مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1110 - 2005 / 2 / 15 - 11:50
المحور:
الادب والفن
استمريت في السير المنفرد .. والنغم المنفرد
واصلت الرحلة ,
طلّت من بعيد .. منطقة الشلالات .. والأنهار .. والينابيع
والبحيرات .. والواحات
تراءت لي .. اقتربت منها .. قطعتها .. شربت من مائها
تباركت بها ..
تابعت سيري لأرى ينابيع الحياة والإرواء , وعشبة كلكامش .. التي بحث عليها طويلا وغامر .
فتوغلّت أعمق فأعمق .. إلى الكهوف .. والمغاور الصخرية
عميقة عميقة , تختبئ دموع الصخر هناك بين المجهول والمعلوم .. بين السطح والقاع ,
بين المنظور وغير المنظور تتفجّر الأسرار .. ويركع الجمال -
والحياة تتكلم .. والنجوم .. وبكر البراءة والعذارى .. والاّلهة .
هناك النوازل والصواعد .. والرهبة .. والهدير
والحمّامات الساخنة .. والباردة
ورائحة القداسة
والإيمان .. والولادة ..
دارت بي الأرض ....!
هناك ارتسم مذود .. ووجه أم وديع .. وطفل تحضنه بهدوء وحنان
ورعاة .. وبسطاء .. وهدايا .. ومسافرين وأنوار .. ونجوم
ونيام .. وسهّار ,
ركعت , وكلي إيمان , وخشوع وتواضع وبساطة
تباركت .. قدّمت قلبي , ونفسي .. هدية الميلاد الجديد
فملأغيث النور كياني ..,
فاكتنزت في الروح .. والعقل , سلاما ومحبة ,
شاهدت الطريق أمامي متعرّجا .. وفي صعود
معبّدا إلى الجلجلة -
شاهدت الصلبان مرفوعة .. والمصلوبين , والمقيّدين .. والضحايا , والأبرياء
المناضلين , والأنبياء , الشهداء .. والقدّيسين .. ووو
حملت صليبا على كتفي .. ..
كان ثقيلا , خفيفا .. زانا خشبا مصنوعا .. أرزا زيتونا بلوطا .. لا أدري ؟؟؟
من كل المعادن , والأصداف لا أدري ...؟
كتبت إسمي علية , حفرته بأظافري .. وحضنته بدفء وحنان .. ورجاء -
هللّت مع المرنّمين .. ( المجد لله في الأعالي , وعلى الأرض السلام , وفي الناس المسرّة ) ..
وللناس الفرح والمحبّة والحريّة .
( طوبى لصانعي السلام . فإنهم أبناء الله يدعون ) -
( طوبى للمتعبين على الأرض لأنهم يرثون السماء ) -( طوبى للمضطهدين من أجل البروالحق لأن الحقّ يحرّرهم ) -
إنحنيت .. ركعت , وودّعت .. ومضيت .. ومشيت .
*
دارت بي الأرض دورة سريعة .. انفلشت .. انساحت
توقّفت عن الدوران ,
تكوّرت أجنحتها .. تجمّدت ,
تحوّلت إلى كرة من ثلج .. كتلة من زهر ..,
تفجّرت .. تطاولت .. تجمّعت -
رجعت وعادت إلى محورها .. ودورانها اليومي ,
يلتف حول عنقها سكان الأرض .. . واليابسة .. عانقتها بشدّة
بحبّ عانقتها .. لتترك المياه تسبح تحت أقدامها ..
لتطهّر إنسانها من أدرانه .. وأخطائه .. وقذاراته..
وأنانيته -
أعجبتني هذه المناظر .. والعجائب .. والتطورات والمفاجاّت
والإنهيارات .. والتصدّعات أذهلتني ..!؟
أهوتني , وجذبتني وأدهشتني رقصة الإلتواءات .. وسرعة التحوّلات ..
والإحتواءات ..........؟!! !!!؟؟؟
فاستمريت في السفر ...
في السير .. في المياه .. في الموج .. في الليل .. والمراكب -
شاهدت (عجقة ) الأساطيل , والمنشاءات , والسفن .. ...وحاملات الطائرات ..., ؟؟!!
