|
ارهاصات مربعة
احمد مصارع
الحوار المتمدن-العدد: 1111 - 2005 / 2 / 16 - 11:01
المحور:
الادب والفن
إرهـاصات مربعــة تعود اوديسيوس كلما عاد إلى إتكا منتصراً في حراسة فينوس ، ولكنه عاد هذه المرة ولم تظهر له .. ! ؟
في كلِّ أربع سنوات ، يحدث لي شيء غير عادي ... والرحلة ُ مستمرة . ففي أزمنة قريبة ، تنطوي دهشة غريبة . فما هذا الشيء المماثل أمامي ؟ أُحسُّ به ولا أراه ! كيف لي أن أفهمه ؟ الحاجز يبدو شفافاً ويخفي خلفه سراً يعبث بالعقل ويهزؤا من خبرتي بالحياة الماثل أمامي ماذا يكون ؟ ظلالٌ حقيقية ! ولافرق إن قلت حقيقة ظليِّه . ( - إنْ كُنْتِ أنتِ فينوس ، حقاً ، فأزيحي قليلاً عن وجهك أحد الأقنعة ) ( ... الجمالُ لا يكسُف عن سره أبداً ، أنت من أحفاد اوديسيوس ولكنك لست في أتيكا .... ) ( هذا شيُ مريب ! .. ولعل الجمالُ مخيف يافينوس ! ) ( إلى متى تبقى الهيولي تلهو بالحدس ؟ تشحنه بالأمل ليغني طرباً بين حين وآخر ) ( ... انظر إلى تضاريس الجسد ... لاتقل لا أرى شيئاً .. ) ( ... ففي كلِّ خليّةٍ بضّهُ ، تنبض الروح ، الروح التي تنساب كالشلال الأبدي ) ( حياةٌ تتخطى حواجز المعقول ، ثم تهزأ بالحواس ، حتى تغيب الحواس عن الوعي دون أن تتخطى ) ( الجدران المكهربة للحدس ، وهكذا أبصر آدم حواء فارتمى على الأرض فالتقفته حواء فتعادلا في توازن قلق وبين الأرض والسماء ) . ( وهرعت الملائكة لتحمي الحياة فلا فمعنى للانتظام في النظام المطلق ) لماذا أنتم المصنوعون من لحم ودمْ ؟ العقل والشعور والجمال في اضطراب شديد وألم ؟ معلقون في غياهب الوجود والعدم... هذا ماحدث ؟ ( ولن تفيدنا الحسرة، كما لن ينفعكم ندم ؟ .. ) أُمسكُ بخيط ٍ كان رسماً لدائرة ، أبحث عن شكل مربع ... يكاد الخيط أن يتحول إلى شكل مربع ولكن السؤال المتوحش هو كيف يمكن لذلك أن يحدث ؟ بين الحس والحدس تكمن الدهشة القريبة والغريبة. أغلفة شفافة ... كل شيْ مغلف . الغلاف شفاف ولكن الضوء لا يخترقه أغلفة على طبقات مشابهة لمدى اللانهاية الرياضي . تموج كالسراب وتتمرى كالماء . الارتياب وحمى البحث عن الصواب واجتناب الخطأ وهذا الفضول الذي لا يكف عن الهدير . سدود كبيرة جعلت أعتى الأنهار تكف عن الهدير الحدود الصخرية الضخمة تتضاءل بينما الأغلفة الرقيقة كالحرير تتكاثف وتتضخم لتصير لا متناهية ولا محدودة . في كل أربع سنوات يحدث لي شيء . شيء غير عادي . أتغير ، المكان من حولي يتغير ، الإحداثيات القديمة تدفعني بقوة نحو إحداثيات جديدة وليس كل ماهو جديد يدل على السرور . ما كان قائماً في الأمكنة القديمة يهوى من هزة الزلزال ، وتتشظى سطوح البلور . والإحداثيات الجديدة تعيد ترميمي إلى شكل مربع جديد سيتكسر في أربعة أخرى ولكن من زجاج جديد ، كيف أتحمل آلام الجدة والصهر في بواتق وفي طريق العودة والتكرار ، وفي زحمة الأيام أنسى . أتصالح مع الله ، أستسبح وأستسلم . ويبقى الدوران مربعاً . الثوان الأربع والدقائق الأربع ... الساعات والأيام والشهور والسنوات والعقود... من