|
الفنان سعد يكن : ما يشكل علينا هو طبيعة لعبته : 1 من 2
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 1111 - 2005 / 2 / 16 - 10:30
المحور:
الادب والفن
الفنان سعد يكن : ما يُشكِلُ علينا هو طبيعة لعبته: ( 1 من 2 )
1- سيأتي يومٌ ليس ببعيدٍ يُقال فيه : سعد يرسم منذ نصف قرن. هو خريج مركز الفنون التَّشكيلية في حلب سنة /1964/ ولم يتجاوز عمره الرَّابعة عشرة... أيُّ اختيارٍ باكرٍ هذا، في محيطٍ كمحيطنا، في جيلٍ كجيلنا. أن يختار واحدنا الحياة رسّاماً قبل أن تعرض عليه بقيّة الاختيارات، قبل أن يعرف بقيَّة الاختيارات! أيُّ اختيارٍ خاص، وصعب، وشاذ، ويكاد لا يصدَّق ... إلا أنَّه، كما يبدوا الآن وبعد كلِّ هذه السنين، كان اختيار سعد الوحيد، وكأنَّه حقاً لم يكن هناك احتمال وجود اختيارٍ آخر... لأنَّ ما صار سعد يكن إليه الآن، في هذا المحيط، وبعد كلِّ هذا الزمن، هو لا شيء، لا شيء على الإطلاق سوى رسَّام، لا ينام ولا يستيقظ، لا يحب ولا يكره، لا يبيع ولا يشتري، لا يربح ولا يخسر، لا يصيب ولا يخطئ، لا يحارب ولا ينهزم، لا يحسد ولا يشفق عليه، إلا في كونه... رسَّاماًُ. 2- أعرفه منذ خمسٍ وثلاثين سنة، كان أوَّل لقاءٍ لي معه خلال معرضٍ مشتركٍ أقمته مع بسَّام جبيلي، في السَّنة الأخيرة لدراستي في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة حلب. جاء للمعرض بصحبة شابٍ حلبيٍ آخر، حلبيٍ كثيراً ولكن ليس أكثر من سعد، مأمون صقّال. ما أذكره هو تعليق مأمون على رسمي: ( منك علمت أن هناك دائماً عالماً آخر!! ) 3- والصَّحيح... أنَّه بتعرُّفي أنا على مأمون وسعد دخلت عالماً آخر، عالماً مختلفاً عن عالمي وعالم بسَّام في التَّفكير في الرَّسم، وفي التَّكلُّم عن الرَّسم، وفي الرَّسم في الرَّسم، عالماً جهماً وقاسياً!! عالماً محدداً وواقعيَّاً!! كانا يرسمان بأقلام الرَّصاص الغامقة ( B4 أو B6 ) وبالفحم. وكان سعد يرسم مناظر ليليَّة، حيث السَّواد يغطِّي كل الورقة. النُّجوم، الأبنية، الشُّخوص، الأشياء، تحدد بما يُترك من فراغات قليلة. بقعٌ أو خطوطٌ لم تطلس بالأسود. 4- ما أن اطَّلعت على رسوم مأمون وسعد حتَّى تأثرت مباشرةً بها. وكأن ذلك ما كنت أحتاجه، صارت خطوطي أشدَّ حدّة، وما عادت تحيط الأشكال التي أرسمها بتلك اللّيونة والتَّردُّد، تركت أصابع الباستيل والشَّمع، وأقلام الرَّصاص الرَّمادية HB التي ما كنت أعلم بوجود سواها، ورحت أخطُّ وأظلِّل بأقلام رصاصٍ ذات القلوب الغليظة الفاحمة، وأرسم بالحبر الصِّيني أحياناً بتدرُّجاتٍ رماديَّة بعد خلطه بالماء وغالباً بدون تدرُّجات، كما تغيَّرت مواضيع رسومي، من شخوصٍ لهم صبغةٌ شاعريَّةٌ ورمزيَّة، كشخوص جبران وبليك، يعبرون عن حالاتٍ معنويَّة، شعريَّة، كالعزلة، والموت، والخوف، والمقاومة أيضاً!! إلى أناسٍ يجلسون في الحدائق، أو ينتظرون في مركز هاتف، أو يقرأون كتاباً، أو يقفون لا يفعلون شيئاً. ولم تنفع وقتها تحذيرات بسَّام لي، أو محاولاته بأن أبقى بجانبه: ( نحن نرسم كبيكاسو ودالي!) كان يقول لي : ( إيَّاك أن تدعهما يؤثِّران عليك، نحن أفضل منهما، إنَّهما يرسمان الإنسان مرتدياً ثياباً عاديَّة، هذا ما يجعله محدوداً في الزمان والمكان. نحن نرسمه عارياً كالحقيقة، خالداً ). 5- إلاَّ أن الإنسان فان، والحقيقة دائماً ترتدي شيئاً ما، قميصاً، أو قناعاً، أو قبعة. الحقيقة تذهب وتأتي، تظهر وتختفي، ترتدي واقعاً. من وقتها لم أرسم عراةً، سوى بعض النساء والأشجار. 