|
المعجزة الإسلامية التي أذهلت الغرب وأبكت الملايين
مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 3804 - 2012 / 7 / 30 - 09:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المسلمون أكثر الأمم خلطا للأمور، فهم يخلطون الديني بالسياسي والعاطفي بالعلمي والخرافي بالمنطقي، فلا غرابة ان تجد أنهم أكثر الشعوب تخلفا وإنغلاقا. هم فعلا يعيشون خارج مسار التاريخ منذ زمن بعيد لم يعد أحد يتذكر بدايته ولكن لا أحد من ذوي العقول ينكر ما وصلوا إليه من إنسداد أفق وإنحطاط على جميع المستويات: أخلاقيا (السعودية أحسن دليل على ذلك) وفكريا وحقوقيا وإقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا... إلخ. هم الآن في آخر ترتيب الإنسانية، في مرتبة لا يحسدهم عليها أحد، وهم الذين يقولون دائما: اللهم لا حسد... لن أتطرق في مقالي هذا لكل هذه المستويات من الإنحطاط، فذلك سيتطلب كتبا كثيرة وزمنا طويلا حتى نستطيع إتمام تلك المهمة... (ثم أن بعض الأمور والمجالات يجب تركها لأهل الإختصاص لأنهم أدرى بها منا وأوسع علما.) لكنني سأكتفي هنا ببعض أوجه التخلف في المجال العاطفي، هذا المجال الحيوي الذي طالما إستغلته بعض النفوس الخبيثة. لاحظت في المدة الأخيرة، على شبكة الفيسبوك، ظاهرة تفاقمت وأصبحت لا تحتمل ولا مجال للسكوت عنها. هذه الظاهرة تتمثل في إثارة المشاعر والعواطف الدينية لدى المسلمين بغرض إستمالتهم إلى صفحات معينة أو جعلهم ينشرون محتويات معينة دون أن يتحرك لديهم أي حس فكري ونقدي. أعطيكم مثالا: نشر أحدهم البارحة صورة للحافلة الحمراء ذات الطابقين التي عرضت في إفتتاح دورة الألعاب الأولمبية لهذه السنة في لندن، تلك الحافلة التي أضيفت لها يدان وعرضت وهي ترتفع وتنخفض كأنها رجل يقوم بحركات رياضية... كانت تلك الحافلة إبتكارا فنيا إستخدمه منظموا ذلك الإحتفال الرياضي لجلب الناس والزوار... نشر أحدهم تلك الصورة وكتب تحتها: "باص في لندن يسجد لله عند سماع آذان المغرب. إن كنت تحب الله فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله"، فإنهالت على الصورة تعليقات النسخ-لصق كلها تردد "سبحان الله"... وقد أحصيت عددا مهولا منها وصل إلى 279 تعليقا على هذه الشاكلة. فما هو تعليقكم؟ مثال آخر: نشر أحدهم صورة "مفبركة" تظهر جسد ديك عليه رأس كلب، وكتب نفس الملحوظة على صورته، مضيفا هذه الجملة: "إنها معجزة من معجزات الرحمان. أنشرها بقدر حبك لله، فإن لم تنشرها فإعلم أن الشيطان منعك". فوجدتها في كل مكان وعلى عدد كبير من "البروفايلات"... فما رأيكم؟ هذا ولن أتحدث عن العبارات الأخرى التي يستعملونها لإستمالة الناس وجذبهم للإستهزاء بهم من قبيل "المعجزة القرآنية التي أذهلت الغرب" و"الطفلة التي أبكت الملايين" و"أقسم بالله أن أنشرها بقدر حبي للرسول" (هذه وجدتها على صورة يزعمون أنها تمثل خصلة من شعر رسول المسلمين)، وغيرها من الترهات... رأيي الشخصي أن هؤلاء يتلاعبون بعقول المسلمين وبعواطفهم... لكن، ما الذي دفعهم إلى ذلك؟ الذي دفعهم إلى ذلك هو معرفتهم بأن المسلم معطل العقل ويفكر بعاطفته في كل شيء، خاصة إذا ما وقع ربط الأشياء بالإسلام وبالله وبالرسول. فلو كانوا غير متأكدين من ذلك لما فكر هؤلاء في "فبركة" صور لا أساس لها من الصحة (بل أكثرها مثير للضحك) ونشرها على أنها "معجزات ربانية" أو "علامة من علامات الساعة"... ولو كانوا غير متأكدين من جهل أغلب رواد الفيسبوك في العالم العربي الإسلامي لما تجرأ أحد على الإستهزاء بعقولهم... لكن ماذا نفعل والمسلمون يسبحون في وحل الجهل والغباء والعاطفة العمياء، بل ويصرون على عدم الخروج منها إلا للغوص في مستنقعات الصفحات الدينية التي أصبحت كالوباء المنتشر على "الفيسبوك" وأينما وليت وجهك على الأنترنات؟ قلت منذ دقائق أن وباء الإنحراف المعرفي هذا (لا أستطيع تسميته إلا هكذا) الذي أصاب أغلب المسلمين إستغلته بعض النفوس الخبيثة لخدمة مصالحها والضحك على ذقون هذه الأمة التي تدعي أنها خير أمة أخرجت للناس (فماذا لو كانت أسوأ أمة؟)