علها تجد مجيبا يقرؤها كينونة هذا الكون بعد الإنسان ، فتراه يحمل عقباه زاحفا إلى الخطيئة ، يستهويه الخراب فيركن فيه عازفا نواحه ، و ما كان له أن يكون شقيا ، لكنه اشترى الضرر لنفسه و هوى يلتقط أضداده ، و لا لفاف ضماد يشفي الأقراح لتغدوا الجراح ذاملة ، شقاق الطريق إلى العداء ، و بغاؤه حرب دامرة يضرب بها على الطبيعة ختم نسله ، فلولا مطر فطم عن غيمته ، و كان لسقي الأرحام مسخرا ما كان دخوله إلى دارنا خلسة ، فبتت له الأرض فراش خير ، فكان عليه نقمة و ضررا ، فنتلوا الحرث و لا نكترث بالغيوم العجاف لعل الحرث يشق في الصيف حصادي ، و يوم حصادهم نكير ، يكون يومئذ ظهر الأرض معجا قبورا أنشارا ، و لا نترك أتيما يتدرج في غاويته يبني لصرحه من الأضداد عقيدة ، يوم الجمع نكنس أعلامهم بائدين الأرحام التي صبتهم أوغالا ، اتخذوا من الفقراء دوابا يركبونها قضاء مآربهم ،يبتاعونهم و البائع لهم حليف ، بضاعة عقاب يحظر عرضها في الأسواق ، شراءها أفضى بهم إلى خلق ممتلكات من المعتقلات ، يتباهون بها في الأعراس ، لقد عقلوا كل شيء حتى الأزقة و الشوارع باتت مطوقة أعناقها بالأكبال ، حتى النفس عقلوها بأصفاد الكبت فصارت كأنها رفات بقبر من جسد ، أما الأكواخ قد صيروها زنازن مستوردة من تراث هجين ، و المدائن نظائر تحمل على وجهك المغضن أطلال مآثرها القديمة ، فتشان بنعت مطرف زاعج حضارة ، ترهب أمتها المرهب قوت عبيد لا يملكون في بلدهم سوى هوية العقيدة ، فمند أن رمى بهم هذا الفرج على أرض مكتئبة ، وهم بالمعتقلات مرارة ،حتى يهم بهم الموت و يضاجع أجسادا في حجرة الشقاء راودته عن نفسه ، فيتخذ من الكبرياء حجابا يمكث فيه جنبا لا مغسلة تطهره من جنابة العقاب ، إنهم سيجدوني على قارعة المصلى أنظم لهم صلاة ، لما يدخلونها نحفف على مجاري الدمع حقولا من زهرة الخشخاش ، و نناغي شح البخيل إذا لم يسبل دمع السرور، و نأتيهم بكلام يحمل أسرارا ، لسانه صدق من الطبيعة ينطق ، إن أخذوا به يكشفون على أنفسهم ما كانت ترتدي من ضرر ، و يتحلون بحلي من جمالها ، يتجلس إكليله أنقا نهى ، يعدم المنصرمات و ما حوى الدهر الكئيب من فواجع ، من أطلال نسلها حاضر أعماه الجشع فتولى عن الفضيلة ، و طوى كفه بخلا أسكنها غللا جحودا سجنه الطمع ، لا يحض على ما أصاب حقل مساكين من قحط هالك حتى صارت فصولهم أدراجا عجافا ، و يسدل لمحه الذي هو عن الظلم وكيل ، يستشف المتعة من أكواب مآسيهم ساخرا مما حل ببلد غضن وجهه بؤس فظيع ، و ما هو إلا جثم وجيز و ينقلب إلى الضديد ، ويحمله أتقال عسر عن لهو فيه كان رغيد ، فنجفف الأرض من نباتها فهل له من بديل، و لو اجتمعوا و سلطانهم على خلق بذرة منها يكون عيشهم يفضون إلى حصيل المستحيل ، و لو لا سعة منا و فضل به يفاضلهم بتمكن قراءة ما يطعمهم به الثرى من أكل نعيم ، فالإنسان ذاك الجانح عن حقائق كون يقين ، يسكن نفسه في عوالم من الباطل مؤسسا لصيرورته مداخل مغلوطة ، فيرجح المشهور و ينغمس حتى الإغراق في أوهام يشغل بها ذاته ، فيسير وهما يفكر في الوهم ليلد منه ما يعتقد أنها حقيقة ، و نسي أنه حاكى الخريف حين أسندناه مواقيت نظم ، عندما زرعت رحابه البذور من أكنانها ، و سقيت ماء عذبا فأحياها مجراه أرج من السماء و الغيوم مسخرات كاد غيته يكون بحرا من دون عماد ، منه يضخ شرابهم و نسلهم فاستكبروا مدبرين عن الشكر ، إنه الإنسان آية من الجمال في كمدها عجز في تقويم نظيره ، محيط حطناه به ، وبتتنا زينة مؤلفات لا