|
معرض أزمات الشرق الأوسط
خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3802 - 2012 / 7 / 28 - 16:56
المحور:
الادب والفن
ما هي المنطقة المركزية التي تُنسَب إليها الجهات؟ ما هي المنطقة التي يصبح كل شيء في العالم بالنسبة لها شرق وغرب وشمال وجنوب؟ الإجابة بسيطة، هي أوروبا الغربية "الغربية بالنسبة لنا وهي شرق بالنسبة لأمريكا"، وبالتالي تصبح اليابان والصين وشرق آسيا هي الشرق، ونحن [من إيران إلى المغرب] نكوّن ما يعرف بالشرق الأوسط، وننسى أن الكرة الأرضية مدوَّرة، فتصبح أمريكا هي الشرق بالنسبة لليابان وشرق آسيا، وتدور الدائرة...
الشرق الأوسط هو معرض أزمات، تستطيع، لو تمعنت قليلاً، أن تلاحظ أن بعض دوله لم تخرج من ثقافة العصور الوسطى بعد، وبعضها الآخر خرج منها على مستوى الأبنية والسيارات واستخدام التكنولوجيا، ولكنه بقي فيها على المستوى السلوكي والفكري، وبالطبع فإن الإجابة جاهزة لدى القائمين على السياسة والفكر الرسميين في الشرق الأوسط، الاستعمار ومؤامراته التي استهدف بها ثقافتنا، وحتى لو كان هذا القول حقيقياً، فنحن لم تنجح معنا محاولات "الاستعمار" فتحولنا إلى غربيين، وفي نفس الوقت لم نستطع أن نتمسك بما لدينا من ثقافة فنبرر تخلفنا بالمحافظة عليها.
في عهد الخديوي إسماعيل، تعرضت تجارة القطن في العالم لأزمة حادة فارتفع سعر القطن إلى معدلات خيالية، وكان بإمكان الخديوي خلال سنة واحدة أن يسدد ديون مصر ويرتفع باقتصادها إلى مصاف الدول الكبرى من خلال بيعه القطن المصري المعروف بجودته، لكنه لم يفعل ذلك، فأي استعمار كان السبب يا ترى؟
لقد كانت المعادلة في أوروبا واضحة، صراع العلم ضد الكنيسة، من عام 300 إلى عام 1300 ميلادية، مرت أوروبا بألف عام مما عرف بالعصور الوسطى، وعانت ما عانته من تخلف ومحاكم تفتيش وصكوك غفران ورفض للنظريات العلمية حتى تلك الخاصة بدوران الأرض وكرويتها، لكن العلم انتصر في النهاية وتم تحييد الكنيسة وبدأت أوروبا في التقدم إلى أن وصلت ما وصلت إليه اليوم.
أما في الشرق الأوسط، فقد كان الصراع وما زال، غير واضح المعالم، وأغلبه يدور بين فكرتين، لا يتم مناقشتهما كي يتبين الرشد من الغي، بل تتم محاولة فرض الفكرة من قبل حاملها، بالمال، بالسلاح، بالمرجعية الدينية، دون أن تسمح هذه الفكرة لأختها بحوارها، وربما كانت الفكرتان صحيحتين، فمن قال إن صحة فكرة تعني فشل الأخرى بالضرورة، ومن قال إن فرض فكرة بالقوة يمكنه أن يضمن لها البقاء حين تزول هذه القوة أو تضعف؟
هناك أسئلة غريبة تدور في الواقع الشرق أوسطي، ربما مرّت عليها عشرات السنوات منذ آخر مرة نوقشت فيها في أي مكان في العالم، ومع أن الإسلام الذي تدين به معظم شعوب الشرق الأوسط يقول على لسان نبيه: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى" [رواه أحمد بن حنبل في باقي مسند الأنصار]، ورغم وضوح هذا الحديث، إلا أن تعريف التقوى نفسه أخذ يدور في الساحات وبين المفكرين الذين أخرجوا كل ما لديهم كلٌّ في مكانه ليثبت أنه هو وجماعته أصحاب التقوى الحقيقيين، وهذا يستدعي بالضرورة أن يكون الآخرون من غير أصحاب التقوى، وبالتالي هم كفرة أو مرتدون أو ضالون ومغرر بهم على أحسن التقديرات.
هذا الخلاف الذي لا يتسع للغير، لا يتسع لرؤية وجه آخر في المرآة غير الوجه الذي ينظر فيها، هو الذي أسس للأزمات في الشرق الأوسط، حتى عند أولئك الذين يقومون بأعمال قد تؤدي إلى مقتل عدد من أبناء جلدتهم الأبرياء، يقولون وبمنتهى الصلف: سيتحولون إلى شهداء عند ربهم يرزقون، وكأنّهم امتلكوا زمام الحياة والموت دون أن يكون لدى أحد القدرة على ردعهم لمجرد حفظهم آيات من القرآن الكريم يفسرونها بشكل خاطئ طوال الوقت، أو يعتمدون على من يفسرها لهم دون أن يستخدموا عقولهم.