النوع 4ً – 4َ – 4ْ، واليوم الرابع في الشهر الرابع في السنة 4444 الشكل مربع والزمن مربع معلق على دورية التربيع. توافق الصدفة المربعة مجتمعة على شظايا متفرقة من عمري المتناثر مثل كثبان رمل قزمية في بدايات الصحارى المقفرة . رهصتي المربعة ليست داء ولاوباء والصبر على تهاديها هو بالنسبة لي خير دواء ، بالتوازي معها في هدأة الروح لتهبط شظايايّ المتكسرة كالأجنحة الخفيفة ، كالفقاعات في الهواء وكالفلين على الماء . في كل دوران للشمس مربع أو رباعي يصدر الزمن كبسة. يحدث هذا في السنة الكبيسة ، المكبس الزمني يصفق في حيز عمري محاولاً إعادة الخيط هو خيط محيط دائرتي إلى الشكل المربع . إنّ من يعاني قد يتألم، وطريف أن أكون ( المريض أنا. والطبيب أنا.. ) وظرافة الصبر الهادئ لا تغلق الباب على المصاريع ، ويمكن للبحث أن يظهر اللجاجة ، أو يملأ المكان بالعجاج . ما الخطوة الأولى لقدم بشري على كوكب لانعرفه أبداً !ًًً اجمع البيانات عن ماهو غير مبين ودعها تتجاور مع بعضها البعض رغم بعد الشق وعمق الهاوية واجعل نظرتك إليها كاللقطة البانورامية وحاول النفاذ من الحس إلى الحدس ، فيما وراء الأغلفة الشفافة . ( يا آدم ستظلُّ كالفراش المنجذب نحو الضوء ، وستبقى تمسد تضاريس جسد حواء تتشبث كالغريق بجمالها فكيف يمكن لك أن تتطلع بعيداً عن الضوء ، لتنفذ إلى النور الأجمل .. فطريق الجمال ، لامركب إليه أبداً ، أبداً ودونه اليأس والمحال . ) في كل أربع سنوات يحدث لي شيء غير عادي . شيء يجذبني في مسار إلكترون قريب جداً، وبعيد جداً.. عن مركز النواة عن نواة الذرة وبين الموجة والجسيم . بين الطيف والمادة يكون لزاماً عليّ أن أستدير وأن أتربع. في آنٍ واحد معاً وربما أرتاب في ضميري ، لأنني في هذه اللحظات الخلابة . حيث تغلبني الدهشة وتحكمني الرعشة . حسناً لنجمع البيانات ، مالايضرُّ ولا ينفع . البيانات موجودة ولكن لا تدعها تختلط بين ماهو لك وما هو لغيرك . قد تخطئ قليلاً ، فسنصحح كثيراً ، والآن هيا نبدأ ، باسم الله . الاستبيان الأول استعراض أدوات تاريخ قديم ، من صنع الزمن المتجدد ومن الأقوال والنظريات القابضة على الحقائق وتسانده بالحصى كي لا ينهار الجدار وكمخالب الطيور حين تقبض موكرة على الأسلاك الكهربائية وخطوط التوتر العالي ويتصادف أنها كالأحجار الكونية حين تعبر الفضاء ولا تحترق ... وتمر من خلل الشهب الحارقة . - الناس في الأنحاء الأربع في أربعة ألوان هي: الأحمر والأصفر والأبيض والأسود. بلى كل الحسن فيها أصيلة كانت أو هجينة واللون لا يكبو منه النظر ولا يخبو فيه الحس ونحو الجذر يتقارب الحدس ثم تتوحد الروح . - هي من عناصر العالم الأربع: الأرض والماء والهواء والنار، العدد رباعي ولكن التكافؤ واحدي والجسم الآدمي واحد. وأخلاطه الأربع، الدم والبلغم والصفراء والسوداء. مشاكله اللا منته على المنته وشبه المحدود على مؤكد اللامحدود لو قسمنا المعادن الثمينة على جيوبنا الفارغة فبم نملؤها ونحن نتاجر ولا نهاجر ؟ بالذهب الأحمر أم بالنحاس الأصفر ؟ بالفضة البيضاء أم بالحديد الأسود ؟ أين نضع البيرليوم الزمرد الأخضر في جيب الهجانة أم نعلقه فوق مشجب ( إرهاص مربع ) ؟ وإن كنت حامضاً كبريتياً فسيضحك من ضعفك فلز الليثيوم أم أنك ستتباهى عليه بحمرتك وهو الأبيض الفضي ؟ هذه الأشياء معادن للحس لحظة الحياة وفي التجارة ضيق أفق يتزلزل في حفر صغيرة يدعونها الربح أو الخسارة . ولدت وكان تاريخ ميلادي مضاعفاً للعدد أربعة ، ولكنه لم ينقش على صخرة متحجرة كشاهد ، فأين اسمي الذي كان محفوراً على جذع شجرة توت ضخمة ، ذات الجذوع الأربع فالأغصان الأربع ، فالطوابق كذلك . كانت تتدلى على أربعةُ أسوار وعلى أربعة بيوت وتثمر كل عام. بأربعة ألوان من التوت الشهي الطعم ذي الألوان الأربع الأبيض والأصفر والأسود والأحمر ، وكانت الطعوم كذلك بأربع درجات الحلو والمر والمزُّ واللفان . أذكر أربعاً من الأهل قضوا نحبهم، جدي الوحيد وعمتي الوحيدة وخالي الوحيد وخالتي.. وكان الحزن يخيم في كل مرة على البلدة الصغيرة لأكثر من أربع شهور ، لا نسمع أثناءها صوت طبلِّ أو مزمار، هرج عرس ، ولا حتى ضحكات امرأة وربما استغرق الحزن السنوات الأربع . الرقة مدينة عربية مرت بأربع مراحل ، لست باحثاً في التاريخ . الحجر والبرونز والزجاج ثم الرشيد ، .... الرقة أربع مدن أو ضواحي فيما مضى. الرقة الحمراء والرقة السمراء والرقة البيضاء والرقة السوداء وحتى تكتمل الألوان في الجسم الواحد ، سميت البلدة بالرافقة . القرن السادس عشر فالزمن واحد، والقبيلة العربية واحدة والعشائر أربع. ومن خيمة وخيمة من تبن ولبن من عمود خشب وحصير أو لباد ، صارت القرى .. بلدة واحدة فارتسمت علامة الضرب ، ما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب . أقام بها الرشيد ولم يقم ببغداد خلال السنوات الأربع ، ملقياً بظله الرهيب ، أكثر من أدغال أشجار الفرات ، يأمر في القارات الأربع . شبح الرشيد أم .... ظلال شجرة التوت رمز إرهاصات مربعة . البلدة مازالت صغيرة لأن معظم الأشياء فيها تحمل اسم الرشيد من الروضة إلى الابتدائية إلى الإعدادية ثم الثانوية وكل هذا لم يتحقق إلا من خلال مضاعفات الرقم أربعة . بوابات المدينة أربع ، سور دائري يضم المدينة المربعة . لماذا قطعت شجرة التوت ؟ وانمحى اسمي واحترق . وتطاوحت قشور الشجرة كأوراق الخريف بعد صيف لاهب .. رهاب السنة الكبيسة مازال يلقى ظلاله الموحشة على نسق حياتي ، فذكريات العشب الأخضر فوق الدور برائحة الزعتر البري باهتة أمام عنفوان الصخب والزبد من الفيض الفراتي .. لماذا جئت إلى هذا البلد الشقي ؟ سؤال لا خير منه ولا نفع .. أبداً ، هل كنت ضحية نقمة عارمة لسجناء السفسطة اللا أدرية في مارستان الرقة الرشيدي ، لأنني أقول : لست أدري . الله أعلم ولا أدري الشمس ليست مصدر تعاسة لأحد ، الشمس تمنح على الدوام الإنسان : السمرة والقوة والحظ والنجاح ..... لا . وليس العدد أربعة مشؤوماً ومصدر نحس وتطير . لا شيء فيه من السحر ولا الشفع ولا الوتر ، ولا يطلب أحد مني بذل الطعام أو وفاء النذر . المراصد الفلكية أربع وعلماء الفلك والرياضيات أربع. من هنا مرّوا ... الخوارزمي والبتاني وولدا موسى إن كان في الأربع تكرار ودوران فلماذا لم يبن المستعمرون الأربع الجسور الأربع، والمستشفيات الأربع وعلى نفس المنوال: الوزير والأمير والمدير والصعلوك.. لا .. لاشيء من هذا أبداً. من مركز البلدة أربع اتجاهات مضاءة بحدود الأربع مئة متر ، وكانت الحارات أربع ... نمشي هناك حرية للاختيار ... الأحذية المثقوبة تتمشى واللحم يرتطم بالحصى والرمل والزجاج واللهم أبعد المسمار الصدئ ، وجنبنا دوس العقرب الأصفر في الصيف ، أما في الشتاء فخفف علينا وطأة الوحل والماء والرطوبة والهواء، والثلج يجمد الأطراف . والثلج والريح والبرد والظلام ... أين نلتقي وقد تساوت في سواد الليل الفاحم كل الاتجاهات . لاشيء يفضح المكان إلاّ ضوء البحيرة الفراتية . العالم من حولنا الخرائب تلو الخرائب والدنيا أم العجائب. كان نهر الفرات يتكلم مزمجراً حين يفيض . أي عين سحرية يمكن لها أن ترى بحيرة الطمى .. بحيرة الشوكولا .. بحيرة البن البرازيلي ... أو يرى ألواح الطمي الطيني تتقطع ، كأكبر سطح مربع في العالم لأشهى الحلويات . الكيلو مترات الأربع في الاتجاهات الأربع تصرخ مزمجرة ... - إن العالم كله ماء ... وشهور الصيف الأربع ، كيف تمضي ؟ ! والليال المقمرة . لعب وسباحة ونزهة ثم نوم تحت السبابيط المربعة . السبابيط المربعة خيم من العرائش لأشجار الغرب والسوس والحور والزيزفون روائح أغصان وأوراق ذات عطر نفاذ من الطبيعة الساحرة، والرمال الذهبية... نقاء بلمعان الذهب ، الشمام الأخضر الذهبي الجوف يضوع كأروع رائحة ٍ عرفتها الدنيا .. لا بل الشاي الحلو من ماء الفرات الغضاري لم يضف إليه السكر . كانت ليالي الصيف ساحرة ، النهر في هدوئها يخفق بموسيقاه . وتظل النزهة عند الجسر العتيق حين تضطر للمرور من خلل أشجار زهر العنقود والزيزفون والحور والصفصاف وحين تنثال أنفاس معطرة بعبق الأشجار لم لا تصدح الحناجر بالعتابا والموليّا .. إلا الشتاء ، فالدخان الأخضر سام ، وساحات البيوت مرتع لجذوع أشجار عريقة ، لتحترق في مدافىء الحطب ، قرم الأشجار طاقة دفء شمسية ذات اتجاه واحد ، البطن ساخنة جداً والظهر بارد جداً ، تضارب بين الصيف والشتاء ، بين البرد والحر وحول مواقد الحطب وفوانيس الكاز واشتعال الحطب الأخضر .. إن مجرد تذكر تلك الرائحة المتآمرة على الشهيق والزفير ... إن هجمة الربو والاختناق قادمة عما قليل ، الغثيان والنوم على الأحلام والكوابيس المصروعة ... مرعبة تلك الظلال النارية، والخيالات التي ترتسم على الحيطان الباهتة.. كيف تخيفنا خيالاتنا ؟ ... بأنفسنا نعم ! من بظلالنا الشبحية نخاف .. ! فنحن نخيف أنفسنا بأنفسنا .. ! ... لماذا عدت إلى البلدة التي لم تصبح مدينة ، ولن تصير كذلك . لم تكن إلا شهادة ذاكرة ، ذاكرة من أخطاء التذكر . فالحدث يشاهد من الزوايا الأربع ، وحين يقع الاختلاف فمن يأخذ به ؟ !