تحصى خلائقها ، كافة لأغراضه مسخرات ، جميعها تعجب أنصاره ، و لا تشير عين ناظر و لو إلى شظية ناقدة أن بناؤها يشيبه القصور ، ميز الخلق ما كانت نشأته محاكاة أولين ، و كانت ولادته تفصيلا ، منها النفس مروجا مبسوطة لا ضفة لها تكون مرسى ، فسحة طلق فيها الجسد ينشد مرتعه ، روضة شهوات غناء أزهارها لا يلطمها الذبول ، رحيقها لغة يوحي بها الجسد و لا يفك شفرتها إلا الجسد الضد يد ، و لما أصاب الإنسان الشقاق وولى عائلا منكوبا تحت شطط الكبت ، اتجه نحو الخطيئة يقحم العقل في معاقبة تحاور أزواج الأجساد ، فالشارع ألف بين الزوج الذي تكون منه الإنسان ، بلغة أولية غير منطوقة ، هي رموز آثرت مركب منها الجسد ، من دونها لا يستقرؤ الجسد نقيده ، فالجسد كتابة غارقة الجمال حبرها رحيق رومانسي يجعل منه الهائج الهائم بالمكتوب الاستقطاب الذي يستشف منه الدواخل المضمرة كوبا شهوة أفيونية لحظة انصهار التأجج بالتحام الممدود بالمجوف ، لإفراغ شحنات لا سلطة للعقل على كبحها ، حيث يقبع معتوها خارج زمان توليد الكينونة ، رسم ملامح إضافية للكون تتمرد ضد مكبوتات الأديان في الإنسان المشبع بخرافات الإعتقال داخل السجون الوجود ، لقد أبلغنا رجلا جاء من أقصا آدم ، ينزل كالمطر على عطش الأرض ، ليحي الناس من غفوة غفل تلي بهم سباتا فلا يستشعرون الوجود ، يحدث من صرحنا و اللسان من الزلل معصوم ، عن الذين جنحوا بالإنسان إلى الكبائر، و بثوا فيه خبائث ، ليظهروا للفضل نكرانا ، إنهم المحدثون فسادا ، المخلون لما عقدنا به الأجيال من أقفال ، أسقطوها عنهم و بنوا بهم أصناما محاكاتها من التقليد ، فمهما زعموا أن نابغتهم أصابت إصلاحا فإنهم على فعل ذلك قاصرين ، لا يأتون إلا بما ينقلب عليه الضد يد ، فنهب عليهم يوم الوعيد ، مقتا و تبخيسا لما يلاقون أبرياء قتلوهم فقرا ، في حارتنا لا تنفعهم في شيء أضرحتهم و ما تجملوا به من مآثر ، فيكبر على أولائك الذين بنوا للمستضعفين من شهوة السلطة زنازن في حجر الزمان ، و ما زرعوا من فواجع من هولها تقشر الصخور ، في دار الوغى يسيرون أسرى مستصغرين في عيون أطفال قدموا من فرج الشمس التي ضاجعها كفرنا عندما اقتحمت أحلام مشرع باثرة للطبيعة بما سن لها من رزم الحرام ، فانتقينا لبها رسولا يكون لها داعمة الغلب ، بين الوقف في أرجاء المسطر ندس كونا ، صعب على كل كشاف الإسراء إليه ، نشحن الألفاظ إعجازا مسقطين في ضلالة طفيليا يزعم أنه من ذوي الألباب النواذر، إنما هو إلا ذخيرة و متاع عند الآخرين الذين يسونه كالأجراس العالقة على ظهران الصوامع الآهلة للانقضاض ، شد حبالها يجعلها تنطق لهجة نداء تخفي ببواطنها كيدا ، يلبس رداءه حجاج ملبس يوم استفتاء ، و هم يستبقون جريا إلى تلبية خطاب زيف ، مكره يسوقهم إلى صلاة يؤدون طقوسها و هم جنب ، فتراهم مكوكبين يلاطمون بالبسمة كذبا ، يدخلون معابدها بغمامة لا ترى في أرجها عيونهم إلا دجنة يمتد سيلها إلى الأحفاد لفافا ، يتسولون رقادا من آلهة عارضة ، و ما هي إلا نسخة من أضرحة منشأة لا يجدي نفعها إلا ضررا صممت لأغراضه ، إنها وهم مصاغ تضل الكادحين باعتقاد واهم أن لهم حليفا ، فحق القول أنهم سوى دمية ينمق بها نساج موضة ديمقراطية هجينة ، فارشة لهم مرقدا فيه يمكثون سباتا ، منتظرهم أن تمطر عليهم تغييرا ، و إنما هي إلا ظل حليف موكول إليه ملء مقاعد وهمية شاغرة ، مناورة من خلف الحجاب تمنحهم شهوة باطلة تحجزهم في معتقلات كالمقابر ، ثم تصوغهم ميتة ماسكة عن مضاجعة