عادل حرمة الله
الحوار المتمدن-العدد: 3804 - 2012 / 7 / 30 - 20:41
المحور:
الادب والفن
لا تاريخ بدون وثائق.كما انه لا تاريخ بدون مناهج.إن نظرة المؤرخ للتاريخ عرفت تطورات عدة عبر الأزمنة.إلا أن الاهتمام الأوسع بالموضوع المنهجي والفلسفي للتاريخ كان أكثر وضوحا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
فالمتغيرات التي عرفها القرن العشرين.وخاصة العوامل الاقتصادية الاجتماعية والمؤثرات الفلسفية. أثرت في التوجهات الفكرية للمؤرخين حين مقاربتهم للظاهرة التاريخية.فظهرت مجموعة من المدارس التاريخية.
المدرسة التاريخانية من بين هذه التوجهات الفكرية التي كانت ولازالت لها أهميتها في مقاربة الكتابة التاريخية و التاريخ بصفة عامة.
فقد تعددت تفسيرات التاريخ اعتمادا على تفسير الحوادث التاريخية.فهناك التفسير العقلاني للتاريخ يستند إلى الفكرة القائلة بان أحداث التاريخ تكمن وراءها إرادة
مخططة ومن تم فهي ليست وليدة للصدفة،ويرى هيجل (1770_1831)أن تلك الإرادة هي روح العالم كما يرى أن الجدل هو مبدأ الحياة كلها وان التاريخ يمثل مفاهيم متناقضة على الدوام تؤدي إلى ظهور مفاهيم جديدة،ومن تم فان الفكرة الرئيسية عند هيجل هي فكرة عقلانية التاريخ.
كما انه هناك التفسير المادي للتاريخ والذي يقلل من أهمية الجوانب الروحية من الدين و الأخلاق مشيرا إلى أنها ليست سوى أوهام ابتكرتها الطبقة البورجوازية تيسيرا للاستغلال ومن تم فان تفسير التاريخ في إطار النظرية المادية إنما يتم من خلال عامل واحد أيضا هو العامل الاقتصادي والذي يمثله الصراع بين طبقات
المجتمع عبرالعصور
فالتاريخ ما هو إلا سجل تطور المجتمعات الإنسانية والذي تتضح من خلاله العوامل والمسببات التي أدت إلى الظاهرة والحادثة وأحدثت التطور التاريخي و حددت له اتجاها معنيا،وهذا معناه تفسير جمعي متعدد وليس مجرد تفسير مفرد للظاهرة او الحادثة التاريخية .الأمر الذي يؤكد أهمية النظر إلى الحادثة أو الظاهرة التاريخية في ضوء العوامل الحقيقية،تفسير يراعي التطورات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والفكرية التي تركت بصمتها على شتى جوانب مجتمع ما في زمن معين
إنني من خلال هدا العرض لن أركز بحثي هذا على الأمور التقنية .بل سأسعى إلى أن أكون مركزا على التاريخ كفكر و كمبدأ للحياة .وكل ذالك من خلال مسائلتنا للمدرسة التاريخانية.وكذا مقاربتنا لفكر عبد الله العروي.
التاريخانيةhistoricisme) )الأصول
يقول عبد الله العروي"التاريخية(هيسطوريسم)شيء والتاريخانية(هيسطوريسيسم )شيء آخر...نستطيع أن نقرر ان التاريخانية هي فلسفة كل مؤرخ يعتقد أن التاريخ هو وحده العامل المؤثر في أحوال البشر,بمعنى انه وحده سبب و غاية الحوادث" 1 هكذا تعرَف التاريخانية كفلسفة للتاريخ و كموجه للمؤرخ و للبشرية ,منهج علمي يتأسس على نظريات تتأسس بدورها على الماضي و على الحاضر و المستقبل.
ترجع أصول التاريخانية كفكر و كفلسفة إلى كل زمن,فقد استعملها الإنسان عن قصد أو عن غير قصد كمنهج للفكر .يقول احد الفلاسفة وهو بوركهارت "أصبحنا لا نفهم أيا من شؤون الماضي,كلمة فكرة حكم نظام سلوك..الخ إلا إذا عدنا بدهننا إلى ظروف نشأته "2
متى بدأت المدرسة التاريخانية بالإنتاج والظهور ؟سؤال يؤرق المهتمين لكن يرجح أنها جاءت تماشيا مع التطورات الفكرية والعلمية والسياسية ..وغيرها التي عرفتها الثورة الفرنسية,فكانت التاريخانية فكرا يشجع على إدراك خصوصية الأحوال و تطورها و ترابطها كنتيجة مع الزمن مع الأخلاق ومع الغاية و ماهية الأشياء.
