|
قبو الذات المظلم
وديع شامخ
الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 17:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن تعريف الشيء يعني .. أما وضعه في إطاره المحدود المناسب ، أو نحت تابوته معا .. وفي هذا اشكال بيّن .. فمن هو الشيء القابل للتعريف ؟؟ هل هو شيء ما ، مادي مخصوص ... أم هو الانسان ؟ هذا سؤال في غاية التعقيد .. ويحتاج الى عمق ورؤيا في توضح الإلتباس المشاع في حقل التعريف والتخصيص ... فإذا ما فرضنا أن الماء الذي نشربه وهو أصل الحياة كلها ، يتوافر على تحديد كيمياوي بحصره بين " ذرتين هايدروجين وذرة أوكسجين " ويعضده التعريف الإخر بوصف الماء "خالي من الطعم واللون والرائحة" وبهذين التعريفين وضعنا الماء في مكانه المناسب لوظيفة واحده وهي " شرب ماء صاف" لادامة الحياة الانسانية .. وبهذا يمكن أن نحدّ الماء بسجن ما ، لكن الماء يتعدى حدوده الكيمياوية والمختبرية .. لوجوده في الطبيعة وبنسبة تصل الى حوالي 75% من حياة الكون بأسره .. فللماء سيرته الذاتية الذي ُيدوّنها المختبر والأفق معا .. وللماء صيروتة في " المطر وهو زرقة البحر وزرقة الموت.. وهو ساحل للعاشقين، ورؤى المتصوفة .. بالماء كل شيء كان وبه نكون .. وللماء نتائج في الارض .. طوفانا ، وفي السماء قوس قزح .. فمن يستطيع تحجيم الماء بتعريف !!! اذا كان هذا حال الماء ، فما بالنا بالانسان الذي هو سيد الماء .. وسيد الخليقة ومبرر وجودها .. فالحياة كم تساوي دون وجود البشر ..؟؟ يذهب الإنسان بعيدا في تخريفاته للوصول الى تحديده وتحجيمه بتجربته الذاتية فقط، وهي أقصر حلقة وأضيق فضاء من الوصول به الى التحديد .. والى التعريف .. لأن الإنسان مجبول على الطيران بجناحين ، اولهما التجربة الذاتية ومدخلاتها، والتجربة العامة بوصفها وعاءً أجتماعيا تفاعيلا ، يتميز عن غيره من الكائنات بعقله التوافقي والمتشكل من مكونين ، الذات والموضوع .. الانا وما تفرزه والآخر وما يقوله .. لايمكن للانسان أن يتمدّد على وسادة الذات وحدها لينام ويحلم .. في هكذا امتحان وفرز، نرى الذات المتورمة تدور على نيرها وتستمرأ صوتها ، مغلقة أذنيها وقلبها الى صوت العالم الموضوعي .. فالأسطورة تطير بجناحين ، الإيديولوجي واليوتوبي .. والانسان هو محصلة لاسطورته الخاصة ولا يريد الطيران حتى بجناح واحد .. لا يريد ان يتوافر على أذنين للسمع .. تراه مجبولا على حياة " الكهف الصالح" و" كهف ذاته" ، وبهذا يفقد الانسان خاصيته بوصفه منمط على تجربة عرجاء تسير في حقول الغام الحياة وفضائها اللانهائي . يضع الإنسان تجربته الذاتية كَحلّ وحيد لرسم خارطة الطريق لحياته .. متناسيا وعن عمد التجربة الانسانية بكليتها لصياغة إنسان متوازن .. يدخل الى جوف نفسه مذعنا الى صوته القادم من منظمومة مغلقة ، لان التجربة الذاتية لا يمكن لها أن تحدد الأفق بل هي تسير بالكائن الى متاهات، بسبب قصرها وعجزها ان تكون حكمة أو دليلا ..وبوصلة معصومة .. بل تكون سجنا قاتلا . لذا ستكون التجربة الذاتية وَهمٌ وسراب لانها لا تنمو وتتصالب في تفاعلها مع الذوات الآخرى ، العالم الموضوعي .. لإنتاح معرفة تامة الجناحين والأذنين .. ذات... لها القدرة على الإبداع الذاتي وَتقبّل الاختلاف المثمر الفعّال ، نتيجة لتلاقح الانسان بذاته والآخر بحقوقه وعقوقه . ............................... الإنسان الموسوم بذاته الخاوية يقع دائما في إشكال الاسئلة .. لأنه لا ينمو بها ... لا يريد سماع الأجوبة .. إلا تلك التي تأتي من " قبو ذاته " أو من صدى باهت له . وهنا لا يفوح عبير الأسئلة بالجدل والحوار .. بل رائحة البصل المنبعث من " قبو البصل " ذاته !! حيث النسوة يقلّمن أصابعهن بمرور " يوسف " الجميل حدّ اللعنة . وتكون الذات