6- ربّما على الرَّسَّام، بطريقةٍ ما، أن يكون باحثاً عن الحقيقة، إلاَّ أنَّه ليس فيلسوفاً. الرَّسم فن يعتني، ويركز اهتمامه، بالأشكال، يخطِّط ويلوِّن سطوحاً، أمّا طبقاته التَّحتيّة، طبقةً تحت طبقة، وصولاً إلى قاعه، فعليك أنت كمشاهد، أن تكون غوّاصاً. أن تتعلم كيف تؤدّي بنفسك قوس الغطّاس؟ 7- من بين الاثنين، كان يبدو أن مأمون هو الأرسم، الأشد تمكُّناً في الرّسم، كان يبدو وكأن سعد يمشي خلفه، كان مأمون من يتكلَّم وعلى سعد أن يصغي أو يزيد وأحياناً يختلف. لكن سعد كان الأكثر انشغالاً، الأكثر تورُّطاً، الأكثر انفعالاً في الرَّسم. آخذاً رسمه، منذ البداية، على أنَّه سمة شخصية، كاريكتر، وهكذا كان على سعد أن يبقى رسّاماً، رسّاماً أحادياً، رساماً مطلقاً، أمّا مأمون فقد صار إلى أشياء أخرى كثيرة. 8- كان مأمون يرسم بخطٍ قويٍ قاسٍ صحيحٍ...منظوريَّاً وتشريحياً، كان سعد يرسم بخطٍّ قويٍ قاسٍ، غير خاضعٍ للمنظور أو التَّشريح، خاطئ...خاص. 9- كنّا نتبارز بالرَّسم بقلم الرَّصاص، كما يتبارز الفرسان بالسِّيوف، أن يكون للواحد منّا خطٌّ قوي، هو ما يجعله يحوز على اعتراف الآخرين وإعجابهم. أمّا اللون فيأتي لاحقاً... أخبرني مأمون بإعجاب لؤي بخطّي، وقال لي إنَّه سرَّهُ ذلك، وإن عليَّ أن أزيد من اهتمامي بتحسينه وتقويته فلا زال برأيه يعاني رقةً ما. ربما لأنَّه كان يكرزُّ لي: ( عندما يصير لديكَ خطٌّ قويٌ يصير لديكَ لونٌ قويٌ! ). آمنت بهذا حتَّى جاء الوقت الذي شككت فيه بكلِّ شيء. 10- انتسب سعد في عام 1970 لكليَّة الفنون الجميلة، والأخرق يحلو له دائماً أن يذكِّر أنَّه حصل على التَّرتيب الأول في مسابقة القبول، لكنَّه لا يكمل ويقول إنَّه تركها بعد ذلك بسنتين، لأنَّه وجدها لا تعلمه شيئاً! مع أني أرى في ذلك واحدةً من أهمِّ مآثره. 11- منذ بداية السَّبعينات، بعمر 21 و22 عاماً، أي لم يستغرق الأمر سوى سنواتٍ قليلة من تخرجه من مركز الفنون التَّشكيلية بحلب، الذي كان يديره ويدرس به الراحل إسماعيل حسني مع فنانين معروفين، أحدهم الراحل طالب يازجي، المكان الذي أخذ منه سعد عدَّته الفنية الأولى، وتعرفَّ به على رسامين كمأمون صقال وعبد الرحيم ططري، وحيد مغاربة ، صار لسعد يكن اسمٌ، وصار له موقعٌ في واجهة الفن التَّشكيلي السوري. رغم أنَّه، أو ربما لأنَّه، ما أن تمكن من أدواته، حتَّى استدار، ليس إلى اليمين أو اليسار بل إلى داخله، أي لأن يكون مأساوياً وفاجعاً! أقام معرضين بالأسود والأبيض في عامي /1970و1971/الثاني بعنوان ( الرَّفض ) لا أناس لؤي كيالي، الحزانى والمهزومين والوحيدين، ولا شخوص مروان قصاب باشي ذوو الرؤوس الكبيرة والأطراف الرفيعة الواهية، ولا حتَّى مسوخ فرانسيس بيكون الذين خضعوا لتيارات شعورية قويَّة تسحب وتلفُّ ملامحهم وتقاطيعهم غير الإنسانية، يعادلون واحداً بالمائة من فجائعيَّة الصُّور التي يرسم بها سعد أبطاله. الأمر الذي اعتبره البعض تشويهاً زائداً عن الحدّ الذي يسمح أن يبقى فنّاً. وأن يبقى على أيِّ نحوٍ جمالاً، وكأن للفنّ حدّ! وكأن للجمال حدّ!!. 12- عرفته منذ البداية شخصاً خفيفاً، مزوحاً، ليس سعد من أولئك الذين يتباهون بكدرهم، وينشرون أينما حلّوا كآبتهم وسوء مزاجهم. في السهرات يعتني بالجميع وأنت تظنُّ أنَّه يعتني بك فقط، يسألك: هل تأكل؟ هل يعجبك الشّراب!؟ لا يبطل مداعباته، وأكثر ما يضحكني عندما يتكلم بجديَّة، لأنني عند ذلك أكون في الدرجة الدنيا التي تسمح لي بتصديقه.