لقد كان مصير التاريخانية كفكر مثل باقي الفلسفات أن تهاجم بل أن تتعرض للانقسامية ,يقول عبد الله العروي" تفرعت التاريخانية على مستوى الاختيار الفلسفي ,إلى اتجاهين الأول تقليدي ديني وأحيانا غنوصي يتكلم فيه المؤرخ كلام العارف المطلع على أسرار الكون ,والثاني انسي دنيوي موضوعي يقول فيه المؤرخ ما يستطيع أن يقوله مخلوق محدود القدرات ...إن التاريخانية بفرعيها كانت خطوة حاسمة على طريق علمنة الفكر التقليدي."
المحورالثاني: نظرة التاريخانية للتاريخ
يقول رنكة,و هو من اكبر المنظرين للتاريخانية في كتابه "أصول التاريخانية "
"لقد ادعى البعض أن التاريخ محكمة الماضي و مدرسة الحاضر لتنتفع به أجيال المستقبل ,إن عملي هنا لا يتطلع إلى تحقيق مثل هده الأهداف السامية و انما يرمي فقط إلى وصف حوادث الماضي كما حدثت فعلا "
كما يقول "كل حقبة من التاريخ هي في جوار الله قيمتها في ذاتها وليس فيما ترتب عنها"
يبدو الموقف من خلال أراء رنكة تكريس للتقليد و هو أمر له ايجابياته حيث يدعو المؤرخ إلى للبحث في المادة التاريخية .لكن يجعل من التاريخ مادة جوفاء خالية من المدلول و الغاية فلا فرق هنا بين التاريخاني و الوضعاني في دراسة التاريخ
يقول عبد الله العروي في كتابه مفهوم التاريخ معرفا التاريخ "التاريخ شأن موضوعي لأنه خارج ذات الباحث و الباحث يكون موضوعيا بقدر ما يقدم منطق ما يدرس على منطقه"
تتحدث التاريخانية إذن عن المنجز من أعمال البشر،عن ماضي الإنسان لذلك فهي تؤسس لنسق مفاهيمي مبني على أحداث تاريخية أكيدة،بل و مقتنعة بوحدة التاريخ البشري وبالموضوعية كخاصية ملازمة لكل عمل تاريخي, هدفها من الماضي محاكمة الحاضر و هكذا يصبح التاريخ تجليا للوعي عبر المراحل و الحقب و يتعالى عن سجن نفسه في الشواهد و الأمور التقنية الأخرى.
يقول عبد الله العروي في نفس المرجع."فالتاريخانية ليست إحدى الفلسفات و النظريات بل إنها منطق التاريخ .ان التاريخ حسب التاريخانية كمفهوم وروح يتجسد دائما في دولة في ثقافة بل إن التاريخ يتجسد دائما في بطل . وهذا ما يعرض التاريخانية أيضا إلى اتهامها أنها تقدس الأبطال و تعطيهم المشروعية للاستبداد،وهو اتهام ألصق بها بعد وصول أنظمة شمولية إلى الحكم بعد الحرب العالمية الأولى.
التاريخانية كنزعة فكرية تقول بأن إطلاق حرية الفرد تؤدي إلى الإرهاب،إذ كانت تؤمن بدور الأبطال التاريخيين فهذا يرجع إلى دورهم المحرك للتاريخ.
تؤمن التاريخانية في نظرتها للتاريخ بحتمية الإحداث تبعا لحتمية القوانين الطبيعية عند الانسان ما قبل التاريخ و تبعا لحتمية القواعد عند الإنسان التاريخي فالحتمية هنا تعني قانون الذات أي غير المفروضة عليها من الخارج.
و خلاصة هذا القول تعني
- ثبوت قوانين التطور التاريخي.
- وحدة الاتجاه(الماضي-المستقبل).
ترى التاريخانية أن الحاضر مرتبط بالماضي عبر مفهوم الاستحضار "إن الإنسان بصفته فاعلا يستحضر الماضي في كل دقيقة من حياته الواعية"
ادا فالتاريخ لا يعيد نفسه .لكن التاريخ محكوم بقوانين .فهناك مثلا مجتمعات متقدمة مرت عبر مسار تاريخي راسخ في وعيها و في مقاربتها للماضي .وهذا التقدم مسير بمحددات .يمكن للمجتمعات الأقل تقدما الاستفادة منها.
