|
زمنُ الخطِيئة
أولفقيه يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 13:45
المحور:
الادب والفن
بداية،وحتى نوضح قليلا،لنقل إنها حكاية غريبة،حدثت لرجل معطوب في مدينة مجهولة لا سبيل إلى معرفتها على ما يبدو.أو هي حكاية لرجل صار ذكرى في مهب الزمن الزاني.زمن العفن والجمال النجس والفكر الموبوء. هاهوذا محمول فوق زمان عصي على الفهم والإدراك.في فمه المرارة والدم،وجرحه ينز ألما،ومشهد تلك الواقعة يكاد يخرج من جمجمته خيالا متجسدا..الأشياء تقترب من ضفاف الإفصاح،فيرفع الزمن جرس الإنذار..صفعة على الخذ الأيمن تعيده إلى الواقع،وصوت المحقق المخنوق يصيح بحنق : - لماذا قتلتها ؟ أيها الوحش..ألا تملك ضميرا،وردة في ريعان شبابها وتنهي حياتها بتلك البرودة ..أجبني..لماذا ؟ - لأنها قتلتني أولا.. ضربه حتى كاد يفقد وعيه،وأردف بطريقة متحدية: - كيف تقتلكَ وأنت ماثل أمامي الآن ..أيها الحقير.. ! وفجأة تأتي في ذلك الوقت من النهار،في ذلك اليوم القائظ من أيام تموز المتأخرة،وكلمة وحيدة كأنها البشارة تنزل عليه،تطلقها دون أن تكلف نفسها أي تفسير عن سبب غيابها هذه المدة كلها،وعدم الرد على رسائله وإستفساراته التي بعث بها إليها: " أريدكَ الآن..الآن " ويصحبها إلى بيته بتلك الدهشة الطائشة وذلك التوق الناغل في عروقه إليها،وهي تبدو شهية،شبقة وخائفة معاً،لا تريد أن تثرثر عن أحداثها اليومية وعن قراءاتها الحالية مثلما تعودت.. حين دخلا المنزل وأصبحا وحيدين،أحس أنه يراها لأول مرة: كانت مغرية،أكثر من أية مرة سابقة،وشديدة الإرتباك أكثر مما تعودت،وراغبة شبقة لا تطيق الإنتظار.لم تكن تريد أن تتكلم،أن تشير إلى حديث سابق أو حادثة مضت،وكأن فترة الغياب التي امتدت ما يزيد على الشهر لا تعني شيئا بالنسبة لها.فكل ما يهمها هو الآن وهنا.. وكي ُتحاول مداراة الإرتباك،تندفع إلى غرفة النوم،وخلال دقائق ترجع إليه في ثوب أبيض لكأنه الثلج إبان تساقطه البطيء يكشف عن فخذين مرمريين في تكوينهما.وتبدو متألقة،فتضع يديها الإثنتين على عارضتي الباب وتنحني قليلا فيندفع النهدان بصخب وكأنهما يعلنان بداية الخطيئة الأولى،وتقول بطريقة تقطر شهوة : - أنا أرغبك وهذا كل ما في الأمر.. تحت رشاش الضوء الشحيح المتهالك من المصباح الأصفر،وقفت.وبحركة أمان وشوق جديد أزهرا فيها،رمت ثوبها على الأرض.كانت تقف الآن في دائرة الضوء.جسد ثلجي مرشوم بالظل والوهج المشتعل برغبة مكبوتة.لاح الجسد المرمري ينادي الآن. لما اقترب ولم يبق بينهما سوى مسافة خطوة واحدة مدت لسانها وهربت.أثارته.أشعلت عروقه.كان يشتهيها.كان يريدها في تلك اللحظة.اتجهت قدما نحو الغرفة من جديد،لكن كانت تريده أن يغتصبها،أن يمددها على الأرض ويوغل فيها،كانت تتلفت بطريقة مغرية،تحرضه على افتراسها.حين أصبح ورائها تماما ألقى رأسه على رقبتها،دفن وجهه بشعرها وتنسم رائحته بعذوبة.كانت دافئة إلى درجة الإحتراق،وكانت الرائحة المنبعثة من جسمها توقظ مسام الشهوة بأسرها..وبحركة لا تحسنها سوى الأفاعي،تمددت على مسار الضوء،فوق سرير الغرفة،وراحت تتلوى وتئن.. بشغف وعذوبة قبلها على شفتيها وعنقها وخلف أذنها..في تلك اللحظة بدت مسحورة،ملتهبة كرمال صحراء في عز الحر.كانت تصرخ بلذة وشبق.. حتى وهو وسط تيار النشوة الجارف لم يقوى على مقاومة السؤال الذي يجثم فوق قلبه كتمثال قديم،وإذا بصوته يأتي من قرارة روحه : - كيف طاوعتكِ نفسكِ وغبتِ عني كل هذه المدة ؟ ما الذي كنت بصدد عمله طوال هذه الفترة ؟ ردت بصلابة وبرودة واضحة : - كنت أعد مجموعة من الأوراق الإدارية..أشياء مملة ! - أية أوراق ؟ - عقد قراني على ابن عمتي غدا. أحس ببرودة تتسرب إلى مفاصله،عري لا حدود له يجتاح أعماقه ..فراغ..فراغ.ظلمة موحشة كالقبر خيمت على روحه..الإرتعاشات تهز جسده الهزيل.كان يرتعد وفي عينيه المنهكتين ذعر،وهو يراها أمامه مستلقية في عبث واحتقار. - حبيبي..انتظر ! مع الصرخة انهمر النصل في رقبتها.صرخت ثم هوت فهوى فوقها وراح يطعن النحر والثديين والقلب والوجه..تحول الجسد العذب،الحار،المشتهى،إلى كومة مشوهة يجللها الدم الساخن.. - ألا تريد أن تعترف أيها الوغد ؟ هيا..بسرعة..لماذا قتلتها ؟ - "مات زمن الحب.وما فائدة الأشياء كلها عندما يموت الحب أو ينحرف،وما مسوغ وجود الإنسان "..فلتحكموا علي بالإعدام أو بالسجن المؤبد،والخيار الأول أحسن لي..الكل يستوي عندي..أنا هيكل فارغ لا غير.. ! رد المحقق بسخرية وقد خرج عن طوره: - حين تتعب من التوقيف،وبعد أن نملخ عظامك،سوف تتوسل إلي كي أسمع إفادتك.. - لن تفهم..لن تفهم أبدا.. ! هكذا إذن وحتى لا ننسى لا بد من التذكير بأنها حكاية عن الشوق والرغبة الملتهبة،كما هي في الآن نفسه حكاية عن الموت والخيانة التي تفتك بالخلايا وتفسد بلازما الدم.
#أولفقيه_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|