مشيت مع حاملات القرابين .. والهدايا والأضاحي .. حافية القدمين
واللوتس من الجانبين .. دون خفّ .. أو نعلين ,
غربي موج المتوسّط .. وشرقي ماء النهرين ,, الرافدين ,, .
أعجبتني لعبة الحلم .. والوهم .. والخيال .. والأمنيات
أعجبتني عناقيد الأمل .. والحقيقة
ونور الرجاء .. والرؤية .. والطريقة .
سفرة الرحيل .. سارت بعيدا بعيدا .. إلى أطراف القارات
والمجرّات ... واللقاءات
والمكتشفات ... والمفاجاّت ....!
**
فكانت محطّة جديدة .. على رابية سمراء .
حطيّت على رابية سمراء .. نديّة , نظيفة
لها رائحة الصخر الجردي .. وأوراق الحلفاوالبردي
برملها وحصاها .. بطحالبها .. وغرينها
وزعرورها .. وشوكها .. وقصبها -
وقفت هنيعة .. في استراحة قصيرة , قصيرة
فإذا بالنحل يحطّ بجانبي .. خلايا ومجموعات
كانت مسافرة في رحلتها اليومية .. إلى المزارع .. والأكواخ
لتطعم الجياع .. وفقراء الأرض .. والمشرّدين
بعبير الحقول .. وزهر البيلسان .. وابتسامة الزيزفون
ونكهة الغار .. وأعشاب الأقحوان .
كانت تحمل في أفواهها الأبرية أكوازا.. أكوازا .. وأقراصا .. أقراصا
من العسل البرّي .. ولا أطيب
ومن الرطب ولا أحلى ....!
وضعتها أمامي .. تمعّنت بها.. أعجبتني فلسفتها .. هندستها , جدّيتها .. ومحبّتها
وهربت بعيدا .. مع نسمات الربى .. كي لا أشكرها
وقبل أن تودّعني .. همست بطنينها في أذني :
هذه خيرات بلادك تنعّمي بها .. تلذذّي في طعمها السكّري ..
(.. ففيها الشفاء والدواء ) .. فالخير كثير .. والإنتاج أكثر
المواسم وفيرة مجانية .. هدّية الأرض , هدية الطبيعة .. مجانية مجانيّة
بعيدة عن الدولار .. والإحتكار وجشع الكبار ..و غشّ الصغار
أرضنا مباركة .. غنيّة .. وفيرة معطاءة .. سخيّة
فالأرض غنية .. والطبيعة كريمة
أرضنا عسل .. عسل
أرضنا ذهب .. ذهب
أرضنا مملؤة عسلا ولبنا .. وحنطة
ومنها وفيها .. كل كنوز الأرض .. وقوافل البحار .. ,, ورحلات الشتاء والصيف ,, _
والإهراءات ....!
لماذا لماذا يا صديقتي هذا الخراب ...؟ هذا الدوار ..؟
هذه الحروب ... هذا الفساد .. والسراب ....؟
والطمع , والجشع .. و,, الديون ,, ..؟
وجيش المباحث .. والحشرات .. والسرقات ..؟؟؟
لماذا الفقر .. والقتل .. والحرمان
لماذا الغدر .. والحقد
والحكّام يأكلون , يغرفون .. ولا يشبعون
يقتلون .. يتلذّذون .. وينامون ...؟ !!
يحكمون ولا يعدلون .. يسرقون يتسلطون .. يجوّعون .. .. يمتصّون الدماء ..
يرسمون بالأشلاء .. يحوّلون الأرض , والوطن جراد .. ويباب
معارك إثر معارك .. حروب تتلو حروب
وأقواس وصور وأوسمة .. وألقاب
وسيوف .. وخيول .. وجيوش
ولا إنتصارات .. ولا أجراس
ولا حرية .. ولا تحرير .. ولا إنسان ...!
لماذا ملايين الشهداء .. وخراب المدن
وتهديم الجسور .. والذاكرة ..!