الثورة ، مثلجتهم في مخازنها بضاعة بائرة لنجل مستنسخ من الآثار القديمة ، مفتش أساطير أهليه و الغير من أصنافهم ، ليكون حفيظا خالصا لما ابتدعوه و بارع الإبداع فيما رث و تقادم من معدات العقاب ، ليتمم نزع ما تبقى من كرامة الإنسان ، أعوانه شرذمة مقامرين من أحزاب ميراثها أن تملك جنة فيها ترفل على خيرات محظور على الراعية أن تقتات منها نصيب ، و ما هم إلا نزلاء ماخور يخسفون فيه بغتة ، يحل على نفسها نسج الجريمة ، و سن أعياد للفقراء فيها يكون إعدامهم ، و هم على جانب البلاد أمة جاثية ، منتظرها ركوب قبور مجراها سراب لا نزل لموجهم على ضفاف الفلاة ، مستنقع وحيش بالأنذال ، لا انصراف لهم من وحله ، لا مغادرة ولا رحيل ، و لا صدى يحمل لهم جاهرة إنقاذ ، فيه يهدرون حتى السكن المحتوم ، يتأبطون اللحود متخذونها مخابئ واقية من شقاء العقل ، فلا تضع صرخة آذان على قوم جهلة يحيون على الفطرة ، و لن يراودهم أدنى تمرد على ما يصيب إنسانيتهم من خرق ، و لا هم منحرفون عما يرثون من طقوس تبقيهم بالأخمام داجنين ، إنها شعوب موروثة لا يحق لها عصيان ، و القابضون على أعناقها بنعالهم يتبجحون أن سلالتهم من الجنة كان إفادها ، يحسبهم المغفل في المناصب حكماء وهم النقيد ، يباشرون النخاسة جهرا ، مكسبهم منها بقاء لا تمسه رجة ، حفظا لعروش عليها يرفلون ، سندهم في ذلك عرافة تقردهم تمائم يلبسونها صلاة في معابدها ، فنشهد أن خلقهم من الزنا ، يتحلون رجسا ضاربين على العباد سجونا و أقفالا على فرج الأرض أن لا تلد جبالا ، أرض جميلة تتبرج للفقراء معادن ، قدموها قربانا لزبون سفيه و لقد أنشئوها في ماخورهم بغية ، ليلقوا في الرعية عيشة ضنكاء تعبر بهم العهود شقية ، فتنفث مداخن محارق البدو بعجوز كظيم ، أضحى على مسطبة الحاضر كشافا عن أطلال ما شيدوا لهم من سجون ، تحمل راحة كفه المتهرئ ما تركت جثته من رميم ، وساح في الإنسان وقت غير معلوم لعله ي عثر على بقعة أنثى يكون رحمها لحرثه خصيب ، و لقد زينت له بمفاثين شهوة عليها فطر ، فيلج جوارحه هوج فيهم بها ضريرا لو لا وخز جعله يقفل جانحته ، فولى إلى نفسه كئيبا يتولى عن بستان نباته إنسان قذر ، عارض النفس شرب الجمال الفياض من ثدي الطبيعة البكر ، المنتظرة مني داخل مضجعها أن ألد لها اله يفض بكارتها ، فاشتعل سقف السماء يثريا من الزهور ، فأتى إلي من المدينة رهبان من أصناف اتخذوا الأرض لهم كنائس بها يعقلون الإنسان موجبين في حقه تأديبا ، فلوثوا بالعقاب ما أودعنا فيه من نظافة كانت تسوقه طليقا ، فتخرجت ماردا من خلق ليس منه النظير، أتصدى لشذوذهم حاملا على لوحي تمردي ، فلم أجد في طرقاتهم سفاحا على الفتك بروحي قادر و على جدع فكري لها صالب ، لقد ساءوا فهم الألواح و ما تظهر له الطبيعة من لوحات لباب ، فتجنبوا فضائل عقل أوحى إليهم معجزات عن فكها عجزوا، وابتذلوا الحقائق باطلا ، و صرفوا من عقول قواصر بدعا ظنهم في العمى أنها صوائب ، فهاج بالنفس عذاب رهيب ، وغليان الجوارح المفعمة معاصي لم يسكت هديره ، و الزمان قد تحلى بحلي الغروب و هم عنه غافلون ، يشترون بالغفل تبخيسهم و ينكرون خطاياهم فيكبر عنهم التصحيح ، لحد أجيال ممن تعاقبوا على وراثة الحياة ، فكافة المواليد جامعهم جحود ، و مجراهم عبر جارية الزمان ، مثل الحاد العجوز لما طغت على بغيته قوانين الإنسان ولا فرج له من سجون الكآبة حتى يلقى قمامة على رصيف الحياة ، مكان وقب في ظرفه وقب العجوز في خلوة الصلاة ، ينزع