الاستبيان الثالث
عند الجامع الأثري العتيق المحاط بسور شاهق من حجر الفخار والمليص بالطين الغضاري وقد ظل شامخاً منه بعد الخراب مئذنته العالية ، وبواباته الأحد عشر المتناظرة حول المركز وعدد من الساحات المبلطة وبعض أبراج المراقبة، قبة خضراء لمزار شريف وعدد صغير من القبور المحيطة به أصبحت شبه دارسه. كنا في هذا المكان نبدأ لعبة الضائع، أو المطاردة المخيفة والاختباء في أماكن تبعث على الخوف وفي الليالي المظلمة غالباً ما نركض مختبئين بشكل جماعي لكي نطرد الوحشة التي تسببها الظلال القاتمة وترسمها على أشكال من الوحوش الفاغرة الأفواه. كنت قد تخلفت قليلاً عن الالتحاق بمجموعتي الهاربة مما اضطرني للجري وحيداً بين الأطلال وفجأة حدث ما كنت أخشاه وأسمع به وأخشى أن أراه وجهاً بوجه ، والمسافة كافية ليبقى الخوف يمسك ببقايا الوعي قبل أن يشله الرعب عن الحركة ، شحطت بأقدامي على الأرض المبلطة ، تماماً كما تقدح حوافر الخيل على الطريق الصخرية . حدث ذلك في ثوان طويلة كدهر من الزمن . كان للجنيّة وجهاً أبيض مضيء وأربع جدائل فاحمة السواد سواداً زاهياً لماعاً ورغم خلفية المكان في ليل حالك الظلمة ، فقد كانت كتلتها محاطة بضوء فوسفوري ، ولقد سمعت هفهفة وخفقاً وصفقاً دافقاً للأجنحة والأيدي بين مشي وركض باتجاهي وبين رسو للخطة ثم طيران . تمكنت من النجاة والفرار ولا أدري كيف استطعت الهروب ؟ ! ففي عيونى بعض الجحوظ من تلك اللحظة ، ورغم قدرتي على الجرى لساعات دون تعب ولكنني أحسست بآلام في الخاصرتين من شدة الجري . حين دخلت المنزل خلسة، كان الجميع يغطُّ في نوم عميق. ورغم أن الجو صيفي والجميع ينام على المصاطب في حديقة المنزل ، إلا أنني حملت فراشي إلى الغرفة وأغلقت عليَّ نفسي الباب والشباك وصرت أبحث عن النسيان على فراش النوم ، يهزني الهلع هزاً ، ويمسك بي شيء من الرضى والإعجاب لما قمت من الهروب في الوقت المناسب لأن في غير ذلك يكون الهلاك أو المس والجنون . نعم حدث ذلك حوالي الرابعة ليلاً، لأنني تقلبت في الفراش مشدوداً ومتوتراً، ولم تمر ساعة حتى لاحت تباشير الفجر، ولم أغفوا إلا في ضحى النهار. نعم ، ولكن ... لقد كان الموقف عصبياً من إرهاصات مربعة ، له آثار ما بعديه . بينما كنا قد بدأنا الاستبيان، سلاماً وباسم الله. الاستبيان الرابع عدت إلى بلدي سنة 1996 وهي من السنوات الكبيسة ، بعد غياب عن البلد لمدة 24 سنة وهي من مضاعفات أربعة ، في حياة الهجرة أقمت في أربع دول وعملت في كل واحدة منها في أربع مدن ولم أقم في المدينة الواحدة أكثر من أربع سنوات والدول تقع في أربع قارات . ولاجتناب الاصطناع الطفيف سأذكر أهمها في هذا الاستبيان . انتهت حياة الغربة بقفزة تشبه قفزة الموت، لم أكن ابناً ضالاً ولكنني وجدت نفسي في ظلام السجن. من الغربة إلى السجن . حكمت لمدة أربع سنوات وجردت من الحقوق المدنية والعسكرية بمثل ما حكمت به. وأمضيت سنوات السجن بين أربعة سجون. سنوات السجن مرت بطيئة، الزمن النفسي في السجن لا يمحى من ذاكرتي أبداً لأنها سنوات غسيل للمخ وكما لو كان بعضاً من مخي قد خلع مني. فكل سجين حتماً يعتبر الحياة هي الحرية ونهار السجن بطيء مقيت وليله مشع بالأحلام الغريبة والمخاوف اللخطية ، وما الإنسان في السجن سوى الريشة التائهة في ليل عاصف من الزوابع المستمرة . قبل أن أخرج من السجن كان الأصدقاء يحتفلون لقرب مناسبة خروجي من السجن بالفرح. لكن أحدهم لغم فرحي بقنبلة موقوتة قائلاً – مرحى لك يا صديقي، في الغد سيذهبون بك الجناح الرابع الجناح د. سألته ما هو الجناح: د ؟ أجاب – خارج السجن ... إلى الحياة ألححت عليه – هل أقف هناك تحت الشمس وقتما أشاء .. فأجاب مطمئناً : ستشبع من الشمس ، ولكن ليس من الحرية فعلقت معاتباً - سامحك الله، وهل من الضروري أن تحملني خوفاً على الخوف. قال مازحاً – حتى لا تصطدم بالواقع . بعد أربع سنوات وأربع شهور وأربع أيام وأربع ساعات تقريباً خرجت من السجن العتيد إلى دنيا الله. أن اليوم في السنة 2004 ، سأحتفل قريباً بعد أن شبعت من حياة الحرية المنفردة بالتحول من لا مواطن إلى مواطن ، والأرض كما يذكر علماء الأرصاد يتهددها قصف شمسي هائل هذا العالم وإرهاصات مربعة تتهدد زمني النفسي المتداع ، حلقات من سلسلة متصلة تطوقني كقيد يستمد شكله من عمق اللا منته الرياضي . فخور بنفسي لأنني لا أمتلك شيء ولا يمتلكني شيء وكل ما أحلم به وأمله هو الخلاص في المجال الكهرمغناطيسي للإرهاصات المربعة . احمد مصارع الرقه-2003
#احمد_مصارع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حبابتي ترفه
-
العقل المعتاد والعقل خارق العادة ؟الجزء الأول
-
( جحاش برازي )
-
جنون الأسمر
-
سحقا لحضارة البلاستيك ..
-
نوار سعيد ,هل من مزيد ؟
-
الثورة بين الاصلاح والارهاب ؟
-
هل الحزب الشيوعي العراقي .. شيوعي ؟
-
جلاقه .. وليسلم العراق
-
دعوة الى بعج السفينة ؟
-
بين الصقور والحمائم هل تجرد العمائم ؟
-
عقل معتاد وعقل خارق للعادة ؟
-
الأ فلتحيا تشي غيفارا
-
ثقافة السلطة وسلطة الثقافة ؟
-
الشرق ولغز الثنائيات الجديدة ؟
-
عود على بدء
-
خطاب الرئيس بوش ونيران الحرية
-
ثنائيات متعالية على الحياة
-
المسلسل العربي , دراما بدون حياة أم ضدية مدنية ؟
-
الليبرالية الجديدة والأبورغالية القديمة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|