لماذا الأساطيل .. والقنابل .. والحدود
والحصار , والطبول , والقصور .. والتيجان
لماذا .. لماذا .. لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟
رائحة الأرض فاسدة ... مجثثة .. مدمّاة , ومخدّرة
وخبز معفّن , وأجسام محنّطة .. مشلولة , ممروضة .. مقعدة
وجوع مدجّن .. وأبواب مدن مقفولة وممنوعة وممهورة ,
وأسعار مرفوعة .. وكراسي مربوطة بنعل الطائفة والعشيرة
والقبيلة..
وتهجير .. وهجرات مفتوحة في كل اتجاه
واغتصاب أرض , واقتلاع جذور .. وتشريد شعب
والصراخ هنا .. وهناك
وهياكل عظمية .. عنصرية .. وتهديم مقدسّات ...؟؟!!
وضمّ مقدسات ,.. وبناء مستوطنات .. وممالك , وإمارات .....!؟
طال الطنين .. والهمس .. والكلام .. والدمع .. والشهد .
*
هذا ما سمعته .. ما حفظته .. ما تعلّمته ..
من خلايا النحل
خلايا العمل ...
خلايا الحبّ ....
مدرسة التضامن ..
مملكة التنظيم ,, .. مملكة النظافة , والعمل .
وداعا يا مخزن الحبّ .. مخزن الجدّ .. والتعب -
والغنى .. والخبز والدواء والكساء -
مخزن الطعام .. والناس .. والنسّاك .. والرعاة
والأمهات
فالأرض غنيّة .. نبع خير وحلاوة .
أخذت درسا في النحل .. درسا في الليل
درسا في السفر .. في الترحال .. في الدروب
في المشاهد والصور ..والخيرات والمسرّات
والإنحناءات .. والأغلال .. والأقفال .
أخذت درسا في القاموس العربي .. والكوني
في لغة الأرض .. ولغة القوم .. والجهل .. والنوم
,, والعلم .. والخبر ,, -
شكرت مدرسة الطبيعة .. ومعلّم الليل
شكرت .. وشكرت .. ومضيت
كالريح مضيت ..
إلى تلّة بعيدة .. بعيدة
إشتقت إلى بيتي .. وأسرتي
إلى أبنائي .. وأحفادي
إلى زوجي , وحبيبي ورفيقي
أهلي .. أختي .. إخوتي
أقاربي .. أصدقائي ... أبناء وطني .
وصلت سريري ..
تلمّست وسادتي .. بدت لي نظيفة .. مرّتبة .. جميلة
مطرّزة
حاملة رائحة المراعي .. وبخور الوحدة الصامتة .. النقيّة .
استيقظت من حلمي ,, السماوي ,, .. الأرضي
الطويل الطويل .. الطويل , الغريب .. الغريب , الخيالي
العاطفي .. الحميمي الحنيني
فوق ,, بساط الريح ,, .. وبساط الصيف الواسع
وسهل البحر البعيد
فوق ذراّت القمر .. حلمي الجميل هذا
أعطاني الفرح .. غمرني بالأمنيات الوضّاءة المشرقة الإنسانية
كان رؤية .. وابتسامة .. وهروب .. وتحدّ.. ولقاء
فيه قبلة .. ورسالة .. ورسالة .
جلست أجمع , كل ما حصدت .. وأخذت وخبأت.. وقدّم لي
من هدايا وحبّ ... وشذى
وكل ما علّق بأثوابي .. وأطرافي
ما علّق بأهدابي .. .. وأكتافي
كل ما احتفظت به أناملي .. وأصابعي
وكنت قد جمعت .. وحفظت .. وخبّأت في خزانتي
زجاجة عطر ,, مريمي ,,... مستخرجة ومصنوعة من دموع العين
ولا أغلى .. ولا أضوع ...!
وعطر محلّي .. خاص جدا جدا
كنت في كل ليلة أجمعه .. نقطة , نقطة
من شجيرات الغربة .. وغاباتها البهارية .. المرّة
ومن مياه الجروح والوجع النازف .. الصارخ ليليا
جمعته .. دمعة دمعة
لأبعثه هديّة .. وقبلة ... ورسالة
ورسالة .....!
خريف 1994 - لبنان -
م . مريم نجمه
مشيت مع
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