عن جدرانها صورا قد علقا في ذاكرته لما كان يافعا إرادته محاكاة صلا ة في مضاجعة المقدس، سجادته أنثى تثير الفتن بلذة مغرياتها كي تستضيف الآخر في حلتها و تعيده إلى سيرورة جنين ، جسدها المبرج بفواكه الأنوثة يفتح شهية الجدب إلى الخيانة ، فواحة طيبا كالرند ينساق لأريجه مستنشق سحر شهوة إلى الغطس في فرجها تقود ، و عند انطفاء تأججه يخرج خاوي الوفاض دون استكشاف الغامض من أسرارها ، و كفاف الخشين لما يطرح إغراقا في أحشائها يستشف عفنا يفضي به آونة إلى نشوة سكر ،ظنه مص رحيقا من قارورة أنثى ،و بعد الانفصام تجتره لمرات عديدة حتى تصليه جثة مؤقتة قرب شهوتها التي لا تشبع من أكل الذكور ، فتعيد تكرار الجريمة حتى تعتر على نفسها سالبة الآخر به تعيد المنقرضات من الكون ، أنها المتبرجة في المضاجع و سرورها تتخذه غمدا تكتم فيه ما كتمت عن الأديان من أسرار، و على مقربة من ولادتها أبى العجوز الانصراف من شيخوخته ، يغل ذراعه إلى عنقه زمنا طولا ، تم يبسطها عل المد يجني و لو قبضة على خصر البدء ، فإن الختم ترتيب قبل النشأة الأولى ، فأبى العجوز أن تكون له الأرض مرقدا و فضل أن يكون له الإنسان تابوتا ، تم جثا عبوسا يترقب غروب نفسه يحطم كل النعوش التي لازمه ركوبها مسافرا إلى مدن من العدم، فأوقد عينيه فإذا بالشمس تؤدن محل الغروب ، و نشيش العتمة يدري به قدوم الليل ، فبدت له الواقدة كأنها صفراء شاحبة ، فاعتقد أنها على المغرب حانية ، مرقد لها منه دانية ، فنادى نفسه حزنا ، أن دراجة الخريف تطارد كل جانح عن قانون الكون ، فهي الأسرع من ركب الهارب من الموت ، و تلاحق كل جبان فار و بجسده تحدث اجتثاثا ، فتناسلت بدواخله رغبات العودة إلى ذاك العالم الخفي عبر البوابة التي كان منها قدومه ، فأعدمت الطريق أمامه و أصبح ذاك الضرير لا موعد يرجى ، و تناثرت شظايا تلك اللوحات من خياله ، كان يحمل في فنائها مدنا من عمارة النساء ، فأسبل دمعة و بكى لما تعقل أنه أنشئ لينشأ وجودا من سراب يقيد فيه حضوره داخل معتقل امرأة لا تضخ مضختها إلا دما حمله الإنسان على جبينه قتالا ، فخرجنا عن عقيدته و اعتنقنا الجلالة صحوة نقيم صرحها فجرا ، من بوابته نوقد الشموس نورا لكل مظلم أفاك عله يغرس في مزهرية الطين جمالا ،في أرجنا نبني دار عدل مسجد إليه يحج كل ضرير ،حتى يقالوا أن الحق رب قائم د فصل مقاليد الحكم عن الإنسان الفاقد النهى ، و نرضى مظلوما يبسط لقاض مداد يده لغني فيتضحك ، نحن أهل الشهامة و في أعمالنا عليه نقيم تبخيسا ، من بلدة الفحول و لقد طالها الطمس و النكران تبزغ في النبوغ بخلق آونته رجة لدور الدعارة تبيد و لمدرائها من أحزاب السفه تحاسبهم حسابا وخيما ، عند الاصطدام و الرهان ناعته كخمارة ، أستشف على مساءها كوبا من وريدهم يكون ملؤه ، و إن جال في أطلال المعارك خطوي ، و وقعي إن لف أشدائهم تهالكوا ، ترى الجثث و كأنا بها نبض من الذعر تكشر عن هرتها و تلتوي خوفا تسر الأطراف إلى بطنها ، و نعد من جيفها طعاما كسراحهم على أكله في الضاحية يرغمون ، لقد ساء بلوغهم للكتاب و حسبوا أنفسهم فرسان الضاد ، فتبجحوا في الخاوية ،و تنكروا لآيات من صلبها أعددنا لها ولدا يأخذ لها الثأر على صهوة مهر من جبالنا العاتية ، بنفخة من قولنا لا لافحة و لا نافحة نحضضهم أدلة رقابهم تحت الأخصم تنحني ، بغال سقيمة حمالة لنعوش أسفارها ، عصبة مرتزقة سخرت لتدنيس المحابر، قد عدموا على القرطاس الفقراء تاريخهم و تحاشوا القول أن البلاد