بقيت هذه الأزمات تتفاقم منذ الدولة الأموية بعد انتهاء حكم الخلفاء الراشدين الأربعة، وحتى اليوم، وقد كان الأثر العميق للخلافة التركية منذ بدايتها على يد عثمان أرطغرل [1299ـ1324م]، إلى نهايتها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني [1842ـ1918م]، المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الشرق الأوسط رغم الفتوحات التي قامت بها الدولة، وإذا استثنينا سليمان القانوني صاحب أطول فترة حكم في السلاطين العثمانيين [1520ـ1566م]، واهتمامه بالمعمار والفن والموسيقى في ما يقرب من نصف قرن حكم فيها، فإن باقي السلاطين قد عزلوا الشرق الأوسط عن باقي العالم لما يقرب من أربعمئة عام، مما أدى إلى تراجع القيم الفكرية والعلمية في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك التجهيل وإجبار الناس على الدخول في الجيش وفرض الضرائب... إلخ، فقد أدى ذلك إلى ضعف الدولة المركزية نفسها وسقوطها كإمبراطورية كنتيجة حتمية للحرب العالمية الأولى، وبالتالي بدأ الشرق الأوسط بالوقوع تحت قوى احتلال أخرى مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل لاحقا، وبدأت هذه الدول في اتباع سياسة جديدة، تجاوزت الاحتلال العسكري إلى الاحتلال الفكري والثقافي، فأي دولة في العالم العربي تحكم بقانونها الخاص؟ أي دولة لم تستمد مصادرها في القانون من بريطانيا وفرنسا؟ بالطبع القانون هو أعلى مراحل سلطة الفكر عند أي شعب من الشعوب.
الأزمات التي عاشها الشرق الأوسط، لم تقف عند حد استيراد الأجهزة والمعدات والمأكولات، بل زادت إلى حد استيراد نهج الحياة الذي لم نستطع أن نطبقه جيداً حتى حين نحبه ونعجب به، ولكم أن تتخيلوا شخصاً يدعي إيمانه بقيمة فكرية معينة، وينظر لها، ويمارس عكسها تماماً، ويطبق في كل الأحوال مقولة: هذا صحيح بالنسبة للآخرين أما بالنسبة لي فالموضوع مختلف، مثلاً: على أخوات الآخرين أن يتحررن، لكن أخواتي عليهن الالتزام في البيت والتحجب وعدم قيادة السيارات، وعلى الآخرين أن يحترموا أفكاري، أما أنا فلا يجب علي أن أحترم أفكار أحد، واعتراف جارنا بالخطأ فضيلة، أما اعترافي أنا بالخطأ فغير وارد من الأصل، وهكذا إلى أن نصل إلى مرحلة من الشيزوفرينيا تجعلنا ندمر بلداننا وقيمنا ونفسيات صغارنا ونحن نبتسم.
ولو أردت أن آخذ مثلاً واحداً عن التعليم مثلاً، فلا أعرف كيف يحلم شعب من الشعوب أن يتقدم ولو ملليمتر واحد بمثل هذه الأنظمة التعليمية، التي تفصل بين كل شيء وكل شيء، الأنظمة التي تلقن ولا تفتح الأفق للتفكير، الأنظمة التي تقدس دون أن تعطي الحق بالنقاش، فالتعليم هو النكسة الأولى التي يتعرض لها الإنسان الشرق أوسطي قبل أن يدخل الحياة، وحين ينتهي من دراسته فإنه يشعر على الفور بالفرق بين ما تعلمه وبين الحياة، وكأننا نتعلم أشياء لنتباهى بها أمام الناس، لا لكي نستفيد منها ونفيد بلداننا وعوالمنا وندفع بها إلى الأمام.
إن معرض أزمات الشرق الأوسط حافل بكل ما يثير الحفيظة، من شكل اللباس الذي لا معنى له في كثير من الأحيان، إلى شكل الروح المشوهة التي تعرف أنها مشوهة وتدعي أنها نقية وصافية، تلك الروح التي تستورد ولا تصدر، تلك الروح التي تملك المال ولا تملك ما تفعله بالمال، تلك الروح التي تحارب الغناء والرسم والفن التشكيلي والاختراعات الحديثة والموسيقى والشعر، تلك الروح التي تبيح لنفسها أن تختبئ تحت خمار الوقت البعيد، وتدعي أن كل هذا مقدس، ولا تعرف في عمق ذاتها أن الإنسان هو أكثر الكائنات التي خلقها الله قداسة، وأن أقدس ما منحه إياه هو العقل "أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ*" (البلد10:8).
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
-
الفن والمحاكمة الأخلاقية
-
علِّموا أبناءَكُم
-
حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
-
ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
-
يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
-
السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
-
امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
-
يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
-
ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
-
وبي حزنٌ قديمْ
-
وَرَأَيْتُهَا
-
مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
-
ما لا يعرفه أطفال غزة
-
توقفوا عن إلصاق تهمة البطولة بهذه المدينة
-
يوقظُني حلمُكِ من نومي
-
إعتذار شخصي لهناء شلبي
-
كانت المرأة سيدة العالم، لذا وجبت إزاحتها
-
من ذا يمكنه أن يعدَّ الحنين؟
-
خضر عدنان، رجل مقابل دولة
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|