... لن أتوسع في أمثلتي وسأقتصر على حيز مكاني محدد أعرفه جيدا وهو الجمهورية التونسية، هذه البلاد التي "بزغت منها شمس الربيع العربي" كما يقولون (غير أنه ربيع ملتح وأسود ولا ينبئ بخير)... لقد إستغل "حزب حركة النهضة" وهو الحزب الحاكم في تونس الآن (رغم أنه يمثل أحد أطراف ثلاثة في إئتلاف حكومي صوري)، والذي يفتخر بأنه حاز على أغلبية الأصوات في إنتخابات 23 أكتوبر 2011، إستغل مشاعر الناس قبل الإنتخابات فكان يقدم موائد إفطار في رمضان 2011 ويوزع الإعانات على المواطنين وينظم حفلات زواج جماعية ثم أتت الإنتخابات فكان أعضاء هذا الحزب يستبهلون الناس ويقولون لهم بأن "من ينتخب النهضة سيدخل الجنة" وأن "التصويت للنهضة فريضة إسلامية" وأن "من يعادي النهضة فهو كافر"، وصدقهم الناس حتى أن بعض العجائز كانت تسميه بـ"حزب الجنة"... ونجحت النهضة في الإنتخابات وجلس أعضاؤها على كل الكراسي... وقد قال رئيس الحكومة حمادي الجبالي (نهضوي أيضا) في كثير من المرات أن نجاحهم في الإنتخابات "لحظة ربانية" (هكذا)... وإدعى الشيخ راشد الغنوشي (الذي أسند له لقب "رضي الله تعالى عنه" من طرف شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي، الذي فضحت صحيفة "المغرب" التونسية لاحقا سوء أخلاقه وسلاطة لسانه)، زعيم ومؤسس حزب النهضة والحاكم الفعلي لكن من وراء الستار، في كثير من المرات أن حزبه يتحدث بإسم الإسلام وأن من ينتقده كافر... وصرح وزير الشؤون الدينية (نهضوي أيضا) نور الدين الخادمي أن "من يتعدى على مقر لحركة النهضة كمن يعتدي على مسجد... وكلها تصريحات تصب في نفس الخانة: الخطاب الشعبوي-الديني-العاطفي الذي يسخر من عقول الناس ويتلاعب بهم كما يشاء... والمثال الإخواني المصري لا يشذ عن هذه القاعدة، حيث أن الرئيس الإخواني الذي أفرزته الإنتخابات الأخيرة من هواة نفس الخطاب، بدليل الصور الكثيرة التي تنتشر على صفحات الفيسبوك والتي تظهره وهو يصلي في مكتبه... لكي يقولوا أن لديهم رئيسا "يخاف الله"... ولو كان لديه أي تقدير لشعبه ولقدراته الفكرية لما سمح بنشر تلك الصور... فهل إنتخبه الشعب للصلاة في مكتبه أم للعمل على إيجاد حلول لمشاكله؟ خلاصة القول أسئلة بسيطة لكن الإجابة عنها صعبة جدا في عالمنا العربي الإسلامي الذي يرزح تحت عشرات الآفات بداية من الفقر ومرورا بالجهل والإنغلاق الفكري حتى عند المتعلمين بسبب خلفيات تربوية وثقافية وإجتماعية لا تعطي للإنسان مكانته التي يستحقها ولا تمنح لعقله القيمة التي بها يستطيع أن يتطور ويساهم في تطوير مجتمعه. السؤال: إلى متى سيبقى العربي المسلم سجين تخلفه وعبدا يستعمله تجار الدين والسياسة ثم يرمونه في إنتظار الإستعمال القادم؟ إلى متى سيبقى العربي المسلم "مهرجا" لا قيمة له ولا مكانة؟ إلى متى سيبقى العربي المسلم سجين عاطفته ودينه وقد جرب آلاف المرات فلا نفعته الأولى ولا جعل منه الثاني إنسانا عاديا يستطيع الوقوف وقفة الند للند أمام الأمم الأخرى؟ فهل من إجابة؟
------------------------
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول زواج المسلم/ة من مسيحي أو يهودي ... الخ أو من لا ديني/ة
-
هل كان بالإمكان تفادي وصول الحكم في دول الربيع العربي إلى مر
...
-
كيف؟ كيف كانت بداية الإنهيار؟
-
الواقع في تونس بعد الثورة: جري نحو الهاوية بمباركة حزب النكب
...
-
نظرة على أخلاق رسول المسلمين وإدعاءاتهم بأنه خير الخلق
-
نظرية التطور والإرتقاء: بعض الامثلة على حقيقة التطور في المس
...
-
عودة إلى زعم المسلمين أن نظرية التطور الداروينية سقطت
-
نظرة في تخاريف ومزاعم المسلمين: هل الشورى هي الديمقراطية؟
-
رسالة إلى عبد الحكيم عثمان حول تهافت مقاله - ساعدوني حتى اصب
...
-
تخاريف شيوخ الإسلام: داعية كويتي يقترح استبدال اسم أم كلثوم
...
-
خواطر وأفكار حول سيطرة عقدة المؤامرة على نفسية المسلمين
-
افكار على هامش مقال بصحيفة الوطن الكويتية عنوانه - فحص العذر
...
-
حديث على هامش خبر اكتشاف جسيم يعتقد أنه النواة الأساسية للكو
...
-
فتاوى آخر الزمان: لهذا سيبقى المسلمون متخلفين إلى أن ينقرضوا
-
الدليل على أن العرب المسلمين هم أكثر الشعوب إختراعا وأخصبهم
...
-
سياسة الكيل بمكيالين في موقع -مقالاتي-
-
أصول فكرة الدين وتطورها عبر التاريخ - الجزء الثاني
-
أصول فكرة الدين وتطورها عبر التاريخ - الجزء الأول
-
رد على مقال عبد الحكيم عثمان: إثبات ان النصوص القرآنيه ليس ل
...
-
نعم، الإسلام هو سبب كل مآسي الشعوب الإسلامية
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|