معتقل، و استحبوا جملة ما تمليه أهواهم متخذين السلطة منضدة لتدوين أكاذيبهم ، فأعدمناهم بخروجنا عن المألوف ، أنذال على المقاعد يبيعون عرضهم ، و يزعمون في ماخور الصحف أقلاما ، لقد خلت لهم المدينة فتسيبوا ، و ألباب ناطحات سد عليها في الزنازن ثورتها من فقر تخلص المدن من طغاة على دينها استكبروا ، في شوارعها كل من دب و هب و لم يجد لنفسه نفعا في دور الميسر تطفل و ألقى خطوة لعلها يترقى زنديقا إلى الكتابة يأوى ، إن عصفنا يحل و حلوله قريب ، و نقبر حضيضا سخيفا تلبس شموخا ، فنروي من ساقية الحرب أرضا ميتة ، قد طال رقودها على نعش في حضن أسلاف قد تلظى ،على هامة رمح بؤسي أشلاء الأعداء عالقة ، لهول الضاربة بكت الغيوم و هب مطيرها ، حتى كادت تغرق خيولنا في يم الدماء ، و الزمان أبطأ لحاقه ومني المنايا توابع و ذيل الأثيم ، فاختاروا اليوم أو غدا فكلاهما مر الختم ، نمهلهم من الوقت حتى يتشبعوا زقا و قنية تم يهدموا ، و عنهم تمضي الصالحات فينقلب الندم ، يقبلون وجه بعض بعضا خوفا و تبجيلا ، و لا أحد دخل رشده و قبل الطبيعة و ما تكون عليه يوما بخيلا ، رأيت فيهم النفس كئيبة تناغي الشهوات في كبت تحتظر ، غير قنوعة و للغير تغتصب ، ملاذها بيت جريمة ، و لها صهر يزكي ، و الفقير في دار عدله يعدم ، لا تجاري بدع المخلوق أركانها عقل قاصر يشوبه العجز ، يخل بنظام كماله آية إذا تعطل قمره فهل من إنسان يصلح ، غلوا في الجحود غرر بهم حتى ركبوا فلك العصيان ، و نسوا أن قدورهم من زاده يأكلون ، و عدتهم في الوجود أدراجها محدودة ، يأتون رضعا ، يوافع تم شيوخا إلى مشنقة أعدت لهم حبالها من زمن دائرته الأرض و أسرار غير معلومة ، يأتي إليها عمالقتهم مقزمين على عروش الطغو ، حبوا خانعة أذقانهم حتى خمص الأقدام ، مدرة على نفوسهم بكاء و خوفا شديدا ، عند بلوغ حشو الأعناق في عقدتها ، آونة يتبين فيها لهم الحق كأنهم على أنفسهم كانوا يكذبون ، سبحان الذي بعث الإنسان رسولا ، و أهداه دارا من كونه آية في الكمال سبحانه بديع نشأتها ، فانقلب الإنسان على نفسه خصيما ، فإنني الملامس أفنان الوجود و خارقات المعجزات شكور له على خلقي ، فإنه الغني عنا و نحن الفقراء إليه فلا يبتغي منا إلا شكورا ، لفظة خفيفها مفتاح جنة ، فألهمني الذي سواني في الدنيا عبدا أنظف الإنسان من أسوائه ،و أرضى فخرا أن أكون قنا في جنته يرعاني ،فلقد يساورني الشك أن الإنسان محدث إعجازا في الكون ، فهو المحكوم بنظام إلهي نظمه خوارق لن ينفذ إليها مخلوق عن الإطلاق ، فالعقل البشري غير قادر أن يخلق مادة الخلق ، وما ينتج من منتوج مواده الأولية خارجة عن طاقة الخلق لها ، و ما يتوصل إليه الإنسان ليس من خلقه الفرادى ، فهو يشتق و يقتبس و يحاكي مما وهب الله لمخلوقاته من أنظمة الحياة و أشكال أجسامه ، يمده وحي بجزء ذرة من العلم لحضر لنفسه نفعا ، فيسكن النفع مخلا بمقامه و يركب محله ضررا للتوازن يكون له علاجا ، و ما يسمق إليه الإنسان من معارف و تطور تدريجي في آلية العلم ، فإنما يصطاف له إلا ما يعلمه إن البارئ عليم يعلم الإنسان ما لم يعلم ، و يكون له الراشد إلى الكشف عن عظمته ، و البحث الذي نطرح وجوبه مستنبط من القرآن الكريم الحامل لشمولية الكون ، و السورة التي يتناول شرحها البحث تدخل في باب القصة ،إن فيها عبرة للأولي الألباب لحملها دلالة النبوة و نبوءة مستضافة في الزمان ، و عماد الحث الحدس العقلي و اللمس الفكري للمقاربة الإلهية في شمولية كونه .