مؤولة لأحلامها ومنعزلة عن الحلم الجمعي .. ؟...................................................................... بهذا السياق فشلت التجربة الذاتية للإنسان وخصوصا الذي يعيش في مجتمعات العقد الإجتماعي والديمقراطيات وانفتاح الأفق وسيولة المعلومة وحرية الإستنتاج ، فشلت، في أن تقدّم الذات فاعليتها الانسانية المبدعة لانها لا تقاوم الحد المشروع للتفاعل مع الآخر ، الشريك ، المندغم ، الحبيب... الخ .. ذات صفراء تخاف من المشاركة والتفاعل .. تريد الإنطلاق من ذاتها وهي عاجزة عن تعريف ذاتها أصلا وتسويق نموذجها .. في الحقل الاجتماعي يحصل هذا النوع السلبي بمؤزارة جيوش من " الخدم ، المطيعين ، المريدين ، الإمعات السلبيّين في الإستجابة والتحدي.." .. وليت خطورة هذا النمط السلبي بقيت عند حدودها الإجتماعية وطقوسها المحصورة في التعريف .. ولكننا نجدها وللأسف قد تحولت الى نمط يراد له ان يشاع في حياتنا العامة بثرائها وتنوعها .. حياتنا التي تبدأ بالذات ولا تنتهي بها . .................................... إذا كان الماء مجرد مادة لإدامة الحياة فقط بوجودها الشكلي وبهذا يكتفي الماء في حصر تجربته الخالية من اللون والطعم والرائحة للمشاركة الإنسانية في تجارب ذواتها .. فأن الانسان لا يكن وسمه بسيمياء " تاتو" معينة لانه ليس حاصل جمع وليس نتاج قسمة وليس تناقض ضرب الأعداد .. لايمكن للانسان بتجربته الذاتية أن ينتج قوانينَ ابعد من ارنبة أنفه .. وبهذا يحفر قبره بيده .. هذا الانسان الدعيّ يريد أن يطير بتجربتة الذاتية وحدها .. وتلك بشارة سيئة لوصول الإنسان الى المجانية . .......................... وإذا ما نقلنا التجربة الإنسانية بوصفها شرطا لوجود الإنسان في محيطين " ذاتي وموضوعي" وسيكون الشعر أيضا محتاج الطيران .. وليس الى التعريف والتحديد .. الشاعر الاسباني لوركا رغم عدم ادعائه الحكمة، قال : إن الشكل والمضمون وحدهما لا يصنعان شعرا لأن الشكل هو اللحم والمضمون هو العظم ..أما الابداع فهو هاجع وراءهما في النخا ع .... أين نخاع التجربة الكليّة .، هل في التجربة الذاتية ونتائجها، أم في نخاع الكيان الكلي للتجربة بفضائها الواسع ، المتعدد ، المختلف ، المؤتلف ...، بوصفها أفقا وليس سجنا. النخاع يعني الخلاصة النوعية لوجود تجربة إنسانية ناضجة .. ليست مبنية على الجر والفتح والكسر بمقتضى ذات متورمة .. بل بمحمول افق شامل .. تلك هي حكاية النائم في " صومعة " الذات .. وحكاية الذي لا يشم غير رائحة أبطيه ، وهو يعني العفن السائل من تجربته الذاتية كمعطى أول وأخيرا ..!!!!!
...................................................................................................
#وديع_شامخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصغاء الى الآخر...ومحنة العبودية
-
إنقذوا المدرسة المستنصرية من -مكاره الأخلاق -
-
برطله واللعب بنار العراق
-
النصف المليان في كأس الإخوان ...
-
اللغة... سلاح دمار فتّاك
-
من يحرس المحروسة .. مصر??
-
الطاولة المستديرة وساسة العراق
-
زوجة الظواهري ... بازار الجهاد ..... والربيع العربي
-
مبارك يرتدي بدلة السجن الزرقاء
-
السياسة .. فن الممكن الوطني، أم طبخ سريّ للمكائد؟ .
-
فصل في الحقوق والعقوق الوطنية / عراقيون .. ولكن بعد هذا الفا
...
-
حوار مع الشاعر العرقي وديع شامخ
-
ديمقراطية القرف الشرقية
-
المالكي... يستغيث
-
المالكي .. الهاشمي .. المطلك .. فساد الدهر وترقيع العطار
-
لى محمود عبد الوهاب في القبر..
-
لماذا يعود البعث؟
-
قذافي .... مَن هو الجرذ حقا؟؟
-
جلعاد شاليط بأكثر من ألف.. والدم العراقي بالمجان
-
السيادة الوطنية وأمرضها
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|