فغاية التاريخ إذا هي مواصلة بناء التاريخ و تكوين الإنسان كانسان.يقول العروي "لا تاريخ بدون وعي .وإذا كان الوعي فلا مناص من التاريخانية"
فالتاريخانية إذا رد علمي على التخلف بنواحيه.عبر فهم الحاضر انطلاقا من الماضي .ففكر التاريخانية يسعى إلى التأكيد على أن فهم التاريخ مترابط مع الحاضر و المستقبل0
القوانين التي تتحكم في التاريخ.اكدها ابن خلدون حيث اكد ان"تطور العمران يتاسس الى قانون عام لهذا التطور ,وقد اشار الى ان تاريخ الانسانية لا يسير اعتباطيا و انما يخضع لقانون يشتق من طبيعة الاجتماع البشري,وان هذه الطبيعة جزء لايتجزء من الطبيعة ,كما ان مظاهر الطبيعة على اختلافها تخضع لقوانين محدودة وكذالك عالم العمران البشري يتحرك وفق حدود مرسومة و قانون معين"
مقاربة لنموذج المؤرخ
يتسائل "عبد الله العروي" في كتابه "مجمل تاريخ المغرب " فيقول "اين مؤرخونا"
فباعتبار خلفيته التاريخانية وتجربته الميدانية كان العروي في كتابه المذكور سابقا, موجها للمؤرخين اكثر منه مؤرخا .
فمن ادوار المؤرخ حسب العروي هوان يصحح الاخطاء ويتعالى عن سفاسف المؤرخين و يتجاوز التخصص المفرط
فصناعة التاريخ تحتاج الى صناعة مؤرخ يحسن استحضار التاريخ وهذا يعني محاولة دائمة لتوجيه دهنية المؤرخ.
يقول ابن خلدون ان التاريخ"اصيل في الحكمة عريق وجدير بان يعد في علومها و خليق, وان فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبو اخبار الايام وجمعوها ,و سطروها في صفحات الدفاتر و اودعوها "
فهنا ابن خلدون يشير الى تلك الدهنية بوضوح حيث يدعو الى استيعاب الاخبار و جمعها و تصنيفها .فالاستيعاب للماضي يحتاج فكرا و دهنية تلائم وتتاقلم مع مقاربة ذلك الماضي على مستوياته الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية و الثقافيةو التقنية..
فمسؤلية المؤرخ اذا هي الهذف المنشود عبر"القيام بالنقد اللا زم والتقويم الصحيح لاجلاء الحقائق و الاحكام و الوصول الى المعرفة المجردة الصادقة المستقلة عن الغرض الذاتي "
الاان مايميز التاريخاني هو انه"مقتنع ان التاريخ خاضع لقوانين قارة تسير به في اتجاه مرسوم نحو غاية محققة ,فالغاية هي المثل الاعلى و المعيار الاصل"
ادا فعلى المؤرخ ان يتسلح بهده القوانين حتى يستوعب التاريخ فيكون بدالك صانعا للتاريخ الاشكالي بدل التاريخ الحدثي الأجوف.
وفي الختام,يبدو ان الحديث عن المدرسة التاريخانية وفكر عبدالله العروي المتميز بطغيان الفلسفة التاريخية,امر يستحق اكثر من عرض متواضع .بل ان مناقشة هدا الفكر تحتاج الى زاد معرفي يوازي ما تحمله افكار عبد الله العروي من مدلولات.كما ان عبد الله العروي حين استناده الى اسلوب التؤويل للتاريخ من اجل استنباط احكام قيمة تخدم الحاضر والمستقبل هو امر يضع هدا التوجه في تيار من الانتقاد المبني على نفس الاسلوب الدي اعتمده العروي و هو التؤويل .
ان امن اهم ما دعى له عبد الله العروي في دراسة التاريخ هو دعوته للتاريخ الشامل و الذي من خلاله تظهر أهمية التاريخ المقارن، والذي يظهر عند العروي كواحد من المفاتيح المهمة لقراءة التاريخ واستيعابه.
الحقيقة التاريخية امر نسبي لكن هذا لا يعني التخلي عن الموضوعية لانها امر لا محيد عنه.و الموضوعية تكون باعطاء الوثيقة التاريخية حقها من الاهتمام و الدراسة في أي عمل تاريخي و استنطاقها بحسب المواضيع الاشكالية لابالتركيز على الحقب التاريخية.
في الاخير يمككنني القول أن التاريخانية عندىعبد الله العروي هي ماركسية_تاريخانية.بناها العروي على منجزات الليبيرالية.
#عادل_حرمة_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