إن البحث المدجرج بين أيدينا ينشغل على تشريح السورة الكريمة ، المصباح الطارق الذي يحمل نورا لب نور ، تنجلي لسناه دجنة الشك و يحق اليقين برسالته ، لقد جاء يوسف و هلكت من بعده القرون ، تم نزل القران حاملا لقصة نبوءته ، و تهالكت من بعد التنزيل القرون ، على أنقاضها بنى الإنسان صرحا مما أوتي من العلم بلغ به خارج سقف مقره، و الآية الكريمة موضوع البحث تندرج منت ضمن مكونات عالم السماء ، و إدارة البحث تهتم بالمجموعة الشمسية التي هي أحد المجموعات النجمية العديدة التي يتألف منها الكون ، و المجموعة التي ينتمي إليها كوكبنا الأرض هي التي تدعى بالمجموعة الشمسية ، و تتألف هذه المجموعة من نجم كبير يشغل مركزها محورها و يدعى الشمس ، و من تسعة كواكب تدور حول هذا النجم من الغرب إلى الشرق ، و هذه الكواكب حسب ترتيبها من حيث البعد عن المركز هي ׃
عطارد – الزهرة – الأرض – المريخ – المشتري- زحل - أورانوس – نبتون - بلوتون .
و لكل هذه الكواكب أقمارا تدور حولها بتفاوت في أعدادها.
لقد حدد العلماء عدد كواكب المجموعة الشمسية في تسعة كواكب ، لكن هذا لا يعني الحصر و السد من إضافة فتح شق السؤال ،فسؤالنا المضاف ، الجواب عنه نستنبطه من خلال القرآن الكريم في هذا الشأن، حيت أن الخالق لهذا الكون هو الذي يملك الدراية الشاملة له ، و يتوجب علينا حتما الإدلاء بمقاييس العقل في الإدراك النظيف البالغ في الشعور بقدسية الأمر، الذي يتجلى في النبوءة ، ليس فقط حصرها في زمانها ،لكن في إعجازها للآخر المستخلف لمن ولى من الأقوام ، و هذه الرسالة الإلهية تتضح لنا في سورة يوسف عليه السلام إذ قال خالق الكون عز وجل الآية ׃ (3) و ﴿4)
" إذ قال يوسف لأبيه ،يا أبتي إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين"
نتناول من الآية الكريمة " أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر " ها قول الهي بالغ الدقة و الصحة انه قول يدركه قائله ، فنأخذها كمعطيات ننطلق لنقلها من معناها التشبيهي إلى معيارها الوجودي الدال عل حقيقتها .
خلاصتنا في المعطيات إذا أمعنا النظر فيها نجدها تتركب من ثلاثة أصناف׃
- كوكب
- نجم
- قمر
أصناف عقد وظائفها متفاوتة في البنية شاملها التماسك في روابط المحور
و بالأمل في المعطيات يتضح أنها تشتمل على معرفتين و مجهول ׃
- المعرفة 1 ׃ الشمس
- المعرف 2 ׃ القمر
- المجهول ׃ أحد عشر كوكبا
المجهول جاء على صيغة الجمع ، و لم يرد ذكر اسم من أسماء هذه الكواكب
ليدلنا على المجموعة التي ينتمون إليها ، و تمحيصا لتركيبة الآية الكريم
في صيغتها البلاغية توفي بالشمس في موقعها المركزي بين الصنفين برابط
واو المعية .