ولكن خلف ذلك القناع، السطح، من الكياسة واللطف، من الاهتمام الزائد بتقسيم النَّهار إلى حصصٍ تتوزع بدقةٍ على الآخرين والأماكن والواجبات،والحرص على نظافة السيّارة والثياب والبيت، وطقوس أي شيء، إضافة للا مبالاته بلأحكام العامة، لامبالاته بأي نوعٍ من العموميات، عدميته الفلسفية، لا أحد يستطيع أن يخمن ما يكمن في قاعه، ما تكاد لا تستطيع تمييزه، وإن فعلت فسوف تحسبه ميتاً، لولا أنَّك، بإطالة النَّظر، تلحظ كيف يحرِّك، من حينٍ لآخر، ذيله . 13- عناوين معارضه : أسود وأبيض، الرَّفض، الطَّوفان والنساء، جلجامش، الطَّرب في حلب! التَّحرر، متاهات الأسئلة، رجل يسكن على الجدار! 14- ماذا يحيا في داخل سعد!؟ ماذا يربض في قاعه، إنَّه يرينا إيّاه ولا نراه، أو إنّنا نراه ولا نصدقه. إذن على من تقع المسؤولية في حالٍ كهذه؟ 15- في عام 1972 أقام مع وحيد مغاربة و.. لؤي كيالي معرضاً دعوه ( ثلاثة فنَّانين من حلب ) في دار الفن والأدب في بيروت. كان سعد هو أعجوبة الثلاثة! خطف الأضواء حتَّى من لؤي! أذكر أني قرأت وقتها ما كتبته النّاقدة اللبنانيّة لور غريّب، بأنّ لوحات سعد يكن غريبة جداً ولكن الأغرب منها سعد نفسه. 16- أحد موضوعات رسم سعد الأثيرة، المقاهي، الملاهي الليلية بالأخص. كراسٍ بقوائم نحيلة شاغرة أحياناً ومشغولة غالباً بأناس جالسين عليها، أو على حوافِّها، لا يقر لهم قرار، تخت شرقي من عازفين يذوبون حناناً وهم يحضنون أعوادهم ويضعون خدودهم السائلة على كمنجاتهم، ومغنون يتطايرون في الهواء الخانق لملاهي معتمة إلا من مصابيح شحيحة الضَّوء، وراقصات يتفجرن ويتشظين بألوانهنَّ القزحية، الفوسفورية تقريباً، تماماً في مراكز اللَّوحات. يسقط عليهم جميعهم، على وجوههم وأكتافهم، حزم ضوءٍ اصطناعيٍ لا أحد يعلم من أين يأتي سعد بها، كأِشعة شمسٍ تخترق وتتسلل من بين غيوم الدُّخان الكثيفة، أو من شقوق غطاء صندوقٍ كبيرٍ يحتوي بداخله هؤلاء اللذين يتكشَّفون لنا في لوحاته. ملاهي سعد وروَّادها وموسيقيوها ومغنوها وراقصاتها وكراسيها وطاولاتها ومصابيحها، كانت وما زالت، وهذا حكمٌ يوافقني عليه الكثيرون، أهم ما قدَّمه سعد في تجربته التَّشكيلية عامَّة، وذلك لأنَّها واحدةٌ من التَّجارب الشَّديدة الخصوصيَّة في التَّشكيل السُّوري والعربي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع ( 2 من 2 )
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.
-
مزهرية على هيئة قبضة يد ) في قبضة شاعر مصري شاب )
-
هل /13000/ أو/ 17000/ جندي سوري يكفي لاحتلال لبنان .... علام
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ): 8 والأخير - أَجري خَلفَ كُلِّ شَيءٍ
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) -7 : خرائط للعميان
-
ـ( الشاي ليس بطيئاً ) 5- تَحتَ لِحافِ صَمتي
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) 4- عَبَّاس وَالوَطواط في بَيروت ، وَر
...
-
الشاي ليس بطيئاً - 3-... حُلواً ومُرَّاً بِطَعمِ الصَّدَ
-
الشاي ليس بطيئاً - 2- هدايا البخيل
-
الشاي ليس بطيئاً ) 1- يَحسَبُني الدُّخانُ نافِذَة )
-
الشاي ليس بطيئاً ) بالمجان )
-
رامبو الأزعر بالعربية
-
( يوم التمديد 3/9/2004 - ( 2 من 2
-
هل إسلام تركيا... هو وحده طرفا المعادلة !
-
النص الكامل لمقابلتي مع عباس بيضون.
-
يوم التمديد 3/9/2004-( 1 من 2 )ـ
-
مهرجان ، مهرجون، مهرجنون !!
-
صاح الحشد : اقتلوه اقتلوه
-
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 6 – الأخير ) – لمن
...
-
أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 5 ) – لمن العالم ؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|