و إذا ارتددنا إلى المسلم نجد كواكب المجموعة الشمسية لها أقمار عديدة إلا الأرض يرافق سيارتها قمر واحد ليعقد لجامها كعداد زمني لها ينتج بها دورانه معية دورانها حول نفسها مقاييس الشهور ، علاقة القمر السيار حول الأرض صلة بارزة الربط بين هذين الأصناف ، أن القمر تابع في حركة دورانه حول كوكب ، و أن هذا الأخير منتمي إلى أسرة النجم ، فإذن من المفروض المسلم به أن القمر ينتمي إلى الشمس بواسطة الكوكب .
نستنتج من الحالة العمة المتداولة معرفتها أن تسعة كواكب سيارة حول الشمس مكونة لمجموعتها ، و القمر الذي ورد كره قصدا في الآية لأننا نألف اسمه ورؤيته و وظيفته و هو تابع الانتماء لكوكبنا باللف حوله ، و هذا ما يؤكد دون إلتباس أن القمر تربطه علاقتين الأولى بالكوكب و الثانية بالشمس ، و لذا وجود حضوره في الآية هو الرابط و الوسيط بين أحد عشر كوكبا و الشمس ليمدنا بانطباع اليقين أن ما ذكر من أحد عشر كوكبا مع الشمس هم عائلة واحدة .
فالأرض و القمر زوجان لا انفصام لهما ، فهو عقرب ساعتها ، و دائرته حفظ لها من تفكك الزمان عنها ، هذه الخصية و خصال أخرى ، موقعة قيمته ليكون الوارد المستقل في الآية ، والمفتاح لحل لغزها ، إذا نجده هو الذي يدير علاقة الربط بين الصنفين ، أي علاقة مع كوكب و أيضا له علاقة مع الشمس بواسطة المنتمي إليه .
لنرجأ سياق الشرح ، و نستعرض التأويل الذي جاء على لسان يوسف عليه السلام ، و التأويل كان من خصال نبوءة التي ألهمه الله إياها ، و أصل التأويل جاء من قبل الله ا قال عز وجل ׃
" ...و رفع أبويه على العرش فخروا له سجدا ، وقال أبتي هذا تأويل رؤيتي قد جعلها لي ربي حقا "
صدق الله العظيم ، انه الكامل الصدق و الكامل الدراية الشاملة لكونه .
جواب الهي واضح تظلل ضحاه الألباب ، نبوءة حملت معها نبوءة لا تضع حملها إلا بإرادة الله تعالى في زمانها المعدود ، و الآية المجيبة في التأويل طابقت آية الرؤيا في شيئين أساسين هما السجود وذكر مركز المحور أبقت ساكنة عن المجهول يقابله المجهول المعرف بعدد أحد عشر .
نؤمن بمسلم الآية المؤولة للرؤيا و التي أقرت أن ما رآه يوسف عليه السلام من أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر ما هم إلا أبويه حق عليهم السجود لهم ، نولد من هذا التأويل سؤالا ما هي الصلة الكائنة بين تشبيه الأبوين و الإخوة بأحد عشر كوكبا و الشمس ، هذا الطرح الإلهي وحده تعالى العالم بشمولية الكون ، و تشبيه شيء بآخر لن يأتي اعتباطيا أو من فراغ من لدن الله ، فهناك الحقيقة الدقيقة المطابقة في التشبيه ، فالأبوان يمثلان نظاما أسرويا بكل مكونات النظام الداخلي لها ، من هذا المنطلق حتمية الواجب تستلزم أن يكون تشبيه أسرة بأسرة و أيضا حتمية المراعاة فيه أن يكون المشبه يطابق المشبه بدقة متناهية من حيث العدد و أيضا نظام تركيبته ، و نجد الشمس التي وردت في المشبه به تمثل بدورها أسرة بانتماء مجموعة من الكواكب لها .
و نعرج في المسح عن ذكر القمر في المشبه به ، تعكس مكانته في المنظومة الشمسية ، لوظائفه التي وهبها الله فيه في بناء خبايا تحدد مقام الكائنات في الحياة ، تزاوجا مع محوره ، لذا جيء به ركنا تابثا في المعطيات ، و من ذكره نسري في الوضوح إلى وضوح كاشف أن القمر في المشبه به هو المؤكد و الواضع حقيقة لا مطلع عليها سوى سبحانه أن القمر له قرابة العلاقة بأحد عشر كوكبا و هو الذي يفضي و يقضي أنها تابعة للشمس ، فهو خيط الربط بينهما ، و ذكره مع الشمس لمس كاشف على أنه المنتمي إليها بطريقة غير مباشرة ، كما أنه يربط علاقة بالكوكب ، هذه العلاقة المباشرة التي تقودنا أنه ينتمي إلى أحد عشر كوكبا بانتمائه إلى الكوكب المضمر بها ، و هو المعرفة الفطرية لدينا و المدعى من طرفنا الأرض ، فالأرض عنصر ضمن المجموعة الشمسية ، و هنا يتجلى لنا اللمس الفكري الذي لا يلبسه عقم عاق ، في استخلاص أن القمر يرتبط بكوكب الأرض ، و الأرض كفرد من ضمن المجموعة التي لها ارتباط بالشمس ، إذن وجوبا أن مجموعة الأحد عشر كوكبا المعرفة و الكوكب المنيب عنه قمره ينتمون إلى الشمس .
خواتم هذا البحث ضرب إلى العقل المصطفى فك أقفاله ، رسالة موعودة إلى زمن يتوهم فيه الإنسان بلوغه الأقصى ، انه المعجز على التي منها خلق ، فيما يعتقد أنه أنجز من منجزات الخلق و الابتكار ، شارة على الهيمنة المطلقة و الإنسان ليس له منها أدنى نصيب ، لينقلب من الخصيم إلى المؤمن بكينونة خالق بارع و بديع عليم ، و ينكب في الكوكبة لا ننسل عنها و الحضن واسع العطاء ، إن القمر ضياء يمد نورا دجنة الأرض حين يلبس شطرها الليل ، و النبوءة ضياء تخرج الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور العقل ، هذه وظيفة القمر في الرؤيا الضياء ينوب عن الضياء ، و بما أن الله اصطفاه نبيا منحه مكانة خارج أسرته بتفضيل منه تعالى ليعز موقعه داخل الأسرة ، لذا جاء بمنيب عنه بمقعد التفرد و الانفراد ، و خارجا عن دائرة السجود لنفسه ، لأن بينة السجود كما دلتنا الآية كان وجوبا على الأسرة ، و القمر هنا دلالته أنه أضاف مطابقة العدد لأسرته ، انه يشكل فردا ضمنها ، و ما منحه الميزة التفاضلية من طرف خالقه عن باقي أفراد أسرته إشارة فاضلة لنبوءته ، و هذه هي الأسباب لعدم ذكر اسما لكوكب من هذه الكواكب الواردة مع الشمس ، لكنه ورد بطريقة غير مباشرة و التي تجلت في العلاقة ق ع ش و التي تركزت حول ق ع ك هذا الكوكب الذي هو الأرض الذي يربط علاقة بالشمس ك ع ش فالوصل مدنا بالنتيجة الختامية بمساواة القمر بالأرض ، و الوظيفة البلاغية و العلمية حدم بها مضمون أسرار الرؤيا ، فهذا الفتح يمدنا على الإفصاح من برج البحث الذي بني على صرخ معطياته لزامها الصحة ، بتعويض العلاقة غير المباشرة بالمباشرة ، لتكون الحصيلة على نتيجة تركبت المعطيات أولا : "أحد عشر كوكبا و الشمس و الأرض "
فوجود الأرض في نتيجة حاصل المعطيات هو الذي يحدد الإثبات النهائي أن أحد عشر كوكبا تابعة للشمس .
- الرؤيا القرآنية: أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر
- حصيلة التأويل : أحد عشر كوكبا و الشمس و الأرض
فإذا الرؤيا القرآنية التي انطلقنا منها حتى الحصيلة المقرة نتيجتها أن ثلاثة كواكب زائدة عن عدد المجموعة الشمسية فأصبح عدد كواكبها لا ينحصر في تسعة كواكب بل إنه أضحى إثنى عشر كوكبا.

و الله الموفق ، المطلع المحيط بكونه .
يا الله .. يا الله .. أرجو منك المغفرة
و الرحمة إن سئت الفهم فيما أنت مقر
و دارك ، و ظلال الرحمة و الجزاء لحسن
إن شققت صواب مقصدك .



#ابن_جرير_الرحماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية انتحار اصنام
- رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء السادس
- رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء الخامس
- رواية وجبة من طحالب الكتابة الجزء الرابع
- رواية الجزء الثالت - وجبة من طحالب الكتابة-
- رواية - وجبة من طحالب الكتابة- الجزء الثاني
- الرواية


المزيد.....




- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
- مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
- الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا ...
- -الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابن جرير الرحماني - انتحار أصنام